شبكة ذي قار
عـاجـل










باستثناء مسلَّمة تؤكِّد أن العراق ما يزال محتلاَّ بتفاهمات أميركية إيرانية أولاً، وأن العملية السياسية التي يقودها المالكي هي الأداة الرئيسية للاحتلال المركَّب ثانياً، يبقى المشهد الراهن على الساحة العراقية هو مشهد الصراع بين المقاومة العراقية وفلول الاحتلال المتمثلة بحكومة المالكي، تلك الحكومة التي يصح فيها القول بأنها بتراء وعمياء وتمشي زحفاً بحيث أصبحت العكازات عاجزة عن حملها. كل هذا يدل على أن العملية السياسية تتقهقر على كل الصعد باستمرار، بينما المقاومة تتقدم بخطى ثابتة على كل الصعد أيضاً. ومن خلال رصد وقائع لحظات الثورة الشعبية الآن، مقارنة بالوضع الذي انطلقت منه قبل سبعة أشهر، يمكن تشخيص هذا الواقع وتأكيده وذلك باستعراض ما آلت إليه أوضاع حكومة المالكي، وما تؤول إليه أوضاع المقاومة :

 

أولاً: حكومة المالكي ميتة سريرياً بانتظار إعلان وفاتها :

باستنتاج سريع يتأكد يوماً بعد يوم أن رعاتها، أميركياً وإيرانياً، يقتربون من خط الإفلاس من مقدرة حكومة المالكي على الإمساك بزمام الأمور في العراق، لأنها لم تستطع أن تعالج ملفاً واحداً من مئات الملفات الشعبية الكثيرة والمتشعبة، ليس لسبب إلاَّ لأن نهج الحكم الذي يسيِّرها يحمل موتها المحتَّم لأكثر من سبب، ومن أهمها :

 

- نهج الخيانة الوطنية بمعنى ليس الامتناع عن الدفاع الأرض فحسب، بل استدراج العدوان والاحتلال والانخراط في صفوفه وتطبيق عقائده أيضاً. وهذا ما يتنافى مع القوانين والشرائع القانونية والإنسانية والدينية، عملاً بقول رسول الله : ( من مات دون عرضه فهو شهيد، ومن مات دون ماله فهو شهيد، ومن مات دون أرضه فهو شهيد ). فخيانة المالكي، كأنموذج لأمثاله من المشاركين ومن المؤيدين للعملية السياسية، أسهم في انتهاك عرض العراقيين، وسرقة ثرواتهم، واحتلال أرضهم، وجعل من المحتلين يعيثون فساداً وإفساداً في كل مناحي الدولة العراقية.

 

- نهج الفساد وهو منهج اللصوص الذين لم يقدموا للوصول إلى الحكم إلاَّ بهدف السرقة والابتزاز، وشراء المواقع الرسمية من أجل تمكين الذين اشتروها من السرقة والنهب وتكديس الثروات، بسرقة لقمة العراقيين، والمتاجرة بآلامهم ...

 

- نهج المحاصصة الطائفية وهم من الذين يزعمون أنهم يشاركون بتلك الحكومة على قاعدة حماية المذاهب الدينية التي يحكمون باسمها. وإذا كان الذين لا يلبسون العمامات التي ترمز إلى مذاهبهم يمكن اتهامهم بأنهم منافقون ووصوليون، فالأخطر منهم هم أولئك الذين يعتمرون العمائم لأن أشياعهم وأتباعهم يثقون بهم لرمزيتهم الدينية، فخطورتهم تبدأ من أنهم تحت عمائمهم يتلطى اللصوص والفاسدون والمجرمون فيظهرون عند الكثيرين من السُذَّج وكأنهم أتقياء أنقياء. والأمرُّ من كل ذلك أن المشاركين بزعم حماية مذاهبهم يستغلٌّون أبناء تلك المذاهب ويسرقون لقمة عيشهم ويستعبدوهم من أجل مصالحهم الشخصية، وأقلُّ البراهين سطوعاً هو أن رجال الدين هؤلاء يرفلون بالغنى والشبع إلى حدود البطر، بينما أنصارهم الذين يزعم هؤلاء تمثيلهم يعيشون في أسوأ الأحوال، ويُعانون أقسى أنواع المرارة.

 

من كل ذلك يمكن الاستنتاج بأن المالكي، الذي يتظلل بخيمة حكومته هذا الطرف أو ذاك، ليس هو المسؤول الوحيد عن الأوضاع المزرية والأكثر مأساوية في العراق، وإنما يشكل رمزهم وأنموذجهم ويفصح عن نهجهم بحكم البلاد واستعباد العباد. فالمالكي وحال العراق على ما هو عليه، يمثل :

 

- أنموذج السقوط الأخلاقي خاصة أنه وصل إلى ما وصل إليه عن طريق الخيانة باستعانته بالأجنبي لاحتلال بلاده، وانتهاك عرض العراق وأرضه.

 

- أنموذج الفساد لأنه، وهو ( بائع السُبَح ) المعروف، أصبح من أكثر الموسرين والأغنياء يسراً وغنىً. وتدل على غناه الفاحش الثروات الكثيرة، المنقولة وغير المنقولة، التي قام بتهريبها إلى الخارج، حيث سيهرب بعد سقوطه ليتمتع بها، هذا إذا استطاع أن يفلت من حساب العراقيين.

 

- أنموذج المتديِّن المنافق خاصة أنه يرأس حزباً شيعياً وهو ( حزب الدعوة )، ونفاقه عائد إلى أنه إذا كانت مساءلته تتم على مكيال ما قدَّم للشيعة من مكتسبات كونه يزعم تمثيلها للمحافظة على مصالحها وحمايتها، فلنسأل مناطق الأكثرية الشيعية في العراق عما يفعله وكلاؤه وأعضاء حزبه في تلك المناطق.

 

- أنموذج الديكتاتور الضارب بسيف عتاة الديكتاتورية : كانت شعارات الديموقراطية، التي زعم المحتلون أنهم سيصدرونها إلى العراق، تضليلاً من أجل تمرير الأهداف الحقيقية لكل من شارك باحتلال العراق. وما تبقى منهم في هذه المرحلة هم من أعتى الديكتاتوريين، الذين يمثِّلون أعتى أنواع الديكتاتورية: ديكتاتورية رأس المال الأميركي، وديكتاتورية (ولاية الفقيه) الإيرانية. فالأولى لا ترى من حق للشعب الأميركي أكثر من انتخاب ديكتاتورية الرأسمالية تارة بوجه (الحزب الديموقراطي) وتارة أخرى بوجه (الحزب الجمهوري)، فالمنهج الديموقراطي الذي يزعمون تطبيقه في العراق لا يتعدى الأمر بانتخاب من يحافظ على مصالح أميركا. وأما الثانية فلا ترى من الديموقراطية إلاَّ القاعدة التالية: (الراد على الفقيه الولي كالراد على النبي، والراد على النبي كالراد على الله)، فمنهج الديموقراطية الذي يزعمون تطبيقه في العراق لا يتعدى إيصال من يلتزمون التزاماً صارماً بأوامر الولي الفقيه.

 

- أنموذج التاجر، الذي يبيع ويشتري من دماء العراقيين وأرواحهم، بحيث يعمل الآن على ترميم (العملية السياسية) عن طريق تقديم التنازلات الصورية لحلفائه، أي يبيعهم المواقع والمسؤوليات لقاء دعمهم له للاحتفاظ بمراكز القوى.

 

وهنا، وإذا كان النقد مخصصاً بالمالكي فيصحُّ القول ذاته على غيره. ويكفي ذلك بأن نغيِّر الإسم الشخصي والمذهب الديني، لنجد بأن كل من يشارك في عملية الاحتلال السياسية هو (مالكي) آخر، لا يتميز أحدهما عن الآخر بنوع الجريمة بل بحجمها.

 

هم كلهم أطراف (عملية سياسية) غير شرعية لأن الاحتلال الذي شكلها غير شرعي، لذا فقد جمعتهم كل أنواع الموبقات الوطنية والأخلاقية والإنسانية، يقفون الآن عاجزين عن تقطيب ما انفرط من عقودهم بعد أن اختلفوا على أحجام السرقات، وهم لن يستطيعوا أن يواجهوا غضب الشعب، وآلام المرضى، وآهات الجياع، وضحايا المجازر، وآمال المهجرين خارج العراق، والمقتلعين من مناطقهم.... ولم يبق من هؤلاء من عوامل قوة لديهم إلاَّ أن يساوموا المالكي على أساس أن يكون تعاونهم معه ليظلَّ الحاكم المطلق مقابل المزيد من الامتيازات الخاصة التي يعدهم بها. والمالكي بدوره يغرقهم بآمال الوعد وويلات الوعيد، غير عابئ من تهديد بعضهم بكشف ملفات جرائمه لأنه يحتفظ هو بالذات بملفات جرائمهم أيضاً، فتحوَّلت العملية السياسية بمثل هذا الواقع إلى مجموعة من المجرمين الذين يهدد بعضهم البعض الآخر، فكل واحد منهم متورط بالجريمة. ولذلك يبتز البعض منهم بعض أطراف العملية السياسية.

 

وباختصار فإن (العملية السياسية)، بمناهج الحكم التي تقوم بتطبيقها، تحمل نهايتها بذاتها لأنها من المناهج التي تمتص دماء الشعب العراقي بدلاً من ضمان حقوقه على شتى المستويات، بينما هذا الشعب لن يسكت مهما طال الزمن عن استعادة حقوقه بإسقاط من يسرقها.

 

وإذا كان أطرافها يحسبون أنهم سيفرضون الاستكانة على الشعب العراقي بالوعد الخائب والوعيد الفارغ، فهم واهمون. وإذا كان هذا يشكل استنتاجاً نظرياً، فإن ما فعلته المقاومة العراقية الشعبية في العراق منذ عشر سنوات ضد الاحتلال الأميركي وعملائه، وما يجري الآن ضد الاحتلال الإيراني، المدعوم أميركياً، وعملائهما، يؤكد أن العملية السياسية تسير بخطى ثابتة ومتسارعة ليس لإعلان وفاتها فحسب، بل من أجل دفنها أيضاً. وهذا ما تؤكده مجمل الوقائع التي تتسرب أخبارها على الرغم من التعتيم الإعلامي الكبير عليها.

 

ثانياً : الثورة الشعبية تنتشر ونارها تشب فيما يعتبره النظام الإيراني والمالكي بيتهما الداخلي :

إذا كانت المقاومة العراقية قد حصرت عملياتها، منذ انطلاقتها الأولى، ضد قوات الاحتلال الأميركي الأم، فلأنها تعي أن قطع رأس أفعى الاحتلال هو الهدف الرئيسي والأساسي، فتبقى ذيوله ضعيفة منهكة لا تحتاج إلى الجهد ذاته الذي بُذِل من أجل طرد الاحتلال الأم. وإذا كان عملاء الاحتلال مدعَّمين بالشريك الإيراني، هم من بقي من فلول الاحتلال، فإن جهد المقاومة الآن ينصبُّ على مواجهتم. فكيف نرى مشهد المواجهة الدائرة الآن بين المقاومة وفلول الاحتلال؟

 

فلننظر في هذه المرحلة إلى المشهد العراقي، الذي قبل تصويره جغرافياً، سنرصد الحالة الشعبية في عموم محافظات العراق. ومن خلال رصدنا، وباستثناء النخبة السياسية التي تقوم عليها (العملية السياسية) يعيش الشعب العراقي بكل أطيافه حالة من الغليان والغضب، يخف التعبير عنها في منطقة ويقوى في منطقة أخرى. فمقياس ضعفها وقوتها يعود إلى حجم استخدام وسائل القمع والإرهاب من جهة، وإلى مدى وعي العراقي في هذه المحافظة أو تلك لحقيقة ما يجري في أوكار حكومة المالكي من جهة أخرى.

 

فمن لم تبلغ مداركه أن (العملية السياسية) هي وجه أساسي من وجوه الاحتلال، فهو يدرك أنه لا يعيش بأمان اجتماعي وعسكري واقتصادي، لأنه مهدد بحياته ولقمة عيشه وحبة دوائه. وحيث إن غياب هذا الأمن يشمل كل العراقيين من كل الطوائف وكل المحافظات، لذلك فإن الشعب العراقي يعيش بقلق دائم على حياته. ومن يشعر أن حياته ليست بخطر لاعتبارات خاصية بعض المناطق، فهو يشعر أن أمنه الاجتماعي غائب كلياً، فهو مريض يتألم ولا يجد وسيلة لعلاجه، أو عاطل عن العمل الذي يدر عليه ما يسد به جوع أطفاله، وإذا نال قسطاً صغيراً من هذا أو ذاك، فهو لا يجد ما يساعده على تعليم أطفاله، وهكذا دواليك لأن كل أنواع التقصير في تلبية حقوقه قد تفشت وانتشرت. ولهذا لن تجد عراقياً خالٍ من الشكوى من التقصير بحقه في هذا الجانب أو ذاك. وهنا يصح القول المأثور الذي نسوقه ببعض التصرف: (عجبت لإنسان مُعتدىً على عرضه أو ماله أو أرضه يسكت ولا يشهر سيفه ليسترد ما سُلب منه، أو يثأر ممن سلبه كرامته).

 

ولذلك وخلافاً لما يتوهم المالكي وولي أمره، النظام الإيراني، أن بعض مكونات الشعب العراقي لن يثور ويقف في مواجهتهم، نرى أن الشعور بالغضب ضد حكومة المالكي يجمع كل مكونات الشعب العراقي الاجتماعية والطائفية والعراقية، لذا يتساوى في هذا الشعور كل العراقيين، وبالتالي فإن من لم يعلن الثورة حتى الآن فإن بركان غضبه يغلي وينتظر الفرصة المناسبة للانفجار. وهذا بدوره يؤكد أن نار الثورة ستشب فيما يعتبره النظام الإيراني، وصنيعته المالكي بيتهم الداخلي بالمعنى الطائفي والمذهبي.

 

وإذا كانت حالة الشعب العراقي الآن على ما هي عليه، وإذا تساوت كل أطيافه بالخضوع للظالمين والفاسدين والموبوئين بالخيانة والفساد، فلن تكون في المستقبل القريب أية جهة من جهات العراق الأربعة بعيدة عن نار ثورة الجياع والمقهورين والمهمشين والضحايا.... ولكل هذا لن ينتظر الشعب العراقي طويلاً، فنار الثورة العراقية تنتشر من مكان إلى آخر.

 

وفي تطورات ما يحصل الآن بعد مرور ما يقرب من سبعة أشهر من اندلاع الثورة الشعبية العراقية، تنتشر الثورة بشكل أفقي بعد أن حسب النظام الإيراني أنه قادر بخططه الوهمية أن يعزل الثورة خارج ما يحسبه (بيتاً مذهبياً) يدين سكانه بالولاء لـ(ولاية الفقيه). أما صورة المشهد، وإذا نظرنا إليه بشكل عامودي تؤكد الوقائع وجود ما لا يتمنى المالكي وصانعه وجوده:

 

- المحافظات الستة : تراكمات ثورية ثابتة، ولا تراجع بل تقدم إلى الأمام :

بعد مرور أكثر من ستة أشهر، وبعد إعلان المقاومة قرارها بضمان أمن المتظاهرين والمعتصمين،  برز عامل التوازن بالرعب العسكري بين الثورة السلمية وأجهزة حكومة المالكي الأمنية، وبهذا العامل حصل اختلال بالتوازن لصالح الثورة الشعبية، وهذا ما جعل تلك المؤسسات تحسب بشكل جدي لردة فعل المقاومة إذا ما استمرت بارتكاب المجازر. وبهذا المتغير يمكن تصوير واقع أداء المقاومة الآن على أنها لم ولن تنخرط في حرب المواقع لأنها تشكل نقطة ضعف في مسار الثورات الشعبية، بينما حرب الاستنزاف السياسي تشكل وسيلتها الفضلى.

 

غنيٌّ عن القول بأن المقاومة المسلحة العراقية عندما انطلقت فإنما كانت وسيلتها حرب استنزاف عسكرية لقوات الاحتلال الأميركي، وقد حقَّقت إنجازات كبرى انتهت بهزيمة تلك القوات. ولو سلكت المقاومة العراقية طريقة حرب المواقع لكان من الميسور على الاحتلال أن يقضي على المقاتلين بيسر وسهولة. ففي وسيلة أسلوب حرب العصابات قوة للمقاومة وضعف للاحتلال، فقوات الاحتلال مكشوفة أمام المقاتلين بينما المقاتلون مجهولون فهم يضربون أينما أرادوا ويختفون بسهولة تعجز القوات النظامية عن ملاحقتهم.

 

وما يصح على أسلوب مقاومة الاحتلال عسكرياً يصح الآن أيضاً على مواجهة فلول الاحتلال. فكل منهما، الاحتلال وعملاؤه، يعتمد على القوات النظامية في حربه ضد المقاومة سواءٌ أكانت عسكرية أم سياسية. ولكن هناك فارق دقيق في أساليب المواجهة بين المرحلتين، وهو أن أهداف المقاومة في مواجهة قوات الاحتلال كانت أكثر سهولة ولا تحتاج إلى تمييز بين أفراد دورية للاحتلال فكل أفرادها معادين. بينما قوات فلول الاحتلال، كما هو حال الجيش والشرطة الحكومية، تميز المقاومة فيها بين المجند المعادي للمقاومة عن سابق إصرار وتصميم، وبين من تجنَّد بسبب الأمر الواقع الذي يفرضه عامل كسب لقمة العيش، وأولئك مرغمون على ذلك الفعل ولكنهم قد يتمردون على الأوامر أو ترك الخدمة في لحظة من اللحظات. ونتيجة هذا التمييز تصبح مهمة المقاومة بشكلها العسكري الآن أكثر صعوبة، لأنها تشبه مهمة الجرَّاح الماهر الذي عليه أن يستأصل الخلايا المريضة الخبيثة من دون إلحاق الأذى بالخلايا السليمة.

 

وإذا كانت مرحلة المواجهة العسكرية للاحتلال الأميركي تمثِّل الركيزة الأساسية لعمل المقاومة المسلحة، أما الآن فيقتضي الأمر الحذر من الوقوع في فخ حرب المواقع، وهذا ما يلاحظه المراقب والمتابع لأخبار المقاومة في هذه المرحلة، إذ يجد أن المقاوم المسلح أصبح فرداً من الأفراد المعتصمين والمتظاهرين، خاصة أن بعض المحافظات قامت بتشكيل قوات عسكرية من أبناء العشائر لحماية المعتصمين. وبالفعل فقد اضطرت تلك القوات للقيام بعمليات عسكرية تجميلية تستهدف القوات الحكومية التي تصر على الإضرار بمسيرة الثورة الشعبية، خاصة إذا استخدمت وسائل القمع العسكري كتلك التي أدت إلى ارتكاب المجازر بحق المعتصمين، والشبيهة بـ(مجزرة الحويجة)، و(الفلوجة)، و(العامرية)، و(سلمان باك)، ووسائل القمع المستخدمة بـ(الموصل)....

 

- العاصمة بغداد : إصرار على متابعة الحراك السلمي على الرغم من كل أنواع الجرائم التي تركبها حكومة المالكي :

أما الوضع في بغداد التي على أرضها ستكون معركة الحسم، فلا تزال الاعتصامات وصلوات الجمعة مستمرة في جو من القمع الحكومي والميليشياوي الشديد الذي يأخذ أشكالاً عديدة، ومن أهمها استخدام وسائل التطهير المذهبي، والخطف والاعتقال والاغتيال والتضييق على المعتصمين والمصلين، وتكثيف الحواجز والسيطرات، وتوزيع المفخخات والتفجيرات. وما استمرار الاعتصامات والصلوات المشتركة، على الرغم من استخدام كل أنواع القمع والقتل، إلاَّ أحد أهم مظاهر وعوامل إصرار البغداديين على مواصلة الثورة حتى إسقاط حكومة المالكي. وهو ما لن يؤثِّر فيه ويخفف من زخمه بعض من اندسوا في صفوف المعتصمين من أجل حرف الحركة الشعبية بآفاقها الوطنية عن أهدافها.

 

- محافظات الجنوب : الثورة من أجل حقوق الشعب المسروقة لن تكبحها فتاوى فقهاء الحكومة الطائفية :

من الواضح أن التأثير المباشر الذي يميز التواجد الإيراني في محافظات الجنوب، وكذلك ميليشيات أنصاره ومؤيديه، شكَّل عامل إضعاف للتيارات الوطنية المناهضة للاحتلال بكل أنواعه وأشكاله، خاصة أن عملية اجتثاث قاسية تعرَّضت لها التنظيمات الوطنية والقومية، ومنها منظمات حزب البعث. ومن الثابت أيضاً أن النظام الإيراني، مع الميليشيات الطائفية التابعة له، كانت أقسى على المقاومين من الاحتلال الأميركي نفسه. ويصح القول بأن عملية التطهير الطائفي والسياسي كانت تتم على قدم وساق في تلك المحافظات. ولكن على الرغم من كل الجرائم التي ارتُكِبت كانت الدعوات الطائفية، ونظام المحاصصة بين أمراء الطوائف، عاجزة عن استئصال الشعور الوطني عند سكان جنوب العراق. وإنه على الرغم من محاولة إضعاف الحس الوطني لمصلحة عوامل الشحن الطائفي ظلَّ الشعب العراقي في الجنوب مشدوداً إلى المحافظة على كرامته من المصادرة الإيرانية لقراره المستقل، لأنه مهما بلغت شدة العصبية الطائفية فلن تستطيع أن تلغي الشعور الوطني والقومي، وكذلك الأمر بالنسبة لحاجة العراقي للقرار المستقل.

 

وعلى الرغم من هذا وذاك، تبقى الحاجة لضمان الحقوق المدنية وتوفيرها أمراً لا تلغيه لاءات المذاهب وإلزاماتها ونواهيها وتكليفاتها (الشرعية)، تلك التكليفات القائمة على مصادرة الحريات السياسية والدينية، وتغليب حماية المذهب على حماية الوطن. وما يستطيع فقهاء المذاهب أن يلزموا المتمذهبين بقواعد فقهية تمس عقائدهم الدينية، سيكونون عاجزين عن إلزامهم بالسكوت عن سرقة حقوقهم المدنية. وما هذه الحقيقة إلاَّ واقع بدأ يطل برأسه في الآونة الأخيرة في محافظات ذي قار والناصرية والنجف وكربلاء والبصرة، حيث عمَّت المظاهرات والاحتجاجات تلك المحافظات خلال هذا الشهر بشكل غير مسبوق بحجمه واتساعه الجغرافي. وهذه مسألة لن تعرف نهاية لها إلاَّ باسترداد الحقوق المسروقة طالما أعلن الشعب إرادته بالثورة ضد الظلم.

 

وفي هذا الجانب، قيل: (أفضل الجهاد كلمة حق تُقال في وجه ظالم)، هذه قاعدة فقهية لا يستطيع فقهاء النظام الإيراني وعملاؤهم أن يمنعوا التقيد بها. وعندما قيلت، كان المقصود بالظالم (ولاة أمر المسلمين) أنفسهم. وهل في العراق كله الآن من يحكم (حتى ولو بالإسم)، غير من يزعمون أنهم مسلمون؟ وهل قوى الأمر الواقع المهيمنة على جنوب العراق الآن هم من غير (الشيعة)؟ وهل يرأس المؤسسات الأمنية والإدارية والسياسية فيها من غير (الشيعة)؟ وهل قادة ميليشيات الأمر الواقع هناك إلاَّ ممن يلتزم بأوامر المخابرات الإيرانية؟ وهل من يعيث فساداً بالأمن العسكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والإداري إلاَّ من الطينة نفسها؟

 

ونتيجة لذلك نتساءل: من هو الظالم الآن في جنوب العراق؟ هل هم غير ولاة الأمر ممن يزعمون أنهم منتمون للمذهب الشيعي؟ وهل من يشكلون الغطاء لهؤلاء الفاسدين إلاَّ ممن يزعمون بأنهم مراجع (شيعية)؟ وهل للاحتلال الأميركي اليد الطولى في جنوب العراق، أم أنها للنظام الإيراني؟

 

من هو الفاسد في جنوب العراق؟ هل هناك غير من ذكرنا أعلاه؟

من هو الذي يرتكب جرائم غياب الأمن بشتى وجوهه؟ هل هم غير هؤلاء؟

 

ومن هم الحاكمون، ومن هم المُتخمون، والموسرون، والفاسدون، ورؤوساء الميليشيات... نقولها آخذين المقولة الفقهية التي تقول: (الساكت عن الحق شيطان أخرس)، لنتساءل: ومن هم الساكتون عن قول كلمة الحق التي يجب أن تُقال في وجه ظالم؟

 

لكل هذا ولغيره من الأسباب والوقائع والعوامل، يجب التكرار أيضاً وأيضاً :

 

(أفضل الجهاد كلمة حق تقال في وجه ظالم)، و(الساكت عن الحق شيطان أخرس). فإلى متى يصبر العراقيون في جنوب العراق لينقلبوا على الحاكمين الظالمين؟ ومتى ينقلبون على الشياطين الخرسان؟

 

 





السبت ٢٠ شعبــان ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / حـزيران / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حسن خليل غريب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة