شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد التشدد الواضح الذي لاقاه رئيس حكومة الإحتلال نوري المالكي في زيارته الأخيرة إلى واشنطن في 30-10-2013، والرضوخ العاجل في بغداد بإصدار تعديلات إلى "قانون الإنتخابات" في 4-11-2013. فإن بوادر حبكة أمريكية قادمة لإنتخابات 30-4-2014 والتي ستغير منحى العملية السياسية الجارية في العراق منذ إقرار الدستور بظل المحتل في 15-10-2005.


إن الدوافع التي جعلت إدارة الرئيس باراك أوباما تتجه صوب إختيار نهج التغيير في العراق، لم يكن ناجماً عن تخطيط ذاتي مسبق لإحتواء الأوضاع المزرية والمتردية في كافة المناحي والمجالات، بل ناتجة عن بضعة أسباب خارجية فرضت نفسها، ومنها:


أولاً : بروز أصوات المتشتددين في مجلسي الشيوخ والنواب تجاه السياسة الخاطئة التي تتبعها إدارة أوباما في العراق. خصوصاً بعد الإنسحاب العسكري الأمريكي وترك الحبل على الغارب للمالكي الذي إنفرد بالسلطة تنفيذاً للمشروع الإيراني على حساب المشروع الأمريكي. مما جعل العملية السياسية خلال السنتين الأخيرتين تصل إلى طريق مغلق لا أفق فيه إلا بتغير ملموس وعاجل.


ثانياً : فوز بعض حُكام الولايات الأمريكية من المعتدلين في الحزب الديموقراطي، مما وجه صفعة قوية إلى "حركة حزب الشاي" المؤيدة للحزب الجمهوري ضد أوباما؛ وتأثيرها الصاعد منذ العام 2009، بعد الأزمة المالية التي عصفت بالمصارف والشركات.


ثالثاً : القرار السعودي برفض عضوية مجلس الأمن في 19-10-2013، بسبب إزدواجية المعايير في المجلس وعجزه عن قضايا إقليمية. وميول إدارة أوباما إلى الجانب الإيراني على حساب الجانب العربي، والتي أظهرت موقفاً سعودياً مغايراً لهذا النهج المجحف.


بيد أن المعاول التي ستستخدمها الإدارة الأمريكية في عملية التغيير القادمة ستعتمد على نهج السياسة الناعمة فقط. حيث سيتم ترتيب الأوضاع السياسية والأمنية بالشكل الذي يعيد للعراق شيئاً من توازنه الداخلي المفقود. ففي محاولة "قانون تعديل قانون الإنتخابات" سيجعل الكتل الكبيرة، لا سيما كتلة "التحالف الوطني الوطني" المدعومة إيرانياً على أساس طائفي، أن تكون عرضة للإنحسار جراء حصص الكتل الصغيرة غير المرتبطة بالنظام الإيراني.


ناهيك بالكلام عن التزييف المتعمد الذي لحق بالدستور وبنتائج الإنتخابات العامة في 2005. حيث جعلت نسبة السّنة في العراق لا تزيد عن 20%. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، إن محافظة نينوى التي يجب أن يكون عدد مقاعدها في مجلس النواب يتمثل في 31 نائباً، تم حصرها في 25 نائباً. وكذلك بالنسبة إلى محافظة الأنبار التي يجب أن يمثلها 21 نائباً، فقد تم حصرها في 17 نائباً. في حين أن محافظة بابل التي يتوجب أن يمثلها 5 نائباً، نالت حصة 11 نائباً. حيث أن التوزيع السكاني للمحافظات يكون مئة ألف نسمة مقابل مقعد واحد في مجلس النواب.


أما عن الجانب الأمني، وكيفية السيطرة عليه بعد التدهور الفضيع الذي صارت عجلة الموت تدور بشكل يومي رهيب في حصد أرواح المواطنين المدنيين الأبرياء. فحسب ما يتسرب من الخطة الأمريكية في هذا الصدد ما يلي :


أولاً : سيتم تفكيك "قوات سوات" التي أنشأها المحتل الأمريكي لتنفيذ مهمات خاصة وسريعة في أرجاء ربوع الوطن. إذ في 2006 سمح لنوري المالكي أن يشرك هذه القوات في عمليات عسكرية مشتركة. وبعد سنة عبر إتفاق خاص بينه وبين المحتل الأمريكي، تم إلحاق "قوات سوات" نهائياً بمكتب المالكي. وقام الأخير بزيادة أعداد هذه القوات من طائفة معينة ومن مناطق محددة. حتى غدت ذراع إرهابي طائفي يبطش فيها كيفما يشاء. وبما إن هذه القوات لا غطاء قانوني لها، وترتبط شخصياً بالمالكي، لذا فإن حلها سهلاً سواء من الناحية القانونية، أو في تغير شخص المالكي نفسه.


ثانياً : العمل على حل "جهاز مكافحة الإرهاب" الذي تحول إلى ذراع قمعي وحشي يوجهه المالكي ضد معارضيه سواء داخل العملية السياسية أو خارجها. مما خلقت مناخاً مرعباً ومستفزاً داخل المجتمع العراقي.


ثالثا ً: إعادة هيكلية المنظومة الأمنية برفدها وتطعيمها بعناصر مهنية بحتة. وكذلك في فتح دورات خاصة تزيد من قدرات وإمكانيات الجهات الأمنية.


ومن هنا فإن الإدارة الأمريكية ترى ضرورة في تسريع عملية التغيير هذه، لأنها ستنعكس إيجاباً في نتائج الإنتخابات العامة القادمة من جهة. وستثمر في إستقرار العراق سياسياً وأمنياً من جهة أخرى. وبالتالي ستعيد البوصلة إلى الجانب الأمريكي في ما فقده منذ أوآخر 2011.


ومن الأسئلة الواجب طرحها في هذا المجال، ما يأتي :

 

هل ستنجح إدارة أوباما في المتغييرات التي تراها وحدها دون إشراك حقيقي للقوى الوطنية العراقية الفاعلة سواء المسلحة منها أو المدنية ؟
وكيف ستضمن إدارة أوباما إستمرار نجاح المتغييرات التي تريدها وشخوص الإحتلال كانوا ومازالوا يفضلون مصالحهم الخاصة على المصالح العامة ؟


وكذلك أمام هذه المتغييرات القادمة، ما هو موقف المقاومة العراقية وقواها المدنية؟ هل الإبقاء على مبدأ المناوئة لكل ما تمخض عن المحتل الأمريكي من دستور وقوانين وحكومات وعملية سياسية جائرة؟ أم التعامل مع المتغييرات وفق تصورات ستفصح عنها لاحقاً؟


حسب تصورنا إن إستغلال الخاصرة الرخوة التي تعاني منها إدارة إوباما في العملية السياسية التي سيطرت عليها الطغمة الصفوية الحاكمة في إيران عبر الكتلة المصنوعة والمدعومة إيرانياً، تكمن في زج ودعم الوطنيين بالإشتراك في الإنتخابات القادمة لخلق أرضية تستثمر فيها هذه المتغييرات من أجل الوطن وشعبه. ولكن في حالة الإخفاق جراء عدم القدرة على تحقيق التغيير المنشود، فإن الإنسحاب من العملية السياسية أمر لا بد منه. وليس كما جرى في إنتخابات 2005 و 2010 عندما أستغل البعض الدعم وفاز ثم تنصل بحجة عدم قدرته على التنفيذ، في الوقت الذي يستمر في منصبه بنيل مكتسبات وإمتيازات وظيفية ومالية وغيرها.


إن الوطنيين الذين يشتركون ويفوزون بالإنتخابات نتيجة الدعم الشعبي أو دعم قوى المقاومة والممانعة، ثم يجدون أنفسهم لا يستطيعون التغيير نحو الأمام، فإن إنسحابهم من العملية السياسية ليس ضعفاُ أو تراجعاً، بل إعترافاً بالخلل المستفحل الذي يوجب جهوداً وطنية أكبر وأوسع من أجل تحقيق التغيير المطلوب. أما الإستمرار لمجرد إتمام الفترة الزمنية، فإنه خيانة بحق الوطن والمواطنين. والخائن يستحق العقاب آجلاً أم عاجلاً.


بين هذا وذاك، فعلى الإدراة الأمريكية وهي في صدد الإقبال على تنفيذ تلك المتغييرات المطلوبة، أن لا تغفل ثقل القوى الوطنية الحقيقي خارج العملية السياسية. كما وأن مد جسور التفاوض معهم بشكل جدي وصادق، ستعود نتائجه بالإيجاب لكلا الطرفين من أجل مستقبل واعد وناجح. فإن إستقرار العراق يعني إستقراراً للمنطقة بشكل عام. ولا يمكن للعراق أن يستقر إلا بسواعد الوطنيين الذين يتعاملون مع الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من مبدأ الحفاظ على المصالح المشتركة بين الند والند. لا التبعية الذيلية التي ينتهجها شخوص الإحتلال الذين صاروا عالة على المحتل نفسه، فأخذ بضرورة المتغييرات لكي يحجمهم؛ إن لم تخلص منهم نهائياً.
 

 

 





الاحد ٧ محرم ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / تشرين الثاني / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عماد الدين الجبوري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة