شبكة ذي قار
عـاجـل










حين غادرت مأدبة الموت .. كان القوم سكرى يعاقرون الخمرة .. ويدقّون الطبول وكانت القينات تعزف بالمزاهر وكان كل شيء يعيد تصوير مأساة سيّدنا يحيى عليه السلام..


كنت وحدك تتهيّأ لأداء صلاة الفجر .. وكانت المآذن والحجيج يكبّرون تكبيرة عيد النحر .. سرت نسمات الفجر فسريت معها .. ودخلت قلوب المؤمنين .. فما أسرع ما ارتحلت من بين أكف القوادين وزناة العصر وما أسرع ما أقبلت علينا .. كنّا نبكي ولم نكن نعلم لمَ البكاء وقد سكنْت فينا وأقمْت بيننا وتبوّأت مكانك في قلب كلّ مؤمن ومؤمنة..؟؟


ترى هل كانت العيون تبكي حزن غيابك عنها أم كانت الأرواح تبكي فرح قدومك عليها..؟؟
أيّها القمر البابلي .. المتوهّج في كلّ قلبٍ خاشع..


يا تكبيرة العيد تناقلتها المآذن عبر فجاج الأرض .. تحملها إلى سماوات الله ملائكة تتحلّق صفوفا وتنتظم معارج قدسيّة حتى تتّصل بعلياء الله وملكوته..


أيّها القمر البابلي..
يا إشراقة صبح العيد أطلّت لتملأ الدنيا وضاءة وبهاءً..


أيّها القمر البابلي..
يا ندى الفجر يتجّمع قطرات طاهرة تبلّل شفاه الظامئين لحياة العزّة والكرامة الآدميّة..


أيّها القمر البابلي يا شموخ نخيل العراق .. وعطر زهر البرتقال .. وبياض زهر اللّوز ويا وهج النّور على صفحات القلوب المفعمة بعشق الحقّ الخالد..


أَنْــوَارُ وَجْـهِـكَ أشـرَقَــتْ بــفُـــؤادِي
فَمَحَتْ ضَـلالِي وَ اسـتَـفـاقَ رَشَــادِي
وَسَمِعْـتُ صَوتَــكَ هَـــادِراً وَمُـغَــرِّداً
بَـيــنَ الـزَّئــيـــرِ وَ رَنَّـــةِ الإِنْــشـــادِ
فَمَـلأتَ بالـفَـرَحِ الـقَـدِيــمِ جَـوَانِـحِــي
وَ سَـكَـبْــتَ فِـيــها رَوعَــةَ الأَمْـجَــادِ
مَن أَنْتَ ؟ - قَالَ الشَّامِتُونَ - وَمجـدُنا
أَوْهَـــتْ قُـــواهُ شَــمَــاتَــةَ الـحُـسّــادِ
مـن أنـتَ حَـتَّـى تَنْحَنــي هَـامَـاتُـهُــمْ
ذُلاً لَـدَيــكَ وَ أَنْــتَ فِـي الأصْـفــادِ ؟
مَـا زِلـتَ تُومِـئُ نَحْـوَهُـمْ فَتَصِيـدُهُـمْ
وَ تَـسُـوقُـهُــمْ أَسْــرَى بـغَــيـرِ قِـيــادِ
مَا زِلـتَ مِـن بَيـنِ الأنـامِ مـحـجـتـي
يَـا عِــزَّ أَيَّـامِـي وَ فَـخْــرَ جِــهــادي


أيّها القمر البابلي..
كنت هدية الحقّ لعشّاقه .. وكنت ثبات القيم وشموخ الإيمان وعزّة الاعتماد والثقة بالله وحده جبّار السموات والأرض..
تهيّبك الجبابرة حتّى حين كنت تسير حافي القدمين..


وارتعدت فرائصهم منك وأنت مقيّد الساقين وموثق اليدين..
وسطرت على وجوههم بنظرات الاحتقار أسفار الذلّة والهوان إلى أبد الآبدين..


فحيثما اتجهوا وجدوا الخزي رصدا لهم وعيون الخلق تصفعهم وتصبّ عليهم لعناتها كلّ حين ..


يــا ســــادن النــارِ مزهُـــــوَّا بفعلتــــه
كُفيت غدْري فليس الغـدرُ مــن شيمــيِ
عاجلــتَ نفســكَ بالغــدرِ الأثيــم وبــي
يا موقدَ النارِ فـي أهلــي وفــي حَرمــيِ
أبـلــغ أبــاك الـــذي اسـتـقـبـلــت قبلتــهُ
وجـمـعــه وعـلـى أعـنـاقـهـــم قــدمــيِ
أن الــذي أخضعــت طهـــران وطأتُــهُ
ودَكَّ إيــمــانُــــه قُــدســيــــةَ الـصـنـــمِ
يُمــرِّغُ اليــومَ أنــفَ الكفــرِ مُـنـتـعـــلاً
سُــود الـعـمـائِــمِ فــي مُـبـيـضَّـة اللِّـمَـمِ
فهـم بـ ( بغــداد ) قــوَّادو الزنـاة وهــم
مواكــبُ الحــزنِ تبكــي بائِــع الحــرمِ
وهــم بـ ( طهــران ) آيـاتٌ مُزغــردةٌ
لأسرِ مــن صـادَ منهــم نشــوةَ الحُلُــمِ
 

أيّها القمر البابلي..
قالوا لست ذلك الذي التفّ حبل المشنقة على عنقه صبيحة يوم العيد.. وقالوا لست الذي كان يبسم للموت في لحظة امتقعت فيه وجوه الجلادين المحيطين به .. وقالوا لست الذي انغرست قامته في الأرض وارتفعت هامته تطاول الثريّا .. في لحظة استعلاء على كلّ صغار وذلّة في هذا الوجود..


قالوا .. وقالوا..
وكان نورك الذي يشرق من ذلك الجبين يكذّب كلّ قول صادق.. ويصدّق كلّ قول غير ذلك..
أجل كنت أنت القادم على الموت بجماله وكماله وبهائه وجذله.. مثلما كنت أنت القاهر للموت بعزّة ربّ الأرباب الذي جعلك عنوان سقوطهم الأزلي..


وسيسألون كيف ذلك..؟؟ ونجيبهم .. إن ماهو آت آت..!!
نسي الدّجالون وهم يختارون أضحيتهم في يوم عيد النحر أنّ الله خلد فداء أحبابه في مثل هذا اليوم .. وتعاموا عن أنّ الله الذي فدى جدّك بذبح عظيم هو من سطر على جبينك بحروف يقرؤها الجاحدون فيرتعبون..
"قاصم الجبّارين بإذن الله "


ومادام جبّارو هذه الأرض يتطاولون على العباد تكبّرا فأنت معنيّ بهم وموكل بمحوهم .. واحدا تلو الآخر .. حتّى لا يبقى على وجه البسيطة من ينازع الله سلطانه على أرضه ..


آمـنـــتُ أنَّ اللهَ قـــامِـــع كُفْـرِهِـــم
بـــكَ لا سِـــوَاكَ وَ رَبُّـــكَ الــعَــــلاّمُ
ومُـحرِّر الأَقصـــى بجيـــشِ محمـــدٍ
جـيـــش الـعِـــرَاقِ يَــقُـــودُهُ صَـــدّامُ
مَنْ زَلْــزَلَ الدُّنيـــا بآيـــاتِ الوَغَـــى
مِـــنْ هَوْلِـــهَا كَـمْ زُلْــزِلَـــتْ أقـــدَامُ
أَهْفُــو إِلـى أرْضٍ سَـقَـيـــتَ تُرَابَـــهَا
بـدَمِ الغُـــزَاةِ .. وَمَـا عَلَـيْـــكَ مَـــلامُ
كَيْــما أُقَبِّـلَ تُـرْبَـــةً شَـرفَـــتْ بِـكُـــمْ
وَعَلَيْــكَ يَـا سِـبْـــطَ الـنَّـبـــيِّ سَـــلامُ


أيّها القمر البابلي .. متى تطلع من جوف الحقيقة..؟؟
متى تسفر عن وجه العدالة الأزليّ النقيّ الطاهر..؟؟


متى يفرح بك المستضعفون و يفرح معهم بك الوجود كلّه .. في لحظة مسرّة لا تزول..؟؟
متى ينبلج نورك من عين رضوان الحقّ جلّ وعلا .. في أجمل أعراس الوجود؟؟






الثلاثاء ٢١ صفر ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / كانون الاول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الجبّار سعد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة