شبكة ذي قار
عـاجـل










خلال الأيام الأخيرة، ارتفعت أصوات عمن يشغل مواقع سلطوية في العراق تطالب بخروج القوات التركية من العراق، وحيث تبين من خلال التقارير والتصاريح أن بضعة مئات من الجنود الأتراك يتواجدون بالقرب من الموصل. وقد هدد المسؤولون العراقيون في هرمية السلطة التنفيذية بالثبور وعظائم الأمور أن لم تقدم تركيا على سحب قواتها، وأنه من بين الخيارات المطروحة اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار ضد الوجود العسكري التركي في شمال العراق وفرض الانسحاب على هذه الوحدات.

بدءاً أن الطلب العراقي مشروع، باعتبار أن تركيا دخلت الأراضي العراقية، ولا يهم التبريرات التي أعطتها أنقرة لطبيعة وجودها العسكري. فالمهم أنه توجد وحدات عسكرية تركيا على الأراضي العراقية، وهذا انتهاك صارخ للسيادة الوطنية العراقية، والموقف الذي يفترض أن يطلقه من يبدي حرصاً على السيادة الوطنية، هو رفض هذا الوجود.

لكن في الوقت الذي ترتفع فيه الأصوات ممن هم في مواقع السلطة العراقية أو ممن يفتون بشرعية مواقفها ضد الوجود العسكري التركي، يتم التكتم على أشكال أخرى من الوجود العسكري الدولي والإقليمي ونموذجاه الصارخين الاحتلال الأميركي والاحتلال الإيراني.

فإذا كان الوجود العسكري هو انتهاك للسيادة الوطنية وهذا صحيح، فماذا يقال عن طبيعة الوجودين الأميركي والإيراني بطبيعتهما الاحتلالية وهما اللذان يتغلغلان في كل مفاصيل الحياة العراقية؟

وإذا كان الوجود العسكري التركي وأياً كانت الأسباب الكامنة وراءه يشكل انتهاكاً للسيادة الوطنية، فماذا يقال عن التلويح باستدعاء الروس إلى العراق تحت حجة مواجهة "داعش"؟

إن من يبدي حرصاً على السيادة الوطنية، يجب أن يكون منسجماً مع نفسه وخاصة في سلوكه ومواقفه تجاه من يعتبر مهدداً للسيادة الوطنية.

وعليه، فإن الموقف من الوجود التركي كي يكتسب مصداقية، يجب أن يكون مسبوقاً بموقف من الاحتلال الأميركي والاحتلال الإيراني أولاً. وأضعف الإيمان أن يكون متلازماً. إلا فإن الأمر يصبح واقعاً تحت تصنيف أن هناك انتهاك للسيادة "بزيت" وآخر "بسمنة".

إن انتهاك السيادة الوطنية هو واحد في دلالاته واستهدافاته، ولا يسقط حجية هذا الموقف، قول من يعترض على الوجود التركي، بأن الأخرين موجودين بصفة مستشارين، وهم موجودون بناء على طلب من السلطة العراقية؟

إن هذه الحجة مردودة على أصحابها، لأن الذين يمسكون بمفاصل السلطة في العراق يفتقرون أساساً إلى الشرعية الوطنية كونهم نتاج عملية سياسية أفرزها الاحتلال وبالتالي لا يحوزون على المشروعية الوطنية. هذا من جانب، وأما من جانب آخر، فإنه لو جرى التسليم جدلاً، أن لهم بعض المشروعية، وواقع الحال يثبت العكس، وأن الوجود العسكري الأميركي والإيراني هو وجود ذو طبيعة استشارية، فماذا تجيب الوقائع على الأرض؟ إن الوقائع القائمة على الأرض وهي حقيقة حيّة ناطقة، تجيب بأن النظام الإيراني يتغلغل في كل مفاصيل الحياة العراقية، السياسي منها والاقتصادي والاجتماعي والأمني والعسكري ولا يغير من حقيقة هذا الواقع كل زعم معاكس. وليس أدل على ذلك، سوى وجود الميليشيات المرتبطة بمراكز التوجيه والإشراف والتحكم الإيرانية والتي تشارك في كل المواجهات التي تشهدها مناطق العراق. وإذا كان هذا الشاهد غير كاف، فالإحالة تتم الى اجتياح الحدود العراقية وكأنها سائبة ولا وجود لأي ضبط أو رقابة عليها، وهي قريبة العهد خاصة وأنها جاءت مترافقة بتصريحات من مسؤولين إيرانيين بأن العراق هي أرض أجدادهم ولا يحق لأحد منعهم من الدخول إليها.

إن الموقف الوطني يملي على من يعتبر نفسه وطنياً أن يكون ضد من كل ينتهك السيادة الوطنية، سواء كان تركيا أو إيرانياً أو أميركياً وتحت أي مسمى إقليمي أو دولي كان؟

أما وأن تقتصر حملة من هم في مواقع السلطة على الوجود التركي، وتتغاضى عن أشكال أخرى والأكثر إيلاماً أن تعتبر تلك الأشكال مشروعة، فهذه تفقد الموقف من الوجود التركي مصداقيته لأن الذين يعترضون على الوجود التركي ويبررون للآخرين وجودهم دون اعتبارهم مهددين للسيادة الوطنية، فهؤلاء ينطبق عليهم قول "العاهرة التي تحاضر بالعفة".

إن الوجود التركي وهو المرفوض والمدان وطنياً وقومياً ما كان ليحصل لم يكن هناك أشكال أخرى وتجسيدات ميدانية لاحتلال إيراني وأميركي. وبهذا يكون الوجود الإيرانية ذي الطبيعة الاحتلالية قد شكل جاذباً لتدخلات أخرى أبرزها التدخل التركي. كما يشكل التدخل الأميركي جاذباً لتدخلات دولية أخرى وأبرزها الروسي.

إن كل هؤلاء لم يتدخلوا ضناً بشعب العراق، بل يتدخلون لتأمين مصالحهم ولو كان على حساب دم الشعب وقوته وأمنه واستقراره. وهم تدخلوا لأن العراق كما سوريا باتاً في حالة انكشاف وطني، وهذا مرده عدم وجود سلطة وطنية تجسد امتلاء وطنياً داخلياً وتأخذ الموقف الذي يلبي الطموح الوطني في الاستقلال وحماية السيادة.

لو كان الذين يرفعون من نبرة مواقفهم ضد الوجود التركي قد أرفقوها بموقف من الوجود الإيراني والأميركي، لكان قيل كلام آخر بهم.

ولو كان هؤلاء الذين حشدوا في بعض مدن العراق وهتفوا ضد تركيا، قد هتفوا ضد أميركا وإيران لكان قيل كلام آخر بهم أيضاً. أما وأن "البروبغندا" الإعلامية والسياسية "تضوي" على الوجود التركي و"تعتم" على الوجود الإيراني وهو الأخطر والأفتك بالسيادة الوطنية والأمر نفسه ينطبق على الوجود الأميركي ،فإن كل كلام يصدر عمن هم في مواقع السلطة عن اعتبار الوجود التركي هو المنتهك الوحيد للسيادة الوطنية، هو كلام يفتقر إلى المصداقية الوطنية وهذا ينسجم مع طبيعة من يطلقه، لأن هؤلاء لا يمكنهم أن يعطوا دروساً في الوطنية، لأنهم بالأساس ليسوا وطنيين وفاقد الشيء لا يعطيه.





الاثنين ٣ ربيع الاول ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / كانون الاول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحرر الأسبوعي لطليعة لبنان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة