شبكة ذي قار
عـاجـل










خمسة أشهر مضت ونكاد أن ندخل في الشهر السادس والملايين من العراقيين يتظاهرون سلميا، ويعتصمون في المحافظات الست التي يشكل العرب السنة غالبيتها، لم يمنعهم البرد والريح والمطر، ولا الحر والغبار، ولا العطش، والجفاف. ولم يثنهم التهديد والوعيد، ولم يخفهم اقتحام القوات الأمنية وسقوط عشرات القتلى والجرحى، وفيهم عالم الدين، والتاجر، وشيخ القبيلة، والأستاذ الجامعي، والمحامي والطبيب والمهندس والصحافي والموظف، والطالب المثقف، والرجل الأمي العامل والمزارع، خصصوا جزءا من أوقاتهم يتركون بها أعمالهم وأرزاقهم، ليتوافدوا بالدور على ساحات العزة والكرامة، ويقضون يوم الجمعة عطلتهم الدينية الرسمية يرفعون أيديهم وأصواتهم متظاهرين ليسمعوا من افسد حياتهم وسلب حريتهم، وتحكم بمصائرهم، ونهش أعراضهم، وأهان مقدساتهم، ودفعهم إحساسهم بأن كرامتهم جرحت وحقوقهم هدرت، وأن عزة نفوسهم تأبى لهم العيش مقصيين مهمشين.


وهل يمكن أن يكون اعتصام جماهيري بهذه الكثافة عبثا، أو لمجرد التحدي؟ كيف والعالم اجمع يعرف أن العراق بات البلد الأول عالميا في فساد الذمم وشيوع الجريمة والقتل والاغتيالات وفقدان الأمن، وتردي الخدمات وازدياد الفقر وتفشي البطالة والأمراض الخبيثة وظواهر الإدمان والتشرد والهجرة، وارتفاع نسبة أحكام الإعدام، والمنظمات الدولية ووسائل الإعلام العالمية تتناقل هذه الأخبار على طرف وجنب، فهل يعاب أو يؤخذ على الناس إذا مارسوا حقوقهم المشروعة في التعبير عن سخطهم، وقد اعترف رئيس الحكومة ومساعدوه ومستشاروه ومؤيدوه أن بعض المطالب مشروعة، وأن الكثير من المتظاهرين مواطنين شرفاء، وعد من سقط منهم على يد حرس الحكومة باعتصام الحويجة شهداء، فما الذي يمنع الحكومة من تنفيذ المطالب باعتبارها حقوقا مشروعة وإنهاء الأزمة؟. مطالب المتظاهرين إلغاء قانون اجتثاث البعث مثار الجدل واللغط يطبق بازدواجية وانتقائية مخجلة، وشرع قبل عشر سنوات كانت كافية لأن يتقدم أي مواطن متضرر بالشكوى ضد أي بعثي ارتكب جرما لينال الجزاء بمحاكمة عادلة، وبعد طول السنين لم يعد مبررا لأن يحرم مواطن بريء لم يرتكب جريرة من التمتع بحقوقه وحياة طبيعية. أما إلغاء الفقرة الرابعة إرهاب، وإيقاف العمل بقانون المخبر السري، اللذين تسببا باعتقال مئات الآلاف من الأبرياء وتركهم في السجون سنوات بلا محاكمة، واحتجاز النسوة رهائن بدل أقربائهم المطلوبين، وإقحام قوات الجيش بمداهمات ليلية مرعبة ليست من اختصاصاتها، والتعذيب الوحشي الممنهج والاغتصاب في السجون ومعسكرات الجيش، وانتهاكات حقوق الإنسان خاصة إذا اقتصرت الانتهاكات على مكون وطني رئيس، ظلما على الشبهات، والحكم بالإعدام والأشغال الشاقة والمؤبدة على المئات بلا وجه حق وفق اعترافات وهمية تحت التعذيب ومحاكم مسيسة، ومعلومات أمنية ثبت فبركتها وعدم صحتها، فأي ضير في التظاهر والمطالبة بإخلاء سبيل الأبرياء، ووقف محاولات تهميش وإقصاء أي مكون وطني عراقي، والحد من التدخل الإيراني والنفوذ الفارسي وتدخله في الشؤون العراقية.


إن مطالب المتظاهرين المعتصمين حقوق لا تتعارض مع تطلعات أية دولة مستقلة ذات سيادة لها طموح في تأسيس حكم ديمقراطي، هي مطالب من أساسيات بناء هذه الدولة. ولا يتطلب التعرف على هذه الحقوق أكثر مطالبة المتظاهرين بتقديم أدلة مدعمة بحالات وأمثلة تدرس، ويتجلى الحق من الباطل، والكذب من الصدق. وأجزم أن الحكومة لو كانت جادة وصادقة في البحث عن حلول عادلة لوجدتها، ولم يأخذ حل الإشكالات البسيطة والمعقدة منها أكثر من عشرة أيام، وفي الكثير شهرا، ولكن الحكومة كما يبدو غير مطمئنة على نفسها، وتريد أن تبقي هذه القوانين سيفا بيدها تسلطه على رقاب معارضيها، ووسائل لتهميش وإقصاء وإبعاد من لا تريده، وأية حكومة ديمقراطية منتخبة ترضى لنفسها قهر شعبها وتحدي مطالبه المشروعة مهما كانت الظروف والمبررات.


إن استهانة الحكومة بحقوق مكون وطني أصيل يشكل رقما صعبا خطأ جسيم يضاف إلى أخطاء الحكومة، دفعت المتظاهرين إلى المطالبة بتنحي رئيس الوزراء الذي يصر على تحدي شعبه، وكان الأجدر أن يستجيب من يدعي ممارسة التجربة الديمقراطية لمواطنيه لا أن يُغلب الشعب على أمره ويُحمل على مجارات الحكومة قسرا، والسؤال ما المكاسب التي حققتها الحكومة طوال عمرها؟ وأي دمار وخراب وانقسام يحل بالعراق أكثر مما حل به لتستمر هذه الحكومة؟ وما المظاهر السلبية التي استطاعت التغلب عليها ليستمر الرئيس بمنصبه أو يمنح الثقة مرة أخرى؟ “ومن جرب المجرب حلت علية الندامة”، والجاهل من لم يتعظ بغيره، وماذا بعد تحدي الحكومة للمعتصمين أو كسر إرادتهم؟ والله القائل *وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ* 45 ابراهيم، فهل أصبح لزاما على من يحكم العراق ألا يترك منصبه حتى يستعجل أجله ويترجل عن كرسيه يتلوى ويسقط ممددا يسبح بدمه؟.

 

 





الخميس ٦ رجــب ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / أيــار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عمران الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة