شبكة ذي قار
عـاجـل










ما هي الأخلاق؟ تساؤل قد يبدو ظاهريا غير ضروري لان الأخلاق كلمة تدل بذاتها على معناها . بيد أن تحديد معنى الأخلاق يبدو أمرا جوهريا من أجل أن يتسق تحديد هذا المعنى مع هدف هذه السطور .. أي تحديد معنى الأخلاق في مفهوم حزب البعث العربي الاشتراكي. وفي ضوء ذلك يمكن القول أن المعنى العام للاخلاق هو مجموعة القواعد والقيم التي تشكل السلوك الافضل في مجتمع معين وزمن معين .

أذن فالاخلاق نسبية زمانا ومكانا ..
بيد أن هذه الحقيقة تمثل جانبا واحدا من المفهوم الاخلاقي أذ هناك صفات وقيما أخلاقية لا تخضع لنسبة المكان والزمان ..
على سبيل المثال :ــ

الوفاء ، الشجاعة ، الامانة ، الأخلاص ، .. الخ فهي ذات مدلولات مطلقة على الأقل في أطارها العام ، اي في أطار المعنى اللغوي المحدد لكل صفة من الصفات التي ذكرنا بعضها على سبيل التمثيل .

بعد ذلك ننتقل الى موضوعنا الاصيل .. البعث والأخلاق ..

في أدبيات حزب البعث العربي الاشتراكي كثيرا ما نجد تأكيدا على أن الأخلاقية سمة أساسية من سمات الحزب . وهو تأكيد ليس انشائيا بطبيعة الحال بل يستند الى جوهر الحزب وجوهر مبادئه وأفكاره .

والاخلاقية هنا ليست سمة خارجية بل هي جزء من الذات البعثية .. هي جوهر ينعكس على كل أفكار ومباديء ومنطلقات الحزب .

هل يعني ذلك أن حزب البعث العربي الاشتراكي حزب مثالي ؟ أعتراض ، أو أتهام بمعنى أدق ، كثيرا ما وجه الى البعث . وهو أتهام سيء القصد في الاصل ، لانه يعتمد تناسي حقيقة أن التقسيم التاريخي للمدارس الفلسفية الى مادية ومثالية تقسيم بعيد عن الجمود ، ولا يقف عند حدود الفكر والمادة وأيهما أسبق في الوجود ، أضافة الى أن الاخلاق لا تعني أحد مكونات الفلسفة المثالية فقط فللفلسفات المادية أ خلاقية أيضا كما هو معروف .

ودون الدخول في تفاصيل يمكن أن نشير بايجاز الى الحديث الفلسفي التقليدي ( مادية ومثالية ) أذ أن الاخلاق في مجال بحثنا ترتبط بالسلوك اليومي للبشر أي أنها مرتبطة بالواقع الحي المتحرك.. وبالتحديد هي نمط السلوك الفاصل في مجتمع معين، وهي أيضا تتضمن مكونات سلوكية مطلقة للفضائل في المجتمع الثوري .

أن الموقف الاخلاقي للبعث ينطلق أساسا من أعتبارات نضالية ترفض الواقع الفاسد وترفض الاستغلال وتتطلع الى بناء مجتمع أفضل مادته الجوهرية ، الانسان المتحرر المبدع المتطهر من أدران الغش والخداع والوصولية والانانية .. الخ.

والنضرة الأخلاقية للبعث كما عبر عنها القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق رحمه الله ( تنحصر في الامر الآتي :ــ ما دام هذا النوع من العيش الطبيعي الكريم محرما على الاكثرية الساحقة من الشعب نتيجة للاوضاع الفاسدة ، فأن المؤمنين بحق الشعب لا يقبلون أن يشاركوا في شيء يعتبرونه الآن غير مشروع ، ويرونه ظلما للشعب، لذلك فهم عليه حياة المبدأ . فالنضال وقانون الحياة الذي لا هزل فيه لا يمكن أن يسمح بتحقيق غاية كبرى وتقدم خطير وانقلاب جوهري دون أن يقابل ذلك ثمن كبير هو التضحية ) في سبيل البعث .

التضحية .. هنا من أبرز السمات الأخلاقية التي يسعى الحزب الى بلورتها في نفوس المناضلين .. فهي علامة على وعي كل مناضل بمستلزمات الصدام مع الواقع الفاسد ومع الانظمة الجائرة المعادية للشعب ولا يمكن مقارعة الواقع والانظمة والنفس دونما أمتلاك قدرة طوعية في التضحية بالراحة والنفس من أجل مستقبل أفضل للوطن والامة .

وهي مرتبطة بجوهر حركة البعث أي الانقلاب على الذات والواقع وصولا الى بناء أنسان جديد وواقع أفضل .

والانقلاب بهذا المعنى هو محور حركتنا ، كما يعبر عنها القائد المؤسس رحمه الله ، الذي يميزها عن سائر الحركات الاخرى ويجب أن يفهمه البعثيون فهما داخليا عميقا، قبل أن يفهموا منه ، أنه مجرد خطة لتنظيم المجتمع في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية . فالانقلاب الذي يدعو اليه البعث العربي لا يستطيع أن يدعو اليه أي حزب آخر ، أنه أوسع من أن يكون برنامجا أو خطة سياسية أو اجتماعية ، وأكثر من أن يكون أسلوبا أو وسيلة لتحقيق مباديء الحزب . أن الانقلاب هو سر هذه النفسية الجديدة في حياة العرب . في سبيل البعث .

فأخلاقية البعث اذن هي النفسية الجديدة الصافية ، الصادقة ، الثائرة ، المتواضعة .
وهي نفسية السلوك الجديد ، النموذجي ، المتجاوز للقيم المتخلفة والعادات الفاسدة .. سلوك مادته قيم أخلاقية :ــ
الاخلاص
التضحية
الشجاعة
حب الجماعة
التواضع
نكران الذات في سبيل الغايات السامية
الالتزام
وبكلمة السلوك الفاضل المرتبط بهدف النضال من أجل مجتمع جديد .

ولا يمكن بناء المجتمع الجديد ، المجتمع الذي تنتفي فيه كل مظاهر التخلف والاستغلال والجهل والعبودية الا بتوفير الاداة الثورية والتنظيم الطليعي ، ولا يمكن ان تتوفر هذه الاداة وذلك التنظيم دون مناضلين يؤمنون بالشعب و الثورة الاخلاقية .. أي يجسدون في أنفسهم النموذج الثوري للمجتمع الذي يطمحون الى تحقيقه .

أنهم وسيلة النضال وغايته الاساسية وحتى يكون المجتمع الجديد مجتمعا نموذجا حقا لا بد أن تهيأ له ــ كما يعبر عنه رحمه الله ــ (أدوات حية من البشر تكون من نوعه وجوهره حتى تكون أمينة في تطبيقه ، واعية لاساليبه وطرقه . أن النضال الذي سميته التعبير العلمي عن الانقلاب ، هو الذي يخلق الادوات الحية ، أي المناضلين ، الذين يصبح الانقلاب شيئا حيا في نفوسهم وعقولهم وأخلاقهم أو يصبح حياتهم ذاتها، فلا بد أذن من أجتياز هذا الطريق الذي يخلق لنا المناضلين تباعا والذي يكون امتحانا للنفوس القوية المثالية التي تتعفف عن المصلحة الشخصية وتنظر الى الحياة نظرة أبعد وأرفع من اللذات والاستمتاع . والتي ترى فيها تحقيقا لعنصر سام سماوي وجد في الانسان لكي يشع في سلوكه. هذا النضال هو المصنع للأدوات الانقلابية الأمينة الوفية ) في سبيل البعث.

ومن هذه الزاوية تتبلور أمامنا السمات الاساسية للاخلاقية البعثية فهي تتصل بالسلوك الفردي والسلوك الجماعي في آن واحد بمعنى أن الاخلاقية ترتبط بالصفات الحسنة والفاضلة للفرد المواطن الذي يشكل جزءا لايتجزأ من المجتمع الكبير وهو مجتمع تبرز فيه القيم الاخلاقية العالية والرفيعة .

الأخلاقية والسلطة :
للسلطة مغريات وبالتالى مخاطرها على النزعة الاخلاقية والمناضل الحقيقي هو الذي يملك من الضوابط المبدئية والقدرة على تجسيدها في سلوك حي، ما يجعله محصناً أمام مزالق تلك المخاطر وضمن اتجاه مبدئي يدرك فيه أن موقعه في السلطة ، وهو موقع يزداد أهمية وحساسية كلما أزداد دوره القيادي ــ خدمة نضالية لصالح جماهير الشعب وليس تسلطا على رقاب الناس أو طريقا للاستهانة بمشاعرهم وتطلعاتهم ــ والمناضل الحقيقي .. المناضل البعثي هو الذي يشعر أنه يتحمل عبئا يزداد ثقلا كلما تقدم في سلم المراتب القيادية وهو ثقل ثمنه راحته الشخصية والعائلية. . فاحتلال المواقع القيادية عن جدارة لا يمكن أن يشكل موقعا تشريفيا . لفرد من الافراد بقدر ما يشكل أعباء ومسؤليات والتزامات واسعة ومتعددة .

وتبرز الصفات الاخلاقية كالامانة والاخلاص في العمل والتواضع في مرحلة تسلم السلطة كمؤشرات جوهرية وأساسية على سلامة وصواب سلوك ومواقف المناضل بل وجدارته في تبوء هذا المركز أو ذاك ، واستمراية ذلك .

الثورة والتثقيف الاخلاقي :
في ظروف قيادة الحزب للثورة والسلطة في القطر العراقي ترتبت عليه مسؤوليات آنية ومستقبلية في شتى المجالات والميادين ولما كان للعنصر البشري دوره الاساسي والجوهري في أنجاز وتسريع التحولات التقدمية والجذرية وبناء المجتمع الجديد ، فأن قضية بناء الانسان وتربيته تربية قومية أشتراكية تشكل في هذه المرحلة مهمة بالغة المدى والأثر ومن أجل تحقيق هدفين متلازمين في آن واحد :

الهدف الاول :- تربوي عن طريق وضع الخطط والمناهج التي تزرع في النفوس المثل والقيم القومية والاشتراكية الصحيحة وتعزز ايمان المواطن بالشعب والوطن ، وتحفز في وجدانه أفضل مظاهر الاخلاص والشعور العالي بالمسؤلية وحب العمل .

الهدف الثاني :- وقائي لتحصين هذا المواطن من الثقافات المضادة والقيم المختلفة العادية المعرقلة لتحقيق الاهداف القومية والاشتراكية .

ولا شك أن تحقيق هذين الهدفين يقتضي جهدا واسعا وغير اعتيادي وضمن برنامج تربوي واسع وبصيغ لا تقف عند حدود الدراسة الاكاديمية التي لا تشكل في هذا المضمار أهم مجال حيوي، بل تشمل كل أجهزة الاعلام والبرامج التدريبية في الدوائر وبرامج التوعية والتثقيف في المنظمات الجماهيرية ..

كل ذلك يجري جنبا الى جنب مع البرنامج التربوي الثقافي الذي يعتمده الحزب للجهاز الحزبي ، والذي يمثل الحلقة الاكثر دقة وأهمية وصرامة . فالالتزام بروح ذلك البرنامج هو معيار حاسم على صلاحية كل حزبي للاستمرار في النضال داخل صفوف الحزب . أن حزبنا .. حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يرفع عاليا رايات الوحدة والحرية والاشتراكية ويجسد في أفكاره ومبادئه تطلعات وآمال الجماهير .. هو حزب الاخلاق العربية الرفيعة وتقع عليه في هذه المرحلة التي يشهد فيها عالمنا المعاصر أنهيار خلقيا مخيفا وتسود فيه مظاهر شتى من التفسخ والفوضي والتفكك العائلي وشتى الظواهر اللا أخلاقية .. تقع عليه مسؤوليات جسيمة لبناء الانسان العربي الملتزم بأفضل الصفات الاخلاقية .. انسان يملك من القدرة والصفات والحصانة ما يجعله بمستوى المهمات المصيرية الخطيرة وبمستوى المعركة القومية وبمستوى تحقيق الطموحات الاستراتيجية بلال أحمد
 





الاحد ١٨ رمضــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / تمــوز / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب بلال احمد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة