شبكة ذي قار
عـاجـل










" أن الإيمان يسبق المعرفة ، بل هو الدافع إليها "
( الأستاذ ميشال عفلق )

يعيش المجتمع العربي في صيغتيه القطرية أو القومية ظاهرة خطيرة تعد بكل المقاييس سببا رئيسيا إن لم يكن السبب المحوري في تشظيته عامة و ما يعيشه من اقتتال خاصة ، تشظية و إقتتال مفتعل و مدمر في مختلف ميادين الحياة بلغ مستويات متقدمة من الإرتداد إلي الهمجية البدائية في صورها الغرائزية المقيته في بعض من أجزائه أقاليم بالكامل أو أقطار ؛ ظاهرة تختزل في ما عرفه هذا المجتمع في فترة مابعد الحرب العالمية الثانية منتذرير للسياسة وتجزئة لكيانها خاصة منذ السبعينات من القرن الماضي وما ارتبط بها من سياسات الوفاق الدولي ، تذرير جعل الجدل يتحول من جدل فلسفي يتلمس الحلول كخطوط بداية لفهم موقعنا من حركة العصر إن كان علي مستوي الفكر أو ما ينضح عنه من إنتاج إلي جدل إخباري يقف عند الإستشهاد المبتذل الذي لا يري حدود فعله بقدرما يعدد فعل الآخر دون أن يصل حتي الي طرح التساؤل علي نفسه بصيغة ما هو موقعنانحن كعرب في كل هذا ؟

فالكل العربي و بخاصة ممن يهتم بالعمل الحزبي إن كان بصيغة الفاعل المنتظم من داخله أم بصيغة المراقب من الخارج و الدارس له في تطوره ، لا يتردد في القول من أن العمل الحزبي يسجل تراجعا متسارعا من حيث الأداء ، و الإنتشار ، وقدرة إثبات نفسه ميدانيا ، و اقناع قطاعات الشعب المختلفة بجدواه حد أن بلغ فيه نفور المواطن من الحزبية درجة القول بسقوطها . تراجع يرتبط بتذرير السياسة الذي لعبت فيه الدولة القطريةأولا ، و العولمة ثانيا دور أساسي و مفصلي... تذرير عمقته الحزبية في جانب هام منه خاصة باتجاهها إن كان علي مستوي الخطاب أوالبحث إلي التفكيرالإستراتيجي في صيغ وموجبات النضال إن كان من اجل الأمة العربية عـــامة أو القطرالواحد بخاصة . والكل يعي من أن هكذا نمط من التفكير والفعل لا يتناول:

• أولا = مفردات تفصيلية مثل كيفية المحافظة علي التنظيم و التخطيط و تطويره بما يقترن به من هياكل و بخاصة هياكل البداية التي تتمثل أساسا في تنظيم بداياته أنطلاقا من الخلية الناجحة.

• ثانيا = انعدام طرح التساؤل علي نفسها من قبيل : كيف يمكن أن نجعل من الرصيد الجماهيري الفاعل قابل للتجدد ؟

تفكير و فعل يتجه غالبا إلى قضايا من نوع الطريقة التي تعالج الوضع العربي بوجه عام ، أو القطري بوجه خاص ، وكيفية تغييره من الحالة التي هو فيها نحو حالة أفضل، أو ينصرف في الغالب إلى مناقشة كيفية تحويل الثروة العربية إلى ثروة حية ، أي إلى ثروة تأتى أكلها داخل الوطن لصالح الجماهير الغفيرة ولصالح الأجيال الآتية ، وتضمن للعرب أمنا دائما ، و تقدما حقيقيا ، بدلا من أنتذهب نهبا للأجانب ،أو تصرف على التوافه من الامور او تكون حكرا على فئة قليلة في العدد . أي مناقشة العام و إهمال الأساسي ؛ وبذلك أغفل أو تناسي هذا الكل ما يتصل بهذه القضية ذات الطابع الإستراتيجى ، أي إغفال الصلة بين ما تطرحه الحزبية من مفاهيم اجتماعية لتحقيق العدل، والمساواة، وبين ما هو متداول من اعلام أو ظواهر بائنة أو قيد البحث و الإستكشاف لثروة الأمة العربية عامة أو الثروة في قطر من أقطارها ؟ وهكذا أصبح مع الزمن التراجع و انعدام الكلام و البحث في موضوعات التنظيم و الهيكلة و إدارة الفعل الذي يتقصد نقل و تفعيل التصور الإستراتيجي إن كان في اطاره الفكري العام أو الخاص إلي حالة ميدانية متصاعدة و منتجة عصبها الحيوي يكمن عند خط بداية العمل و ينحصر في كيفية بناء خلية حزبية ناجحة ؛ ليحل محلها الميداني العفوي و المنفتح الذي لا تحكمه أية ضوابط ، اتجاه الحزبيات هكذا اتجاه لم تكن مسؤولة عنه إذ أن تجزئة قضايا الصراع الاجتماعي وفك الارتباط بينها ، إما باسم الاستقلالية النسبية للنضال النقابي والمطلبي ( الحقوقي، النسائي، الشبابي.. ) عن النضال السياسي، أو باسم استقلالية ميدان "المجتمع المدني" عن ميدان السياسة، كسيرورة بدأت خارجة - تماماً- عن إرادة الحزبيات، فقوة دفعها تغذت من الحقائق الجديدة التي انتجتها العولمة، التي قطعت أوصال السياسي ( الدولة، السياسة،الحزب ) باسم "المجتمع المدني". أي تصنيع و تخليق الفوضي التي نراها اليوم و التي يتبرأ منها الكل و الكل هو عامل من عواملها .

إن دعاة حزبية العولمة أو من يسمون أنفسهم ب ( أصحاب الرؤية العصرية ) يتناسون إما عن نقص في الوعي أو تحت طائلة الصدمة المعلوماتية ذات الطبيعة الإخبارية التي خلقتها العولمة أو تشبها بمايسمي ب ( الرؤية الديمقراطية كعنوان للمرحلة ) مفهوم الحزب و ما يتقصده ، فالأحزاب في مفهومها الطبيعي هي مشروع دويلات ، تنظم مجالات فعلها على مجتمعها الضيق كما تنظم الدولة ولايتها على المجتمع الأوسع ، لها مالية واستثمارات، ودور نشر وصحف ومجلات ، و جهاز للعلاقات الخارجية ، وجهاز للرقابة الداخلية على عمل منظمات الحزب الفرعية ( وبعضها على عمل الهيئات المركزية العليا ) ، وهي تنظم فئات اجتماعية واسعة ( عمالاً ، فلاحين ، تجاراً، مهنيين ) في نقابات ، وفئات أخرى ( طلبة ، شبيبة ، نساء ، مثقفين وأدباء و فنانين ) في اتحادات وروابط ... إلخ ، وهي تنشئ قطاعات حزبية خاصة بهذه الفئات و تابعة لها، وتنشئ جمعيات أهلية ــ حزبية لحقوق الإنسان، والبيئة، والمستهلكين،وتتدخل في كل شيء في الشأن السياسي الوطني و القومي العام ( السياسات العامة للدولة والجهازالحكومي ) ، وفي الشؤون السياسية والاجتماعية التفصيلية من أجور العمال و حقوقالمرأة وحقوق الإنسان. فالحزب يتصرف و يثقف بمنطق السلطة البديل القادمة ، ويهيئ نفسه لأن يكونها في أي وقت . و لذلك كان في حكم بداهاته أن يعنى بقضايا المجتمع كافة ، وأن يكون له رأي فيها بمثل ما يكون له نفوذ في قطاعات المجتمع جميعها، وفي مؤسساتها وأطرها أي تتدعيم المجتمع المتضامن بمؤسسات حماية للوطن و الهوية . و هو بذلك كفعل و عمل يتعارض و ثقافة العولمة و ما تتقصده من تشظية . لــــذلك نرى هؤلاء يرفضون التنظيم و الإنتظام تحت لافتة "الميدان هو الفيصل " ، و يتناسون من أن الفعل الميداني الغير منظم و الذي لاتحركه مقاصد بائنة ذات علاقة بما هو استراتيجي إن كان فكرا أو تصورا يتقصد . مواضيع مادية ذات علاقة بحاجة الشعب لا يمكن الا أن يكون اكثر من عامل من عوامل الفوضي سرعان ما يمقته المواطن و ينأي بنفسه بعيدا عنه.

إن إنعدام أو الإبتعاد عن تناول موضوع بناء الهياكل التنظيمية و أساسا بناء الخلية الحزبية الناجحة يهدد الحزبية بالتلاشي كهياكل فاعلة في المجتمع ميدانيا إن كان تأطيرا سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا بكل ما تختزنه الثقافة من أبعاد إجتماعية ، و يؤسس إلي الإرتداد الفكري و في الرؤية الإستراتيجية التي تتقصدالبناء و حماية المجتمع لفائدة الرؤية الذاتية عند الأطراف ــ المهمشين المسحوقين و الفقراء ــ و هيمنة ثقافة و رؤية العولمة بما تعنيه من قتل الهوية الوطنية و القومية في كل صيغها و هيمنة ظاهرة مجتمعات اللوبيات إن كانت شركات أو جمعيات تجمع بين من يرفع شعارات " فعل الخير و البر و الإحسان " و من يوصفون بالمهربين و تجار الفوضي ، و هذا الكل من اللوبيات يمتلك اليوم أسبقية الثروة و الإعلام كوسائل فاعلة للتزوير و تسقيط ثقافة التضامن التي انبنت عليها ثقافة التحرر و حفظت للشعوب و الأمم هويتها و قيمها الإنسانية .

إن أي إنقاذ اليوم يفرض العودة إلي مرحلة البداية التاريخية للحياةالحزبية و الإنشغال بكيفية تكوين خلية حزبية ناجحة ، و علي القوميين أساسا أن يستحضروا في هذه المحطة تاريخهم القومي في بدايات التأسيس بصيغة المثال ؛ فتاريخ الأنبياء، صلوات الله وسلامهعليهم ، كيف بدؤوا يبشرون برسالاتهم بتكليف من رب السموات والأرض ، ألم يكن بتكوين خلايا بادئ ذي بدئ ، ثم أصبحت الخلايا مجتمعات كاملة تدين بالرسالات التي بشروا بها .. لقد اصبحت الخلية التي ضمت أبابكر و عليا و حمزة و آل ياسر و عثمان و عمر و غيرهم من اوائل الصحابة دينا يغطي مساحة واسعة من المعمورة . لذلك فالتركيز لا يجب أن ينحصر في الفكر بمعناه العام وحده ، و لا على السياسة بمعناها العام وحده ، و إنما قبل هذا كله على التنظيم الذي ينقل الفكر و السياسة كما نراها إلى حيز التطبيق ، و ليس بالضرورة أن يضخ الفكر بكل عناصره إلى الساحة دفعة واحدة ، انما يجيء تباعا مع تطورالتنظيم و صيرورة الواقع في تطوره . فالفكر يغني نفسه ، و يتطور منتلك الصلة الحية و الدائمة مع الواقع كما يحسه و يتفاعل معه التنظيم الحزبي . إن السيد المسيح عليه السلام لم يفض بكل وصاياه إلى أول خلية كونها ، بل كانت هذه الوصايا ترد تباعا ، وقد استغرقت حياة السيد المسيح «ع » كلها ، كما عبر عن ذلك الانجيل ؛ و بعد ما يقرب من ستة قرون ونصف فإن الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية الشريفة قد استغرقت حياة الرسول صلي الله عليه و سلم كلها من البعث حتى وفاته ، على مدى ثلاثة و عشرين سنـــة.

متي يقلع بعض المنبهرين بالعولمة و ثقافة المعلوماتية عما يرددونه من أن "الميدان هو الفيصل " و يفهموا من أن الميادين قد تخلق ذوات سرعان ما ينطفئ بريقها ، و لكنها لا تخلق ما يخلقه التنظيم من عناوين دائمة ؟؟؟

d.smiri@hotmail.fr





السبت ١٧ رمضــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / تمــوز / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب يوغرطـــــــة السميري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة