شبكة ذي قار
عـاجـل










مع كل يوم يمر على العراق، تتوضح شيئاً فشيئاً ملامح المشاريع التي تعد له في المطابخ الدولية والإقليمية وأحدثها ما يعرف "بمشروع بايدن". الهادف إلى إعادة صياغة أوضاع العراق على قاعدة تشكله من ثلاثة مكونات. واحد في الشمال، وثانٍ في الجنوب والوسط وثالث في الغرب وبعض الشمال الشرقي. وأما بغداد فستكون عاصمة للدولة الاتحادية. وبالنظر إلى طبيعة التركيب السكاني لهذه المكونات بحسب هويتها القومية ومعتقدها الإيماني، فإن الأكراد في مكون الشمال يشار إليهم بالهوية القومية، وأما قاطنو سائر المناطق في الجنوب والغرب والوسط والشمال الشرقي فيشار إليهم بالمعتقد المذهبي علماً أنهم عرباً في هويتهم القومية.

وأحدث إطلالة سياسية على الواقع العراقي لناحية النظام الدستوري للدولة، هو النقاش الدائر حالياً في الأوساط الأميركية، لاستصدار تشريع من الكونغرس، يقضي بحجب المساعدات العسكرية عن الحكومة المركزية وتحويلها إلى "العشائر السنة" والأكراد لتمكينهما من التصدي "لداعش" وأخواتها وردائفها.

والتبرير الذي يعطيه المعنيون في أميركا، هو أن الحكومة تعتمد في ممارستها، منهجاً مفعماً بالسلوكية المذهبية، وهي بالتالي لا تتصرف باعتبارها سلطة تمثل كل العراقيين بل باتت طرفاً يعكس مصالح وتوجهات والتشكيلات السياسية ذات التركيب المذهبي في بنيتها التنظيمية ومضمون خطابها السياسي.

هذا الموقف الأميركي أثار ردات فعل سلبية لدى العبادي، داعياً لأن تكون المساعدات إلى السلطة المركزية.

قد يكون موقف العبادي سليماً من الناحية النظرية لأن من يعتبر نفسه مسؤولاً عن إدارة شؤون البلاد ويمتلك نظرياً سلطة القرار السياسي، تملي عليه الوطنية ذلك اذا كان وطنياً حقاً أن يرفض أي تدخل في الشؤون الداخلية لبلاده ومن أي جهة أتت ، خاصة وأن كثيرين يتدخلون وأبرزهم إيران وأميركا.

هذان الطرفان يتدخلان وكل منهما يستند إلى مرتكزات مشروعه الخاص، وهما وأن تبايناً حول بعض المسائل إلا أنهما يتفقان في الجوهر على إنتاج عراق ضعيف حيث النظام الإيراني يريده جرماً في الفلك الإيراني وأميركا تريده في وضع العاجز عن تهديد أمني النفط "وإسرائيل".

وعليه فإن العراق الذي يتفق عليه هذان الطرفان، هو غير العراق الذي تدير شؤونه دولة وطنية مركزية، وغير العراق المحكوم بقاعدة الولاء للمواطنة، وغير العراق الذي يشكل حصداً للتهديدات للأمن القومي العربي من مداخل الوطن الشرقية، وغير العراق صاحب الدور الريادي في الاستنهاض القومي والضلع الصلب في الهرم العربي وغير العراق المستقل عن الالتحاقات بالمراكز الاستقطابية الدولية، وغير العراق الذي يوظف قدراته في خدمة الاستنهاض الوطني والتقدم على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والإنمائية الشاملة.

هذا العراق الذي يراد إنتاجه، في ضوء نتائج العدوان وتداعياته، هو الذي يرتسم في مخيلة الذين خططوا ونفذوا العدوان للوصول به إلى النتائج المرجوة.

وعلى هذا الأساس، فإن ما تعمل لأجله أميركا لا يختلف في جوهره عما يريده النظام الإيراني. وعندما تكون السلطة الحاكة في العراق هي نتيجة التفاهم الأميركي الإيراني، يصبح أي اعتراض إيراني أو من بدور في تلك النظام وغير شخوصاته العراقية مفتقراً إلى المصداقية، والأمر نفسه بالنسبة لأميركا حيث أنهم رغم لهجة الاعتراض على السلوك الإيراني، فإن الثابت والقائم على الأرض، أن أفعال كل منهما إنما تكمل بنتائجها أفعال الآخر وعليه فإن المشروعين بنسخته الأميركية أو بنسخته الإيرانية إنما هما شديدا الخطورة على العراق بتعبيرات وحدة الأرض والشعب والمؤسسات، أو بتعبيرات الموقع والدور والهوية.

فما يطرحه بايدن وما يدور من نقاش في الأوسط الأميركية لا يخرج عما تضمنه مشروع الدستور الذي أسست عليه العملية السياسية والذي نص على اعتبار العراق دولة اتحادية مشكلة ليس من مكونيين عربي وكردي بل من عدة مكونات، وهو ما جرت الإشارة إليه بداية، والدستور الذي أكد على اعتبار العراق دولة مركبة، أكد على تطييف ومذهبية الحياة السياسية، بحيث دخلت لأول مرة في قاموس الحياة السياسية العراقية مفردات "الشيعية السياسية" و"السنية السياسية" وقس على ذلك.

وهذا الذي ورد في نص الدستور الذي بنيت عليه العملية السياسية سبق ونودي به في وثيقة ما يسمي بإعلان شيعة العراق. حيث أن الموقعين على هذه الوثيقة لم يقدموا أنفسهم معارضين للنظام الوطني بأنهم عراقيون ينتمون بالمواطنة إلى دولة العراق بل قدموا أنفسهم باعتبارهم شيعة ينتمون إلى مذهب معين ويريدون موقعاً في السلطة ومرجعيه في النظام استناداً إلى هذه المذهبية.

إن من يرصد الحركة السياسية التي يقوم فيه أطراف ما يسمى بالعملية السياسية منذ وضع بريمر مشروع دستور العراق، يجد أن تلك المقدمات قد أفرزت النتائج المنظورة والمعاشة حالياً، وبالتالي فإن المشروعين المحمولين على رافعة العدوان الأميركي وعلى رافعة العدوان والتدخل الإيراني ليسا المشروعين اللذين يعول عليهما لإعادة توحيد العراق واستكمال تحريره، بل هما مشروعان أحلاهما مر. لأن المشروع الوحيد الذي ينقذ العراق مما يتعرض له وبما يرسم له، هو المشروع الوطني الذي حملت لواءه قوى التحرير والتغيير الوطني والذي ببنوده الستة يشكل مدخلاً لإطلاق عملية سياسية جديدة يمكن التعويل عليها لتحقيق الخلاص الوطني. وإذا كان العبادي يسجل اعتراضاً على الموقف الأميركي، فموقفه يفتقر إلى المصداقية، لأن من يريد أن يحتج على الموقف الأميركي، لا يبرر للنظام الإيراني دوره وتدخله، بل يغرب نظره عن أميركا وإيران ويتوجه إلى حاضنته الوطنية التي تتغذى من حليب الوطنية العراقية ويتربط بحبل الخلاص مع الرحم العربي والقوى الوطنية العراقية التي حررت العراق من الاحتلال وتناضل لإعادة توحيده على الأسس الوطنية والديموقراطية والتعددية السياسية جاهزة لاستقبال كل تائب إذا ما أراد أن يخلع ثوب العمالة والتبعية، ويعود إلى حيث يجب أن يكون عراقياً بالولاء الوطني، عربياً بالهوية القومية، ديموقراطياً في الممارسة السياسية وأن يتوب المرء ولو متأخراً أفضل له من أن لا يتوب أبداً لأن الشعب الذي قدم تضحيات جسيمة دفاعاً عن وطنه وحقه في العيش الحر الكريم، لن يغفر أبداً لمن يستمر على تقديم نفسه واجهة لتنفيذ أجندة تدمير العراق بكل مقوماته، وذاكرة الشعوب عصية على أمراض النسيان.






الثلاثاء ١٦ رجــب ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / أيــار / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة