شبكة ذي قار
عـاجـل










إذا كان العلامة العربي "محمد العابد الجابري" حدد في دراسة له فكر الأستاذ القائد المؤسس للبعث من أنه فكر شمولي ذا نظرة فلسفية للأمور مما يجعله صاحب مذهب لا بل رسالة عنوانها "بعث النموذج المحمدي الحامل رسالة العرب".(1) فان الشهيد صدام حسين هو البعث بحد ذاته... أي تداخل الفكر مع الشخصي والشخصي مع الفكر... بما جعل فكر البعث المبني علي ثنائية الفكرة والإنسان كما صاغها القائد المؤسس... تنتهي عند الشهيد إلي الإنسان الفكرة... أي التجسيد الحي للنموذج المحمدي في أبهي مقاييس التجسد المتحرك الناضح عطاء إلي أمام...لا بصيغة الاستحضار ألقسري و إنما بصيغة انسيابية يصعب علي من يقرأ له الفصل بين ما يريد تبليغه في الموضوع المتكلم فيه دون أن يتجسد البعث في نظرته الشمولية..لتتحول قراءتك من إطار البحث في خصائص الفكر و طرق التعامل معه عند الشهيد إلي جلسة تثقيف علي مبادئ و قيم البعث دون أن تكون منفصلا عن الموضوع المتكلم فيه متجاوزا في ذلك حدود القطر إلي الأمة دون فصلها عن محيطها الإنساني..و لكونه ظاهريا رجل دولة فانه تكلم في كل المسائل التي صاغها البعث بصيغة التطبيق مؤكدا علي أن لا يجب أن يتحول الفكر إلي جملة قوانين تعطل حركة الفكر إلي الأمام طبقا لحركة الواقع بما لا يخلق التعارض ويقود إلي الردة و الانحراف."إن الفكر أساسا إنما ينضح من المعاناة. و لا يمكن للمعاناة أن تنفصل عن التجربة الحية للواقع اليومي الذي يعيشه الإنسان.و في الوقت نفسه فان الفكر يمتد للمستقبل ليسبق الواقع و يكون المرتكز الأساسي لتغييره لذلك فان الفكر يكون منفصلا و متصلا بالواقع في وقت واحد منفصلا بمعني أنه يسبق الواقع في التحليل و تصور المعالجات و متصلا بمعني أن عيينات الواقع المرئية هي مصدر الإلهام الرئيسي و هي الدليل الأساس لأن ينضح الفكر من موقعه إلي الأمام...فعندما نبني نظرتنا في العمل المعبر عن منطقاتنا الفكرية لابد أن ترد في أذهاننا تجربة الشيوعية الدولية...لا بد أن يكون تصورنا دقيقا في أن التجربة في التطبيق إنما هي تجربة في ظل الأفكار و في خدمة الأفكار...و التجربة و التطبيق هما وعاء تنضح منه أفكار مضافة علي أصل فكر الحزب حسب مقتضيات الحال ".(2) و يضيف في مكان آخر "..

إن العمل الفكري لا يمكن أن يكون إلا موقف إنساني و في كل الأحوال فان الاقتباس و النقل الآلي يفقده روحه و صلاحه في حين انبثاق النظرة و الحلول عن المجتمع الوطني و القومي...سيجعل النظرية و الحلول حالة متطورة نوعيا..و بذلك تكون متصلة بالماضي و مطورة للحاضر في الوقت الذي تحتفظ فيه بأسس و شروط النظرة المستقبلية للتطور... " مؤكدا أن الاقتباس يعطل الفكر في إيجاد طريق متطورة للحياة..بما يصنف المقتبسين من الناحية الموضوعية ضمن اليمين مهما تكن الأغطية التي يغلفون بها منهجهم.. (3) لذلك نري الشهيد يعير الواقع المعاش و في أدني جزئياته مكانة هامة في التصور و التصرف و من خلاله يحدد كيفية فهم المناضل للعلاقة بين ما هو استراتيجي (سوقي) و ما هو تكتيكي (ميداني) إذ يقول في توضيح ذلك " إن المواقف التكتيكية يجب أن لا تتعارض أو تتنافي مع الخط الإستراتيجي بل يجب أن تكون في خدمة الخط الإستراتيجي المعبر عنه سياسيا بأهداف محددة لمرحلة من الزمن و علي طريق الأهداف المبدئية للحزب...و عندما يكون هناك تعارض أو تناف...يجب إن نعرف أن هناك خطأ ما في الصيغ التكتيكية..مطلوب تعديله...إن مسألة التكتيك و الإستراتيجية مسألة من أخطر المسائل في الفكر الثوري و تطبيقاته العملية و كي ما تكون الموازنة دقيقة...{ علي المخطط أن لا..} تستهويه النتائج المباشرة و السريعة...فتبعده عن الخط الاستراتيجي المبدئي... "(4) جملة مواقف استعرضتها تؤكد بما لا يدع مجالا للشك من أن الشهيد قد نقل المشروع القومي من فكرة فلسفية شمولية تجيب عن كيفية تجاوز الأمة لحالة العجز التي تعيشها فكريا كما ورد في كتابات القائد المؤسس من ناحية و من ناحية ثانية في نقل المشروع القومي من حالة تطبيقية منعزلة عن الفكرة كما عمل المرحوم جمال عبد الناصر علي ذلك (5) ...إلي حالة تتفاعل فيها الفكرة مع تجليات الواقع بما يجعل الفكر ينضح بصيغ جديدة تجعل من الأمة في موضع الفعل لا في موضع المستقبل له..مما يسمح بالقول بانتقال المشروع القومي من حالة الحلم القائم إلي حالة المشروع المجسد و الفاعل في ظل قيادته للنظام الوطني و القومي في العراق ، و هو احد أبرز الأسباب التي جعلت القوي المستهدفة للأمـــــة تنتقل بفعلها العدائي من أفعال بالوكالة إلي أفعال مباشرة إنتهت لما عليه الأمة و الوطن العربي من توصيف " الرجل العربي المريض " الذي يتلقي علاجات مسمومة لا ارادة له فيها سوي أن تقبلها بصيغة رسمية رغم أن جماهير الأمة و فئات الشعب في كل الوطن العربي رافضة لها و لا تتردد بينها و بين ذاتها و بعضها بصيغة معلنة بالصياح "وا صدماه " ... و لا يشذ عن ذلك الا العميل البائن و كلاب الزينة الذين أغرتهم الفكرة القومية و الإنسانية المتأتية عن النمطية الأوروبية أو الأمريكية المجردة عن واقع الأمـــــة و حقيقة مكوناتها الإجتماعية القيمية و الثقافية ، و تناسوا حقيقة الفكر المجرد أنه ينطلق من " اعتبار الشعوب كتلا من البشر جامدة متجانسة ليس لها جذور في الأرض، ولا يؤثر فيها الزمن، فيمكن أن تطبق على واحد منها الإصلاحات والانقلابات التي تنشأ من حاجات واستعدادات شعب غيره . "(6) و زيادة في اذاء الأمـــــــة و المجتمع العربي حتي يحققون سبقا فكريا و توصيفا متقدما يمكنهم من تكوين رأسمال كارزمي يجنون من ورائه مواقع قيادية إن كان علي مستوي الشارع العربي أو علي مستوي سلطة القرار... إن الرؤية المنحرفة حتي لا نقول كلاما آخر أكثر قسوة ، جعل كل أصحاب هذه النظريات إن كان في الاقتصاد أوالاجتماع يغفلون علي أنهم بفعلهم هذا يتوافقون وفعل عمال الديكور عندما يلصقون ثماراً من الشمع على عود جاف ؛ لتنكشف حقيقتهم بائنة للشعب و الأمـــــة اذ يبقي العود جاف دون روح ؛ و لا و لن يتحول الي شجرة حية مثمرة ... لا في نظر الشعب و لا في واقع الأمــــة ... و كما يزول الديكور اثر المهرجان ؛ يزول أثره و أثر فاعليه في واقع الأمة و الشعب .

لذلك يقول الأستاذ ميشال عفلق قبل سبعة عقود من الآن :" لا يكفي أن تكون النظريات والإصلاحات معقولة في حد ذاتها، بل يجب أن تتفرع تفرعاً حياً عن روح أعم هي لها منبع وأصل. يظن بعضهم اليوم أن إدخال الإصلاحات المختلفة على وضع العرب يكفي ليبعث الأمة . ونحن نرى في هذا مظهراً من مظاهر الانحطاط لأنه نظرة معكوسة، ووضع للفرع مكان الأصل، وللنتيجة مكان السبب. فالواقع أن هذه الإصلاحات فروع لابد لها من أصل منتج عنه كما تخرج الأزهار من الشجرة، وهذا الأصل نفسي قبل كل شيء هو إيمان الأمة برسالتها، وإيمان أبنائها بها. في الإسلام، كان الإيمان باله واحد هو الأصل، وعنه تفرعت كل الإصلاحات التي طرأت على المجتمع العربي وقلبته. ولم يكن المسلمون الأولون في مكة يدرون أن موافقتهم على توحيد الله والإيمان باليوم الآخر ستقودهم إلى الموافقة عن كل التشريع الذي فصله الإسلام فيما بعد ونراهم مع ذلك يطبقون هذا التشريع تطبيقاً عفوياً، طوعياً منطقياً، لأن موافقتهم الثابتة كانت ضمنية في الموافقة الأولى على الإيمان باله واحد، فكل ما يأمر به هذا الإله هو حق وعدل ومهما قيل في تدخل العوامل السياسية والاقتصادية في مناهضة قريش للإسلام يبقى العامل الرئيسي عاملاً دينياً، أي فكرياً. وأن الآخذين اليوم بالطريقة المشوهة في تعديل الدين تعديلاً مادياً ليخالفون واقع التاريخ والنفس الإنسانية من جهة، ويطعنون العرب من جهة أخرى في أثمن مميزاتهم: في مثاليتهم. فلقد رأينا قريشاً عندما اضطرتها مصالحها المادية أن تهادن الرسول في صلح الحديبية، تصر على أن تنكر عليه وحيه ودينه الجديد.

فمما تقدم يتضح سبب تعليقنا كل الاهتمام على الشعور القومي العميق الواعي، باعتباره أصلاً، لأنه وحده الضامن للإصلاحات الاجتماعية أن تكون حية فاعلة جريئة، منسجمة مع روح الشعب وحاجاته، يحققها لأنه يريدها.(7) "

و حتي لا نقع في ذات المستوي و نستعيد صـــــــــدام فعلا واقعا ؛ علينا أن لا نتوقف عند البوسترات رغم ما تعنيه من استحضار و إنما أن نقرأ صــــدام في قراءته للمشروع القومي بما يغني هذا الأخير و يثبت حقيقة الأمــــــة التاريخية من أنها أمــــــة عطاء و إنتاج و ليست أمــــــة مستقبلة للجرعات المسمومة التي تستهدف انهاؤها .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) محمد عابد الجابري.... محاضرة بعنوان "إطلاق فكرة شمولية تصنع مستقبلا للعرب يتلاءم مع ماضيهم " نشر شبكة البصرة تجده علي الرابط التالي
http://www.albasrah.net/ar_articles_2010/0510/jabri_240510.htm

2) صدام حسين .. المختارات ج7 ص 12

3) كراس الملكية الخاصة و مسؤولية الدولة
4) المختارات ج7 ص 12
5) رسالة الدكتور عصمت سيف الدولة للأخ عبد اللطيف الصغايري منشورة هنا
http://alhorrriato.blogspot.com/2015/11/blog-post_6.html

6) الأستاذ ميشال عفلق : في ذكري الرسول العربي تقرؤونه في كتاب ـ في سبيل البعث
7) نفس المصدر .

d.smiri@hotmail.fr





الاثنين ١٧ ربيع الاول ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / كانون الاول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب يـوغرطة السميري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة