شبكة ذي قار
عـاجـل










ماهو مقدار الظلم الذي تعرض له العراق والعراقيون خلال العقدين المنصرمين ؟ ومن هو المسؤول عنه؟ ومن سينصف العراقيين مما تعرضوا له من اجحاف ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وضياع للموارد والفرص؟ سيختلف الجواب بحسب المجيب وبحسب انتمائه الفكري والثقافي، وبحسب وعيه الأجتماعي والسياسي، ولكنك ستجد في كل أجوبتهم عن المسؤول أسماً واحداً يتردد ولو بشكل مختلف، ولكنه موجود كمصدر أوحد للظلم في هذا العالم. إنه أسم دولة واحدة، وهي بالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية !


عندما نراجع المقال الذي كتبه الدكتور ناجي صبري الحديثي على ثلاث حلقات والذي يتحدث فيه عن تاريخ القرارات التي أدخلت العراق في العقوبات التي فرضت عليه تحت طائلة البند السابع والذي يبيح أستخدام القوة العسكرية لتطبيقه ( ولكن تحت اشراف الأمم المتحدة )، والذي تحدث فيه أيضاً عن القرار الجديد الذي تضمن "تحويل" القرارات التي صدرت تحت البند السابع الى البند السادس، نرى بوضوح ما بعده وضوح مدى الظلم الذي تعرض له العراق شعباً وقيادة وأرضاً وموارد. ونرى بجلاء ما بعده جلاء حجم الدجل الذي تمارسه حكومة المنطقة الخضراء لتصور هذا القرار الأخير وكأنه أنتصار للعراق وللشرعية ورفع للحيف عن الشعب المظلوم. فلقد كان لأطلاع السيد وزير خارجية النظام الشرعي على كل تفاصيل وخفايا ماكان يدور في كواليس الشيطان الأكبر من ألاعيب ومارسات ابتزاز وترهيب وترغيب رافقت صدور القرارات التي صدرت بين آب / أغسطس 1990 وآذار / مارس 1991 الأثر الكبير لتوضيح صورة كان يعرفها الكثير من ابناء شعبنا المجاهد، ولكنها قد تكون ضاعت بين أدعاءات الأعلام الذي تم توجيهه لمدة تزيد على العشرة أعوام وبمعدل يزيد على 1600 ساعة يومياً لتشويه صورة العراق وقيادته، نقول قد تكون تلك الحقائق قد ضاعت أو أختلطت أوراقها أمام بعض الطيبين من أبناء الشعب، فجاءت المعلومات التي زودنها بها الدكتور الحديثي لتعيد للذاكرة العراقية مرارة الأيام التي كان العراق فيها يحاكم ويتم تجريمه ويصدر القرار بحقه ويتم تنفيذ القرار دون أن يسمح له حتى بالأستيضاح بل توالى عليه صدور القرارات والعقوبات ثم الحرب دون أي أعتبار للميثاق الأممي او الأنساني.


وفي الوقت الذي نشعر فيه بالمرارة في حلوقنا ونحن نستذكر حجم التدمير المتعمد للعراق وتلك الفترة المظلمة من تاريخ البشرية والتي لم يكن فيها غير العراق شمعة تنير طريق مواجهة الظلم والظالمين، نقول إننا نستشعر بعضاً مما كانت تعانيه قيادة العراق حينها من ألم ومرارة وهي تحاول التخفيف من آثار العقوبات وهي تعرف كل الخفايا والزوايا وتعرف حجم المظلومية ومداها. فالمظلوم الذي يشعر بالظلم يحس بوقع المأساة أكثر من الذي لا يعرف من المشكلة الا آثارها. ومن يحاول كل جهده لسحب المبررات ممن يواجهه وهو يعرف أن المقابل لن يتنازل عن محاولة تدميره يحس بالأسى على نفسه وعلى الآخرين الذين هم بمسؤوليته ويقع تحت حمل التخفيف من آثار المواجهة ومحاولة تفاديها، وهو يعلم أنها واقعة لا محالة، كمن يحمل على كتفيه جبلاً يكاد ينوء تحته.


وسيقول كثيرون أن المسؤول في هذا هو القيادة العراقية التي دخلت الكويت دون حسابات دقيقة أو تحضيرات مناسبة. ورغم أن فعل الدخول إلى الكويت كان خاطئاً في بعض جوانبه إلا إنه كان ذريعة لفرض العقوبات ولم يكن سبباً لها! ذلك أن هدف تدمير العراق كان موجوداً على الأجندة الأمريكية من السبعينيات، وربما منذ اعلان العراق تأميم نفطه وفشل كل محاولات الأحتواء التي تلت ذلك، وحتى خروجه منتصراً من الحرب الظالمة التي بدأتها إيران وأطالت أمدها لثماني سنوات أستنزفت القدرات البشرية والمادية للبلدين وأحدثت خللاً أجتماعياً كبيراً في بنى المجتمعين العراقي والإيراني. لقد قرأت الولايات المتحدة الأمريكية الكتاب من غلافه وعرفت في قيادة العراق الوطنية قيادة شابة تفكر وتخطط وتنفذ بأستقلالية ودون انتظار موافقة أو معونة أحد. كما عرفت المخابرات الأمريكية قيادة العراق قيادة نزيهة نظيفة اليد حازمة أمام كل ما يتعلق بالفساد ورجاله وأدواته لم تنثنِ أمام المغريات ولم تتراجع أمام التهديد والمؤامرات. لذا فأن هدف تدمير العراق وقيادته واستنزاف موارده البشرية والطبيعية لم يولد مع دخول العراق الى الكويت، ولم يكن حباً لعيون الكويتيين أو أميرهم الهارب، وإنما كان هدفاً أمريكياً أستراتيجياً يجب تحقيقه، ولو لم يدخل العراق الى الكويت لوجدوا ذريعة أخرى ولأبتدعوا وسيلة مناسبة لفرض العقوبات، ومن ثم لشن الحرب.


وفي كل هذا لم يكن الكيان الصهيوني بعيداً عن المخطط، بل كان في صلبه وهو المستفيد الأول منه. وربما كان بديل ذريعة الدخول الى الكويت هو عدوان صهيوني يضطر العراق للرد عليه ثأراً لكرامته وحماية لشعبه، ليبدأ بعدها مسلسل العقوبات كما مر أعلاه. وفي كل هذا كان لسيطرة الصهيونية العالمية على جميع وسائل الأعلام الرئيسية العالمية والأقليمية سلاحاً يتم بواسطته توجيه ردود الفعل الحكومية والشعبية في كل أنحاء العالم.


وقد يقول قائل ولماذا يضع العراق نفسه في مواجهة القطب الأوحد والأقوى في العالم في ظرف دولي بالغ الحساسية والخصوصية غاب عنه تعدد الأقطاب واصبح لدولة واحدة متجبرة أن تتحكم بمصير العالم بخيره وشره؟ ولكن هل وضع العراق فعلاً نفسه في خندق المواجهة؟ أم أن المواجهة كانت مصيراً حتمياً لخطين يسيران بأتجاه الألتقاء والمجابهة؟ أليس من حق صاحب الدار أن يحصن داره ضد اللصوص ومن حق صاحب المال أن يحمي ماله من السرّاق؟ كما أن من حق الإنسان العادي أن يقاتل من يريد الأعتداء عليه. ولكن دفع الشر يتطلب أحياناً أستنفاذ كل الوسائل السلمية لذلك قبل أن تكون المجابهة ومهما كانت نتائجها هي الحل الأخير.


ولم يكن ذنباً للعراق أن يختار طريقه الخاص به والذي به سيسعد شعبه ويحمي ثرواته ويبني بلده. ولم يكن أختيار العراق وقيادته الوطنية لطريقهما الخاص نكاية بأحد ولا موجهاً ضد أحد ولا لأستجلاب عداء أحد. لقد كان خياراً وطنياً خالصاً رأت فيه القيادة حينها سبيلاً أمثل للتطور والبناء وخدمة الوطن والأمة والأنسانية. أمّا إذا كان هذا الطريق الخاص قد اثار حفيظة أحد أو شكل تهديداً لأحد دون قصد فتلك مشكلة الآخرين، وكان عليهم البحث عن طرق التواصل الحضاري والحوار التي تزيل شكوكهم وتستجيب لمخاوفهم، خصوصاً أن أبواب العراق كانت مفتوحة للجميع وعقول العراقيين التي أبدعت في كل المجالات لم تكن لتنغلق على مقترح حوار أو لترد يد صداقة تمتد لعناق يدها الممدودة لكل العالم. ليس ذنب العراق وقيادته أن يعتدي عليه الآخرون فيدافع عن نفسه، وليس ذنبه أن يبني جيشاً يكون سوراً منيعاً يحفظ كرامة الوطن ومكتسبات الشعب، كما أنه لم يكن ذنباً أن يواصل العراق مسيرة البناء والتطور رغم نباح الكلاب ونعيق الغربان.


ولكن قدر الله وماشاء فعل! فكان التأمر والعدوان العسكري المباشر سواء من قبل جار السوء إيران أو مهد الشر إسرائيل هما أول العصي التي وضعت في عجلة المسيرة، وخاب فألهما كما خاب فأل ما كان قبلها.


ولما خرج العراق من مواجهة الثماني سنوات منتصراً بعون الله وتضحيات ودماء أبنائه وبطولة جيشه وصمود شعبه وحكمة قيادته، كان عليه أن يواصل المسيرة كما كان على أعدائه أن يواصلوا جهدهم لايقافه وتدميره وإنهاء دوره الحضاري والأنساني، وكانت مسألة الكويت وماتبعها من عدوان عسكري مباشر وقرارات جائرة لم تكن ظالمة بحق العراق فحسب بل كانت هي الظلم بعينه وكانت سابقة خطيرة أختطتها الأمم المتحدة نزعت عن هذه المنظمة أية صفة أنسانية وحولتها الى أداة بيد دولة العدوان الأولى في العالم.


ولما كان الحال هو هذا فأن إنصاف العراقيين كان يتطلب المساهمة في بناء إعمار البلد وتعويضه عن ثرواته المهدورة وفرصته المفقودة وتضميد بعضاً من جراحاته المتعددة والمتشعبة الأطراف والأبعاد.

 

وكان على الأمم المتحدة أن تاخذ دوراً ريادياً في ذلك خصوصاً وقد ثبت خلو العراق حينها ( ونحن نتكلم عن فترة بداية تسعينات القرن الماضي ) من أية اسلحة دمار شامل ولم يعد يشكل "تهديداً" لجيرانه كما نصت عليه قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. فماذا حصل إذاَ ؟؟؟!!!

 

 

 





الاحد ١٢ رمضــان ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / تمــوز / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أمير البياتي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة