في الذكرى الخامسة والسبعين لميلاد الشهيد صدام حسين، تكون قد مرت ثمان سنوات على استشهاده، مازلنا نعيش معه في ايام العز والمجد التي اختفت في هذه الايام الحبلى بالمصائب التي جلبها علينا حكام جاؤوا في غفلة من الزمن الردئ، رتب له اعداء الامة العربية من بلاد الغرب وبلاد الشرق. نستذكره ونتألم على ما وصلنا اليه من هرج ومرج، فقد كثر القتل بين المسلمين على الهوية، باسم الثورة والحرية والديمقراطية.
لقد كان للمرحوم الشهيد منهج ثوري يسير عليه نحو المجد والعلياء، منهج تحرري ونهضوي
ووحدوي حاربه الاعداء الغربيون والشرقيون. واعتقد انه ليس من المفيد اتباع المنهج
الوصفي او السرد التاريخي للاحداث التي مر بها منهجه الثوري، اذ ان غالبية من
عاصروا منهجه الثوري يعرفون المزيد من المنجزات التي حققها، ويعرفون الاحداث
والوقائع كل من وجهة نظره. كما انه من غير المفيد في هذه الظروف التي نعيشها اتباع
المنهج النقدي، لان مثل هذه المهمة هي من اختصاص القيادة العليا للحزب.
وعليه فانني اركز علي ستشاهد بعض من المبادئ والثوابت والسمات الخاصه بمنهج الشهيد
صدام حسين الثوري والنهضوي وخاصة فى ثورة 17-30 تموز.
1. إن العراق هو أحد اقطاب مثلث قلب العالم وقلب الوطن العربي مع مصر وسوريه. وقد
ادرك الوحدويون اهمية وحدة هذا المثلث. فقد ادركها عمرو بن العاص، وادركها محمد علي
باشا، وبعدهما جمال عبد الناصر وصدام حسين. وانطلاقا من الاهمية الجيواستراتيجية
مضت هذه للعراق استشعر صدام حسين والبعث من قبل دورالعرب القومي للودور العراقيين
بخاصة منذ بدايات الإستقلال. فلا غرابة ان يشارك العراقيون في الحروب القومية
ابتداء من حرب 1948 وحرب 1967 وحرب عام 1973، وهاهي مقابر شهداء الجيش العراقي في
جنين والمفرق ودمشق شواهد على قومية العراق والعراقيين. ولا اعتقد آن الحكم الطائفي
فى العراق اليوم قادر علي آن يغيير من الفكر القومي للكثيرا فى امد قريب، فها هو
حكم المالكي ينكشف للجميع بانه حكم طائفي تابع ذليل لنظام الملالي في ايران على أمل
أن ينال ولاية ثالثة في الحكم ولة على بحر من دماء العراقيين .
2. ومن اجل ترجمة الفكر القومي للارسل صدام حسين من اجل الوحدة وجمع شمل العرب فى
محاولات عديدة. ولكنه ادرك ان الوحدة على الارض لا تتحقق الا اذا ترسخ الفكر القومي
في الاذهان والقلوب. فكانت القرارات القومية: منها تجنيس المواطنين العرب، ومنحهم
كامل الحقوق التي منحت للعراقيين، وفتح ابواب العراق للعمالة العربية وبالذات في
قطاع الزراعة والصناعة والخدمات، كما فتحت الجامعات العراقية امام الوف الطلبة
العرب، كما شملت البعثات الى الخارج عددا من الطلبة العرب الذين نالوا شهادات عليا
من جامعات العالم. ان هذه المنجزات بانت في العديد من المناسبات اذ وقف هؤلاء ضد
اعداء العراق بالقول والفعل. واذا قيل ان العراق فتح ابوابه لجموع الطلبة من اجل
كسبهم للحزب؟ اقول ان 2٪ من هذه الجموع قد دخلت الى صفوف الحزب. واعرف هذا الامر من
واقع الطلبة الاردنيين الذين تخرجوا من الجامعات العراقية بالالوف، ولهم نادي خريجي
الجامعات العراقية، قليل منهم الذين انتموا الى صفوف الحزب، ولكن غالبيتهم تشبعوا
بالفكر القومي وصاروا مدافعين عنه.
3. تنبهت الامم المتحدة في العقدين الاخيرين الى أهمية التنمية البشرية المستدامة،
التي ترتكز على ثلاثة معايير هي: التعليم والصحة وزيادة دخل الفرد لكي يسهم في
التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
مضت هذه المعايير الثلاثه دعا اليها الشهيد صدام حسين وطبقتها ثورة 30-17 تموز منذ
الخطة الخمسية الاولى في عقد ستينات القرن الماضي. فكانت البعوث العلمية الى الخارج
بالالاف، وتم فتح جامعة في كل محافظة عراقية، والدراسة في الداخل والخارج مجانية.
كما فتحت المستشفيات والمراكز الصحية والطبابة مجانا ايضا. اما زياده دخل الفرد
بالمستوى آلذي يحقق الاسهام فى التنمية الإقتصادية فلم يتحقق للظروف والتحديات التي
واجهت العراق منذ عام 1980 وكل هذه الظروف معروفة للجميع. وابرز انجاز في سبيل
التنمية البشرية المستدامة هو القضاء على الامية في العراق، وهو انجاز شهدت له
منظمة اليونسكو.
4. النهضة منهج عالمي وعملي من اجل تحقيق الرفاه الاجتماعي وصون كرامة الفرد
الانسانية. هذآ النهج آلذي حقق للغرب هذآ التقدم وفى شتى المجالات هو النهج الممنوع
علي العرب من قبل الغرب الاستعماري نفسه. واسوق الواقعة التاريخية الاتية: تقرير
لجنة كامبل بنرمان 1905-1907 الخاص بدراسة اوضاع الامبراطورية البريطانيه فى الشرق
الاوسط وخاصة جاء فيه عبارتين ملفتتا للنظر هما: "علينا ان لا ندع افكارا شيطانية
كالتي راودت محمد علي باشا في الشرق الاوسط"، المقصود بهذه الافكار النهضة والوحدة
. وكل ما عمله محمد علي هو بناء مصانع لحلج القطن وتصنيعه بدلا من تصدير القطن
الخام الى بريطانيا ومن ثم استيراد منتجاته، والامر الاخر هو بناء مصانع للسلاح
لتحقيق الامن القومي وتحقيق الوحدة بالسلاح. والتفاصيل معروفة للمهتمين بالتاريخ.
والفقرة الثانية في تقرير كامبل تقول "علينا اقامة حاجز بشري وجغرافي يحول دون
تحقيق وحدة بلاد الشام وافريقيا العربية.
ثورة تموز التي قادها الشهيد صدام حسين سعت بجد نحو النهضة بكل السبل والوحدة، ورأت
ان النهضة لاتتحقق الا بصناعة استراتيجية، ولذلك عمدت الى بناء مصانع استراتيجية
لتصنيع المصانع التحويلية، المسماة منشأة النداء، وهي التي استهدفها الاعداء
الامريكان فى كل الاعتداءات المتكررة. وكذلك ولوج بناء المفاعلات النووية. اما
السعي للوحدة فمسيرته معروفة.
5. استنفار الجهد الجمعي بكفاءة عالية، واعني به القدرة على حشد اعداد كبيرة من
الشعب للقيام بعمل تاريخي يسجل للاجيال المقبلة، وهذا الاستنفار برع به صدام حسين
لما له من شخصية مميزة وقدرة على الاقناع بالحجة والمنطق .
على سبيل المثال : الجهد الجمعي في شق نهر صدام من شمال
بغداد الى البصرة وشط العرب، وهذا النهر له قصة طويلة، منذ عهد مجلس الاعمار في
العهد الملكي كان القرار ان يشق هذا النهر، وقد عملت عليه عشرون شركة اجنبية، وقد
ازاحت خلال العقود الثلاثة من القرن الماضي 100 مليون متر مكعب. ولم ينجز المشروع.
وعندما أراء تصويت الشهيد اكماله بصيغة التحدي عقب العدوان الثلاثيني عام 1991، تم
حشد الوف العمال والوف الاليات، وخلال ستة اشهر تم ازاحة 96 مليون متر مكعب، وبني
فوق النهر 51 جسرا و 28 عبارة، وبناء سايفون ينظم المد والجزر على شط العرب. هذا
العمل لا تكمن اهميتة في الجانب الاقتصادي والبيئي فحسب بل في القدرة على استنفار
القوى العاملة وتشغيلها في زمن الحصار وزيادة دخلها المالي. وكذلك تكرر الفعل
الجمعي في عبور نهر الخير من تحت الجبل، ومثل هذآ العمل كان من اختصاص الشركات
الاجنبية.
6. استنفار العقل العراقي بكل طاقته. معروف في الطب ان الدماغ يمكن ان يستنفر الى
اقصى طاقته ليصل الى 28 درجه، يكون فيها في اقصى حالات تجليه وابداعه. وقد تم
استنفار هذا العقل في اعادة بناء الجسر المعلق في بغداد. وهو الجسر الذي بناه
المهندسون البريطانيون. وعندما دمره العدوانيون عام 1991 كان القرار ان يعاد بناءه
وتم الاعتماد على ما تبقى من ذكريات عامل عراقي سبق له ان عمل مع الشركة البريطانية
التي بنت الجسر، اضافة الى الصور القديمة له. وبالفعل تم بناءه ومن اجل تطمين
العراقيين على قوته وسلامة السير عليه تم ايقاف عددا كبيرا من الشاحنات المحملة
بالرمل فوقه لعدة ايام.
6. من السمات التي ميزت زعماء العراق بعامة هي العفة والامانة، فلم يسجل على ملك او
زعيم عراقي انه سرق اموال الدولة، ولم نجد لهم حسابات في البنوك الاجنبية. فالملك
فيصل الثاني مات ولم يترك غير قصر الرحاب الذي يعد بيتا متواضعا. وكذلك زعماء العهد
الجمهوري فلم يتركوا غير القصر الجمهوري وبناية المجلس الوطني. اما الحديث عن قصور
الشهيد صدام حسين التي اراد الطائفيون الاساءة له فهي قصور للشعب وللدولة العراقية.
معروف انه لم يكن في العراق قبل عام 1982 غير قصر السلام. ولا يتسع الا لثلاثة
زعماء. وعندما عقد مؤتمر القمة العربي الاستثنائي عام 1978 لم تجد القيادة مكانا
مناسبا لاسكان الزعماء العرب، غير اخراج عدد من العائلات العراقية من بيوتهم في حي
الاميرات في المنصور، واعادة اعمارها وتأثيثها بما يتناسب مع استضافة الزعماء. ومنذ
ذاك الوقت كان قرار الشهيد صدام حسين هو بناء عددا من قصور الضيافة في كل محافظة
عراقية اسواة بما كان في روسيا ويوغسلافيا.
والغالبية من العراقيين يعرفون ان الشهيد صدام حسين لم يكن ينام في هذه القصور،
ولكنه كان يطمح الى عقد مؤتمرات عربية واقليمية ودولية فيها. وعن الذمة المالية فقد
تعبت الشركات والمصارف وهي يبحث عن ارصدة مودعة باسم صدام حسين فلن تجد.
وللعراقيين اليوم ان يقارنوا بين ما كان وما هو كائن اليوم في عهد الحكم الطائفي
الذيل لحكم نظام الملالي في ايران. حيث الفساد المالي والاداري والفشل في كل
المجالات، حتى ان العراق صار يصنف في اخر قوائم الفساد والرشوة والحط من حقوق
الانسان، ففي التقرير الاخير الذي اصدرته رويترز البريطانية حول حقوق الانسان وحقوق
المراة بخاصة، فقد جاء العراق في المرتبة ما قبل الاخيرة بعد مصر التي كانت رائدة
في حقوق الانسان وحقوق المراة بالذات.
رحم الله الشهيد صدام حسين، وسيظل قائدا فذا بكل مقاييس القيادة التاريخية، مهما
حاول اعداء الامة العربية النيل منه من العروبة ومن حزب البعث العربي الاشتراكي،
فالبعث بقيادته الحالية ممثلة بشخص رفيقه المخلص عزة ابراهيم الدوري الامين العام
للحزب وقائد الفداء والجهاد، سيظل ابن الشعب البار والمدافع عن امال الامة العربية
في النهضة والوحدة والعدالة.
