شبكة ذي قار
عـاجـل










هل هي مصادفة أن يعيش اللبنانيون هذه الأيام، كل هذا الجدل الصاخب حول دستورية وعدم دستورية القانون الأخير للإيجارات الذي أصدره مجلس النواب اللبناني وتم الطعن به دستورياً في أكثر من مادة من مواده.

وهل هي مصادفة أيضاً أن يُلقى كل هذا الهلع والخوف لدى الغالبية العظمى من المستأجرين على مختلف الأراضي اللبنانية جراء التهديد بإخلاء مساكنهم والقذف بهم إلى الشارع، سواء حصل ذلك اليوم أم غداً أم حتى بعد السنوات التسع التي حددها القانون، ليصار بعدها إلى إلزامهم بدفع الإيجار بموجب ما هو رائج مستقبلاً، وهل بمقدور كل هؤلاء أن يواكبوا القيمة التأجيرية الجديدة ومداخيلهم لا تكاد تذكر أمام ما ينتظرهم من أجور مضاعفة في المستقبل خاصة إذا قيست بما هو مطلوب من نسب مئوية على سعر العقار المؤجر وفق الأسعار الجديدة.

ولماذا تصر السلطة التشريعية في مجلس النواب اللبناني على إصدار قانون الإيجارات الأخير وهي التي مددت لنفسها أكثر من مرة بذريعة عدم إمكانية إجراء انتخابات نيابية في ظل الظروف الأمنية السائدة.

ألم يخطر على بال هؤلاء انعكاس هذه الظروف أيضاً على الوضع الاجتماعي الاقتصادي اللبناني وتراكم أعداد النازحين السوريين وندرة وجود شقق سكنية للتأجير هذه الأيام، وأن وجدت فبأسعار خيالية لم يسبق للبنانيين أن شهدوها من قبل.
ثم أن بعض النواب داخل الندوة البرلمانية، ممن وقفوا وراء هذا القانون ونظَّروا له وشرعنوه، ألم يتحسبوا لانعكاسه الظالم على الشرائح الواسعة من ناخبيهم وأبناء جلدتهم، لنخص بالذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، ان مدينة كبرى كطرابلس تُجمع الإحصائيات أن أكثر من ستين بالمئة من سكانها هم بحكم الفقراء والمستأجرين الصغار الذين يُصنفون تحت خط الفقر، وأن آخر دراسة صادرة عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا – الإسكوا، والمعهد العربي لإنماء المدن، تفيد أن "طرابلس مدينة فقيرة، وأن ظاهرة الفقر والحرمان فيها واسعة الانتشار ومتعددة الأبعاد والتجليات، بحيث لا يصح وصف الوضع بأن هنالك جيوباً للفقر والحرمان يمكن عزلها عن بقية المدينة، وما يمكن اعتباره طبقة وسطى لا تزيد عن عشرين بالمئة من إجمالي سكانها".

فهل أطلع السادة نواب المدينة على هذا التقرير الذي تم إذاعته ونشره على أوسع نطاق وفي احتفالية اقتصادية – اجتماعية عامة حضرها كل المعنيين بشؤون المدينة وشجونها!

وما ينطبق على طرابلس، يسحب نفسه حتماً على غيرها من أراضي لبنان الشاسعة وبقاعه المحرومة من عكار إلى الهرمل إلى ضواحي العاصمة والمتنين وصولاً إلى أبعد دسكرة على أرض الجنوب،

من أجل ذلك، يُطرح السؤال: لماذا كل تلك العُجالة في إصدار قانون الإيجارات والظروف الأمنية والاجتماعية والاقتصادية وعلى رداءتها، مستمرة في التدهور والانحدار لألف سبب وسبب، أولها وآخرها أن البلاد بأجمعها قائمة اليوم على فوهة بركان أمني متمثل فيما يحصل حولنا وعلى حدودنا، وبراكين اجتماعية واقتصادية ومعيشية أخرى هي حاصلة حتماً أن لم تكن بدأت في أكثر من منطقة ومدينة حيث أن الأغبياء والحمقى والمتورطين في هذه السلطة هم الذين سيدفعون الثمن الباهظ غداً وقبل غيرهم جراء انفجار الاحتقان السياسي والمذهبي والطائفي المتبادل الذي يساهمون به دون وازع أو ضمير.

من أجل كل ذلك، لا مناص من توجيه الدعوة الصادقة إلى جميع المعنيين في هذا البلد، وخاصة السلطتين التشريعية والتنفيذية، أن بادروا إلى سحب هذا القانون من التداول وبادروا على الفور إلى عقد مؤتمر اجتماعي اقتصادي إنمائي شامل يضع نصب عينيه رسم خطة إسكانية شاملة والاستفادة من الأراضي الأميرية والمشاع التابعة للبلديات وللدولة اللبنانية التي لديها المساحات الشاسعة المتوفرة لإسكان مئات آلاف المستأجرين واستيفاء المطلوب منهم على نمط ما ينص الإيجار التملكي بذلك.

ولحين تحقيق ذلك، لا بد من إزالة كل التباس حول أهداف التحرك القائم في مواجهة قانون الإيجارات الجائر الذي نؤكد وللمرة الألف بعد المليون، أنه لم يكن ولن يكون مطلقاً ضد المالكين وخاصة الصغار منهم الذين يتساوون مع المستأجرين في نفس المظلومية.

وإن التحرك في كل ما ينشده هو للضغط على السلطة اللبنانية بهدف التوصل إلى قانون عادل ينصف المؤجر ولا يلقي بالمستأجر إلى الشارع.

وإن الدولة الفاشلة والعاجزة هي التي أوصلت كل ما يتعلق بقانون الإيجارات إلى هذا المستوى من الصراعات الجديدة الدائرة هذه الأيام، وهي المعنية أولاً وأخيراً بالحفاظ على حقوق طرفي المعادلة التأجيرية أي المؤجر والمستأجر معاً، وبالتالي فإنها مطالبة اليوم بالعودة عن خطأها، والعودة عن الخطأ فضيلة،

وذلك بإعادة النظر في هذا القانون الذي لا يمكن وصفه سوى بالقانون المُلتبس، خاصة بعد كل العجز الحاصل حول تفسير بعض ما يتضمن من مواد، أبطل بعضها المجلس الدستوري، ومطعون في بعضها الآخر،

فهل وصلت الرسالة!






الخميس ٢٥ رجــب ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / أيــار / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة