شبكة ذي قار
عـاجـل










إنّ إصرار إيران على مواصلة انتهاكها للأمّة العربيّة واستباحة أرض العرب وأعراضهم وعنادها في ذلك ليس نتيجة أسباب ظرفيّة عابرة ولا طارئة .. بل هو امتداد لموقف فارسيّ راسخ سمته العداء الشّديد للعرب تنوّعت تجلّياته حسبما تقتضيه ظروف كلّ مرحلة من التّاريخ .. اتّخذ العداء الفارسيّ شكل الغزو العسكريّ السّافر حينا، وتحالف الفرس أحيانا مع أعداء العرب كاليهود قديما أي لما قبل ظهور الإسلام ليتّخذ بعده أشكالا مستترة لا تقلّ خبثا ودهاء عن الفعل العسكريّ شكّلت ذروتها الحركات الشّعوبيّة الهادفة لتخريب القيم والثّقافة العربيّة الإسلاميّة الأصيلة لتفريق العرب وضرب وحدتهم وإغراقهم في بحور من الصّراعات. هذا ولم تشذّ سياسات الفرس حديثا عن سياسات أسلافهم، بل تنامى سعيهم لطمس معالم الهويّة القوميّة للشّعب العربيّ سواء على ساحل الخليج العربيّ أم في الأحواز العربيّة أم في بوّابة الوطن الشّرقيّة أرض العراق وكانت سياسة التّفريس ذروتها ..

مثّل غزو العراق درع العرب الواقي وتدميره عام 2003 أغلى الفرص التي تلقّفتها مؤسّسات الحكم في إيران الدّينيّة والعسكريّة والسّياسيّة من أجل تحقيق أهدافها في بلاد العرب ..

في المقابل، رافق هذه المتغيّرات ردود فعل عربيّة لم ترقى لمستوى التّصدّي لهذه السّياسات الفارسيّة العدوانيّة حيث اتّسمت باللاّمبالاة تارة وبالصّدمة والذّهول وحتّى الاستسلام تارة أخرى، لتبقى المقاومة العراقيّة الباسلة وصمود شعبنا العربيّ بالأحواز العربيّة الأمل الحقيقيّ في قبر أحلام ساسة طهران وملاليها ..

ولعلّ من أبرز دوافع العرب – أو على الأقلّ نظامهم الرّسميّ – لمثل هذا التّردّد في التّصدّي الحازم للتمدّد الفارسيّ وقعودهم عن دفع الغزو الثّقافيّ الإيرانيّ هو جهلهم بحقيقة إيران وما تتخبّط فيه من مشاكل داخليّة متفاقمة ..

لا نخال ههنا أنّ العرب مثلا يعلمون الكثير عن وضع إيران الجغرافيّ - السّياسيّ أو يدركون حجم الهوّة بين ذراعي الحكم الفارسيّ وأعمدته وما تبلغه من تصادم وتناحر.. ما يدفعنا للتّساؤل هل كلّف العرب أنفسهم دراسة أحد أكبر أعدائهم دراسة علميّة موضوعيّة وأولوا ذلك ما يستحقّ من أهمّية؟؟ وهل كان فعلهم سيطغى عليه تعاملهم المهزوز مع العدوّ الإيرانيّ إن هم فعلوا؟؟

إنّ إطلالة سريعة على الخارطة القوميّة الإيرانيّة كفيلة بتوضيح أنّ إيران كيان لا قوميّ ولا تتحقّق فيه روح قوميّة جمعيّة، فهي كيان سياسيّ تتعدّد فيه القوميّات لتصل لخمس أو ستّ قوميّات رئيسيّة متقاربة بشكل لا يمنح لإحداها أغلبيّة على حساب غيرها فتنعدم بذلك إمكانيّة اعتبار أيّة قوميّة أخرى أقليّة.. بل إنّ الغريب أنّه لا يمكن الحديث عن أقليّة قوميّة في إيران إلاّ إذا تناولنا القوميّة الفارسيّة فهي الوحيدة التي لا امتداد لها خارج إيران على عكس العرب والأكراد والأذربيجانيّين والبلوش حيث تحتفظ كلّ قوميّة منهم بامتدادات جغرافيّة نحو الخارج وهي أهمّ القوميّات المشكّلة للشّعوب الإيرانيّة ..

وحريّ بالاهتمام هنا التّطرّق لنجاح الفرس، وهم الأقلّ عددا والأدنى حضارة، في شدّ تلك القوميّات وتجميعها ليشكّلوا قوميّة مركزيّة وحيدة كان الفعل العسكريّ سبيلهم الحصري لديمومة سيطرتهم على كلّ مفاصل الحياة في إيران. كما عمد الفرس لتثبيت ذلك الواقع ولمنع تلك القوميّات من المطالبة بمسك زمام أمورها بأيديها إلى تغذية الهواجس والتّوجّس من التّهديد الخارجيّ وحصره في مصدره الغربيّ في إشارة للخطر العربيّ رغم خلاء التّاريخ من تسجيل أيّ عدوان عربيّ على الشّعوب الإيرانيّة ..

لا ريب أنّ استغلال هذا التخبّط والتّشابك القوميّ داخل إيران عربيّا قادر على صدّ الأطماع الفارسيّة في الوطن العربيّ، فتفجير الدّاخل الفارسيّ أمر ممكن ومتاح.. إلاّ أنّ هذا العامل على أهمّيته لا يكفي، بل يتوجّب على العرب التنبّه لما تعانيه مؤسّسات الحكم في إيران من انعدام التّجانس فيما بينها بخلاف روايات إيران وتسويقها لكونها كيان متناسق موحّد داخليّا ..

تتنازع الحكم في إيران مؤسّستا الجيش والدّين ممثّلة بمرشد الخمينيّة الصّفويّة، وتسعى كلّ جهة منهما لإلغاء الأخرى أوجعلها تابعة لها .. وتذهب في هذا الشّأن تحاليل كثيرة إلى القول إنّ الزّجّ بالجيش الإيرانيّ في حروب متزامنة تهدف أساسا لإضعافه وتهرئته وإفراغه من عناصر باتت تشكّل خطرا على مستقبل ولاية الفقيه ومرشدها عبر مطالبتها بأحقّيتها بالحكم نظرا لتضحياتها في الحفاظ على مناعة المشروع الفارسيّ ..

ولقد ولّد هذا الصّراع الخفيّ بين الجيش والملالي في إيران استشراء الفساد ما أدّى لتردّي أوضاع الشّعوب الإيرانيّة على مختلف الأصعدة فتنامى سخطها على النّظام، وتعالت أصوات كثيرة ترفض استمرار مثل هذا الوضع القاتم وباتت تتّهم صراحة أجنحة الحكم المتناحرة في طهران بدفع الشّعوب الإيرانيّة لحافة الهاوية بالنّظر لاستنزاف مقدّراتها في غير صالحها علاوة على حصد مزيد من نقمة الشّعوب الأخرى عليها ..

إنّ إيران وإن سعت لإخفاء ما تعيشه من حالة اختناق داخليّ حادّ بحكم تناقضاتها العديدة، ورغم ترويجها لنموذج جذّاب تعيش على شفا حفرة من الدّخول في نفق مظلم لن تتعافى منه لعقود طويلة ..

فما على العرب إلاّ أن يعوا أنّ إيران لا تغدو أن تكون أكثر من عملاق من ورق وهي أقرب لجرثومة ستنقرض حتما وسيزول تأثيرها السّام مهما أحدثت من ألم ..





الخميس ٣٠ محرم ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / تشرين الثاني / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة