شبكة ذي قار
عـاجـل










" المجتمع لكي يتغير تغيرا كاملا و تغييرا جوهريا و كليا ... ينبغي أن يكون التغيير و التغيير شاملا ليس رافدا دون آخر و ليس في حركة دون أخري و ليس في ميدان دون آخر و أن يكون التغيّر و التغيير متوازيين و ان تتساوق الحركة بشكل منتظم في كل الميادين و في كل حلقات المجتمع و في كل شرائحه ، هكذا هي تجارب الانسانية ، و هكذا هي تجارب السلف من أجدادنا ... لا ندعو الي نظرة سلفية ، و لكن ندعو الي نظرة تراثية تستلهم جوهر القيم الانسانية في ماضينا و تنظر للحاضر نظرة عصرية و بذلك تجمع بين الأصالة و المعاصرة الخاصة ."  [1]

 

تنتشر هذه الأيام سواء في النقاشات البينية بصيغتيها ان كانت "وجها لوجه " أو في وسائل الاتصال التي وفرها العالم الافتراضي " الفيسبوك " .. ظاهرة لا يمكن تصنيفها الا علي أنها شكل جديد من أشكال نصب المشانق للعروبة رؤية و تصورا و مشروعا لفائدة رؤية سلفية أصولية ، بلغ بالبعض من دعاتها حد تصنيفها علي أنها حالة تحررية متخطية لما دونها من حالات و لا يتردد في الاستشهاد بالشهيد صدام حسين في ذلك رغم أن الشهيد  لا يتردد في التنبيه منها كظاهرة من خلال قوله << " الناس الذين يدعون الي العودة الي الطريق السلفي في التعامل مع المسألة الدينية يريدون لمجتمعكم التمزق و التناحر و الاقتتال و ضياع الجوهر الانساني للرسالة السماوية ان كان بالنوايا أو بالنتيجة " >> [2] ، متناسيا هذا البعض طرحها الذي يستهدف كل نفس اذا لم نقل البقية الباقية من الوعي العربي و القومي . هذا البعض لا يتردد في تقديمها تحت تذكيرنا بالقيم من ناحية و من ناحية أخري توصيفنا بالسكوت أو القبول أو تسهيل الأمر علي التمدد الفارسي و اختراقه للنسيج الاجتماعي العربي   تحت لافتة المعاناة التي يعيشها العربي في سوريا  قائلا : "  ما العيب ان يقاتل المسلمون عن حرائر وثكالى المسلمين الذين انتهكت اعراضهم ولوث شرفهم من نظام هو اقرب للعصابات منه للحكومات . هل يعيب ان ينتفض البعض كرامة لشرفه وكرامته ضد غاصب فارسي يطلب هلالا يتغذي بطائفيته ، كيف يمكن ان نتغنى بالقومية والوطنية ولا نري في نصرة اخواننا في سوريا واجبا ، هذا التباكي ، لماذا لا ننصر شعبا ثار ضد نظام ظالم بدلا من الانتقاد والتخوين ، لماذا ندعهم لبريطانيا وفرنسا وأمريكا ثم نجلس نتفرج" . قولا يستوجب الرد بصيغ النقد و التوضيح .

 

I ـ النقد و التوضيح :

في القول  " ما العيب .... الي أقرب للعصابات منه للحكومات " أقول لا اعتراض بل بالعكس فالفكر العربي  الثوري لا بل الانتماء العروبي للفرد يؤكد أنه واجب باعتبار أن من يتعاطاه فهو يتعاطى قيما ثابتة تمثل درجة من درجات سلم القيم التي اعتلاها عظماء الأمة ممن نستأنس باستحضارهم كمثال كلما ضاق بنا الحال بعد استحضار عظمة الله و خيره علينا كبشر ... غير أن استخدام القيم هذه بصيغة مفتوحة في المطلق أو التوظيف الملغوم بأكثر من لغم مرتد رؤية و سلوكا يجعل من المرء يقف رافضا لمن يتعاطاها أو يعمل علي رفعها بصيغة شعار ظاهره قيم و فعله العودة الي احياء الفتنة الكبري بلافتة عصرية أكثر تدميرا و مأساوية من تلك التي عاشتها الأمة العربية في بداية التأسيس لنهضتها التي صاغتها ثورة الاسلام الحنيف بما أتي به من قيم خالدة ... لماذا أقول ذلك ؟ . أقول ذلك لعدة اعتبارات :

 

1 ـ الاعتبار الأول : هل مثل هذا الطرف الاسلاموي  سواء من هو منه منخرطا في فعله الميداني أو من هو منخرطا في فعله الاعلامي الدعائي و منذ تأسيسه حالة مشرقة  أم حالة مظلمة و محبطة ؟

كل ما هو متجمع  حتى الآن من وثائق يدلل علي أنه حالة مظلمة و محبطة و بامتياز اذ منذ أن تأسس هذا الطرف و أصبح فعلا ميدانيا بائنا حكمه الانحراف و الحول العقلي كرؤية تدعي الاستناد للموروث بكل قيمه السمحة و كفعل ميداني يعتمد التقليد الملغوم بأكثر من لغم ، مما   يؤكد علي أنه حالة مفعّلة و ليست صادقة الصدق الذي تفرضه جملة القيم التي أسس لها الاسلام و طبقها الجدود العظام ممن يرفعهم كلافتة يقتدي بها و الأصح أنه يعمل علي شيطنتها و قتل رمزيتها في ذهن المواطن البسيط خاصة .

 

فقد نشط و منذ التأسيس له كحالة في وضعية و تحت شعار يلحق الأذى بالأمة العربية أساسا و الأمة الاسلامية عامة ، وضعية التابع الناشط في أجندة ليست أجندة الأمة العربية و لا حتى المسلمين من خلال انحيازه فعلا قتاليا لفائدة التوجه الأمريكي تحت لافتة انقاذ المسلمين في أفغانستان من حكم ملحد و عمليا دعم أسبقية الصراع بين طرفين متنافسين علي النفوذ العالمي و تحصين أنفسهما و تحقيق مصالحهما التي تتقاطع مع مصالح العرب و المسلمين ..

 

بدل الاهتمام بما هو قائم في الساحة العربية و ما يتهددها من ظلم متراكم سواء نتيجة انحياز الأنظمة للرؤية الأمريكية و انخراط أغلبها في دعم تصوراتها ، أو ما يعيشه المواطن عامة في الوطن العربي من ظلم مركب هذا اذا ما اعتبرنا أن قضية فلسطين تقع أعلي من امكاناته كتوجه ..و هذا يؤكده الانتقال سواء في شكله أو فعله و السرعة التي ميزته  من أفغانستان الي الشيشان الي البوسنة الي الصومال و غيابهم التام سواء في لبنان في فترة الاجتياح الصهيوني سنة 1982 أو فيما توفر من محطات أخري لفائدة اطراف أخري حولت لبنان في جزء منه الي رأس من رؤوس تثبيت الأسبقية و خلق المثال المستقطب لفائدة ولاية الفقيه بما يلمع صورتها و يحقق لها اختراق لا النسيج الاجتماعي للأمة العربية و انما حد طمس الفعل الفلسطيني المقاوم لفائدتها ..و حرمان المقاومة الفلسطينية من نقطة عبور الي تجسيم خطابها بحرمانها من قاعدة تماس مع الكيان الصهيوني .. و لا أظنكم غير مطلعين علي اتفاق الطائف و ما يتضمنه من بنود و كيف فسرت أيضا و من هو الراعي له و هو ذات الراعي لهذا التوجه علي الأقل في جانبه المادي حتي لا نقول في جانبه النظري و الفكري .

 

وقوفه كتوجه بالضد من كل توجه جاد لبناء مستقل الأمة العربية و معاداته حد الانخراط في شيطنة هذا الطرف تحت لافتة معاداة العلمانية رغم معرفة هذا التوجه من أن العلمانية لا تعني لا من قريب و لا من بعيد لا الالحاد و لا حتى الغاء.

 

رؤية و فعل مظلم و كالح بكل المعايير يؤكده تواجد هذا التوجه في الساحات العربية . سواء في اليمن أو في الصومال كحالات منفصلة و أكثر بعدا  عن الواقع و ظلامية في العراق و ليبيا و سوريا ... ففي العراق خدم بالضد من الفعل المقاوم للاحتلال و أفضي الي ظهور الصحوات .. و في ليبيا تحالف كامل مع الناتو لا بل الانخراط في توجهاته .. التي تعبر عنها حالة من الحالات القائمة في شق من الثورة السورية  المسلحة .

 

2 ــ الاعتبار الثاني : يمثله الخطاب و علي مستويين العام الدعوي و الخاص بالسلطة الذي يمارسه هذا التوجه في مجتمع مسلم حتى و ان كان اسلامه ظاهريا ــ أي وقوفه عند حدود قولة << لا اله إلا الله محمد رسول الله >> ـ و اعتماد المكيالين يتحالف حد الانخراط فيما توفره العثمانية التي هي حركة قومية الدين عندها  لافتة لتحقيق مصالحها لا غير ، و يسكت عنها رغم ما يميز نظامها الاسلاموي من انغماس حتى العنق في النذالة للغرب و ينحرف الي حد "اقامة الحد " علي كل ما هو عربي فكرا أو سلوكا  . رغم أن كل  ما ورد في القرآن الكريم في الدعوة يؤكد علي التسامح و الكلمة الطيبة و الصبر و الحوار .

 

علي مستوي الخطاب العام : يمارس خطاب منقول عن المحافظون الجدد " من ليس معنا فهو ضدنا " بصيغة من لا يؤمن بمذهبنا فهو كافر " التكفير" و وجوب اقامة الحد عليه فرض واجب .

 

علي مستوي خطاب السلطة : نظام الخلافة و تأسيس الامارات كالإمارة الاسلامية في العراق عند تواجدهم خلال 2007 و 2008 و ما أفرزه من فعل معطل للفعل المقاوم ... و الامارة الاسلامية بالشام بما عطل فعل الثورة السورية و شكل عاملا من عوامل نقلها من حالة وطنية داخلية الي حالة دولية .

 

II ــ العروبة علي الطريق الصحيح بعد انكشاف العورات :

ــ  القول " هل يعيب ان ينتفض البعض كرامة لشرفه وكرامته ضد غاصب فارسي يطلب هلالا يتغذى بطائفيته ، كيف يمكن ان نتغنى بالقومية والوطنية ولا نري في نصرة اخواننا في سوريا واجبا ، هذا التباكي ، لماذا لا ننصر شعبا ثار ضد نظام ظالم بدلا من الانتقاد والتخوين ، لماذا ندعهم لبريطانيا وفرنسا وأمريكا ثم نجلس نتفرج . " .

 

نعم العيب الحقيقي في من لا ينتفض دفاعا عن كرامته و شرفه سواء منه الخاص أو العام المشترك  رغم أن الكرامة و الشرف عند العربي و في الفكر العربي الثوري سواء بمفهومه النظري أو التطبيقي في تجربتين بائنتين لا تقسم بصيغة الخاص أو العام .. إلا أننا نراها بهكذا تقسيم عند هؤلاء كاتجاه سواء بالنسبة لفلسطين أو لبنان أو في العراق ... و لكن رأيناه بصيغة اللغط في ليبيا و يلغ الشعب الآن نتاجها ، و نراها أكثر من اللغط بصيغة الصراخ في سوريا مقترنة بما هو تهديد تاريخي و كأنها حالة جديدة مكتشفة رغم أن ذات الاتجاه لم يتردد في التعاطي معها استحسانا عندما كان العربي الحق بصيغة التجربة مشتبكا معها و من يدعمها أو هو متحالف معها من الغرب و من الصهاينة .فمتي نكف عن نصب المشانق لكل ما هو عربي بعد أن كنتم قد صلبتم العروبة مرتين بهكذا لغط ، و لم تكلفوا نفسكم  لا تذكر و لا حتى ننبه من خان و من وقع و من باع و تآمر و هم :

 

من يدعوننا لمصادرة البقية الباقية من وعينا العربي و القومي بقولهم : عروبتنا و قوميتنا مهددة فاصطفوا يا عرب الي جانب الحكام المعتدلين << و هم حواضن هؤلاء الرافعين لهذا اللغط و مموليهم >> حتي لا تبتلعنا ايران ، و هم حكام مصطفين واقعا و فعلا مع الأعداء التاريخيين للعروبة الأمريكان و الكيان الصهيوني .

 

من يدعوننا لمسح البقية الباقية من ارثنا في قيمه السمحة و من شرفنا بقولهم : تنازلوا عن شرفكم و ارثكم و قفوا لجانب ايران تحت لافتة نصرة فلسطين .. و معداتها للشيطان الأكبر .

هكذا لغط اعلامي يود أن يقود العربي الي ارتكاب احدي  الكبيرتين ، اما الكفر بعروبته و انتمائه أو الكفر بقيمه السمحة كما صاغتها الرسالة الخالدة التي  تعبيرها  الاسلام بكل مضامينه .

 

لا أيهــــــــا السادة  فردنا هو و بكل بساطة لا يستحق لا تحليلا و لا تأويل :  

 

لماذا لا تطالبون مكة وتوابعها بواجبها في نصرة العروبة و تسبيق الأمن القومي العربي خطابا و فعلا حتى مع حلفائها في الحد الأدنى  ؟

 

لمــــــاذا لا تطالبون مكة و توابعها بإيقاظ فقهائهم و علمائهم من سباتهم العقلي ليعيشوا واقع العصر بدل بقائهم محصورين في دائرة الجزء السفلي من أجسادهم .

 

لو فعلتم ذلك و قبلته منكم هي و توابعها لما حقق الايرانيون باكليريوسهم الديني " ولاية الفقيه " أو نظامهم لا اختراق المجتمع العربي و لا العودة الي تصدير ثورتهم بعد أن كان العراق قد جرعهم السم في يوما ما عندما كان ذات التوجه يعمل علي اعتبار ولاية الفقيه نموذجها المفضل .  

 

" لا تتعبوا أنفسكم أيها السادة فالوثائق المسربة  من مكتبات  وخزائن الدول الغربية تعد بالمئات دون اعتبار ما هو مضموم  تشير الى ان مكة و اموالها و فقهائها و علمائها استخدمت لضرب حركة العروبة . ويكفي أن جميع العرب من به بقية نخوة لعروبته أو من فقدها يعلم ان سلاطين و امراء مكة و توابعها  قد علموا بساعة الهجوم على العــــراق لاحتلاله لا بل البعض منهم ناقشها حتى قبل أن يطلع عليها بعض كبار المسؤولين في الادارة الامريكية ". [3]

 

فهل بعد هذا الانحطاط يمكن لأي كان أن يزايد علي عروبتنا و تمسكنا بانتمائنا القومي و يطالبنا بالوقوف خلف العملاء لنمنحهم شرعية " التكفير" و قسمة المجتمع و شرعية تأسيس امارات العصور الوسطي و الارتداد حتي عن مفهوم الدولة بمؤسساتها العصرية و شرعية تأسيس دولة " المرشد " بصيغة موازية لدولة " الفقيه " .

 

بعد سنتين من " ربيع الأمركة الملتحية بلحية الأسلمة و المرتدية جلابيبها بكافة أشكالها و ألوانها و بخوذاتها بعمائمها البيضاء و السوداء " كل العورات انكشفت :

 

 فلا دولة المرشد بمثاليها في " تونس و مصر " قدمت ما هو مشرق يمكن اعتماده بقدر ما وضعت المجتمع علي كف عفريت الفوضي لعل أبرز ملامحها الشروع في الاغتيال السياسي و استمرار التهديد به بما يجعلها قريبة جدا من الالتحاق بمثيلتها في التوجه و المختلفة معها في الأسلوب " دولة الجهاديين في ليبيا " .

 

 ولا دولة " ولاية الفقيه " المحمية ايرانيا و أمريكيا في العراق بالرغم من كل ما يتوفر لها من ميليشيات و عصابات أمنية و المدة الزمنية التي قضتها استطاعت أن تخرج خارج دائرة المنطقة المحمية أمريكيا في بغداد .

 

فمتي تستعيدون وعيكم و تتوقفون عن نصب المشانق للعروبة بعد أن كنتم قد صلبتموها مرتين و هي منقذكم الوحيد ؟

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

[1] صدام حسين :  المختارات الجزء الثامن ـ القضاء و العدالة و القانون ص 18 ـ ، دار الشؤون الثقافية العامة بغداد 1988.

[2] صدام حسين :  نفس المصدر ص 21/22

[3] أكاديمي عراقي : مقال منشور علي جريدة القدس العربي اللندنية العروبة بعنوان العروبة لن تصلب مرتين بتاريخ 28/07/2010

 18/03/2013

 

d.smiri@hotmail.fr

 





الثلاثاء ٧ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب يوغرطة السميري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة