دأبت إيران الشر والرذيلة منذ مطلع العصر الحديث على تحقيق سياستها العدوانية التوسعية في منطقة الخليج العربي ، وكانت الاحواز العربية احد المحاور الرئيسة التي تطلعت لاحتلالها ، غير إن الشعب الاحوازي تمكن من التصدي لهذه الأطماع ، ورفض الشيخ جابر بن مرداو الخضوع لأوامر الشاه ناصر الدين القاجاري، الذي اضطر إلى الاعتراف بأمارة الشيخ جابر عام 1857 بحصوله على استقلال من قبل الشاه ، جاء فيه : تكون أمارة الاحواز إلى الحاج جابر بن مرداو ولأبنائه من بعده .

وفي نيسان عام 1898 اضطرت إيران للاعتراف بالشيخ خزعل حاكما للاحواز ، غير إن الشيخ وبالرغم من مظاهر التقارب بينه وبين إيران كان يرفض أن تكون لتلك الدولة أي ظل عليها ، لذا سعى دوماً لتأكيد استقلاله التام .

وقد أجرى اتصالات مع بريطانيا لمعرفة موقفها بهذا الشأن ، غير إن بريطانيا لم تشجعه على نهجه في الاستقلال التام خوفا من ارتماء إيران في أحضان روسيا القيصرية .

خلال الحرب العالمية الأولى 1914- 1918 وقف الشيخ خزعل مساندا لبريطانيا ضد الدولة العثمانية ، وقد انعكس موقفه بشكل ايجابي عليه ، ذلك انه في نفس الوقت الذي ازدادت فيه الشيخ خزعل ، كانت الحكومة الإيرانية تزداد ضعفا ، ولهذا واعترافا منها بقوة الشيخ خزعل كانت وزارة الداخلية الإيرانية تبعث له الرسائل تبين فيها كافة القضايا التي تحصل في العاصمة من تغيير الوزارات وتعيين الحكام وغيرها .

وفي 21 شباط 1921 قام رضا خان بانقلاب والسيطرة على الوضع العام تماما وكان أول عمل قام به ، هو ألقاء القبض على الذين وقعوا معاهدة 1919 مع بريطانيا التي وضعت إيران تحت السيطرة البريطانية التامة في الإدارة والجيش ومجالات أخرى .

وفي 26 شباط 1921 وقع معاهدة صداقة روسية – إيرانية ، بموجبها انسحبت روسيا من جميع الأراضي التي كانت تحتلها في شمال إيران واعترفت باستقلال إيران .

ولكن ظل الشيخ خزعل حبيس هواجسه وتخوفه من أن ينقض رضا خان فجأة على استقلاله، فبعث برقية إلى عصبة الأمم يشتكي فيها أسلوب رضا خان في التهجم عليه ، كما بعث برقية إلى المجلس النيابي الإيراني يشكوا فيها من مضايقات رضا خان له .

بعد إن أكمل رضا خان جميع الاستعدادات العسكرية ، اصدر أوامره إلى قواته بالتقدم إلى الاحواز لتطويقها من جميع الجهات، لاحتلال الإمارة وخلع الشيخ خزعل.

كما اخذ الشيخ خزعل يعد العدة لمواجهة القوات الزاحفة وصدها ، منها طرد جميع الموظفين الإيرانيين .

خاضت القوات العربية في الاحواز العديد من المعارك ضد القوات المحتلة الإيرانية واستطاعت إن تلحق بها خسائر كبيرة ، غير إن عدم تكافؤ الجانبيين أدى إلى حسم الموقف لصالح رضا خان . وقد أذاعت رئاسة أركان الحرب في 20 تشرين الثاني 1924 برقية الشيخ خزعل إلى رضا خان يعلن فيها انه سينسحب خلال ثلاثة أشهر على إن توقف قوات رضا خان عملياتها العسكرية .

بعد ذلك التقى الشيخ خزعل برضا خان في مدنية الاحواز في كانون الأول 1924 ، وبالرغم من إن رضا خان هو عدو للشيخ خزعل ، إلا انه أمنه وجعل أولاده يقومون بحمايته ، وعندما طلب منه بعض رؤساء العشائر العربية استغلال فرصة وجود رضا خان في الإمارة لقتله رفض الشيخ خزعل ذلك وأعلمهم إن رضا خان ضيفه ولا يجوز إن يغدر به .

كانت مطاليب رضا خان التي كانت ترد على لسان الحاكم الإيراني في الإمارة فضل الله زاهدي تلح عليه بزيارة طهران ( لكي يكون على صلة تامة بالأمور السياسية لبلاده ) ، غير ان الشيخ خزعل لم يكن متحمسا لهذا الطلب لعدم ارتياحه لنوايا رضا خان . كما خطأ خطوات احترازية فبعث بأهله وعوائده إلى مدنية البصرة حيث أملاكه وقصوره .

ظل الشيخ خزعل في البصرة حتى 15 نيسان 1925 ، وقد طلب الماكر فضل الله زاهدي من الشيخ خزعل العودة إلى المحمرة لتوديعه ، وابدي القنصل البريطاني في المحمرة "موني بيني"

ضمانة لسلامة الشيخ خزعل ، تردد الشيخ خزعل في بداية الأمر في تلبية الدعوة ، لكن زاهدي طمأنه ، ولهذا ذهب الشيخ خزعل مطمئنا إذ كان لا يتوقع إن هذا القائد وجنوده القليلين يستطعون الغدر به .

لما انشغل الشيخ خزعل بالحفلة ، كان هناك بعض الزوارق تصل إلى اليخت وينزل منها جنود بحجة تبليغ زاهدي بعض الأوامر وعندما بلغ عددهم 50 جنديا باشروا بخلع أسلحة حراس الشيخ خزعل ، ثم صعد احد الضباط إلى الباخرة والقي القبض عليه بكل هدوء وساقه وولديه في ليلة 19 -20 نيسان 1925 واقتيدوا من دسبول إلى طهران على ظهر البغال. وبعد إلقاء القبض عليهم تقدمت القوات الإيرانية واحتلت المحمرة وعينت حاكما عسكريا عليها .

أخذت بريطانيا منذ ذلك الحين تفضل التعامل مع رضا خان وتهيئ السبل الكفيلة للتقرب منه .

وقد ظهر موقفها هذا بشكل أكثر وضوحا ، عندما أخذت القوات الإيرانية بالتقدم نحو الاحواز .

عندما قام رضا خان بإبلاغ الشيخ خزعل في تموز 1924 بإلغاء كافة الفرمانات التي أعطيت له عام 1903 ، طلب الشيخ خزعل من بريطانيا التوسط في الأمر ، لكن بريطانيا كانت قد بدأت تميل إلى رضا خان ولهذا لم تتدخل بصورة فعلية لصالح الشيخ خزعل .

صرح القنصل البريطاني في المحمرة بان بلاده لن تؤيد مطالب الشيخ خزعل بانسحاب الجنود الإيرانيين من الإمارة .

ولم تكتفي بريطانيا في ترجيح كفة رضا خان على الشيخ خزعل بل ساهمت ايضا بما جرى له بعد ذلك من خديعة لنقله إلى طهران .

فقد لعب القنصل البريطاني دورا في أقناع الشيخ خزعل بالعودة من البصرة إلى الاحواز وحضور الحفلة التي أقامها ( فضل الله زاهدي ) الحاكم الإيراني في الاحواز إذ انه أكد للشيخ خزعل بان ( زاهدي ) سوف يرحل عاجلا وان حضور الحفلة لا ضير منه ، ولذلك حضر الشيخ خزعل الحفل الذي انتهى باختطافه وأخذه أسيرا إلى طهران.

سارع القنصل البريطاني في المحمرة إلى مقر رضا خان للتهنئة بالوضع الجديد .
كما سارع القنصل الروسي أيضا لتقديم التهاني لرضا خان على إلحاق الاحواز بحكمة.

إما الجيش الإيراني فبعد إن احتل الإمارة ، قام بنهب ما في قصر الفيلية من أثاث والرياش واستولى على ست سفن تجارية منها اليخت ( الخز علي ) المسلح بالمدافع ، إن قيمة ما سرقت قدره بثلاثة ملايين روبية فضلا عن السلاح الذي كان يقدر ( 20 ) ألف بندقية من الطراز الجديد. هذا هو ديدن الفرس الصفريين والمتمثل بالحشد الشعبي السارق والناهب ومشرد ومهجر ومدمر أملاك العراقيين في المحافظات الغربية والشمالية في عراق المحتل حاليا .

وقد تصدى الشعب العربي الاحوازي ببسالة للمحتلين الفرس واندلعت في 22 تموز 1920 ثورة شعبية استطاعت إن تحرر المحمرة ، غير إن الحكومة الإيرانية أجهضتها وألقت القبض على الثائرين بها .
بعد إن فشلت الثورة في الاحواز حدثت في إيران تغييرات جوهرية ، تتمثل بخلع الشاه احمد القاجاري وإلغاء كافة حقوق الأسرة القاجارية وتنصيب رضا خان شاها على إيران في 25 نيسان 1926 مؤسسا بذلك سلالة جديدة هي الأسرة البهلوية

كانت أولى أعمال رضا شاه بعد تسلمه للحكم هو ترحيل العشائر العربية من الاحوازالى مدن بعيدة ، في محاولة منه لطمس الهوية العربية لهذه الأمارة.

وفاة الشيخ خزعل :
قتل الشيخ خزعل في 26 آذار 1936 في معتقله في طهران حسب ما ذكره حفيده سلمان عبد الكريم الشيخ خزعل ( إن شخصين اللذان قتلا الشيخ خزعل هما مدير المخابرات ( مقدادي ) ومدير الشرطة ( مختاري ) حيث قتلاه في معتقله عام 1936 .

المصدر : أنعام مهدي علي السلمان 2-2