شبكة ذي قار
عـاجـل










ما إن غيّر الأمريكان هدفهم المعلن من إسقاط الأسد ونظامه الى تدمير الترسانة الكيمياوية السورية حتى بدأت الأحداث تتسارع خلف الأبواب المغلقة وعلى الأرض، وبدأت ملامح مشاريع إقليمية خطيرة ومهمة في الظهور، وبدأ العرب- والذين هم محور القضية ومادتها- حائرين مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. وبرزت إيران كالفارس الأبيض يصول ويجول في منطقة كانت أرضاً حراماً لها.


فما إن بدأت الأزمة السورية قبل حوالي عامين من الآن حتى كان فرز الخنادق واضحاً، فقد اصطفت إيران وكل عملائها ابتداءً من حزب الله الى صغار التابعين في العراق ولبنان الى جانب نظام الاسد الذي كان يعاني من النقمة الشعبية والأنهيار البنيوي بسبب تشكليته الطائفية المحدودة، ومن بوار بضاعته المتمثلة بمحور الممانعة على الصعيد العربي وأنكشاف جبنه وتواطئه مع العدو التاريخي للأمة. فيما اصطفت قوى المقاومة الشعبية والمعارضة الداخلية الى جانب المحاولات الأولى لأسقاط النظام. غير أن التواجد الجغرافي التركي قريباً من الأحداث ومن ثم انخراط الحكومة التركية ودول اقليمية أخرى بشكل مكشوف وعلني وقوي في النزاع السوري أعطى هذه القضية التي كان من المفترض أن تكون قضية داخلية بين شعب مظلوم ومقهور وبين جلاديه، أعطاها بعداً اقليمياً والبسها لبوساً طائفياً لم يكن مخططاً له أصلاً ممن بدأ المقاومة.


ومن ينظر الى خارطة التحالفات في الأزمة السورية يتملكه العجب ! فالنظام الإيراني وتابعه حكومة المنطقة الخضراء يعتبرون أنفسهم من الد أعداء البعث والبعثيين، بل البعثيون في العراق ممنوعون وملاحقون ويسجنون ويقتلون ويشَّرَدون هم وعوائلم دون سبب إلا كونهم بعثيين أو متعاطفين مع ما أصبح يطلق عليه ( الفكر البعثي الصدامي ) رغم أن صدام هو أبن البعث وفكره ونظامه كانا من نتاج الفكر البعثي الأصيل. والبعث في العراق "كافر" عند الخمينيين وأتباعهم، لكنه ليس كذلك في سوريا! فما يحمل أسم البعث في سوريا هو مزيج من الشعارات والمضامين الفكرية التي لا تجد تطبيقاً لها على أرض الواقع غير ما يصب في منفعة السلطة ويساهم في ديمومة جثومها على رقاب الشعب السوري المنكوب، وهو بالتأكيد لا علاقة له بحزب البعث العربي الأشتراكي إلا من حيث تشابه التسميات. ومع ذلك ومع بوعينا أن أتباع إيران الصغار في العراق ولينان لا يفكرون من هذا المنطلق، فأن الوقوف مع "بعث" سوريا وأضطهاد "بعث" العراق ما هو الا تناقض واضح لا يشبهه الا وقوف حسن نصر الله مع المقاومة في لبنان وسوريا-كما يدعي- والوقوف ضدها في العراق!


وبمثل هذا السيناريو تقف إيران ضد القاعدة في العراق وسوريا بينما هي تدعم فصائل منها وتدربها على الأراضي الإيرانية. ويقف الإيرانيون وحليفهم نصر الله في وجه الشيطان الأكبر (أمريكا) والكيان الصهيوني في سوريا بينما الكل يدعم النظام العميل في العراق والذي نصبه الأمريكان وتدعمه وتسانده إيران وإسرائيل!!!


ولكن، وبضربة من عصا سحرية كل هذا تغيّر! فبعد أن تم تغيير الهدف الأمريكاني من اسقاط الأسد الى تدمير اسلحته، بانت أسرار اللعبة. فعلى حين غرّة أصبحت قوات النظام في سوريا وبمساندة مكشوفة ومعلنة من حزب نصر الله والمليشيات الطائفية الإيرانية والعراقية أصبحت تستعيد توازنها وتسترجع مواقع مهمة في استراتيجية الصراع في سوريا. واصبح السكوت الدولي والأقليمي على جرائم النظام سمة لا يشوبها إلا صرخات مكبوتة من بعض المنظمات الأوربية أومن الضحايا أنفسهم أم من ذويهم. واصبحت تركيا التي كانت تتزعم جبهة المواجهة مع النظام والتي كان ثقل الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا من خلفها، أصبحت مكشوفة الظهر والجنب وترى قادتها في حيرة من امرهم بعد أن اكتشفوا أنهم غُرر بهم وأن القوى الدولية المتنفذة استخدمتهم كما استخدمت معاناة السوريين معهم. وبرزت تركيا كأكبر خاسر أقليمي في الصراع فلا هي اسقطت النظام بعد أن قطعت كل جسور العودة معه، ولا هي أحتفظت بعلاقاتها الطيبة مع دول الجوار بعد أن فرقهما خندق الصراع.


ومن ثم جاءت الضربة السحرية الثانية حين توصل الغرب ومعه أمريكا الى اتفاق نزع القدرات النووية الإيرانية! وبكل المقاييس ومهما أردنا أن نعدل من الوضع المائل الحالي فأن إيران كانت هي الخاسرة في الأتفاق، فبرغم الجعجعة الإيرانية الفارغة عن الحق في التخصيب والمشاريع المستقبلية فأن ما سيسمح لإيران من نسبة تخصيب لن تكون كافية إلا لتشغيل مفاعل سلمي وبطاقات تشغيلية وانتاجية محدودة.


إذاً، فما عدا مما بدا؟ ولماذا رضيت إيران بهذا النزع الكامل لقدراتها النووية مقابل ثمن بسيط هو رفع تدريجي للعقوبات الدولية؟ هناك أحتمالان:


• أمّا أن إيران لا تنوي أحترام الأتفاقية رغم قبولها الظاهري بها. وهذا يعني أن إيران ستواصل برنامجها ولكن بشكل أكثر سرية وتحت ظروف أخفاء جديدة ومبتكرة. ورغم أن هذا الأحتمال وارد، فالإيرانيون معروفون بعدم أحترامهم للمواثيق والأتفاقيات الدولية، إلا أنه صعب التنفيذ في ضوء طرق البحث والأستشعار والتفتيش والتجسس والأتصالات الحديثة المعروفة.


• أو أن هناك ثمن ستقبضه إيران مقابل ما قدمته من تنازل. فما هو الثمن؟


وقبل أن نحاول أن نعرف ماهو الثمن، علينا أن نلتقط بعض الأشارات من هنا وهناك. واول هذه الأشارات بالأضافة الى التغيرات الميدانية الحاصلة في خارطة النزاع على الأرض في سوريا وكما أشرنا في أعلاه، هي العودة الفجائية للدفء في العلاقات الأقليمية التي كانت باردة كالثلج. فالعلاقات الإيرانية من جهة مع السعودية والأمارات العربية المتحدة من جهة أخرى شهدت خلال الأيام القليلة الماضية دفئاً غير عادي، والعلاقات العراقية-التركية شهدت تحركاً سريعاً لمعالجة البرود التذي شابها مؤخراً، والأهم من ذلك هو التغير الحاصل في الخطاب الرسمي الأمريكي الذي ماعاد يكيل لإيران تهم الأرهاب وعدم أحترام حقوق الأنسان، بل أصبح يركز على "عقلانية" القرار الإيراني ومساهمته في "الحفاظ على السلام" الدولي والأقليمي! واصبح النفط الإيراني سلعة مرغوبة رغم أن أوبك أعترفت في أجتماعها الأخير أن هناك نوعاً من التخمة في أسواق النفط العالمية. فما عدا مما بدا؟؟؟ سؤال نعيد طرحه مرة ثانية.


هل سيكون الثمن الذي ستقبضه إيران هو البحرين مقابل التخلي عن الجزر الأماراتية الثلاث؟ أم أن اليد الإيرانية ستطلق في الكويت لتمارس اللعبة الطائفية المحببة لها؟ فإيران لن ترضى بمجرد عودة العلاقات مع الدول الخليجية كثمن لبرنامجها النووي. وهل سيتم منح الحكومة الإيرانية أو من يمثلها جائزة نوبل للسلام؟ وماذا عن حزب الله؟ هل سيرفع من القائمة الأمريكية للمنظمات الأرهابية؟ وهل سيعود حسن نصر الله الى الواجهة كـ"قائد" للمقاومة؟ وماذا عن التضحية التي قدمتها تركيا؟ هل ستكون بلا ثمن؟ أم إن ثمنها سيكون أتفاقيات أمنية واقتصادية عراقية-تركية تنعش تركيا بها أمنها واقتصادها وتثبت بها حكومة بغداد أركان عرشها المتهاوي وترقّع بها عيوب خلافاتها مع حكومة كردستان؟


وربما وربما، ولكن ومهما كان الثمن ومهما كانت جنسية المستفيد فأن الخاسر الأكبر في الصفقة هو الشعب العربي في سوريا وفي باقي أقطار الأمة وعلى الأمة ومناضليها تقع مسؤولية التحسب لكل الأحتمالات.





الجمعة ٣ صفر ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / كانون الاول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أمير البياتي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة