شبكة ذي قار
عـاجـل










لم تتعرض حركة مطلبية وطنية من بين مختلف حركات دول العالم، إلى الاستضعاف والتآكل من الداخل، مثلما تعرضت له الحركة المطلبية اللبنانية على مدى العقود السابقة من السنين، وعهود الحكم المتتالية منذ الاستقلال المزعوم في العام 1943 حتى اليوم.

هذا الاستقلال الذي لم يكن يوماً تتويجاً لثورة شعبية أو مطلبية عارمة، وإنما لم يتعدّ في حقيقته عملية تسلم وتسليم صورية أرادها المستعمر الأجنبي مطمئناً إلى الخلفيات السياسية والطائفية والطبقية للعائلات اللبنانية التي تسلمت مقاليد الحكم اللبناني من بعده، فلم تترك الأخيرة بدورها، المساحة المقبولة للحركة العمالية اللبنانية أن تتكون بالكامل فيصلب عودها يوماً، وأن تجرأت وفعلت، سارعت سلطة العائلات إلى التشمير عن سواعدها للإجهاض والتفشيل عبر كافة وسائل الحروب المستترة وغير المستترة، سواء بالتضييق عليها، أو باختراقها وممارسة التخريب من الداخل، وصولاً إلى استخدام كافة وسائل الترغيب والترهيب لاحتوائها، بالجزرة تارة، أن وجدت أُكُلها، داخل صفوف الحركة العمالية، أو بالعصا الغليظة عندما لا تجد مناصاً من ذلك، ولنا في تجربة القيادة الحالية للاتحاد العمالي العام خير مثال للأسلوب الأول، وفي المصير الذي تحولت إليه هيئة التنسيق النقابية المثال الآخر الذي أرادت السلطة من خلاله لكل نقابي لبناني الاتعاظ به اليوم أو غداً، فيما لو تجرأ على مواجهة المحظور أو اخترق أسوار الكيان المتحصن بكل المتاريس الطائفية والمذهبية والمركنتيلية اللبنانية التي عبر عنها مؤخراً أحد ممثلي النظام الاقتصادي التجاري اللبناني الحر مؤكداً أنها في الحقيقة ليست سوى نزعة تجارية تقوم على المتاجرة، والمتاجرة وحسب، دونما اهتمام بأي شيء آخر. ( والتعريف ينسب للمعجم المنجد في اللغة العربية ) ، وذلك عندما تكلم عن وسط بيروت الحالي بمنطق طبقي استعلائي أكل الدهر عليه وشرب مذكراً الناس بعقلية ماري انطوانيت زوجة لويس الرابع عشر، مقسماً عاصمة الحقوق والشرائع اللبنانية، إلى فسطاطين لا ثالث لهما، فسطاط الوسط التجاري للقادرين على ارتياده من أصحاب المليارات، أو وسط الناس المساكين والغلابة الذين رمز إليهم بعبارته الرخيصة "أبو رخوصة" دون أن يتنازل ويتذكر أن لبنان، وفي أوج عهود الازدهار الاقتصادي التي نعم بها، ما كان ذلك ليتم لولا الرأسمالية الوطنية الشريفة التي عرفت كيف تحقق التلاحم يوماً بين مصالحها الخاصة ومصالح العامة من عمال ومستهلكين، فإذا بهذا التاجر، يخون وبفجوره هذا، ليس مصالح الناس التي يعيش على كدها واستغلال جيوبها وحسب، وإنما أيضاً لكل منطق رأسمالي وطني يُواجه اليوم بالعقلية الاقتصادية النيوليبرالية المتوحشة الجديدة المسبب الأكبر وربما شبه الوحيد لمعاناة اللبنانيين الاقتصادية وسوء معيشتهم وتدهور أوضاعهم الاجتماعية وغير ذلك.

ربما، لو كان في البلد، حركة عمالية نقابية واحدة موحدة، لما تجرأ ذلك الممثل الفاشل للاقتصاد النيوليبرالي الجديد أن يتفوه بكلمة مثل تلك التي تفاخر بها، ولفضل مقابل ذلك أن يبلع لسانه، على أن يستعدي كل تلك الشرائح الواسعة من اللبنانيين التي اقتصرت ردود فعلها حتى اليوم، على التظاهر والاعتصام وحسب في ساحتي الشهداء ورياض الصلح، حيث لن يكفي التنديد بالتالي لتصويب معادلة الصراع الاجتماعي الحاصل أن لم يكن الحراك المدني المحرك للصراع مستنداً إلى رؤية نقابية اجتماعية اقتصادية موحدة وخطة تنظيمية مبتكرة تحدد آليات العمل المشترك وما يحتاج من دينامية جديدة تستوعب هذا الضخ الهائل من التعاطف الشعبي حول الحراك والتضامن مع الشعارات التي يرفعها وما يحققه ذلك من التفاف جماهيري رائع ينبغي عدم التفريط به، والحرص على تأطيره، توجيهاً وتوعية وتوحيداً مستمراً في مواجهة التحديات.

إن ذلك يجب أن لن يكون بالمستحيل بعد اليوم، طالما أن كل القوى التي نزلت إلى الشارع، وتحت المسميات الجديدة المعروفة، وضعت أفكارها الأيديولوجية جانباً وشمرت لتدافع عن بقائها كبشر مثل سائر البشر في العالم الذين يتوقون إلى الحدود الدنيا من حقوق الآدميين في الحياة الحرة والتنعم بأبسط حقوق العيش الكريم الذي وللأسف صار يتلخص في توفير المياه الصالحة والكهرباء الدائمة والرغيف المطلوب لسد الحاجة الدنيا من الجوع، في بلد كلبنان كان يوماً "سويسرا الشرق، قبل أن ينخر فيه الفساد.

إن تجربة الحراك المدني اللبناني الأخيرة تمثل منطلقاً جدياً وعملياً للبدء في التغيير واستنهاض الهمم، انطلاقاً من أن الماء والهواء ورغيف الخبز وحبة الدواء والمقعد المدرسي والعمل بشرف وغير ذلك، كلها حاجات شعبية ملحة لا حياة كريمة بدونها ولا استمرار لأي حراك أن لم يتوحد حولها في حركة مطلبية لبنانية جديدة، آن أوان تظهيرها، بعد أن قال الشعب كلمته ونزل إلى الشوارع والساحات دون أن يكتفي بالكلام وحسب.





الاربعاء ١ محرم ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / تشرين الاول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة