شبكة ذي قار
عـاجـل










العقيدة والايمان شيئان متلازمان ، لا يمكن أن نفصل بينهما ، ذلك لان تحقيق العقيدة، وتحويلها الى بناء سياسي واجتماعي واقتصادي وحضاري يستوجب أول ما يستوجب الايمان بهذه العقيدة والنضال من أجلها ، اضافة الى توفير شروط وامكانات هذا التحقيق، الذاتية منها والموضوعية والايمان باعتباره شرطا أساسيا من شروط تحقيق العقيدة لا يمكن أن يبنى على أسس مبهمة ، خاصة وان العقيدة هي مجموعة الاسس والمباديء التي تشكل أركان نظرية قابلة للدراسة والنقد والتطبيق، وحصيلة الدراسة والمناقشة الحية الواعية لاسس هذه النظرية ، تتوافر من خلالها شروط الرفض أو القبول بهذه النظرية ، وهي بمجموعها تشكل الاطار العام للايمان أو الرفض والنفور ، وكثير من النظريات والعقائد التي ظهرت بالمجتمعات ، لاقت مثل هذه الامور ، فتكون اما مقبولة أو مرفوضة ، ولكل من طرفي معادلة الرفض والقبول مبرراته وشروطه .

ان النظرية التي تجد قبولا من مجموع الجماهير لا بد ان تحمل مواصفات خاصة، حتمت على هذه الجماهير ان تؤمن بها وتتفاعل معها ، وبالتالي فان نظرية كهذه لابد وان تتسم بسمات منها :

1- درجة ارتباط هذه النظرية بتطلعات وطموحات هذه الجماهير ، ومدى قدرتها على رسم حاضرها ومستقبلها بما يجعلها تتفاعل معها ياستمرار .

2- درجة تفاعلها واستيعابها للواقع، ودرجة علميتها في استنباط النتائج التي تشخص بها سمات الواقع، وقدرتها على وضع المعالجات والحلول الصائبة وامكانيتها في الخروج به من حالة الى اخرى ، تختلف جذريا عما هو عليه .

3- درجة امتلاكها للصفات والمكونات التي تشترك فيها هذه الطبقات بحيث ان النظرية لاتبدو غريبة عن مستوى تفكير الطبقات التي من أجلها ولدت النظرية .

ان النظرية قد تكون غير مقبولة تماما، عندما لا تحمل الصفات العامة التي تحملها القوى التي ولدت هذه النظرية في واقعها ومن اجلها ، وعندما تجانب هذه النظرية حقيقة الواقع وتبتعد عنه أو تحاول القفز عليه لتفرض نفسها فرضا قسريا ، والعكس صحيح ايضا، عندما يبدأ الواقع بالنهوض في ظل النظرية وما يعنيه ذلك من ان العقيدة أو النظرية قد وفرت كل مبررات قوة الايمان ، ذلك انه كلما كانت العقيدة تحمل السمات الاساسية لتطلع الجماهير ، وجدنا الايمان يزداد ويترسخ وتبدأ عملية التفاعل الحي بين العقيدة والواقع ، ويزداد ايمان الجماهير بحتمية التغيير أولا ، والايمان بكل ما تمليه المصلحة العليا ثانيا ، من هنا يبدأ الدور الفعال في تغير حركة الجماهير وتطورها نحو النهوض والابداع .

ان واقع الامة العربية ، بكل ما يحمله من تخلف وتجزئة وفساد ، وامتهان لارادة وكرامة الفرد كأنسان ، لم يكن شيئا أزليا، أنما هو حالة خاصة طارئة فرضتها الظروف ، وفرضتها قوى خارجية وضعت همها في سبيل أيقاف عجلة تقدم هذه الامة ، وطمس تاريخها الحضاري ورسالتها الانسانية ، التي تقدم لها معينا لا ينضب في عملية النهوض ، لذلك فأن ولادة الفكر القومي الاشتراكي في مرحلة الاربعينات ، جاءت لتشكل الرد الثوري على هذا الواقع المزيف المفروض على الامة ، وجماهيرها الكادحة ، لذا نجد ان الفكرة القومية الاشتراكية جاءت بكل ما يعيد للفرد العربي كرامته وتقدمه ، ويضعه في طريق خلق الانسان الجديد ، فشخصت بذلك كل تناقضات الواقع ، ووضعت امام الجماهير كل ملابساته التي كبلت الفرد لخدمة القوى المعادية المتمثلة بالامبريالية والصهيونية والرجعية العربية .

ومن هذا المنطلق ، فأن عقيدتنا الثورية استقطبت ايمان الجماهير ، من خلال الترابط والتفاعل بين طموحات الجماهير والمكونات الاساسية لمباديء هذه العقيدة ، والتي خرجت بالعقل العربي من طور الجمود واليأس ، الى طور النهوض والتحسس بسمات الواقع بعد ان ظلت الجماهير تعاني فترة طويلة من غياب الافكار والنظريات القادرة على تشخيص هذه السمات ، ووضع الحلول التي تعالج كل جوانب هذا الواقع، ومن خلال عملية العقيدة العربية الثورية ، فانها امتلكت الى جانب ايمان الجماهير بها، النظرة الشمولية لكل جوانب الواقع ، ووضعت الحلول الجذرية لها . ان الايمان الكلي بالعقيدة ، انما يتعمق ويترسخ عبر المعارك النضالية التي تخوضها الجماهير وطليعتها الرائدة وهذا ما جعل الحزب يتسم بسمة لم تعرفها الحركات السياسية والتيارات الفكرية في الوطن العربي وهي تلك الصلة الصميمية بين الفكر والجماهير لرسم صورة جديدة للواقع ترتكز على التقاء الوعي مع الايمان في اعمق صوره ، متطلعا الى النهوض وبناء المستقبل، ممتلكا الروح العلمية عن طريق الدقة والمنهجية في التفكير والعمل .

لقد عمل الحزب على عدم احداث هوة أو فجوة بينه وبين نفسه في المجال التنظيمي ، وبينه وبين الجماهير في مجال التعمل اليومي ، فكانت الديمقراطية المركزية ضمن تنظيماته ، والديمقراطية الشعبية في المجال الجماهيري كموقف مبديء في التعامل اليومي لترسيخ ايمان الجماهير والمناضلين بهذه العقيدة .

لان ايمان الجماهير بالعقيدة القومية الاشتراكية للحزب ، يجب ان يترادف مع ايمان الفكر نفسه بهذه الجماهير من أجل ان يستطيع رسم صورة واضحة في كل مبادئه واهدافه ، فانه يستخدم وباستمرار اسلوب مصارحة الجماهير ايمانا منه بان هذا الاسلوب لن يضعفه ، ولن يقلل من قيمته وقدرته في قيادة الجماهير ، بل على العكس من ذلك فهو تعبير عن صلة صميمية وعميقة بالجماهير باعتبارها صاحبة المصلحة الحقيقية في التغير الثوري الذي تنشده العقيدة ، ومن اجل عدم أضاعة أسس الروابط بين حركة الجماهير وقيادتها ، التي اتخذت من الجماهير المادة الحية في نموها وتطويرها وبلورة أفكارها .

ان الايمان بالجماهير ليس حالة ظرفية مؤقته ، انما هو حالة تفرضها مستلزمات النهوض الحضاري للامة ، ولان الجماهير يجب ان تجد طريقها الصحيح عندما تريد النهوض، ولان حزبنا ، حزب جماهيري ، فانه وضع من بين مستلزمات التوجه نحو الجماهير ، التمثيل الصادق والاصيل لكل تطلعاتها وطموحاتها ، ليضع لها أسس حركتها واسلوب تعاملها مع الظروف الذاتية والموضوعية في الواقع، وبشكل يجعل من أسس العلاقة بين العقيدة والجماهير من جهة وبين الجماهير وطليعتها القائدة من جهة اخرى متينة وراسخة ، وهذا بدوره يتطلب مايلي :ــ

1- وجود عناصر نزيهة مشبعة بالفكر الثوري، وتنتمي الى اصول اجتماعية من الوسط الجماهيري الذي ترتبط مصالحه بالثورة .

2- المصارحة المستمرة في العلاقة مع الجماهير لكسب ثقتها وشدها الى الحزب ، واعطائها دورها الفاعل في عملية التغيير.

3- الاستيعاب الواعي لمشاكل الجماهير اليومية والحياتية من قبل الجهاز الحزبي، ونقلها بكل امانه الى القيادة الثورية لوضع الحلول والمعالجات الصحيحة لها.

4- تعميق الصلة الصميمية بالجماهير والحيلولة دون وضع حواجز وجدران بين الحزب والجماهير ، لان ذلك يخلق فجوة واسعة يمكن استغلالها من قبل العناصر الاخرى المعادية لحركة الجماهير .

5- طرح افكار ومباديء الحزب في اوساط الجماهير ، وسماع أرائها ، وأشعارها بدورها الحاسم في تعزيز عملية البناء واحداث التحولات باتجاه تحقيق الاهداف المنشودة والاسهام في حمل الرسالة الخالدة للامة العربية .

المصدر : ث.ع عدد التاسع / ١٩٨٠






السبت ١٥ جمادي الثانية ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / نيســان / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب بلال أحمد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة