شبكة ذي قار
عـاجـل










"العقد شرعة المتعاقدين" هي قاعدة قانونية عامة ويشترط لصحة العقد، أن يكون غير مشوب بأية عيوب، كالتي تسمى عيوب الرضى. وقد حددها القانون بخمسة وهي الغلط – الخداع – الخوف – الغبن – نقص الأهلية، ويضاف اليها سادس وهو الإكراه. والإكراه على نوعين، إكراه معنوي، وهو الذي يتناول الحد من حرية الإرادة، وإكراه مادي وهو الذي يتناول وسائل الضغط المادي على الإنسان. والإكراه يمارسه عادة الأقوى في طرفي العقد، فيما يكون الأضعف في وضع المتلقي. وهذا ما يحدث خللاً في نصاب التوازن بين طرفين ملزمين بموجبات متقابلة. وكما لكل قاعدة استثناء، فإن الاستثناء لقاعدة "العقد شرعة المتعاقدين"، هو تدخل المشترع في تحديد مفاعيل بعض العقود المتبادلة بهدف توفير تغطية قانونية لتوازن الموجبات والحقوق. والمشترع غالباً ما يتدخل، عندما يكون العقد يتجاوز في مفاعيله طرفيه المباشرين، ليطال شريحة اجتماعية واسعة، بحيث يكون تدخل المشترع واجباً، لأن اختلال نصاب التوازن في عقد يتجاوز في أبعاده الاجتماعية، طرفيه المباشرين، يؤدي إلى اختلال اجتماعي عام.


والمشترع يتدخل عادة لحماية الطرق الأضعف، والأضعف في علاقات الإنتاج، هو العامل، في مواجهة رب العمل، والمستهلك في مواجهة المنتج والمستأجر في مواجهة المؤجر. ولهذا كانت الدولة عبر وظيفتها الأساسية وهي السلطة العامة أن بجانبيها التشريعي أو التنفيذي تتدخل لتوفير حماية بقوة القانون تارة، وعبر تحمل جزءاً من الأعباء المفروضة على الطرف الاضعف تارة أخرى.


وإذا كان تدخل السلطة العامة في تحمل بعض الأعباء، يتدرج تحت عنوان توفير الدعم لسلة من السلع والخدمات، كما كان معمول به، سابقاً. لجهة شمول عدداً لا بأس به من السلع والخدمات الأساسية بالدعم (المحروقات – الطبابة – التعليم – الطحين – التعليم) فإن بعضاً أخراً من أشكال التدخل أندرج عنوان التدخل القانوني. والنموذج الأبرز هو التشريع الاستثنائي في قضايا الإيجارة كما في قضايا العمل. وهذه الوظيفة للدول غير سطلتها العامة، كانت تتسم بصفة الشمول في كل دول العالم، لكن عبر أشكالها مختلفة، من التأميم الكامل لسلة الخدمات الأساسية، إلى التدخل بحدود معينة، وكما هو معمول به في لبنان وكثير من البلدان ذات الاقتصاد الحر.


وفي معرض السجال الدائر حول قانون الإيجارات الذي أقره مجلس النواب في الأول نيسان. يجدر التوقف عند ثلاثة مسائل:
المسألة الأولى: إن العلاقة التعاقدية في موضوع الإيجارات حكمتها قوانين خاصة لأكثر من سبعة عقود في لبنان، وهذه القوانين الخاصة فرضتها الحاجة الاجتماعية العامة، وكانت واحدة من الاستثناءات التي فرضت تدخل المشترع للحد من أطلاقية التعاقد في موضوع حيوي. ولهذا، كانت فاتحة القانون الاستثنائي تبدأ بنص "بالرغم من كل اتفاق مخالف".
المسألة الثانية: ان المشترع تدخل بشكل رئيسي في أربعة عناوين، الأول هو البدل، والثاني، هو المدة والثالث، هو الاسترداد والرابع هو نظام التقاضي .


بالنسبة للبدل، كان المشترع يزيد البدلات أو يخفضها، لإعادة التوازن، وبالنسبة للمدة، كان يمدد العقود بقوة القانون ،لتأمين ركائز الاستقرار الاجتماعي


وبالنسبة للاسترداد، كان يفرض شروطاً للاسترداد للضرورة العائلية، أو الخدماتية أو الهدم وكله مقابل تعويض عادل للمستأجر


وبالنسبة لنظام التقاضي، نصت قوانين الإيجارات على آلية خاصة للتقاضي وعلى استحداث غرف خاصة بقضايا الإيجارات.
المسألة الثالثة: أنه لم تكن تثر عند صدور قانون إيجارات جديد أية ردود فعل عليه من طرفي عقود الإيجارة. وهذا باعثه عدم شعور أي من طرفي العقد بغبن كبير لاحق به من تدخل المشترع ولإقرار ضمني، بأن المؤجر تحكّم بداية بشروط العقد وخاصة لجهة البدل لإدراك منه، بأن المشترع سوف يتدخل لاحقاً لتخفيض البدل، ولادراك ضمني من المستأجر بأن المشترع سيتدخل أيضاً لإعادة التوازن الموضوعي إلى نصاب العقد وخاصة لجهة تخفيض البدل وتحديد المدة، ولهذا كان يوقع الإيجارة مع معرفته بأن شروطها غير متوازنة.


لقد استمرت العلاقات التأجيرية مستقرة بجانبيها القانوني والاجتماعي، حتى بداية الانهيار في القوة الشرائية للوحدة النقدية اللبنانية وكان آخر تشريع استثنائي تناول موضوع الإيجارات هو القانون 25/83 تاريخ 28/2/1983.


في 23/7/1992، صدر القانون 159/92 متزامناً مع القانون 160/92
ومنذ تلك اللحظة، أي بدء نفاذ القانونين المشار إليهما، أصبحت العلاقات التأجيرية محكومة بمرجعيتين قانونيتين، مرجعية القانون 159/92 (التعاقد الحر)، الذي عدل المادة 543/ موجبات وعقود، ومرجعية القانون 160/92


إن القانون 160/92 أبقى الحماية القانونية على الإيجارات المعقودة قبل تاريخ نفاذه، ووضع نظاماً لاحتساب الزيادات والاسترداد.


في الأول من نيسان / أقر المجلس النيابي، قانوناً جديداً للإيجارات وهو أقر بمادة وحيدة بالصيغة التي رفعتها لجنة الإدارة والعدل.


هذا القانون رحب به المالكون وعارضه المستأجرون، حيث اعتبر المالكون أن القانون أنصفهم لجهة تحرير العقود جلال مدة معينة من تاريخ نفاذه مع احتساب لزيادة البدلات خلال هذه المدة لتصل بعد ست سنوات إلى مستوى البدل العادل (بدل المثل). واما المستأجرون، فاعتبروا أن القانون لم يأت متوازناً، وأنه راعى مصلحة المالك على حساب مصلحة المستأجر وبالتالي فإنه بدل أن يشكل حلاً لمشكلة ولد مشكلة أكثر تعقيداً.


هذا القانون الذي بات مثار جدل وجدال، يجب مقاربته من ناحيتين: الناحية القانونية، والناحية الواقعية.


المقاربة من الناحية القانونية:
مما لا شك فيه، أن توحيد المرجعية القانونية بما يتعلق بالعلاقات التعاقدية التأجيرية هو عنصر إيجابي في الاستقرار التشريعي. إذ لا يجوز أن تكون حالة واقعية محكومة بمرجعتين قانونيتين، كما كانت الحال بمرجعية القانون 159/92 و القانون 160/92


هذا في الجانب الإيجابي الأول، أما في الجانب الإيجابي الثاني، فإن صدور قانون للإيجارات بعد أكثر من عقدين على آخر تشريع بهذا الخصوص، يشكل عاملاً إيجابياً لانه وضع حداً للفراغ التشريعي في هذا المجال .


لكن ما شكل مثلباً من مثالب هذا التشريع، هو ما انطوى عليه من سلبيات في جانبه القانوني.
وإذا كانت إيجابية التشريع الجديد في موضوع الإيجارات تنطوي على توحيد المرجعية القانونية، وسد الفراغ التشريعي في هذا المجال، باعتبار أن قوانين الإيجارات هي قوانين استثنائية، محدد نفاذها زمنياً، فإن السلبيات التي انطوي عليها التشريع الجديد هي أكثر من الإيجابيات وانه من خلال للمقاربة القانونية، يمكن تلخيص السلبيات بثلاث:


السلبية الأولى: إنه ناقض فلسفة التشريع التي تقوم على أساس أن الاستقرار المجتمعي لا يستقيم إلا إذا كان التوازن قائماً بين الأطراف المتعاقدة، الملتزمة بموجبات متقابلة. والمشترع يتدخل عامة لاسباغ حمايته على الفريق الأضعف، وحتى يعود هذا الفريق إلى مستوى التوازن بقوة القانون. وهذه مسألة نص عليها الدستور عندما أكد على في الفقرة (ج) من مقدمة الدستور على العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والوجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل، وكما أكد عليه أيضاً في المادة (7) من الفصل الثاني من الدستور "كل اللبنانيين سواء امام القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم."


هذا النصان يشيران دون أدنى لبس إلى اعتبار العدالة الاجتماعية مرتبطة بالمساواة، وأن المشترع واجب عليه التدخل لتأمين نصاب هذه العدالة، حيث التشريع هو من الأشكال الاكثر أهمية في توفير ركائز هذه العدالة، ومن يراجع أحكام القانون لما انطوى عليه من مفاعل قانونية يجد، أنه يرجح مصلحة طرف (وهو المالك) على حساب مصلحة طرف آخر (المستأجر).
السلبية الثانية: ان المشترع الذي أصدر القانون نظر لحق السكن باعتباره حقاً تابعاً وليس حقاً قائماً بذاته، كحق الملكية الفردية مثلاً. والنظرة الإنسانية لموجبات التشريع تدعو إلى سمو الحق المرتبط بالإنسان على سائر الحقوق. وحق السكن هو حق إنساني، لذلك فإن المشترع يفترض فيه ان يعتبره في المرتبة الإسمى عندما يقارب الحقوق في مجال العلاقات التعاقدية.
وعندما يتناول التشريع قضية العلاقات التعاقدية المتعلقة بشكل أساسي بالسكن ،والسكن في تصنيف الضرورات، هو من الضرورات الإنسانية والاجتماعية الأساسية وهو بمصاف الضرورات الأخرى كالمآكل والملبس والعناية الطبية.فإنما يجب ان يتناوله عبر –البعد الانساني ولهذا نصت المادة (25) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تضمنته الشرعة الدولية لحقوق الإنسان 10//12/1948/ على أنه "لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق في مسكن يحميه من غوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه.


وبما أن السكن يرتبط بحياة الأسرة، فإن هذا الإعلان نص في الفقرة (3) من المادة (16) على أن الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة.


هذا المبدأ بدأت تأخذ به العديد من الدول ومنها فرنسا، حيث تم الاعتراف بالحق بالسكن اللائق، كحق يتوجب التطبيق الفوري من جانب الهيئات القضائية والإدارية عملاً بالقانون 290/2007 تاريخ 5 آذار 2007 (*).


وبما أن لبنان هو من الدول المنضمة إلى الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها وكما جاء في مقدمة الدستور، وبما أن المواثيق الدولية تتقدم في الأولويات على التشريعات الوطنية، فإن المشترع كان عليه أن يراعى هذه المسألة عندما أقدم على إصدار تشريع يتناول قضية السكن والمسبوغة الحماية عليها بموجب المواثيق الدولية باعتبارها من الضرورات الاجتماعية. وعلى الدولة أن يكون تدخلها لحماية هذا الحق الإنساني عبر تشريع يوازن بين الأطراف المتعاقدة والملتزمة بموجبات متقابلة. علماً أن القانون اللبناني يأخذ بمبدأ تسلسل القواعد حيث نصت الفقرة (1) من المادة (2) من قانون أصول المحاكمات المدنية على أنه عند تعارض أحكام المعاهدات الدولية مع أحكام القانون العادي تتقدم في مجال التطبيق الأولى على الثانية (مع ملاحظة أن المشترع أشار الى أحكام القانون العادي وليس إلى الدستور باعتباره القانون الاسمي، بحيث إذا كانت المعاهدات أو المواثيق الدولية تتعارض مع أحكام الدستور، فإن الامر يتطلب تعديلاً دستورياً كي يواءم مضمون المواثيق الدولية اذا ما رغبت الدولة الانضمام إلى معاهدة أو ميثاق دولي.)

ــــــــــــــــــ
*من المذكرة المقدمة من المحامي واصف الحركة إلى نقابة المحامين في بيروت حول مشروع قانون الإيجارات الذي أقره المجلس النيابي في 1/4/2014

السلبية الثالثة: وتتعلق بفض المنازعات الناجمة عن آليات التطبيق، بحيث احالها المشترع إلى لجان خاصة، وهذا بقدر ما فيه نزعاً لاختصاص القضاء في التصدي لقضايا نزاعية في قطاع شديد الحيوية،


فإنه حرم المتعاقدين من درجات المحاكمة، وهذا يخالف أبسط قواعد العدالة القضائية وبالتالي فإنه يعارض أحكام الدستور وخاصة المادة (20) منه، حيث السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها.ـ


هذه السلبيات الثلاث تجعل من قانون الإيجارات قانوناً مشوباً بعيوب جوهرية، كونه ناقض بأحكامه فلسفة التشريع، وتعارض مع أحكام المواثيق الدولية، وخالف أحكام الدستور وبالتالي فإن هذه الأسباب كافية لرده عند النظر من خلال المقاربة القانونية وهل يجوز وفي مطلق الحالات، أن يقر المجلس النيابي قانوناً بمادة وحيدة في قضية تتناول بفاعيلها ربع سكان البلد؟!!
هذا من ناحية المقاربة القانونية، فكيف الأمر من خلال المقاربة الواقعية لجهة ما انطوى عليه القانون من أحكام


المقاربة من الناحية الواقعية:


ان قانون الايجارات الذي أقره المجلس النيابي في الاول من نيسان/2014،إنطوى على مغالطات وقائعية، وهذه المغالطات تندرج تحت عناوين عدم المقاربة الموضوعية للاسس المادية للعلاقات التعاقدية.


المغالطة الاولى: ان القانون الذي نص على تحرير العقود بعد تسع سنوات من تاريخ نفاذه،وأضاف عليها ثلاث سنوات اشغال على أساس البدل بعد تحريره،تجاهل ان البدل سيحرر بعد ست سنوات من تاريخ نفاذه استناداً الى الزيادات السنوية التي تزاد على البدل الاساسي 15% سنة فسنة لمدة السنوات الاربع الولى و20% لمدة سنتين اللتين تليان.وانه بالنسبة للمؤجر وكما للمستأجر ،فإن المهم هو البدل الذي يصبح هو بدل المثل بعد ست سنوات.


المغالطة الثانية: ان القانون حدد(البدل العادل) بنسبة 5% من القيمة البيعية للمأجور وهنا الطامة الكبرى،حيث حدد المشترع البدل العادل(بدل المثل) بالاستناد الى القيمة البيعية للمأجور وليس بالاستناد الى مستوى التضخم.والمفارقة ناتجة عن ان ارتفاع اسعار العقارات بلغ نسبة 500% خلال السنوات الاخيرة،فيما التضخم بلغ مستوى 121% بما يعني ان القوة الشرائية للمداخيل انخفضت بنسبة التضخم.فكيف تحتسب البدلات بالقياس الى القيمة البيعية والتي ارتفعت بشكل غير طبيعي استناداًالى عوامل خارجية ولم تحتسب معدلات التضخم وانعكساتها على القوة الشرائية علماً ان السكن هو من سلعة الخدمات الاساسية.


المغالطة الثالثة: ان تدخل الدولة عبر انشائها صندوق الدعم،فضلاً عن كونه مشوباً بإلتباس حول آليات انشائه وتطبيقاته ومصادر تمويله،فإن تعقيداته العملية،تضيف مشكلة الى ما هو قائم أكثر مما تقدم حلاً. هذا من جهة آليات الانشاء والتعقيد،
أما من جهة الفئات المستفيدة،فإنها أكثر تعقيداً،وهي حصرت الذين يستفيدون حكماً من تقديماته هم من كانت مداخيلهم دون ضعفي الحد الادنى للاجور،ومن كانت مداخيله ما بين الضعفين والثلاثة يخضع لتقدير اللجنة وتقويمها لحال المستفيد وهنا تبرز ثلاثة اشكاليات:


الاشكالية الاولى :ان تقديمات الصندوق تطال من يخضع لاحكام القانون 160/92 الذي أقر منذ اثنين وعشرين سنة،وغالباً فإن المستفيدين من أحكام القانون هم ممن تجاوزت مداخيلهم ضعفي الحد الادنى وبالتالي فإنهم لن يستفيدوا من تقديماته.


الاشكالية الثانية: هناك فئات من المستأجرين يمارسون مهن حرة، وان أعداداً كبيرة من هؤلاء في ظل الازمة السياسية –الاقتصادية القائمة لا توازي مداخيلهم ضعفي الحد الادنى للاجور،علماً انهم غير مشمولين بتقديمات الصندوق باعتبارهم من اصحاب المهن الحرة،والا خضعوا لاجراءات خاصة.


الاشكالية الثالثة: ان فئة كبيرة من المستأجرين،يعيشون حالة بطالة مقنعة، وان نسبة هؤلاء هي بإرتفاع مضطرد،فكيف لهؤلاء ان يتحملوا عبء ارتفاع بدل الايجارات،وهم دون القدرة على تلبية كلفة الحاجات الاساسية ومنها السكن!!


هذه الاشكاليات الثلاث،تدلل على ان القانون لم يقارب بشكل موضوعي حقيقة الواقع القائم في ظل هذه العشوائية التي انطوى عليها التشريع في هذا القطاع الحيوي،وان ما اعتبر حوافز فإنها لا تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً،وان المستفيدين منها هم أصحاب الرساميل الكبرى الذين أقدموا على شراء عقارات مثقلة بإيجارات قديمة وبالتالي فإنهم لم يكونوا بعيدين عن روحية واحكام القانون الذي لم يشرع لمصلحة المستأجر ولا لمصلحة صغار الملاكين.


امام هذا الواقع المعقد،والذي يؤسس لازمة اجتماعية كبرى فيما لو تم نشر القانون واخذت احكامه طريقها الى التنفيذ،كيف السبل للتصدي لهذه المشكلة ببعديها القانوني والاجتماعي؟؟

رؤية لآلية حل لقضايا الايجارات:
انطلاقاً من روحية فلسفة التشريع التي ترمي الى تأمين مظلة قانونية للعلاقات الاجتماعية ومنها العلاقات التعاقدية ومنها عقود الايجارة نرى ان القانون يجب ان يوازن بين حماية حق الانتفاع بالايجارة باعتباره حقاً قائماً بذاته،وليست حقاً تابعاً،ولهذا فإن القانون الذي ينطوي على تشريع في هذا المجال يجب ان يحمي مصالح اطرافه دون غبن او اجحاف.


واذا كان الغبن والاجحاف قد طال البدلات القديمة والتي كانت ايجاراتها محكومة بالقانون 160/92،فإن الحل لا يكون بقلب الامور رأساً على عقب،بل بتشريع يوازن بين المصلحتين،مصلحة المستأجر في الانتفاع من عقد الايجارة ضمن معطيات العدالة الاجتماعية،ومصلحة المالك/المؤجر في حماية ملكيته الفردية وكل ما يتولد عنها من منافع مادية وايضاً ضمن ضوابط الاستقرار المجتمعي . وحتى يرفع الغبن والاجحاف الذي طال المالكين الخاضعين في علاقاتهم التعاقدية في مجال الايجارة لاحكام القانون 160/92 ،بسبب تدني البدلات،وحتى لا يقع المستأجرون تحت عبء تثقيل البدلات الايجار التي لا قدرة لهم على تحملها فيما لو اطلقت حرية التعاقد دون تدخل من المشترع فإننا نرى ان المقترحات التالية ،تشكل أرضية لحل متوازن :
أولاً: ان توحّد المرجعية القانونية للعلاقات التعاقدية في الايجارة،للحد من الفراغ التشريعي في هذا المجال،وهذا ألا يكون عبر اطلاق العنان لحرية التعاقد،بل بالرجوع عن قانون 159/92 وسن تشريع جديد يغطي بمفاعيله كل الحالات التعاقدية في موضوع الايجارة. وتحتسب البدلات على أساس 2,5% من القيمة البيعية للمأجور.


ثانياً: ان يصار الى دمج مشروع قانون الايجار التملكي ضمن أحكام قانون الايجارات،باعتباره يتعلق بمعالجة مشكلة السكن على قاعدة توازن الحقوق والموجبات( او بعبارة أخرى توازن المصالح).


ثالثاً: ان يعطي القانون للمؤجر والمستأجر حق الخيار المتوازن في عرض البيع والشراء ضمن الشروط التي تحددها احكام القانون.وعلى ان تبقى سلة الحوافز التي قدمتها الدولة لجهة الاعفاء من رسوم الافراز ورسم الطابع والرسوم العقارية وضريبة الاملاك المبنية قائمة.


رابعاً:للمالك الذي يريد استرداد مأجوره لغير الضرورة العائلية والهدم،ان يدفع للمستأجر تعويضاً لا يقل عن 40% من القيمة البيعية للمأجور،ويكون هذا التعويض بمثابة دفعة أولى من ثمن بيع المأجور،لا يدفعها المالك للمستأجر بل تحتسب من أصل ثمن بيع المأجور للمستأجر، وعلى أن يسدد المبلغ المتبقي ومقداره 60% بقرض اسكاني من مؤسسة الاسكان(أو المصارف الخاصة) مقابل تأمين من الدرجة الاولى على المأجور موضوع عقد البيع.


خامساً:في حال لم يرغب المالك ببيع المأجور،أو ان المستأجر، لم يرغب بالشراء،تبقى الايجارة قائمة وخاضعة للتمديد القانوني على أن يعاد النظر ببدل الايجار ليس استناداً الى القيمة البيعية للمأجور بل وفق معايير جديدة وهذه المعايير محددة في البند السادس


سادساً: لأجل احتساب البدل الجديد للايجارة في حال لم يرغب المؤجر بالبيع أو المستأجر بالشراء تحتسب البدلات وفق الالية التالية:


1- يلغى نظام المضاعفة للبدلات كما وردت في القانون 160/92.
2- يعتمد القانون 25/83 لاحتساب البدل بعد التخفيض أو الزيادة التي ادخلها على بدل الايجارة السابقة لنفاذه.وتحتسب تلك البدلات على أساس سعر صرف الليرة اللبنانية بالنسبة للدولار الاميركي.


3- تزاد البدلات في كل مرة تطرأ فيها زيادة على الاجور وتكون الزيادة بنسبة 50% من زيادة الشطر الاول منه.


(على سبيل المثال من كان بدل ايجاره 800 ل.ل بموجب احكام القانون 25/83،يصبح حالياً بعد احتساب الزيادة على الاجور والرواتب حوالي 500$ دولار أميركي).


4- اذا لم يأخذ المشترع بربط الزيادة على البدلات بزيادة الاجور،تزاد البدلات مرفق مؤشر التضخم الذي يصدره مصرف لبنان والا تحتسب على أساس 2,5% من القيمة البيعية


سابعاً: يبقى نظام التقاضي خاضعاً للاحكام المعمول به حالياً،سواء لجهة درجات التقاضي او لجهة البت بالنزاعات الناشئة عن الاشغال. اما لجهة النزاعات التي قد تنشأ عن ممارسة حق الخيار بالبيع والشراء وتحديد القيمة البيعية لاحتساب التعويض فتكون من صلاحيات اللجان المختصة والمشكلة لهذه الغاية.


ان الملاحظات التي جرت الاشارة اليها،والمقترحات التي تناولت احتساب البدلات تشكل مقاربة موضوعية لمعالجة هذه القضية بجانبها القانوني والواقعي،وهي كما تراعي مصلحة المستأجر عبر توفير تغطية قانونية لحقه بالانتفاع بالايجارة، فإنها توفر أيضاً حماية لحق المالك في ملكه،وتمكينه من الانتفاع منه على قاعدة التوازن بين طرفي العقد وعليه يكون الاستقرار الاجتماعي قد توفرت له أرضية وغطاء قانونيين في آن وهذا ما يقتضي رد القانون بالصيغة التي أقر بها، وحتى يصار الى اعادة درسه وتعديل أحكامه كي يأتي ملبياً حاجة شعبية ذات بعد وطني،وليس مصلحة حيتان المال واصحاب الشركات العقارية الكبرى.






الاثنين ٥ رجــب ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / أيــار / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة