شبكة ذي قار
عـاجـل










لطالما شكل السعر العالمي لبرميل النفط في لبنان، العامل الاقتصادي الأكثر تأثيراً على الحياة المعيشية والاجتماعية للمواطنين، صعوداً في هذا السعر أم هبوطاً تدريجياً له، فلا يقتصر التحرك بموجبه على البورصات العالمية، وحسب، وإنما يسحب نفسه حتى على سائق التاكسي وبائع السندويش وميكانيك السيارة، كمتممات أخرى لما يعانيه الناس في الارتفاعات المماثلة التي تطال سائر المواد الغذائية والطبية وسعر رغيف الخبز وفاتورة الكهرباء سواء المنتجة وطنياً، أو الكهرباء الأخرى الموزعة على الأحياء والمناطق، دون أن نغفل القسط المدرسي السنوي والكتاب التعليمي وفاتورة الاستشفاء والطبابة، إلى غير ذلك مما يتقنه التجار الكبار المتحكمين بحياة الناس، بانتظارهم لأقرب فرصة يُعلن فيها ارتفاعاً ولو ضئيلاً في سعر برميل النفط، ليشحذوا سكاكين جشعهم ويمعنوا فيها سلخاً وتقطيعاً في الأوصال الاجتماعية – المعيشية والاقتصادية لكل لبناني ومقيم على الأراضي اللبنانية، دون أن ترف لهم ولو جفنة من الحياء والورع وهم، ولوقاحتهم، الذين يواجهون كل مطالبة شعبية لهم باعتماد الرأفة والرحمة أمام معاناة الناس،

فيتقمصَّون دور المغلوبين على أمرهم الذين يتصرفون كمن لا حول ولا طاقة لهم أمام ارتفاع الأسعار، حتى ليصورون أنفسهم في أحيان كثيرة وكأن المظلومية أحق أن تلحق بهم لا بغيرهم من المعذبين على هذه الأرض، لما يدَّعونه من تضحيات ومرؤة في سبيل توفير احتياجات الناس وعدم فقدانها من الأسواق.

ولطالما، ونحن نشدد على التعامل اللاإنساني للفئة الجشعة من تجار البلد وكبار الرأسماليين فيه،

كنا وعلى الدوام نؤشر إلى الغياب المتعمد للسلطة التنفيذية اللبنانية المنوط بها وضع حد جذري وعلمي ونهائي لكل هؤلاء ومراقبتهم ومنعهم من التمادي في تجارتهم غير المشروعة، بالمزيد من التدابير الوقائية والأخرى التأديبية الزاجرة التي تكفل حماية الحد الأدنى من الاستقرار الأمني الاجتماعي والاقتصادي للناس والذي لا يقل خطورة أمام المروحة الأمنية الأخرى للبلاد المتمثلة بالأمن الوطني العام أساساً وحمايته من أية اختراقات اجتماعية كانت أم اقتصادية أم ثقافية وغيرها، فالفقر عندما يتحكم بحياة البشر، وفي ظل غياب القوانين والقيم والأخلاق، سيدفع بكل من فيه أدنى استعداد للجريمة والقتل والسرقة والتشبيح وحتى الخيانة، أن يسوِّغ لنفسه كل ما يبرر له ذلك، ولنا في انعكاس هذا الواقع على ما تعرض له ويتعرض وما زال هذا البلد، من اضطرابات أمنية وتطرف وتفجيرات اجتماعية واكتشاف متكرر لشبكات جواسيس متعاملة مع العدو ومع الخارج، أصدق دليل واقعي على ذلك.

وفي الأشهر الأخيرة التي سبقت قدوم العام الجديد، تفاءل من صار يعنيهم سعر برميل النفط العالمي، وهم يشكلون الغالبية العظمى من اللبنانيين الفقراء ومحدودي الدخل،

بالهبوط التدريجي في السعر العالمي للنفط والذي انعكس توفيراً ملحوظاً مستمراً ومتدرجاً على الفاتورة الوطنية للنفط، مما يعني أن هذا الهبوط ينبغي أن ينعكس بدوره تخفيضاً مقابلاً في كل ما له علاقة بالنفط، على مختلف الصعد الآنف ذكرها ولا سيما الغذاء والكهرباء، وتحديداً سعر ربطة رغيف الخبز الذي فوجئنا جميعاً وتحت المطالبات الرسمية والشعبية الأخيرة لنقابة أصحاب الأفران بإعادة النظر في سعر الرغيف،

فإذا بهذه الأخيرة تلجأ، ولذر الرماد في العيون، إلى الإعلان على زيادة في وزن الربطة لم تتعد العشرين غراماً على الربطة المسعرة بالألف ليرة اللبنانية، وخمسين غراماً للربطة الأكبر، في واحدة من أكبر عمليات الاستغباء، التي وأن شهدت على مدى تأصل الجشع المتحكم في هؤلاء، فإنها تؤشر في نفس الوقت على انهيار غير مسبوق في منظومة الأخلاق والقيم التي وللأسف، لم يعد هؤلاء يُحسبون عليها وقد تجردوا من كل إنسانية ومرؤة وشرف.

أما الحالة الأخرى التي ينبغي الإشارة إليها، فهي الكهرباء بشؤونها وشجونها العامة والتي تتشعب لناحيتين أساسيتين:

1- استمرار أصحاب المولدات للاشتراكات الخاصة في الأحياء والمدن على التسعيرة العالية التي فرضوها على الناس في أوج ارتفاع أسعار النفط، ولم يزلوا حتى اليوم يرفضون أي تخفيض عليها بالرغم من المناشدة اليومية الرسمية لهم للإقدام على ذلك وإصدار وزارة النفط وبشكل شهري الأرقام الحقيقية لتسعيرة الاشتراك في الكهرباء على ضوء الهبوط الحاصل في سعر برميل النفط، والتي يرمي بها أصحاب المولدات عرض الحائط فلا يقيمون وزناً لمعاناة مواطن بسيط أو محدودي الدخل، ولا حتى لتعميم المحافظين والبلديات الذين يجب أن لا يبقوا مكتوفي الأيدي إزاء ذلك الواقع المعيب الذي لا تصح فيه سوى أنه مجرد من الأخلاق.

2- إن الهبوط الكبير في السعر العالمي لبرميل النفط، ينبغي له أن يحرّك الحكومة اللبنانية إلى أن تستغل هذا الواقع المريح وغير المتوفر كل يوم، لناحية التوفير في الفاتورة العامة لكلفة الكهرباء، فتلجأ إلى استخدام المتوفر من أموال على هذا الصعيد، إلى المباشرة في بناء محطات إنتاج جديدة للكهرباء. والتي سبق وتم الإعلان عنها منذ ثلاثة أعوام عندما أطلقت البشرى بالوقف النهائي للتقنين الكهربائي حتى صيف العام 2015 المنصرم، ولا يبدو في الأفق حتى الآن، أية معطيات خاصة وعامة، تدفعنا إلى التمسك بالأمل من جديد والتفاؤل بما يجب أن نفترضه رؤية اقتصادية استراتيجية ينبغي على الحكومة ووزارة النفط فيها وشركة الكهرباء أن تعمل بها وتجعل من الأوضاع الاقتصادية النفطية السائدة، منطلقاً لتحقيق ما كان يجب تحقيقه منذ أعوام عديدة ولطالما كانت الذريعة الأساسية للعرقلة إلا وهي الفاتورة العالية للنفط، حيث لم تعد الحجج هذه ذات جدوى اليوم، واللبنانيون ينتظرون وعلى أحر من الجمر، تحسناً ملموساً، ولو تدريجياً، في الكهرباء والتخلص من آفة التقنين المزمن الذي لم يعد ينعكس على أوضاع البلد الاقتصادية وحسب، وإنما يأكل من أعصاب اللبنانيين ويؤرق معيشتهم ليلاً نهاراً، وصيفاً وشتاءً، والمسؤولون المعنيون بكل ذلك، كمن لا حياة لهم عندما تنادي،

ليفاجئوننا بالأمس عن عزمهم على فرض ضريبة جديدة على الناس مقدارها خمسة آلاف ليرة على صفيحة البنزين دون أن يخرجوا على الرأي العام ليعلنوا كم وفروا من مليارات منذ بدأ السعر العالمي للهبوط منذ عام ونصف العام وأين ذهبت؟
إزاء كل ما تقدم، تأتي الدعوة الملحة اليوم إلى جميع الهيئات الاقتصادية والاجتماعية والشعبية والنقابية في لبنان، أن تضع في حسبانها أن الزمن يمر، وإننا وأن لم نستغل ما يمكن تحقيقه من إيجابيات هذا الأيام، فسوف نعجز حتماً عن تحقيقه غداً، خاصة إذا عادت أسعار النفط إلى تحليقها الجنوني من جديد، فلا يبقى من سلاح لمواجهتها سوى غباء الحمقى الذي سيشكل العامل المادي والمعنوي وربما شبه الوحيد، المتحكم في معالجتنا العامة للأمور، حيث لن تعود المنظومة الأخلاقية للقيم هي فقط المطلوبة من الجميع لاستعادة التوازن في تحقيق الاستقرار المطلوب للأمن الاجتماعي الاقتصادي لهذا البلد،

وإنما الخروج أيضاً من حالة الغباء والحمق المستحكمة التي ستجعل منا جميعاً ملعوني الحاضر والمستقبل أمام أبنائنا وأحفادنا.

فالساكت عن كل ذلك اليوم هو شيطان أخرس مثله مثل المتحكم بحياة الناس وقوتهم، وأن دقّ ناقوس الخطر صار من المطالب الملحة اليوم حتى لا يأتي يوم نقول فيه:
ربَّ يوم بكيت فيه ولما صرت في غيره بكيت عليه
 





الاربعاء ٢ جمادي الاولى ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / شبــاط / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة