شبكة ذي قار
عـاجـل










اتفاق الإطار بين مجموعة دول (1+5) وإيران، اختلفت القراءات السياسية بشأنه. فالبعض اعتبر إنجازه نصاً مؤزراً للنظام الإيراني، وبعض آخر رأى فيه استجابة إيرانية للشروط الدولية وهو أقرب إلى اتفاق الأذعان. ومن يراقب ردات الفعل السياسية والإعلامية التي أعقبت الإعلان، تستوقفه مسألتان : الأولى : أن الترحيب الذي بلغ حد الانفعال وأيضاً الامتعاض المعبر عنه بأشكال مختلفة من الاعتراض كان من الدوائر البعيدة عن مركز القرار الفعلي في السلطتين الأميركية والإيرانية.

وأما الثانية، فهو التحفظ الذي انطوى عليه موقف المركزين المقررين في أميركا وإيران حيال النتائج النهائية ولهذا لم تتسم ردات الفعل المرحبة والمعترضة بالموضوعية.

إن القراءة الموضوعية للاتفاق بمنأى عن الانفعالية السياسية ترحيباً أو اعتراضاً يملي النظر إليه من خلال العوامل التالية:

الأول: إن أي اتفاق هو محصلة توافق بين طرفين أو أكثر بحيث أن أي طرف لا يوقع على اتفاق لا يجد فيه استجابة لبعض مطالبه وحقوقه. وإلا كان الاتفاق مفروضاً بإرادة منفردة.

الثاني: أن الاتفاق يكون متوازياً بقدر ما يكون أطرافه متوازنون في عناصر القوة والتأثير التي يحوزون عليها.

الثالث: أن الاتفاق كي يصح نافذاً، لا يكفي الاتفاق على بنوده بل الأمر يرتبط بإمكانية تنفيذه وآليات التطبيق والمراقبة.

وبالنظر إلى الأوضاع الذاتية لطرفي التفاوض، فإن إيران دخلتها وهي مثقلة بنظام عقوبات حازم، وبعبء لفائض القوة الذي نفخ من دورها في دول الإقليم وباتت اعباؤه ثقيلة وأيضاً أثمانه، وأما الفريق الآخر، فهو لم يكن يعاني من وضع اقتصادي مأزوم، وهو على تعددية أطرافه وتبايناته السياسية حول الكثير من الملفات الدولية والقارية والإقليمية، كان متفقاً على احتواء البرنامج النووي الإيراني تحت سقف الانضباط الدولي. وعليه فإنه من خلال مقاربة وضع الفريقين، فإن الطرف الإيراني لم يكن في الوضع المريح وبالتالي كان الحلقة الأضعف، ومن يكون كذلك، فإن الاتفاق وأي اتفاق يمكن أن يتمخض بين طرفين مختلة الموازين القوة بينهما، لن يكون في نتائجه لمصلحة الفريق الأضعف.

إنه من خلال القراءة الأولية للمعلن من الاتفاق، فإن الإصرار الإيراني تركز على رفع العقوبات. وأن النظام الإيراني قدم في السنة العاشرة من المفاوضات تنازلات أكثر من تلك التي كانت مطروحة قبل سنوات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تخفيض مستوى التخصيب إلى ما دون 5%. وإذا ما اعتبرت عملية رفع العقوبات إنجازاً وكسباً، للإيرانيين، فهذا الكسب لم يدفع من جيب دول (1+5) بل دفع من الجيب الإيرانية، وعندما يعتبر النظام الإيراني أنه انتصر لمجرد رفع العقوبات وبات فرحه عظيماً، فهذا ينطبق عليه النادرة الشعبية التي تلخص بعبارة "أن الله عندما يريد أن يفرح فقيراً، يعيد له حماره الذي أضاعه".

مما لا شك فيه أن النظام الإيراني يمتاز ببراغماتية قوية، وهو لم يطل أمد المفاوضات بسبب هذه الراغماتية، بل المفاوضات طالت، لأن الطرف الآخر وخاصة أميركا وما تنطوي عليها سياستها من خبث انتظرت حتى فعلت العقوبات فعلها في الاقتصاد الإيراني، وحتى بات الدور الإيراني الذي غض النظر الدولي عنه محققاً لبعض نتائجه المرجوة في التخريب السياسي والمجتمعي في دول الإقليم وخاصة الحوض العربي، بغية خلق أرضية تساعد على إعادة تركيب نظام إقليمي يلبي حاجتي أمن "إسرائيل" وأمن المصالح المواقع المقررة في النظام الاستعماري الحديث، و"إسرائيل" إذا كانت تعارض امتلاك إيران للسلاح النووي فليس لأن هذا السلاح يمكن أن يستعمل ضدها، بل أن هذا الامتلاك سيفتح المجال أمام سباق تسلح نووي والعرب لن يكونوا بمعزل عن حيازته، وهذا ما تعتبره "إسرائيل" مصدر خطر إضافي عليها.

لقد قال بيغين عقب قصف مفاعل تموز في العراق مبرراً عدوانه، إن "إسرائيل" تبادر إلى شن حرب إذا أمتلك العرب السلاح النووي أو القدرة على إنتاجه ولم يقل شيئاً عن إيران،

من هنا حبذا لو طرحت إيران شرطاً على طاولة المفاوضات، هو التنازل عن البرنامج النووي مقابل تجريد المنطقة من هذا السلاح والمقصود بذلك "إسرائيل".

ولو طرحت هذا الشرط، وكفت عن التخريب والتدخل في الشؤون العربية لوجدت العرب إلى جانبها، ولما كان ميزان القوى مختلاً في غير مصلحة إيران ومصالح شعوبها.






الخميس ٢٧ جمادي الثانية ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / نيســان / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة