شبكة ذي قار
عـاجـل










أن ما دعاني لكنابة هذا المقال هو ما حدث في كربلاء وما نقلته بعض الفضائيات قبل بضعة ايام بشأن قيام عشرات من الكربلائيين بالتظاهر امام محلاتهم المهدمة من قبل السلطات البلدية في عاصمة الحزن العراقي كربلاء، وهتافهم بروح الرئيس العراقي السابق الشهيد باذن الله صدام حسين، وبالهتاف الذي كان معروفا إبان مدة حكمه التي زادت على العشرين عاما وهو "بالروح بالدم نفديك يا صدام". ومن اجل ان يكون واضحا لكل متتبع لهذا الحدث ولغيره من احداث التمرد على السلطة الحاكمة في بغداد اليوم، فإنني اود ان ابين إنه لا يمكن لأي منتسب لحزب البعث اليوم او لأي محب لصدام حسين رحمه الله ان يقوم بهذا الفعل او يشارك به او يدافع عنه، لا لشيء ولكن لأن العراقيين عامة والبعثيين خاصة يعيشون اليوم عيشة لا يمكن وصفها الا بالمظلمة ولا يوازيها الا ما كان قد مر عليهم من احداث مخيفة ودموية عبر تاريخهم الطويل لا سيما الاحتلال المتكرر لبلاد الفرس للعراق لمدة طويلة لم تنته الا مع ظهور الأسلام ووضع بلاد الفرس تحت الرعاية الأسلامية، ثم احتلال التتر والمغول لعاصمة الخلافة بغداد عام الف ومائتي وثمان وخمسين ميلادية، وبعدها حروب الكر والفر بين اولاد العمومة العثمانيين والصفويين والذين جعلوا من بلاد العراق واهله حطبا لحربهم وصراعهم على السلطة والتي دامت عدة قرون ولم تنته الا بانهيار الدولة العثمانية والأحتلال البريطاني للعراق ومن ثم تأسيس الدولة الوطنية في عام الف وتسعمائة وواحد وعشرين ميلادي. ويقول كل المنصفين ان ما يحصل اليوم مما خلفه الأحتلال الأمريكي الغاشم للعراق لهو اشد وطأة على العراق واهله من كل ما واجهه العراق في العهود التي سبقت.


ولهذا فأن العراقيين وتحت وطأة المسلسل اليومي من القتل والتنكيل والقتل على الهوية والقتل العشوائي والمنظم على السواء والتعذيب والتجويع وسياسات التشريد والأجتثاث، وفي ظل قوانين الأرهاب التي تحارب الدين والوطنية والقومية، وفي ظل التبعية الكاملة العمياء لدولة عانت ما عانت من خسارتها لحرب طويلة ضروس امام العراق، وفي ظل تهاون وسكوت عربي واقليمي ودولي غير مسبوق لما يحدث في العراق، مما يثبت مصداقية حكومة الرئيس الراحل صدام حسين التي كانت تردد وتؤكد على عدم مصداقية المجتمع الدولي وهيئاته ومنظماته وهيمنة سياسة الكيل بمكيالين في قضية العراق مقارنة بقضايا اخرى مشابهة او مرتبطة. المهم فأنه مع هذا الضغط السياسي الأحتلالي الكبير على العراقيين فلن تجد بعثيا او معارضا حقيقيا لسياسة الأحتلاليين في بغداد اليوم من يجاهر بحب الرئيس الراحل وبالهتاف له، بل سيكون عملهم وهكذا ينبغي ان يكون منظما عقلانيا غير عاطفي مبني على الأفعال المنظمة والمخططة وليس على ردود الأفعال الأنفعالية. اذن من هؤلاء؟ وحتى نعلم من هؤلاء ونفهم موقفهم وهتافهم علينا ان نراجع وضع الأمة وليس العراق وحده منذ احتلال العراق الى اليوم. لقد حدثني سفير عربي في البلد الذي اعيش فيه قائلا اننا في بلدنا نحب صدام حسين كثيرا لأنه عندما احتجنا للمساعدة لم نجد غير العراق في عهد صدام حسين وكان العراق في فترة الحرب مع ايران، وعندما احتجنا الى المساعدة ثانية ايضا لم نجد غير العراق وكان العراق تحت الحصار الأقتصادي بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي. وعندما رفعت الحكومة في الاردن في تسعينيات القرن الماضي اسعار المواد الأساسية زار العراق حينها عدد من رجالات الأردن من وزراء سابقين وبرلمانيين وشيوخ عشائر ليطلبوا من الرئيس الراحل صدام حسين ان يتحدث الى السلطات في الأردن للتراجع عن قرار رفع الأسعار، فما كان من الرئيس الا ان تدخل ليعرض زيادة الحصة الممنوحة من النفط الى الأردن مقابل الأبقاء على الأسعار كما هي من دون زيادة. وحدثني احد كبار الشخصيات في الحكومة الموريتانية في عام الفين واثنين خلال زيارتي الرسمية لنواكشوط قائلا اننا عندما حدث الصراع الحدودي مع السنغال لم نجد الا العراق الذي اطل علينا كما الصقر ليوقف الصراع بمساعداته العسكرية لنا ولترجح كفتنا امام السنغال.


الفلسطينيون كذلك في الضفة والقطاع وداخل حدود الثامن والاربعين لم يجدوا من يجاهر في الوقوف جنبهم مثل العراق وصدام حسين، وكان من آخر ما قاله المرحوم الدكتور عصام رشيد حويش في مقابلة في قناة الشرقية بعيد خروجه من سبعة سنوات من السجن الذي قضى نصف مدته تحت ادارة المحتل الأمريكي ونصفه الآخر تحت اشراف ادارة مريدي الأحتلال وممن جاءوا معهم، قال في اللقاء كان المحققون الأمريكيون يسألونني مرارا عن موضوع الدعم المادي الذي كان يقدمه صدام حسين "للارهابيين الفلسطينيين" كما يسميهم المحققون الامريكيون، وقال المرحوم حويش انني اجبتهم ان هؤلاء ليسوا ارهابيين على وفق عقيدتنا بل هم مجاهدون. نعم لقد ارّقت هذه المعونة التي كان يطلق عليها صدام حسين "اقل الواجب" التي اوجبها العراق على نفسه وهو محاصر، أرّقت الأمريكان ومن وراءهم. ومن غير صدام حسين والعراق هدد دولة الأحتلال الأسرائيلي بعد مقتل الطفل محمد الدرة؟


هل كان يمكن لكل الذي يحدث اليوم ان يحدث لو كان العراق لا يزال دولة عربية لها وزنها المعروف؟ كل ما يحدث اليوم في الدول العربية ما كان ممكنا لو كان العراق لا زال على منهج صدام حسين. لقد كان صدام حسين ملاذا لكل مظلوم ليس في العراق وحده وانما في الوطن العربي الكبير. التقيت احد امراء الدول الخليجية وعندما بادرني بالسؤال عن العراق عاتبته عما حدث للعراق وقلت ان هذا حصل للعراق والأمة بسبب تخاذل الحكام العرب وانظر ماذا يحدث لهم الواحد تلو الآخر، فأجابني الكل نادم، الكل ادرك الخسارة الكبيرة للأمة. لقد كان لصدام حسين تلفونات رسمية تبدأ بثلاث ثمانيات 888 ويعرفها اغلب العراقيين، يلجأ اليه الناس في حاجاتهم وشكاواهم. ولا يتوانى اهل المعارضين للرئيس الراحل ولحزب البعث من اللجوء اليه تشكيا من السلطات الحكومية والأمنية المختلفة التي تبالغ احيانا في بعض المعاملات الخاصة بهم كون ابناؤهم ممن يعادي النظام في الخارج. كان للرئيس الراحل مكتبا خاصا يعنى بشكاوى المواطنين، ولجان تحري خاصة في شؤون هذه الشكاوى ينتخبها من رجال القضاء المتقاعدين الذين عرفت عنهم المصداقية والنزاهة والحرفية. فهل يستطيع المالكي اليوم ان يقول اين مكتبه وما هو رقم هاتفه اذا اراد الناس ان يشتكوا له قسوة اجهزته الأمنية وقواته العسكرية. هل يقبل المالكي اليوم ان يشتكي له العراقي على اقربائه وحاشيته.


ونعود الى اصل الحدث في كربلاء، فقد علمت من احد الكربلائيين الى ان المنطقة المحيطة بضريح الحسين بن علي رضي الله عنهما وارضاهما قد بيع اغلبها الى تجار ايرانيين واخرين موالين وشركاء للحكومة وان السلطات البلدية وبدفع من اصحاب المحال الجدد تريد ان تهدم كل مقرات ومحال الباعة المتجولين وكل المحال القديمة من اجل دفع عجلة التجارة في المحال الجديدة، فما كان من المتضريين الا ان استذكروا ما كانوا عليه قبل العام المشؤوم في الفين وثلاثة، واستذكروا احداثا مرت عليهم وهم تحت رعاية العهد الوطني للعراق ليتساءلوا لو ان هذا قد حدث افتراضا في عهد الرئيس الراحل ماذا كانوا سيفعلون واين سيشتكون وكيف سينصفهم صدام حسين. ان شعور هؤلاء الباعة البسطاء بالظلم الشديد وشعورهم بفقدان من كان ليقف معهم بحسم لأرجاع حقوقهم هو الذي اخرجهم ليقولوا "بالروح بالدم نفديك يا صدام". سيقولها العرب والعراقيون تباعا، حتى اولئك الذين تأبى نفوسهم فعل ذلك، سيقولها العرب والعراقيون جميعا ليس حبا في صدام حسين، وانما طلبا لأنصافه وحسمه وعدالته.

 

 





السبت ٢٨ ذو الحجــة ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / تشرين الثاني / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمود خالد المسافر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة