شبكة ذي قار
عـاجـل










أيها الاخوات والاخوة
أيها الرفاق والاصدقاء
الحضور الكريم


سال دمع قلبي، فابك يا قلمُ على رفيق وصديق وعزيز وحبيب، خطفه الموت وهو حق بلغة الإيمان، لكنه صعب في معايشة الانسان. فراقٌ صعب لواحد من طينة ظافر. فراقه صعب على من عرفه وعايشه، وقضى معه حلو الأيام ومرها، فقلما اجتمعت خصال في شخصية كالتي كان يجسدها .


كان طائياً في كرمه، سموألاً في وفائه، بعثياً في مبادئه، مباشراً كالسهم وقاطعاً كالفيصل .


رفيقنا ظافر، الذي نقف اليوم خشوعاً في حضرة هالته، لم يحز شهادات أكاديمية من معاهد العلوم الإنسانية، إلا أنه كان استاذاً في العلم المعرفي، استقى شهاداته من مدرسة الحياة ومن المدرسة النضالية، مدرسة البعث التي تعلم فيها وعلم، تعلم فيها أصول وأحكام الالتزام والتعامل مع الأخر، وعلم فيها معاني الصدق والصدقية، والوفاء والعطاء والتضحية حيث ان البعثي اول من يضحي وآخر من يستفيد. ومهما قيل فيه، فإن المفردات تبقى اعجز من أن تحيط بمواصفات معطياته الشخصية في بعدها الإنساني الخاص، وفي بعدها الاجتماعي العام أنه باختصار المناضل المثقف الثوري بامتياز


رفيقنا ظافر، أينما اتجهت رأيته، ومتى طلبته وجدته، أنه الحاضر أبداً في بيئته المجتمعية، يؤثر فيها ويتأثر، ولهذا شكل ظاهرة اجتماعية، اختصرت فيها كل منظومة القيم الإنسانية.


يوم انطلق العمل الفدائي، أبى إلا أن يكون في الصفوف الأمامية ممتشقاً سلاح الموقف والبندقية، وأخاديد جسمه شاهدة على أثار الشظايا، التي لم تنل من عزيمته، بل كان يرى فيها اوردة يسري فيها عرقه لتصب في أرض يروي ظمأها، لتعود وتجري دورة الحياة في شرايينها، ساقية أرض الجنوب بدماء الشهداء والمقاومين ،وعرق المجاهدين والمناضلين، الذين جعلوا من شتلة تبغ الجنوب عنواناً لنضال شعبي، ضد شركات الاحتكار، وحيتان المال والسياسية، فكان مع رفاق له يعبرون عن نبض الحالة الشعبية التي انطلقت انتصاراً لمزارعي التبغ في بداية السبعينات.


رفيقنا ظافر، الذي لم يجد نفسه، إلا حيث تكون قضايا لجماهير، في نضالها المطلبي والوطني، وجد نفسه في الموقع الطبيعي الذي كان يحبه، وهو موقع القرار في الحركة الوطنية اللبنانية، يوم شغل أمانة سر قيادتها المشتركة، دفاعاً عن ثورة فلسطين، وهجوماً لتحقيق الإصلاح السياسي الديموقراطي في بنية النظام اللبناني وتدرج نضالاً إلى أن أصبح في موقع القرار في الحزب الذي انتمى إليه منذ نعومة اظافره وأعطاه كل دفق حياته.


يوم اجتاح العدو الصهيوني لبنان، لم يضع اتجاه البوصلة كعادته، فالأرض المحتلة لا تحرر إلا بالمقاومة فقاد قوات التحرير من ضمن فعاليات المقاومة الوطنية اللبنانية، وكان هدفاً ثابتاً للعدو، وبهذا كان يقول أن كل يوم نعيشه بعد عام 1982 هو عمر إضافي يجب توظيف معطياته في الحد الأعلى من الفعالية النضالية.


ويوم فرض الحصار على العراق، تمهيداً للعدوان المتعدد الجنسيات عليه ومن ثم الاحتلال، أبى إلا أن يكون موجوداً على ارضية الموقف ، في مسرح عمليات المقاومة بتعبيراتها الشعبية والسياسية، انتصاراً للعراق ومقاومته، فساهم مع أخوة ومناضلين وطنيين في تشكيل الهيئة الوطنية اللبنانية لدعم المقاومة والشعب العراقي، واذا كان قد رحل ولم يكحل عيناه برؤية راية العروبة ترفرف على سارايتها في عراق موحد عربي ديموقراطي، إلا أنه عاش لحظة انهزام الأميركي المتغطرس، والمسيرة مستمرة لإسقاط كل إفرازات الاحتلال وثق يا أبا محمد ان العراق سينتصر بشعبه ومقاومته.


ويوم شن العدو الصهيوني عدوانه على لبنان عام 2006، كان يصل الليل بالنهار لحشد القوى الشعبية في مواجهة العدو، ولتعزيزالصمود الشعبي والسياسي وتوفير مستلزماته، وتأمين أوسع اصطفاف سياسي وشعبي لصد العدوان ومنعه من تحقيق أهدافه.


ولحظة بدأت مقدمات العدوان الأطلسي تتجمع فوق سماء سوريا، كان في حالة استنفار دائم، لتحويل العدوان على سوريا إلى قضية رأي عام وطني ورأي عام شعبي، وقبل أن يخطفه الموت بساعات قليلة كان مع رفاق له في القوى الوطنية اللبنانية وفصائل الثورة الفلسطينية يعدون لمسرح عمليات مواجهة شعبية على مستوى الموقف النظري والعملي للتصدي بهذا العدوان، الذي لا نرى فيه عدواناً على سوريا وحسب بل تهديداً للأمن القومي العربي برمته، ولهذا فهو أول شهيد لبناني يسقط في مسرح عمليات المواجهة السياسية والشعبية للعدوانية الأميركية على سوريا.


اما فلسطين، فهي قبلته السياسية ومبتغى نضاله من ضمن ثوابت الحزب الذي أنتمى إليه، مستحضراً دائماً مقولة القائد المؤسس الأستاذ ميشيل عفلق، فلسطين لن تحررها الحكومات وإنما الكفاح الشعبي المسلح، وأن لا سبيل لاسترداد الحقوق إلا بالمقاومة، وان ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.


ان فلسطين لن يحررها إلا الفعل المقاوم، لكن نجاعة هذا الفعل وقدرته على إثبات وجوده هو أن يكون مفتوحاً على عمقه القومي، وأن الأمة العربية عندما اختبرت في ميدان المواجهة الشعبية أثبتت أنها قادرة على الفعل والتأثير، وها هي نتائج الفعل المقاوم في لبنان وفلسطين والعراق تثبت أن الأمة موجودة حيث يحمل أبناؤها السلاح.


أيها الرفاق، أيها الأخوة والأخوات،
إن أبا محمد، ابن هذه الأرض الطيبة المعطاة، ابن هذه العائلة الوطنية، ابن هذا الحزب العريق في نضاليته، افتقدناه جميعاً، وسوف يبقى يذكره ويتذكره كل من عاش معه وعايشه وهو قضى ردح حياته مناضلاً حيث اقتضت ظروف النضال .هذا المناضل المقدام، لم يذهب إلى الغردقة والى شرح الشيخ، ولا شواطئ نيس وجزر اليونان للترفيه، بل كانت منتجعاته حيث يجد نفسه مع رفاقه في خنادق النضال، في الأغوار والعرقوب وجبل الشيخ والشقيف وبيروت عاصمة مقاومة العرب وفي الانتصار لفلسطين والعراق واليوم لسوريا الوطن وإذا عدنا إلى أرشيف تاريخه النضالي، نقرأ مذكراته ونستحضر ذكرياته في زنزانات حبس الرمل وأقواس المحكمة العسكرية، وفروع التحقيق في سوريا، فهذه كانت فنادقه، حيث كان يقول دائماً أن المرء أن لم يعتقل لا يمكن لتجربته النضالية أن تكتمل.


هذا هو رفيقنا ظافر، الذي يطول الكلام كثيراً عنه فهو فارقنا إلى جنان الخلد لينضم إلى كوكبة من الشهداء المناضلين الذين سبقوه، وقال فيهم ما نقول به اليوم، لكن واحداً قال به استباقاً، لأنه بالحدس أدرك أنه سيغادر قبلاً.


قال فيه شاعر الكادحين والمقاومين ،قمر الجنوب في ليله ، وشمسه في نهاره، رفيق دربه، وأنيس جلسته وخليل حله وترحاله القائد الشهيد موسى شعيب:

 

يا رفيقي،
- ايها المنسلُ من غيظ الشوارع
- أيها المزروع في جمجمة الرفض قصيدة
- أنت لم تكتب عن الثورة الآف المقاطع.
- لم يطرز ثوب أفكارك تجار العقيدة.
- بصمات الرفض في وجهك ما زورها شارٍ وبائع
- كبرياء الزمن الغاضب في عينيك فكر وشرائع.


يا رفيقي
- أسمك الظافر وشماً سيكون
- أخضراً فوق الجبين
- وغداً في خندق الالام متنا أم حيينا
- سوف تبقى يا رفيقي.
- علم النار على درب القضية.


رفيقنا ظافر، لقد كبرت بحزبك، وهو كبر بك ، كنت كبيراً في حياتك وستبقى بعد مماتك


كنت كالنخلة تجسد شموخ الانبساق نحو الاعلى، وتواضع الاغصان نحو الادنى نعترف ان خسارتنا كبيرة،لكن ستبقى حياً في ذاكرة حزبك وامتك وكل محبيك
تحية لك ، مناضلاً، وقائداً، وشهيداً، وتحية الى هذه الارض الطيبة التي انجبت مناضلين ، امثالك،


نم قرير العين لأن المسيرة التي قدمت لها كل ما تملك لا بل اثمن ما تملك وهي حياتك، سوف تستمر على طريق تحقيق الاهداف الكبرى في الوحدة والحرية والاشتراكية


سلام عليك في يوم استشهادك وسلام عليك يوم تبعث امتك حية ..



زبدين –  ٦ / أيلول / ٢٠١٣
الجنوب
 

 

 





الاثنين ٤ ذو القعــدة ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / أيلول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة