أخذني العزيزان سيروان بابان وعلي الدفاعي عضوا هيئة التنسيق المركزية لدعم الانتفاضة العراقية، هذا اليوم، إلى مدينة البرخ الهولندية التاريخية التي بنيت منذ عصر النهضة والتي قهرت جيش هتلر الذي لم يستطع إركاعها لقوة مقاومتها وشدته، ولم يستطع عبور جسرها الصغير لاحتلالها، مما اضطره لقصفها بالطائرات حتى لم يبق فيها حجراً على حجر، إلا قلعتها العظيمة المحاطة بالمياه، وبوابتها العالية ومزاغلها.

بدئ ببناء المدينة في 1352م واحتفظ الهولنديون بما نجا من القصف الهتلري من جدران وابنية مهدمة وبنوا فوقها ولم يزيلوها، وعندما تمشيت بين البيوت وشاهدت الاهتمام بها أكبرت في الهولنديين احترامهم وحبهم الكبير الذي يصل إلى حد التقديس لمقاومتهم الباسلة، وهكذا هي الشعوب الحية التي تحترم تاريخها وأبطالها.

وتذكرت أن لجسر البرخ شقيقان عراقيان شهدا هما الآخران مقاومة باسلة وأفشلت المقاومة العراقية خطط المحتلين لعبورهما ولكننا ما احتفلنا بهما يوماً ولا احتفينا بأبطالهما.

الجسر الأول هو جسر السوير في السماوة قريباً من الرميثة، وقصة بطولة المقاومة فيه تعود الى ثورة العشرين، والثاني هو جسر الفلوجة الذي تعود قصته إلى بدايات الاحتلال الأمريكي للعراق.

وقصة جسر السوير أن شعلان أبو الجون علم بتقدم رتل بريطاني قادم من البصرة في جنوب العراق إلى مناطق الفرات الأوسط لمحاربة الثوار، فجمع عدداً من رجاله، وأقسموا أن لا يدعوا الرتل يمر وتعاهدوا على ذلك فكمنوا للرتل عند نهر السوير قرب جسر يحمل اسم النهر نفسه بعد أن عقروا أرجلهم بكوفياتهم، أي أوثقوا أرجلهم لكي لا يفر أحد منهم من ميدان المعركة.

العائلات التي كانت تسكن على ضفتي النهر ابتعدت عن مكان المعركة المحتملة لئلا يصيب أفرادها وأطفالها أذى، فوقف الثائر أبو الجون، وأطلق أهزوجة ( هوسة ) ليبعث الحماسة في نفوس رجاله .. فقال مخاطباً الأرض التي يقف عليها :
اكللج يجامعة الحســــــــــــــن عيناج
فـن كـوكـز وديـلي بعســــــكره يدناج
كون أهلج جفوج احنه بطرب جيناج
خل يمّــن كـلبـــج يرعـيـعـــــــــــــــــه

ومعنى الأهزوجة : ( أقول لك يا من تجمع عيناك جمال الدنيا كلها يا ويل ديلي وكوكز، وهما قائدان بريطانيان، إذا اقتربا منك ونحن فوقك وإذا كان الساكنون فيك قد جفوك وابتعدوا عنك طلبا للسلامة فإننا جئناك نطلب الشهادة بطرب فليطمئن قلبك أيتها المرتاعة الخائفة ).

ومثلما فشل المحتلون الألمان في عبور جسر البرخ الهولندي فشل الجيش الانكليزي في عبور جسر السوير، كما فشل المحتلون الأمريكان في عبور جسر الفلوجة في 2004 من القرن الحالي على الرغم من الحصار الشديد الذي فرضته القوات الأمريكية على مدينة الفلوجة وقصفها بسائر الأسلحة المحرمة دولياً.

وشعب العراق لا يقل حباً واحتراماً لتاريخه ولمقاومته الوطنية الباسلة، ولكن وكلاء الاحتلال أشغلوه بمشكلات لا عدّ لها ولا حصر، وضرجوا حياته بالدماء التي ما انفكت تنزف يومياً وأحاطوه بمخاطر ونهبوا ثرواته، إلا أن هذا الشعب لابد منتصر على هؤلاء الذين لا تنطبق على ما يفعلونه مع شعبنا إلا صفة "ولية مخانيث".