شبكة ذي قار
عـاجـل










من غريب المفارقات، أن يدعو المالكي لعقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب، ويقوم بالقاء كلمة الافتتاح، في نفس الوقت، الذي تقوم فيه الميليشيات الحكومية والمحسوبة عليه والتي يغلب عليها الطابع المذهبي، بمحاصرة المدن والبلدات والقرى في غرب العراق وشماله ووسطه.


إن الحملة العسكرية والأمنية التي اطلقها المالكي ضد الحراك الشعبي نهاية عام 2013، واستهدفت الجماهير الشعبية المرابطة والمعتصمة في ميادين الرمادي والفلوجة وسامراء والموصل وبغداد، بررها تحت عنوان مواجهة ما سماه القوى الإرهابية. وقد أستقدم لذلك حشداً عسكرياً كبيراً، واستعان بمساعدة لوجستية إيرانية ودعم أميركي، ظناً أنه يستطيع خلال فترة وجيزة، أن يضرب الحركة الشعبية التي استطاعت محاصرته بالموقف وبالحضور على الأرض، من خلال حراك حافظ على شعبيته وسلميته ومضمون خطابه السياسي الوطني. وبالتالي لم تستطع كل محاولات الاستفزاز التي اعتمدها أن عبر خطابه السياسي الذي وصف صراعه مع الحراك الشعبي بأنه صراع "أحفاد الحسين" مع "أحفاد يزيد" أو بقوله أن بينه وبين الحركة الشعبية التي نزلت إلى الميادين بحر من الدماء، أن يدفع ذاك الحراك لأن يخرج عن ثوابت موقفه الوطني وعن إطار حراكه الذي لم يحاك فئة معينة من شعب العراق، وإنما حاكى كل مكونات الشعب من خلال استحضاره لعناوين المسألة الوطنية.


إن استحضار المفردات الطائفية والمذهبية في خطاب المالكي، اصطدمت، بالمناعة الوطنية لدى جماهير الحراك، والتي أثبتت للمالكي ومن يقف وراءه ويشد أزره، بأن الفقاقيع التي وصف فيها الحراك الشعبي، إنما تنطبق عليه، ودليل ذلك، أن "العميلة السياسية"، التي أفرزها الاحتلال الأميركي، ويحتضنها حالياً النظام الإيراني قد انفجرت من الداخل وتشظت قواها السياسية، بحيث لم يعد المالكي ومن لف لفه في مواجهة مباشرة مع الحالة السياسية الوطنية التي أفرزها الحراك الشعبي و حسب بل بات ايضا في مواجهة مع قوى أخرى كانت لوقت قريب جزءاً من "العملية السياسية". وهذا ما جعل المالكي في حالة محاصرة سياسية من أكثر من جهة، ولم يجد سبيلاً للخروج من هذا المأزق، إلا عبر تصدير أزمته إلى الخارج، عبر تحميل الدور العربي عامة والخليجي خاصة مسؤولية ما يجري في العراق، ظناً منه، أنه بذلك يمارس ابتزازاً سياسياً على قوى ودول تعارض الهيمنة الإيرانية على المنطقة انطلاقاً من العراق.


هذه المواقف التي أعلنها المالكي مؤخراً، لم تستطع أن تشكل خشبة خلاص له، بل على العكس من ذلك، فأن مأزقه ازداد حدة، نظراً لإتساع المواجهة الشعبية والسياسية معه ومع طغمته وميلشياته,حيث مع كل يوم يمر على المواجهة التي اتخذت بعداً شعبياً وثورياً، تضيق رقعة الخيارات السياسية أمامه، ولم تعد تنفع معه كل وسائط التضليل والبروبغندا الإعلامية التي يروجها مقدما نفسه عبرها بأنه يخوض مواجهة مع الإرهاب.


لقد ثبت بالوقائع، أن المالكي يمارس عبر ميليشياته العسكرية وتشكيلاته ومنظوماته الأمنية، إرهاباً منظماً على عموم شعب العراق وأن الحملة العسكرية التي أطلقها على الأنبار، لم تنطل على أحد، لأن من يحاصر المدن ويقطع أوصالها ويرميها بنيران الصواريخ والمدفعية ويدفع بأهلها للنزوح، هو الإرهابي بامتياز.


ولهذا، فإنه لن يستطيع الخروج من المأزق الذي يعيشه إلا بخروجه من الحياة السياسية مهزوما، لأنه لا يستطيع أن يربح حربه ضد شعب العراق، ولن تستطيع إشارات خطابه عن تدخل خارجي، أن تحجب حجم الدور الإيراني في تحديد خياراته السياسية والأمنية ، ولن يستطيع البيان الختامي الذي سيصدر عن أعمال المؤتمر الذي افتتحه، أن يوفر تغطية سياسية له.


إن المالكي الذي يدير العملية السياسية استناداً إلى دعم أميركي وايراني، وينفذ إجراءات قمع ضد شعب العراق لا يحتاج الى دليل لإثبات افتقاره إلى المشروعية الوطنية والشعبية. فهو فضلاً عن كونه جاء في سياق إفرازات عملية احتلال العراق، وهذا كاف لنزع أية مشروعية وطنية عنه وعن دوره، فإنه بالطريقة التي يقدم نفسه من خلالها، يبين أنه يمثل فئة سياسية تحكمها العدائية للوطنية العراقية، كما تحكمها العدائية للعروبة وهي هوية العراق القومية الأصيلة.


وإذا كان يعتبر نفسه حاكماً للعراق، ويتصرف بخلفية مذهبية موصوفة، على مستوى السلوك والموقف فكيف لشعب عريق في عروبته ومتجذر في وطنيته أن يسلس الأمور له وهو يعتبر أن بينه وبين الشعب بحر من الدماء!؟


وإذا كان يعتبر نفسه بأنه من أحفاد الحسين، فالحسين وما كان يمثل من منظومة قيمية ، هو أبعد ما يكون عمن انطوت سيرتهم السياسية على افتقار الحدود الدنيا من الوطنية، وهو في موقع السلطة التي يشغلها بات رمزاً للفساد السياسي والمالي و الاخلاقي.


من سوء طالع المالكي، أنه يعيش وهم الانتصار على شعب هزم أميركا بواسطة مقاومته الوطنية، ومن سوء طالعه، أنه يستحضر خطاباً مذهبياً طائفياً، في بيئة شعبية وطنية ثبت أن ولاءها الوطني أقوى من أي ولاء آخر.


إن اتساع دائرة الحراك الشعبي بشموله كافة مناطق العراق، هو من يحدد الاتجاهات الأساسية لمسار الصراع الحالي، وان الشعب الذي اختبرته كل ميادين المنازلة الوطنية والقومية، هو من سينتصر في هذه المنازلة الجديدة، وهو أن تحمل عبء تضحيات جسيمة في مواجهة الاحتلال فإن التضحيات التي يقدمها دفاعاً عن وحدته وعروبته ووطنيته هي التي سترسم معالم مستقبله. وعلى هذا الشعب أن يكون في حالة جهوزية لمحاكمة من دفع العراق إلى أتون الصراع الدامي كمجرم حرب أولاً، وكراع للارهاب ثانياً، وخطاب المالكي الافتتاحي في المؤتمر المسمى مؤتمر مكافحة الإرهاب لن يقدم ولن يؤخر شيئا.


انها مجرد فقاقيع.
 







الجمعة ١٣ جمادي الاولى ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / أذار / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة