شبكة ذي قار
عـاجـل










أنجز العراق في حقبة الحكم الوطني علاقات استراتيجية مع روسيا ومع فرنسا كان التعبير عنها رسمياً بأنها علاقات صداقة وشراكة متوازنة. فتبادل المصالح ليس عيباً في عالم تحكمه المصالح ويقود فيه الاقتصاد, في معظم الأحيان, القرارات السياسية غير أن صفة الصداقة وبعض ما يمكن للعراق من ضخه من أخلاق ومفاهيم شعبية تحررية في تلك الصلات قد كان أيضاً طافياً في تفاصيل وجزئيات تلك العلاقات. والقصد طبعاً من رسم وتكريس الملامح الأخلاقية له أبعاد وأهداف هي الأخرى استراتيجية وتصب لصالح ديمومة ونمو العلاقات تحت كل الظروف والأحوال. غير أن سقوط الاتحاد السوفيتي وإعادة ترميم بقاياه في الاتحاد الروسي وطغيان كفة الرأسمالية وهيمنتها كقطب أوحد وما تزامن معها من حروب شنت على العراق وكان أحد أسبابها ودوافعها الخفية تلك العلاقات المميزة للعراق وعرب آخرين مع الاتحاد السوفيتي وفرنسا ممثلة للكتلة الأوربية أفرزت في معتركها المرير ونتائجها الكارثية نمطاً من العلاقات تخلى تماماً عن الأخلاق وتعاطى مع المردودات المادية كحالة نهائية ووحيدة ووجدت روسيا ساحتها الممكنة في إيران وامتدادات إيران لأن الاحتلال الأمريكي للعراق قد حسم ساحة العراق والخليج ومشرق الوطن العربي برمته لصالحه وسيطر على كل مقدرات المنطقة. وقد كانت إيران مثل كرة تتأرجح في طوفان ما جرى, فمن جهة كانت تمد مخالبها مع الاحتلال الأمريكي وتوفر له متطلبات هامة في الساحة العراقية في الوقت الذي تواجه فيه توجهات أمريكية ظاهرة ومخفية غير مطمئنة لشراكتها بحكم بعض مظاهر التأزم التي طرأت على علاقات إيران بأمريكا وتكسب الروس من جهة أخرى عبر إغراءات اقتصادية ضخمة ليس بوسع الروس مجافاتها لصالح موقف أخلاقي محسوب لهم وعليهم سابقاً.

لقد التقطت روسيا التأرجح الفارسي في لحظة كانت قد بدأت ترتقي فيه على الكثير من علامات وهنها وتخلفها السياسي والاقتصادي الذي رافق محنة سقوط الاتحاد السوفيتي واستفادت في نفس الوقت من بعض مردودات قوة العملاق الصيني فأعلنت هي والصين أول فيتو في مجلس الأمن بعد قرابة 20 عام من الانزواء المهين وكان الفيتو حصراً وتحديداً لصالح إيران والدور الذي تلعبه في ذبح الثورة الشعبية السورية.

عملياً فإن روسيا قد أسقطت نفسها في أحضان إيران لأن إيران مستورد رئيسي لمستلزمات الطاقة النووية من روسيا وربما سلاح روسي أيضاً وإيران تعتبر من الخمسة الكبار في إنتاج وتصدير النفط وغير هذا فإن إيران بعد عام 2011م بشكل خاص قد ورثت الساحة العراقية احتلالاً وهيمنة كاملة بعد هرب الأمريكان المهين أي أن روسيا قد دخلت الآن على العراق المحتل وكأنها لم تكن ذاك الشريك الأهم والمستفيد الأكبر من عراق ما قبل الغزو وسحقت كل مقومات الصداقة التي ربطتها بالعراق وتجاهلت كل ما حققه لها العراق من منافع من جغرافية الوطنية ومن جغرافيا الأمة وانعكاسات تلك المكاسب على علاقات الاتحاد السوفيتي كلها.

لم تواجه العلاقة الروسية السورية ذات المنحدرات السلبية والمهينة أخلاقياً لروسيا لأنها قد ينظر إليها على أنها امتداد له جذوره التي لم تنقطع بسبب توريث النظام الأسدي, غير أن المحنة والكارثة قد وجدت كامل ألوانها في العلاقة المهينة لها مع حكومة الاحتلال في العراق، ونقول مهينة لأنها قدمت روسيا بلا وازع أخلاقي وجردتها من المسحاة المتوازنة والموضوعية في علاقتها الدولية الموصوفة سابقاً بدعم الشعوب وحركات وقوى التحرر في منطقتنا والعالم!. لقد قدمت روسيا نفسها للعالم في علاقتها مع إيران ومنتج الاحتلال في العراق وسوريا المنهكة بالمواجهة بين النظام والشعب على أنها دب سقط عنه فروه وهو يتمرغ في جبال الثلج القطبي وما عاد يهمها من شيء غير الدفء المشهود في بلادنا والثروات التي يمكن أن تنهال عليها وهي تحاول إعادة بناء ترسانتها العسكرية والاقتصادية.

لم يعد أحد يجد أي حرج في أن يضع روسيا في كفة التقابل بانتفاء الأخلاق في السياسة والحراك الباحث عن قوة الاقتصاد بل قد يرى البعض أنها صارت أخس وأسوء من أميركا الإمبريالية. الاشتراكية انقلبت انقلاباً تاماً إلى مناهج اقتصاد يسقط حقوق الشعوب ويلغي علاقات الصداقة الموضوعية ويعبد المال والأرباح الاقتصادية.

ويرى بعض العرب بعد هذا التحول الدراماتيكي لروسيا باتجاه البراغماتية في خلق وتوسيع العلاقات على أنه أحد أسباب تغول النظام الإيراني وأحد عوامل قوته المتعاضدة ضمناً مع كل عوامل تقويض الوجود القومي العربي وإعادة تمزيق جغرافيا الأقطار العربية التي تمسك بها الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية وتنفذها ضمن خطط معلنة وأخرى تدار في كواليس مظلمة وتدخل فيها إيران طبقاً لسياساتها وتوجهاتها الرامية إلى توسيع جغرافية نفوذها وبناء سطوتها الإقليمية على حساب العراق والخليج وسوريا ولبنان طبعاً.

إن علاقات المصالح الاقتصادية المتقاطعة والمتلاقية للشرق ممثلاً بروسيا والصين وللغرب الإمبريالي ولوبيات الصهيونية المسيطرة توجيهاً وتخطيطاً جعلت من الأمة العربية وثرواتها الطائلة النفطية والمعدنية وأسواقها ومواردها البشرية والمائية والشمسية والغازية تبدو وكأنها ذبيحة بين أضراس الوحوش، وهي كذلك بالفعل في وصفها الإجمالي وخاصة بعد غزو العراق واحتلاله وانضواء الأنظمة العربية كلها تقريباً تحت مظلة التحالف الإجرامي الذي غزا العراق واحتله ودمره وما زال يوغل.

إن الأنظمة العربية وخاصة الغنية والمالكة للثروات تجد نفسها تحلب يومياً إلى أميركا وحلفاءها وفي نفس الوقت فإن إيران تلعب بمقدراتها وتهدد أرضها وشعبها فضلاً عن تسليم العراق لقمة سائغة للذئب الفارسي المحمل ضد العراق بأحقاد الطائفية والثأر البغيض والذي شن حرباً ضروس عام 1980 -1988لاحتلال العراق لضمه إلى سلطة الولي الفقيه الصفوي، وترى أن يد إيران قد أطلقت عملياً وبغض النظر عن الادعاءات الإعلامية الفارغة والمشوشة في لبنان وسوريا.

إن الكثير من العرب ينظر الآن إلى أي توجه لأي نظام عربي بغض النظر عن تقييمنا المسبق لذاك النظام باتجاه إعادة روسيا إلى ساحة المصالح في الوطن العربي على أنه محاولة وتجربة تستحق العناء قد تحقق نتائج مهمة في عدة محاور تخدم الأمة سواء كانت خدمة الأمة موجودة في أجندة الدول الساعية نحو روسيا أم أنها محض محاولات قطرية لتلك الأنظمة لفرض قدر من الموضوعية على الطرف الأمريكي وأعوانه في التعاطي معها.

إن التوجه نحو روسيا يعلن بغض النظر عن تقييمنا سلباً أو إيجاباً لمختلف جزئياته وحيثياته عن ولادة حالة جديدة قد تفضي إلى سحب روسيا المتهافتة على المصالح الاقتصادية من حضن إيران وعلينا أن نقبل بحقيقة عاملة هي أن العلاقات المبنية على المصالح لا تعرف الأخلاق وأن اللعاب الروسي قد يسيل كثيفاً إذا ما قررت الأنظمة العربية كلها أو بعضها البدء بمشاريع الطاقة النووية للأغراض السلمية أو لتطوير مشاريعها القائمة فنحن نعرف أن هناك عدة مشاريع في عدة أقطار قد غطتها أتربة ما سمي بالربيع أو غزوات أميركا والناتو ومنتجاتها الإرهابية وجدلاً فإن سوق التنافس إذا ما فرضت مواليد وبورصات وعقود مختلفة فإنها قد تجبر الغول الإمبريالي على التوقف لحظة إزاء ممارسات إذلال العرب وإهانتهم المترافقة مع احتكار ثرواتهم وقد تلد فضاءات اقتصادية وسياسية تخرج روسيا من قبضة الحوت الغول الفارسي وتقربها أكثر لمصالح الأمة ليس حباً بالأمة بل حباً بخيراتها.

ولعل بعض ما هو ضائع أصلاً بكل معاني الوصف يعود ببعض النفع. ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما في أنفسهم والله على كل شيء قدير!.
 





الخميس ١٥ رمضــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / تمــوز / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبض العروبة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة