شبكة ذي قار
عـاجـل










لقد أوفى العراق بكل التزاماته بموجب القرارات الدولية الصادرة بحقه ولم يكن في هذا للعراق أي خيار فقد كان سيف الحرب موضوعاً على رقبة العراقيين وكل أسلحة التدمير الحديثة مستعدة لمهاجمة البلد وتدمير ما أعاد الشرفاء بناءه مما هدمته الحرب العدوانية الغاشمة التي شنتها 33 دولة على العراق ما بين 17/1/1991 وحتى 27/2/ 1991 وما تبعها من عدوانات عسكرية أخرى وحصار ظالم شامل لم يترك عصباً ولا شرياناً من أعصاب وشرايين المجتمع والدولة العراقيين إلا أصابها بضرر بالغ.


ولما كان الحال هو هذا فأن إنصاف العراقيين كان يتطلب المساهمة في بناء إعمار البلد وتعويضه عن ثرواته المهدورة وفرصته المفقودة وتضميد بعضاً من جراحاته المتعددة والمتشعبة الأطراف والأبعاد. وكان على الأمم المتحدة أن تاخذ دوراً ريادياً في ذلك خصوصاً وقد ثبت خلو العراق حينها ( ونحن نتكلم عن فترة بداية تسعينات القرن الماضي) من أية اسلحة دمار شامل ولم يعد يشكل "تهديداً" لجيرانه كما نصت عليه قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. فماذا حصل إذاَ؟؟؟!!!


لقد كافأ المجتمع الدولي المهتم جداً بحقوق الأنسان العراق بأن مهّد لغزوه وأحتلاله!!! فبعد أن انقضى النصف الأول من سنوات الحصار ثقيلاً شديد الوطأة والتأثير، بدأت بوادر الأنفراج النسبي وأستعاد جزء كبير من شرائح المجتمع ومفاصل الدولة توازنهم وبدأت القيادة العراقية الوطنية حملتها بالهجوم المعاكس على سلبيات الحصار وتأثيراته، وأخذت معاول الشرفاء من ابناء العراق والعالم تترك آثارها على جدران العزل التي فرضت على الوطن المحاصر... نقول أنه في نفس الوقت الذي بدأت فيه نسمات الأنفراج تهب على وطن الأحرار كان جرس الأنذار الشديد يرن في دوائر الشر في الولايات المتحدة الأمريكية وكان أي شرخ يحصل في جدران الحصار يعني زيادة في الخطر الذي بدأت تستشعره الصهيونية العالمية خوفاً من أن يستيقظ المارد مرة أخرى، فكان لابد من رد فعل قاضٍ وسريع، فكان الغزو والأحتلال.


ومن الغريب والمؤلم أن يطرح بعض الناس (ومعظمهم من ذوي النوايا السيئة) فكرة أن قيادة العراق ورئيسه الشهيد صدام حسين كانوا مسؤولين عن الغزو والأحتلال. فلقد كان واضحاً أن الغزو لم يكن مبرراً على الاطلاق وأن كل ذرائعه وأعذاره كانت زائفة وكاذبة وملفقة. ففي عام الغزو 2003 لم يغزو العراق بلداً آخر ولم يصنع أسلحة دمار شامل ولم يعتدي على جيرانه – وهي كلها أدعاءات سيقت عام 1991 لتبرير الحرب العدوانية الظالمة حينها- ولم يشكل العراق تهديداً للسلم العالمي ولا للديمقراطية الأمريكية التي يتبجحون بها والتي ذاق العراقييون طعمها بعد الغزو.


كان العراق عام 2003 بلداً جريحاً يلعق جراحه ويداوي منها ما أستطاع اليه سبيلا، بلداً يلوك شعبه خبزه بكرامته وعزته ليحيى يومه محاولاً الخروج من عنق زجاجة لواجه خانقاً آخر عليه أن يتجاوزه أيضاً. أقتصاده كان أبعد ما يكون عن الأقتصاد المثالي للعيش الكريم، وشعبه موزع بين لقمة العيش والرضا بالحد الأدنى المتوفر من الخدمات، وجيشه يحاول أن يستعيد بعضاً من قوته التي فقدها نتيجة الحرب والحصار والأستنزاف. كان وطناً يستعين بكل قطرة عرق وابداع عقل وخزين خبرة لدى أبناءه كي ينهض على قدميه ليواصل تبوء مركزه الذي يناسب اسمه وتاريخه وحاضره، وليقوم بالحد الأدنى من دوره القومي والأنساني. ولم يكن بلداً عدوانياً ولم يكن يشكل تهديداً لأحد، غير أنه لم يكن بلداً ضعيفاً يسمح لأحد أن يهينه أو يدوس على كرامته، بل كان وطناً عزيزاً كريماً يهاب أسمه الطامعون.


وفي هذا الظرف قررت الولايات المتحدة الأمريكية أن تغزو العراق! لم يكن يهمها الأمم المتحدة ولا مجلس أمنها، ولم تستمع لرأي حليف أو صديق أو محايد، فزوّرت الوقائع وكذبت على العالم وتعاونت مع الشيطان ثم شنت العدوان. ولم يكن أمام العراق سوى الأتكال على الله ومحاولة رد العدوان بما يمتلك من طاقات محدودة وجيش لم يتم تحديث اسلحته منذ أكثر من عقد من الزمن وشعب أرهقته سنون الحصار الطويلة. وكان ما كان.


ومن منتهى السخف والأجحاف أن يُلام العراق لأنه دافع عن نفسه وقاوم الغزاة، كما أنه من منتهى التفاهة والسوء أن يعاد التذكير بتلك المبادرات السخيفة التي أقترحت "هروب" الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين كحل للأزمة وتفادياً للحرب! فلا صدام حسين من الرؤوساء الذين يهربون تاركين شعبهم ورفاقهم ليواجهون مصيرهم ولا كان هدف الحرب هو رأس صدام حسين وحده! فلقد كان المطلوب هو رأس العراق ورؤوس كل العراقيين! نعم لقد كان هدف إزاحة النظام الوطني ورموزه هدفاً مركزياً من أهداف الغزو لكنه لم يكن الهدف الأوحد. ولأنْ كان التخلص من صدّام حسين بأعتباره الشخصية المركزية في النظام الوطني والمثال الحي للقائد الذي يقول ما يفعل ويفعل مايقول كان سيشكل نصراً معنوياً للقوات المعتدية وحتى قبل أن تبدأ الحرب ولكن ذلك الحدث لم يكن ليوقف المخطط ولا ليحول دون تنفيذ الهدف المركزي الأكبر ألا وهو تدمير العراق وإنهاء دوره الريادي والقيادي، واستنزاف ثرواته وسرقتها، وتركه ضعيفاً مشتتاً لايشكل أي تحدٍ لعدو الأمة التاريخي- الكيان الصهيوني. ومن يريد الأدلة فلينظر الى حال العراق اليوم ولينظر الى منحنيات الهبوط الرهيب والمتسارع في الدور العراقي على المستويات القومية والأقليمية والدولية وسيرى بنفسه أن العراق لم يعد سوى دولة ضعيفة مهلهلة لا دور لها، عديمة اللون والطعم والرائحة الا رائحة الفساد الذي يعم كل مرافقها الرسمية والا من لون الدم الذي تصطبغ به شوارعها والا من طعم المرارة الذي يسكن حلوق الشرفاء من أبناءها. لايحمي حدودها جيش ولا يمسك أمنها الداخلي شرطة، تعيث فيها الميلشيات فساداً وتمارس فيها عصابات السرقة والأجرام أعمالها مدعومة من أعلى المستويات الحكومية التي تشاركها سرقاتها ونهبها المنظم للبلد، تحت مظلة الحماية الأمريكية-الإيرانية المشتركة وبتخطيط مسبق وتنسيق دائم.


لقد أصبح العراق بعد الأحتلال كما خططت له الولايات المتحدة الأمريكية! أقطاعيات لأحزاب دينية وطائفية متخلفة وشعب يركض خلف سراب وعود الحكومة التي تعده بالحمى بديلاً عن الموت، وموارد تبدد على مشاريع وهمية لاوجود لها إلا في مشاريع الموازنة ومستندات الصرف. وبات شعبه المظلوم والذي عانى من ظلم الحروب وإجحاف الحصار يترحم على تلك الأيام التي كان فيها البلد عزيزاً كريماً تتوفر للفرد فيه الحدود الدنيا من مستلزمات العيش المقبولة! إن من أعجب الأمور أن العراقيين الآن بدأوا يترحمون على أيام الحصار!!! ففي تلك الأيام القاسية كان الناس آمنين في بيوتهم وأعمالهم وأماكن لهوهم وعبادتهم. وكان مستوى الخدمات المتدني يوفر لهم حداً مقبولاً من الأستقرار النفسي والثقة بأن الأمور تسير بمستوى تحسن بطيء لكنه متواصل.

 

وكان عيشهم كفافاً لكنه يدفع عنهم غائلة الموت جوعاً أو العيش على المزابل والنفايات. نعم بدأ الكثيرون في العراق بالترحم على أيام الحصار رغم التهويش بمسألة الخروج من الفصل السابع وغيرها من أكاذيب جلاوزة المنطقة الخضراء ووعودهم الجوفاء، واصبح قضاء ليلة واحدة دون الصحو على أصوات أو أخبار المفخخات والتفجيرات حلماً لا يراه الكثيرون قابلاً للتحقيق!


ومن ظلم الى ظلم أسوء تقود الولايات المتحدة الأمريكية هذا البلد العتيد وشعبه. وكل هذا تحقيقاً لمخططات حكماء صهيون وأحلام السيطرة المريضة على العالم، تلك الأحلام التي انتهت على أرض العراق وبسواعد أبطال العراق ونشامى العراق وشبابه من فصائل المقاومة الحرة المجاهدة على أختلاف مشاربها وأنتماءاتها. فهل تحققت عدالة الله؟!
 

 

 

 





الثلاثاء ١٤ رمضــان ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / تمــوز / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أمير البياتي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة