شبكة ذي قار
عـاجـل










لا يختلف لبنانيان على أن استحقاقات رئاستهم الأولى، لم تكن لتتم يوماً، سواء قبل أو بعد الاستقلال المزعوم، لولا التدخلات الإقليمية والخارجية، باستثناء الدورة الانتخابية اليتيمة التي أتت بالرئيس سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة عام 1970 بفارق صوت واحد،

وحتى تلك النادرة من التاريخ لم تكن لتخلو من عيوب مشينة حينذاك، تمثلت باعتماد المفاتيح الانتخابية التي كانت مشرَّعة في عمليات الاقتراع، إذ أنه كان على كل كتلة ناخبة تعد المرشح بالتصويت لشخصه، أن تعتمد كلمة – مفتاح ضمن ورقة الاقتراع ترافق اسم المرشح على طريقة ( فلان ابن فلان الفلاني ) أو ( فخامة فلان ) أو ( أبو فلان السيد فلان ) إلى غير ذلك من الألقاب أو الصفات مما كان يسري على الأعضاء الناخبين، أفراداً كانوا، أم كتلاً، ليصار بعدها إلى تمكُّن المرشح من فرز الأصوات التي صدقت وعدها له، وتلك التي نكثت، فتجري بعد ذلك عمليات رد الجميل بتوزيع المناصب والمسؤوليات الرسمية على من استحقها ممن أوفى بالعهد، وعكسها لمن تجرأ وسار عكس التيار مفضلاً صفوف المعارضة على صفوف أنصار العهد الجدد المسمين: ( الموالاة ) .

وباستثناء دورة الانتخابات النيابية التي جرت في العام 1972، حيث تغلب عامل الصراع السياسي الداخلي فيها على أي عامل آخر،

فإن ما تلا بعد هذا التاريخ من استحقاقات انتخابية، نيابية كانت أم رئاسية، لم تكن لتخلو أيضاً من التدخلات الخارجية السافرة، الإقليمية منها التي أتت بالراحل الياس سركيس رئيساً للجهورية في أوج معمعة الحرب الأهلية في العام 1976 قبل ستة اشهر على إنهاء ولاية الرئيس فرنجية مخافة أن لا تحصل انتخابات بعدها،

أو مرحلة الاحتلال الصهيوني للعاصمة اللبنانية في العام 1982 والاتيان ببشير الجميل رئيساً للجمهورية على مقربة من المدرعات والدبابات الغازية، ليخلفه شقيقه بعد أيام على اغتياله وليعود الرئيس الشقيق بعد ست سنوات إلى تكليف العماد ميشال عون بترؤس حكومة انتقالية من العسكر بعدما تعذر انتخاب رئيس جديد ( وطرح معادلة مخايل الضاهر للرئاسة أو الفوضى ) ، استقال نصفها فور الإعلان عنها، وليرزح بعدها لبنان تحت وطأة حكومتين تتمترس أحداهما في القصر الحكومي غرب العاصمة برئاسة سليم الحص، وتقبع الأخرى في قصر بعبدا برئاسة ميشال عون ولتدخل البلاد بعدها في نفق الوصاية المباشرة بعد الحسم العسكري السوري ضد العماد عون والاتيان بالياس الهراوي رئيساً جديداً خلفاً للراحل ميشال معوض الذي لقي مصير الشيخ بشير الجميل اغتيالاً،

ولتبدأ بعد ذلك مرحلة وصاية سياسية وأمنية وعسكرية لم يكن فيها أي تأثير للقرار اللبناني السيادي المستقل الذي وضع كل أوراقه بأيدي الوصاية السورية، فتسنى لهؤلاء تطبيق اتفاق الطائف على طريقتهم تشويهاً واختزالاً للسيادة الوطنية وليعقب ذلك اختيارهم للعماد اميل لحود رئيساً في العام 1998 ثم التمديد له في العام 2004 وليدخل البلد بعد ذلك في الزلزال الأمني والسياسي الذي أصابه في الصميم باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005 والانسحاب القسري للقوات السورية من لبنان وانقسام اللبنانيين وتعمّق الشروخات السياسية فيما بينهم بما لم يسبق لذلك مثيل، بعدما توزعوا على ضفتين متقابلتين حملت مسميي الثامن والرابع عشر من شهر آذار، وليتحول هذا الانقسام إلى ما هو أخطر من الوصايات والتدخلات الخارجية المعروفة، حيث سلم كل طرف زمام أموره للقوى الإقليمية والعربية المتصارعة، وأدخلت البلاد في معادلات أمرّ وأدهى عندما رفع طرفٌ، السلاح ليُرهب الطرف الآخر محتلاً العاصمة بيروت بأحيائها وأزقتها وشوارعها فيترك ندوباً لم يُترك لها الوقت أن تلتئم في ظل التسعير الطائفي والمذهبي الآخر والتورط في المستنقع السوري وغير ذلك من العوامل التي وضعت البلاد أمام حائط مسدود ابتداءً من شهر أيار من العام 2014 حين خلا موقع الرئاسة الأولى من شاغره وطالت مرحلة الفراغ الرئاسي إلى يومنا هذا واللبنانيون ينتظرون الدخان الأبيض من مدخنة أهل الحكم الذين يتخبطون اليوم بين من يصلح للرئاسة وأوراق من المرشحين ينبغي حرقها، كي لا يصل وما هي مقومات جدية من رشّح من طرف واحد، وهل الرسمية في هذا الترشيح تنتظر موافقة اللاعبين الإقليميين المطلوبة لاختراق حالة الجمود الحاصلة أم أن البلاد تتجه نحو نفق آخر من المجهول، وأي مجهول آخر لم يختبره اللبنانيون ولم يذق الواحد منهم مرارته بعد!

أمام هذا الواقع السياسي المضطرب الأقرب إلى السوريالية منه إلى أي مشهد آخر بتعقيداته وطلاسمه وخفاياه،

ثمة لبنانيون كثر، وربما يشكلون الغالبية العظمى من الذين يرفضون الاصطفاف اليوم بين هذا المحور أو ذاك، ولسان حالهم هو حال الأم الثكلى التي قبلت بأن يذهب وليدها لغيرها عندما خيِّرت بين أن يُقسم نصفين، نصف لها والنصف الآخر إلى التي أدَّعت أمومته، مفضلة أهون الشرين.

والى كل هؤلاء نرفع الصوت اليوم جهاراً نهاراً، أن توافقوا كما تشاؤون أيها السادة ونظّموا خلافاتكم وانعموا بما تظنونها انتصارات ومكاسب، إنما، حافظوا على الحد الأدنى مما تبقى لهذا البلد من وجود وحياة،

خذوا الرئاسة ولكن .. اتركوا لنا الوطن





الثلاثاء ٤ ربيع الاول ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / كانون الاول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة