شبكة ذي قار
عـاجـل










على وقع قرع طبول التهديد بتوجيه ضربات عسكرية أميركية لسوريا، رداً على ما اعتبر مسؤولية النظام في استخدام أسلحة كيماوية في الصراع المتفجر منذ سنتين ونصف، تصاعد دخان أبيض من "مدخنة" جنيف، تبشيراً بالتوصل إلى اتفاق أميركي – روسي على تجريد سوريا من الأسلحة الكيماوية التي بحوزتها، ولا يغير من جوهر الاتفاق استعمال مفردات أكثر تلطيفاً في لغة الدبلوماسية.


فور الإعلان عن الاتفاق بادر كل من مروحة الأطراف المنخرطة في الصراع في سوريا وعليها إلى اعتبار أن هذا الاتفاق شكل انتصاراً "ميموناً له".


فالبعض قال ان الاتفاق أعاد روسيا كدولة قطبية قارية وليس قطبية دولية إلى مسرح الأحداث الكبرى للمساهمة في صياغة تفاهمات سياسية على إدارة صراعات في مداها القاري وسوريا تقع ضمن هذا المدى.


وهذا صحيح لأن هذا التفاهم ربما كان مقدمة لتفاهات في مجالات أخرى قد يتعلق بعضها مرتبط بالدرع الصاروخي و بعض آخر بالاستثمارات النفطية والغازية في شرق المتوسط. ولهذا يحق لروسيا أن تدرج هذا الإنجاز في مجال الانتصار الدبلوماسي، لأنها استطاعت أن تلتقط الإشارة الأميركية العلنية التي تم التفاهم عليها ضمناً في اجتماع بطرسبرغ. وتترجمها إلى مبادرة دبلوماسية أثمرت اتفاقاً أدى إلى احتواء التوتر العسكري الذي كانت بوادره تلوح في الأفق.


هذا من جانب روسيا، أما من جانب أميركا، فهي تعتبر نفسها انها خرجت منتصرة من جولة التصعيد السياسي والتهديد باستعمال القوة. فالهدف الأميركي واضح وهو ضرب مرتكزات القوة في الوضع السوري وجعل سوريا، ساحة مكشوفة على الصعد السياسة والعسكرية والاقتصادية، وأنه لا يهم السبيل للوصول إلى هذه النتيجة، فإذا كان بالامكان تجريد سوريا من سلاحها الكيماوي بالسياسة، فلماذا الدخول في مغامرة الحرب ، وطالما أن أميركا استطاعت انتزاع موقف روسي بالموافقة على تدمير السلاح الكيماوي في سوريا، وأن الأخيرة بادرت إلى الالتزام بهذا الاتفاق، فإنها تعتبر نفسها قد انتصرت في هذه المواجهة وبدون خوض غمار الحرب العسكرية.


إنه لما لا شك فيه، ان الاتفاق كان محصلة تسوية أميركية روسية، وهذه التسوية التي ستوفر لها تغطية دولية، تصنف ربحاً لأميركا وروسيا في آن. ويمكن اعتبارهما رابحان في السياسة والدبلوماسية لأنها توصلا إلى فض الاشتباك بينهما انطلاقاً من معطيات مصالحهما أولاً.


إننا لا نرى استغراباً في ادعاء كل من روسيا وأميركا بأنهما خرجتا رابحتين أما أن يعتبر النظام السوري أنه انتصر من خلال معطى هذا الاتفاق، ففي الأمر مفارقة لا تستقيم ومعطى المحصلة السياسة لهذا الاتفاق.


إن هذا الاتفاق هو خسارة كبيرة لسوريا، لأنه يجردها من أحد عناصر القوة لديها بالنظر لموقعها الجيويوليتكي في الصراع العربي – الصهيوني. وعندما تجرد سوريا من سلاحها الكيماوي في وقت تختزن "اسرائيل" ترسانة نووية هائلة وترسانة كيماوية وبيولوجية ،فأي نصر يمكن اضفاءه على هذا الاتفاق الذي سيجعل سوريا من دون انياب وبغض النظر عن طبيعة النظام السياسي الحاكم .


على هذا الاساس فإن سوريا تعتبر هي الخاسر الاكبر فيما الرابح الاكبر هو العدو الصهيوني الذي لا يخفي اغتباطه من هذا الاتفاق الذي سيجرد سوريا مما كان يعتبر عنصر قوة في موازين القوى في الصراع العربي –الصهيوني. وأن يحط كيري رحاله في القدس المحتلة ليقابل نتانياهو قبل رئيسه، ليطلعه على تفاصيل الاتفاق وخارطة الطريق لتنفيذه، ففي هذا دلالة على أهمية الإنجاز الذي تحقق بالنسبة للعدو.


لذلك يجب الإقلاع عن تصوير هذا الاتفاق بأنه انتصار لسوريا، والأكثرمضاضة ان كلا طرفي الأزمة في سوريا من نظام ومعارضة لم ينظرا إلى هذا الاتفاق من زاوية الخسارة الاستراتيجية، بل نظرا إليه من زاوية الربح السياسي التكتيكي في تقاذف المواقف. وكان أجدى بهما، النظام أولاً والمعارضة ثانياً، و منذ اللحظة التي كانت تدور فيه النقاشات على تجريد سوريا من سلاحها الكيماوي، أن يطرحاً موقفاً مبدئياً على الأقل وهو أن يكون جعل سوريا خالية من السلاح الكيماوي من ضمن صفقة دولية، وهي تجريد المنطقة من أسلحة الدمار الشامل بحيث يشمل "إسرائيل" أيضاً. وان هذا الموقف وأن كان صعب تمريره في ظل موازين القوى السائدة حالياً، بعد اتفاقيات كمب دافيد وتدمير العراق، إلا أنه كان سيضفي مصداقية وطنية على أطراف الأزمة في سوريا.


أما وأن هذا الموقف لم يتخذ، ولم يبادر الفريقان إلى إطلاق مبادرات سياسية متقابلة لإنهاء أزمة سوريا على قاعدة الحل الانتقالي الذي يحفظ لسوريا مقوماتها ويضيق من هامش التدخلات ، فإن سوريا أصبحت متروكة لقدر التفاهمات الدولية والإقليمية حيث لن يكون الحل الذي سيتمخص عن هذه التفاهمات، حلاً وطنياً، بمعايير التحولات السياسية الوطنية الداخلية ، ولا بمعايير معطى الصراع العربي – الصهيوني.


إن سوريا اصبحت اليوم واكثر من اي وقت مضى حالة متلقية، وتجريدها من سلاحها الكيماوي سيوسع مساحة انكشافها السياسي والوطني والاقتصادي. ومن هنا يجب الانطلاق لتقييم نتائج اتفاق جنيف الكيماوي والذي هو استحضار لعملية تدمير ما سمي اسلحة دمار شامل في العراق .

 

 





الثلاثاء ١٢ ذو القعــدة ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / أيلول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة