شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل سبع سنوات، كانت الأمة العربية تحي مناسبة قومية واحدة، حطت رحالها في التأريخ الزمني، لحظة "تسلم وتسليم" على حد الفصل بين عامين، واحد طوى صفحته الأخيرة من رزنامة الأيام، وآخر فتح صفحة الأولى لتدون عليها أحداث، ليس تلك يُمر عليها مرور الكرام، بل تلك التي استوطِنت ( بكسر الطاء ) برمزيات سياسية هامة كانت نتاجاً لمسار شعوب وسير أشخاص.


أما اليوم، فإن الأمة تحي ثلاث مناسبات، الأقرب فيها، ذكرى الإعلان الرسمي عن الانسحاب الأميركي بلغة المحتل، وذكرى الاندحار بلغة المقاومة بنهاية 2011. والابعد فيها هي ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية في 1/1/1965، وما بين هاتين المناسبتين، حطت ذكرى استشهاد الرئيس صدام حسين رحالها، لتشكل مع ذاك الثنائي، أضلعاً لهرم عربي نضالي، اختزنت في بنيانه كل منظومة القيم الثورية العربية، ومنها أعيد الضخ التعبوي لجماهير الأمة لتحقيق الامتلاء النفسي والسياسي والنضالي.


إن انطلاقة الثورة الفلسطينية لثمانٍ وأربعين خلت، وانطلاقة المقاومة العراقية لإحدى عشرة سنة مضت، والدلالات التي انطوت عليها مشهدية استشهاد قائد العراق ومطلق مقاومته، تقاطعت في توقيت زمني واحد، أثبتت الأمة من خلالها أنها تختزن في ذاتها تراكماً نضالياً عظيماً، وانها بما أفصحت عنه من تحولات نوعية لهذا التراكم، أعادت الاعتبار لنفسها من خلال تجديد شخصيتها النضالية عبر الفعل المقاوم واثبتت أنها موجودة طالما أبناؤها يمتشقون السلاح لمقاومة المحتل، ويحصنون انفسهم بسلاح الموقف المبدئي ويسترشدون بأهداف الثورة العربية، وكله تأكيد عملي لمقولة مؤسس البعث الأستاذ ميشيل عفلق "أمتي موجودة حيث يحمل أبناؤها السلاح".


لقد وجدت الأمة نفسها في فلسطين، عبر الكفاح الشعبي بكل أشكاله، ووجدت نفسها في العراق عبر المقاومة بكل فعالياتها التي وجهت نار سلاحها إلى المحتل الأميركي وكل المتعاملين والمتحالفين والمتقاطعين ووجدت نفسها في الفعل المقاوم للاحتلال في لبنان كما وجدت نفسها كمنظومة قيمية في رمزية الاستشهاد للقائد صدام حسين، حيث عكست تلك المشهدية الاختصار المكثف لكل معطيات الصراع بين الأمة العربية وطلائعها الثورية المناضلة من جهة، وأعدائها المتعددي المشارب والمواقع من جهة أخرى. وهذا ليس لأن شهيد الحج الأكبر، اختصر الأمة بشخصيته، بل لأن حجم العداء المتراكم والحقد السياسي المجبول بكل نوازع السادية، والمشبع بكل ضغائن الشعوبية، ظهر جلياً في سلوكية العدو وأدواته التنفيذية، مقابل حجم الحضور القيمي للرمزية السياسية والنضالية، التي حلت حلولاً صوفياً في الشخصية النضالية للأمة التي تفصح عنها كل مرة بنماذج ثورية كلما وصلت فيها حالة الاختمار النضالي إلى مستوى النضج الكلي.


وإذا كانت ثورة فلسطين، بطلها الحقيقي شعب بكامله، وكانت مقاومة العراق بطلها شعب وجد في المقاومة معبراً عن أمانيه وأهدافه وطموحاته، فإن مشهدية استشهاد الرئيس صدام حسين، وأن كان بطلها شخص، إلا أن هذه الشخصية أخذت بعداً تجاوز حدود الذات الفردية، إلى حدود الذات الوطنية العراقية المنصهرة في إطار الذات القومية وهذا ما جعل منها عنواناً لمعركة مواجهة ضمن مسار الصراع الطويل الذي تخوضه الأمة للقضاء على كل أشكال الاستلاب الذي تعاني منه.


هذه المحطات النضالية الثلاث التي أفرزها المخاض النضالي الطويل للأمة العربية، أفرزت بدورها معطى نضالياً، أدت عوامل اختماره إلى تفجير وضع شعبي عارم عم ساحات الوطني العربي من مشرقه إلى مغربه، واستطاع أن يسقط منظومات حاكمة، ويدك حصون أخرى ويعمل جاهداً لإبقاء بوصلة حراكه متجهة نحو الأهداف الأساسية التي نزلت الجماهير الى الميادين لتحقيقها، إلا وهي إسقاط أنظمة الحكم الاستبدادية التي أمعنت في قمع الجماهير ومصادرة حريتها.


وإذا كان هذا الحراك الشعبي الذي انطلق تحت شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، يواجه تحديات على مستوى واندفاع قوى الخارج الإقليمي والدولي للتدخل في شؤون العرب، للأطباق على هذا الحراك، وحرفه عن أهدافه الوطنية، فإنه يواجه أيضاً تحديات على مستوى الداخل، سواء لجهة ضعف الهيكلة السياسية للقوى المنخرطة في ادارة الحراك الشعبي من ناحية، أو لجهة العسكرة التي فرضت على هذا الحراك بسبب إقدام أنظمة على معالجة الأزمات السياسية البنيوية بأساليب الحل الأمني والعسكري كما تعقدت معطيات الحراك بفعل انخراط قوى ذات تركيب بنيوي مذهبي، وتحمل خطاياً دينياً وسياسياً تكفيرياً. وهذا لا يقتصر على فريق دون آخر، بل يشمل كل القوى التي انخرطت في الصراع استناداً إلى خلفيات دينية ومذهبية وأياً كانت المسميات التي يقدم نفسه من خلالها.


إن هذا الاختراق الذي تعرضت له قوى الحراك الشعبي العربي، بدأت إثارة السلبية تؤثر على مسار الحراك، لأنه أدى إلى إضعاف الاتجاه الوطني والديموقراطي لدى قوى الحراك، ومعه باتت مكونات وطنية على المستوى الكياني وعلى المستوى المجتمعي مهددة في وحدتها وتماسك نسيجها الاجتماعي. وهذا ما كان ليحصل، لو لم تحاصر الثورة الفلسطينية، ويفرض الانكفاء عليها، لتواجه في ظروف غير متكافئة التحالف الصهيوني الاستعماري. كما أن هذا ما كان ليحصل، لو لم تحاصر المقاومة الوطنية العراقية، ويفرض التعتيم الإعلامي عليها، وترفع الحواجز في وجهها، حتى لا يأخذ الإنجاز التحريري الذي حققته، بعده الوطني الشامل وتوظيفه في سياق المشروع الوطني لإعادة توحيد العراق وحماية عروبته، وإسقاط كل إفرازات الاحتلال. وكما ان هذا ما كان ليحصل،لو تصرف من هم في مواقع السلطة بمنأى عن التقية السياسية، حيث يضمرون شيئاً ويفصحون عن شيء عن آخر، وهذا كان يوجب استحضار المصداقية في السلوك السياسي، والذي كان أبرز تعبير عن هذه المصداقية هو ذاك السلوك الذي أنتهجه قادة عادوا الى صفوف شعبهم عندما أسقطت السلطة السياسية، وهذه واحدة من الدلالة التي جسدها قائد المقاومة العراقية الرئيس الشهيد صدام حسين.


من هنا، فإن انتصار المشروع السياسي المحمول على رافعة الحراك الشعبي العربي، يرتبط بانتصار مشروع المقاومة التي أخذت على عاتقها عبء التصدي للاحتلال الأجنبي، وعلى قاعدة الترابط بين أهداف نضال التحرير الوطني وأهدف التحرر الاجتماعي.


هذا الترابط يعيد تسليط الضوء على ثلاثية أهداف الثورة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية. هذه الثلاثية التي نهلت من ينبوعها ثورة فلسطين يوم انطلقت، قبل عقود، واستلهمت معطياتها مقاومة العراق الوطنية، وكانت الهوية التي عرفت من خلالها شخصية شهيد الحج الأكبر، هي القانون العام الذي يجب التقيد بضوابطه وحتى تبقى تعبيرات حركة الثورة العربية، أن عبر أشكال المقاومة المسلحة، أو عبر أشكال التعبيرات الجماهيرية عبر أنماطها الحراكية، هي المعبر الأصيل عن مكنونات الجماهير وأهدافها في التحرر والتقدم وإقامة مجتمع المساواة والمواطنة.


إن العودة إلى البدايات هي التي تفسر الدلالات التي انطوت عليه الجملة الشهيرة التي أطلقها الشهيد صدام حسين وفي أكثر اللحظات حراجة في الحياة الإنسانية، "عاشت فلسطين حرة عربية"، وهذه الجملة هي الترجمة لمقولة من كان مسكوناً بفلسطين وهي في قلوبنا وفي عيوننا إذا ما استدرنا إلى أي من الجهات الأربع.


إن العودة إلى البدايات ليست عودة إلى الوراء، بل هي عودة إلى مرحلة الصفاء الثوري، والنقاء الوطني. يوم رأت جماهير الأمة في انطلاق ثورة فلسطين، أملاً مرتجى بتحقيق حلمها، ويوم رأت الجماهير في انطلاقة المقاومة الوطنية العراقية ودحرها للاحتلال الأميركي، بداية الإسقاط الفعلي "لمشروع الشرق الاوسط الجديد"، وإعادة بعث المشروع القومي بكل مضامينه التحررية وقضاياه الاساسية وفي الطليعة منها قضية فلسطين. لأن فلسطين كانت وستبقى قضية العرب المركزية، وهي بالنسب للعرب، هوية نضالية. بها يعرّف المناضلون أنفسهم وبها تعرّف الأمة نفسها، لأن أمة بدون هوية نضالية، هي أمة مكتومة والأمة العربية التي تعرف من خلال الرمزيات النضالية هي أمة ليست مكتومة القيد.


في ذكرى حلول الرمزيات النضالية الثلاث في محطة زمنية واحدة، تستحضر المشهديات النضالية العربية لأمة حفل تاريخها الحديث والقديم بكثير من المحطات النضالية، ومعها تستحضر دلالات عصر البطولة على مستوى الشعب والقادة الشهداء منهم ،والأحياء الذين ينخرطون بكل جوارحهم في سياقات العمل النضالي وخاصة الأسرى والمعتقلين الذين يواجهون جلاديهم، وهم يقبضون على سلاح الموقف، مثبتين، أن الأسير المحصن بمبدأية الموقف هو الأقوى في صراع حرب الأرادات.


تحية لثورة فلسطين في ذكرى انطلاقتها، وتحية للمقاومة الوطنية العراقية في ذكرى دحرها للاحتلال الأميركي، وتحية لكل فعل مقاوم للاحتلال على كل أرض عربية، وتحية للشهداء وفي الطليعة منهم شهيدا فلسطين والعروبة صدام حسين وياسر عرفات والحرية للأسرى والمعتقلين في سجون ومعسكرات الاحتلال الصهيوني وسجون ومعتقلات السلطة المرتهنة لتحالف الاحتلالين الأميركي – الإيراني في العراق


وتحية لشهداء فلسطين والعراق وكل شهداء الأمة والحرية للقائدين المناضلين طارق عزيز وعبد الغني عبد الغفور وكل رفاقهما.
 






الثلاثاء ٢١ صفر ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / كانون الاول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة