شبكة ذي قار
عـاجـل










لم يقتصر موقف الغربيين على الانحياز لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية ولو توقف الأمر عند هذه الحدود لتفهنا دوافعهم وحججهم الاستيطانية الخبيثة، ولكن مخططاتهم سبقت تكوين دولة إسرائيل وهي أوسع وأخطر مما يظن الكثير، الغرب المسيحي سواء في أوروبا هو من سعى في تقسيم الدولة العربية بعد سقوط الخلافة العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى، بمقررات سايكس بيكو1916 إلى محميات بتفاهم سري بين فرنسا وبريطانيا ومصادقة الروس وتقاسموا الهلال الخصيب، فحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من سوريا ولبنان، أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من أطراف بلاد الشام والاتجاه شرقا لتضم الأردن والعراق والمناطق الواقعة على الخليج العربي، ووضعت فلسطين تحت إدارة دولية يتفق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا. ثم عدلت في مؤتمر سان ريمو 1920، وباتفاقية لوزان 1923 استكمل مخطط تقسيم سورية وإضعافها بتعديل الحدود ومنح الأقاليم السورية الشمالية لتركيا الأتاتوركية والهدف إضعاف العرب لكي لا تقوم لهم دولة قوية موحدة تحول دون احتلال فلسطين.


ولا ننسى تآمر بريطانيا التي كانت مركز الثقل في أوربا والعالم على إمارة الاحواز العربية التي حكمها الكعبيون قرونا، وكان تعداد نفوسها مليون نسمة، ومساحتها نحو 300 ألف كيلومتر مربع، وآخر أمرائها خزعل الكعبي 1897-1925، الذي قاوم سياسات رضا خان التوسعية، وعرض قضيته على عصبة الأمم، وطلب من علماء النجف إصدار فتوى بتكفير رضا خان، وطالب بريطانيا الوفاء بالتزاماتها وحماية المنطقة، ولكنها نقضت عهودها واستدرجته حيلة وغيلة إلى ظهر طراد بريطاني في الخليج للتفاوض حول استخراج النفط، واعتقلته عام 1925 ليدخل الجيش الإيراني المحمرة ويسقط حكومتها، ويحتل الأحواز الغنية بالنفط والغاز والأراضي الزراعية الخصبة ومياه نهر كارون الكبير، ويقتل الشيخ خزعل مسموما في سجنه بإيران 1936، وتسهم الأحواز اليوم بنصف الناتج القومي الصافي لإيران وأكثر من 80% من صادراتها، يقول الرئيس السابق محمد خاتمي: إيران تحيا بخوزستان. ويسعي الإيرانيون لزيادة نسبة الفرس في الأحواز وتغيير الأسماء العربية للمدن والأنهار والمواقع، فمدينة المحمرة أصبحت خرمشهر “البلد الأخضر”وظل النزاع قائماً على الأحواز بعد استقلال العراق الذي دخل مع إيران بمفاوضات وعقد اتفاقية 1937 ومفاوضات عام 1969 واتفاقية الجزائر عام 1975 بين شاه إيران محمد رضا بهلوي والرئيس صدام حسين الذي ما لبث أن ألغى الاتفاقية أثناء حرب القادسية عام 1980 وأعلن عائدية الأحواز إلى العراق، لكن سياسة أمريكا في بيع السلاح لإيران والعراق أسهمت في بقائها لصالح إيران بعد توقف الحرب وهو ما سنتحدث عنه لاحقا.


ومما نذكر احتلال فرنسا وأسبانيا للمغرب ووضعها تحت نظام الحماية ومحاولتهما استنزافها اقتصاديا، لكن مقاومة المغاربة وقيامهم بثورات شعبية ضد الفرنسيين اضطرتهم إلى إعادة الملك من منفاه وإعلان استقلال المملكة المغربية عام 1956، وأعادت اسبانيا الصحراء المغربية وظل الغرب حتى اليوم يسهم في احتفاظ اسبانيا بمدينتي سبتة ومليليا، ورغم انتهاء عصور الاغتصاب والاستعمار، ووجود البحر حاجزا طبيعيا بفصل بين أوروبا وأفريقيا، وحدود القارتين لا تحتاج إلى جهود لتمييزها، ما زالت أسبانا تحتفظ بالمدينين الصغيرتين على الشواطئ وتحاول بكل الوسائل فرنجتها وتغريبها لجعلهما رأس حربتين في خاصرتي المغرب العربي اليمنى واليسرى، وقد زرت مدينة سبتة في الثمانينيات وشاهدت كيف يضطهد من احتفظ بعروبته فيها وكيف يعيشون بحالة من الفقر المدقع في حارات بائسة خلافا لمناطق المستعمرين.


واستعمرت فرنسا الجزائر نحو قرن ونصف استعمارا استيطانيا وفرضت عليها قانون الأهالي وشنت هجمة استعمارية شرسة على المؤسسات التعليمية والوقفية والدينية، والاقتصادية لتجفيف ميزانية البلد، وأغلقت المدارس وشرد التلاميذ وهجر العلماء. وكانت رسالة فرنسا في الجزائر التجهيل والتغريب وتنصير المسلمين لجعل الجزائر أسهل انقيادا وقبولا لأن تكون أرضا فرنسية، فالسياسة الفرنسية في الجزائر في كل مراحلها مؤلمة. ارتكبت فيها مجازر وإبادة جماعية أطلق عليها بالرازيا Razzias ويروي الجنود أن ضباطهم يطلبون منهم ألا يتركوا أحدا حيا من العرب ..أجلدوهم وعذبوهم واقتلوهم أسلبوا أموالهم، وافرضوا عليهم الضرائب واجعلوهم فقراء يسهل طمس هويتهم، استنزفت فرنسا قدرات الجزائر وقتلت الملايين من أبنائها واستخدمتهم طعما لتجارب أسلحتها النووية، والتاريخ يروي الأهوال والمصائب التي لا تصدق ولا تغتفر لفداحتها، ويعترف المؤرخون الفرنسيون المنصفون بذلك إعلاميا ويرفضون الاعتراف بجرائمها رسميا ودفع التعويضات.


عن ماذا نتحدث ونتحدث، عن جرائم استعمار فرنسا لتونس، أم استعمار ايطاليا لليبيا، وإعدام عمر المختار لا تبرح الذاكرة، قصص مؤلمة ووقائع مخزية ارتكبها الغرب بحق العرب والمسلمين، ويريدوننا أن ننسى فظائعهم وما زالوا مستمرين بغيهم لم تختلف نظرتهم ولم يتغير ميزانهم. وفوق هذا وذاك يرموننا بالإرهاب، ألا ساء ما يفعلون

 

 





السبت ٢٥ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / نيســان / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عمران الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة