شبكة ذي قار
عـاجـل










بسم الله الرحمن الرحيم

"وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ"

 


للشهداء عند الله منزلة عظيمة فهي تقترن في القرآن الكريم بالأنبياء في موضعين ذكرت فيها لفظة الشهداء ( النساء 69 والزمر 69! ) . وأقترنت بالصديقين في سورة الحديد آية 19. وهم أحياء عند ربهم يرزقون ( آل عمران 169! ) فلماذا لا يموت الشهداء ولماذا يستشهدون.


نستذكر سيرة الشهداء عاماً بعد عام كلما مرت مناسبة تذكرنا بمأثرة استشهادهم. فنستذكر حمزة والحسين عليهما السلام كونهما علمين بارزين من أعلام الشهادة في التاريخ الأسلامي ممن ضحوا بأنفسهم جهاداً في سبيل الله وإعلاءً لكلمة الحق، فما هادنوا وما أستكانوا لظلم. ونستذكر ابطال الأمة العربية والأسلامية ممن ختموا حياتهم بنيل مبتغاهم ( وهي الشهادة في سبيل الله ومبادئهم ) وكانوا قناديل مضيئة تنير دروباً كادت أن تعتم لولا دماؤهم وتضحياتهم. فنتذكر عمر المختار وعبد القادر الحسيني وغيرهما كثير.


وغالباً ما تقترن الشهادة بأختلال كبير في ميزان القوى لصالح القوة الغاشمة وأمثلة التاريخ في هذا الباب أكثر من ان تحصى، ولكن التضحية بالنفس في التوقيت المناسب والظرف المطلوب هي التي تعيد التوازن بل تقلبه لصالح المستضعفين والمظلومين.


وفي كل سنة وعندما يقترب العام الميلادي من نهايته يقف كل شرفاء العالم ليستذكروا وقفة عز واستشهاد بطل، وقفة عز قلَّ نظيرها، وبطولة طال انتظارها وشرف لا يناله الا من أمتلأ قلبه بالإيمان، وثبات وطمأنينة لا يستطيعهما إلا أولو العزم من المجاهدين الصادقين. فوالله لو كان لدى جلاديه أو لدى من أمر أو نفذ أو هلل بعملية الأغتيال هذه ذرة عقل وإيمان لعرفوا أن ما حصل كان اشارة ربانية لهم ليرعووا عن سبيل الغي، وليتوبوا الى بارئهم،،، فما خططوه كنصر لهم أنقلب وبالاً عليهم، ومن أرادوا أن يمحو ذكره بأعدامه أضاف حب ملايين أخرى كثيرة الى الملايين التي كانت تحبه، ومن أرادوا أن يكسروا شوكة اتباعه ومريديه باغتياله سرق منهم بريق الأضواء وأنتشرت مبادؤه لتكسب أجيالاً جديدة من البشر ستحكي قصة صموده، وخذلان أعداءه.


إن ما حصل في تلك الليلة من أواخر عام 2006، والتي غاب فيها نور العقل عن طغاة بغداد وغلبتهم شهوة الدم والأنتقام، واشرقت فيها شمس الشهادة لتنير فيها درب الحق سنيناً طويلة قادمة، فأن ما حصل كان أستثنائياً بكل المقاييس، وكان تعبيراً عن المعايير التي انقلبت حال دخول المحتل وتابعيه الى بغداد الحضارة والأنسانية. وبقدر ما كان الحدث استفزازاً لمشاعر ملايين المسلمين الذين كانوا يلبون ويكبرون أحتفالاً بعيدهم الكبير، فقد كان الحدث أيضاً "تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ".


كان الجلادون ملتحفين بظلمة المكان وأقنعة واهية لم تستر الخوف الذي كان يتسلل من حدقاتهم. لم يكونوا مطمئنين الى بعضهم البعض، بل لم يكونوا واثقين من شجاعتهم ومن قدرتهم على الأنتظار حتى نهاية الحدث! فقد كانوا خائفين مرتعبين، سواء علموا أم لم يعلموا أنهم على وشك ارتكاب جريمة كبرى قد لايغفرها لهم رب العرش العظيم. وعندما كان الصمت سيد الموقف، كنت تسمع لهاث أنفاسهم المتسارعة والمضطربة، "كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ".


وكان ضحيتهم آمناً مطمئناً! كان يمشي واثق الخطوة، غير هياب ولا متردد. وكان ينظر في عيون المتلثمين فينكسونها خوفاً ووجلاً. تخيلته وهو يستفسرعن الحبل وعقدته وكيفية تركيبه كأنما كما كان، يفتتح معرضاً للصناعات المدنية، أو يستعرض منجزاً عسكرياً أو تقنياً، أو يجول بين لوحات فنية يسأل عن أدق التفاصيل ويدخل في أعماق التصاميم وآلية التشغيل، يمزح أحياناً ويثني على جهود القائمين على الحدث أحياناً كثيرة، ويوجه ويصحح بعض الأحيان. ولربما قرأت في عينيه رغبة في ممازحة جلاديه لكنه قدّر أن هذا لا يناسب المقام ، وقد يساء فهمه أو قد يرفع من قدر اعدائه.


لقد كان شامخاً لم يهتز ولم يرتعب ولم يهادن حتى آخر لحظات حياته، وكان سعيداً بأن يردد الشهادتين ويلقى ربه برضا وتسليم. ولقد أبتسم عندما رأى بعينه ما لانراه! فلقد كفاه الله شروراً ماكان ليكفيها إلا عباده الصالحين، وهيء له منزلة تليق بتضحيته، "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ".


وبعد كل هذا يسأل السائلون لماذا يستشهد الشهداء! وبعد كل هذا نرى من يستخف بالشهادة ويسأل وماذا بعد؟ ويقول رب العزة: ".....وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴿٤﴾سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴿٥﴾وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴿٦﴾" ( محمد 3-6 ) . وهل بعد هذا من سبب! والتاريخ يروي لنا مآثر الشهداء الذين لولا دماؤهم وتضحياتهم لما قامت للحق دولة ولما عُرفَ للبطولة والرجولة معنى. ورحم الله أحمد شوقي حين قال "وللحرية الحمراء بابٌ بكل يدٍ مضرجة تدقُّ". فلولا الشهداء ولولا تضحياتهم لكان طريق الحق مظلماً للسالكين، ولكنهم أي الشهداء ينيرونه بدماءهم كلما أدلهم الخطب وعظمت المصيبة.


وأنت يا سيدي يا سيد شهداء العصر،،، كنت بطلاً في حياتك ونضالك، وكنت بطلاً أمام جلاديك، وكنت بطلاً ساعة أستشهادك،،، وكيف لا وأنت صدام حسين!

 





الاحد ١٩ صفر ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / كانون الاول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أمير البياتي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة