شبكة ذي قار
عـاجـل










ليست مصادفة سيئة لمتزعمي الطوائف والمليشيات المسلحة، ومدعي الاستقلال والسيادة والقرار المستقل، ان ياتي الاعلان عن ورقة الاصلاح من قبل تحالف نوري المالكي، بعد الزيارة المفاجئة التي قام بها الى بغداد توني بلينكين مستشار نائب الرئيس الامريكي جو بايدن. حيث التقى بكل الرؤوس المتناحرة وطالبهم بالعمل على انهاء الصراع الدائر بينهم والتوصل الىى حلول ترضي جميع الاطراف، وهذا يحكي قصة كل الصراعات التي كانت تدور بين هؤلاء والطريقة ذاتها التي تنتهي بها. ،فحين تتجاوز الصراعات حدودها المسموح بها، أو تصل حد يعتقد طرف بامكانه اقصاء الاخر والتفرد بالسلطة، كما حاول المالكي فعله، يدخل الامريكان بعصاهم الغليظة، اذا لم تنفع النصيحة او يفيد التحذير. لان امرا كهذا يخرق نظام المحاصصة الطائفية والعرقية ، الذي حرص الامريكيون على تكريسه، كونه الضمانة التي تضع الجميع تحت سيطرتهم الكاملة. وقد نجد نموذجا عنه في التحذير الذي تلقاه المالكي من رئيس امريكا ذاته باراك اوباما عبر سفيره في بغداد، بان عليه ان يتذكر ولا ينسى لحظة واحدة حصانة المكونات الاخرى، الضعيف منها قبل القوي. فامريكا "الحقانية" تحرص دائما على ان يكون الجميع سواسية امامها جراء الخدمات الكبيرة التي قدمها كل طرف حسب قدرته واستطاعته.


من دون الدخول في مناقشات مملة وعديمة الجدوى حول الاسباب التي دفعت الى تقديم هذه الورقة، او الاوراق الاخرى التي دبجت في اجتماعات اربيل والنجف ودوكان، وفيما اذا كانت جادة او مجرد مناورة، فالناس في العراق قد نسوا كلمة الاصلاح ولم تعد تعني لهم شيئا، لسبب بسيط شرحوه بجملة واحدة، الاصلاح لا ياتي به المفسدون والحرامية، كما هي الشجرة الخبيثة لا تنتج سوى ثمارا خبيثة. وهذا ما اكده مضمون الورقة. حيث جرى التركيز فيها على اصلاح ذات البين فيما يخص، تقاسم الوزارات وضبط التوازن بين الطوائف داخل العملية السياسية، والقوات المسلحة والاجهزة الامنية، وملء الشواغر الوزارية. وانهاء الخلافات حول تهريب النفط والغاز، اضافة الى العديد من الملفات الاخرى، اما الملفات التي يعاني منها الشعب العراقي والتي تخص اصلاح حياة الناس وتامين متطلباتهم الضرورية، وخاصة الماء والكهرباء والصحة، فقد مرت عليها الورقة مرور الكرام، ناهيك عن ربط الشروع بالاصلاح، بحل الملفات الاولى، وهذه بكل تاكيد يتطلب حلها فترة طويلة، تفوق على الاقل الفترة المتبقية من ولاية المالكي الثانية.


قد يعتقد البعض بجدية الاصلاح هذه المرة، كونه اصبح ضرورة لا يمكن لاي حاكم تجاهلها مهما كان قويا ومستبدا والا يكون مصيره السقوط، ويضربون الامثال بالانتفاضات التي حدثت في الوطن العربي تحت شعارات الاصلاح، التي لا تعادل شيئا امام الاصلاحات التي يريدها العراقيون، وهذا امر ياخذه اي حاكم بالحسبان، فما بالك والشارع العراقي يغلي وكانه على فوهة بركان قد ينفجر في اي لحظة؟. مثل هذا الاعتقاد لا يخلو من قيمة او فائدة نظرية، لكن واقع الحال في العراق فالاصلاحات هنا ستعود على الفاسدين بالخسران، كونهم اول المستهدفين في اي اصلاح، والدولة التي اقامها المحتل صنفت على انها الاولى او الثانية في سلم الدول الفاسدة في العالم، ولكي لا نطيل في هذا الجانب، فألية الورقة لتحقيق الاصلاح تدل على المماطلة والتسويف المتعمد لادخال الناس مرة اخرى في صالة الانتظار لامد غير معلوم. حيث تم تقييدها بسلسلة من الاجراءات، لها اول وليس لها اخر. منها : " ان التحالف الوطني وبعد اتفاق جميع الاطراف على ورقة الاصلاح ستعرض النتائج على لجنة لتبيت نقاط الاتفاق ، ثم تعرض على الهيئة السياسية للتحالف الوطني لغرض المصادقة عليها، ثم تعرض على رئيس الجمهورية وأستحصال موافقته،واخيرا تعرض الورقة بعد ذلك على الكتل السياسية مرة اخرى لتكون مدخلآ لعقد الأجتماع الوطني. يعني كما يقول العراقيون في مناسبة كهذه "جيب ليل واخذ عتابة". اما اذا وضعنا بنظر الاعتبار تمسك كل طرف بورقته، فان المراهنة على الاصلاح يصبح ضربا من الخيال.


دعونا نسترسل اكثر ونسير مع الكذاب الى حد الباب كما يقال، ونعتبر انجاز كل ذلك سيتم في غضون ايام او اسابيع، ترى الا يتطلب الاصلاح وجود دولة وطنية مستقلة وذات سيادة وتملك قرارها المستقل ولا تخضع لاجندات خارجية، والقائمون عليها رجال يتصفون بالوطنية والاخلاص والنزاهة، وليس عملاء ومرتزقة وعمائم مزيفة، لكي تكون مؤهلة للقيام بهذه المهمة النبيلة؟


سنفترض وجود دولة في العراق كونها تتوفر فيها حكومة ووزارات وبرلمان وجيش وشرطة وقضاء ومحاكم الخ، لكن كل ذلك يدخل في نطاق مكونات الدولة، ومعلوم حجم الفرق الكبير بين مكونات الدولة ومقومات الدولة. لناخذ الدستور مثلا ، كونه الركن الاول في هذه المقومات، لانه يمثل الاطار العام للدولة الذي يحدد هويتها، وشكل النظام فيها، وينظم سلطاتها العامة، ويرسم العلاقات فيما بينها، ويضع الحدود لكل سلطة على حدة، ويعين الواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات، بالمقابل فالدستور يحرص على ضمان استقلال البلد وسيادته الوطنية ووحدة اراضيه ويحافظ على ثرواته الطبيعة الخ، ترى هل الدستور الدائم في العراق، يستحق هذا الاسم؟ ام انه كتاب اسود خرب البلاد والعباد؟


لنسمع الاصوات من داخل العملية السياسية، والتي مجدت الدستور ووضعته بمصاف الكتب الالهية المقدسة. احدهم وصفه بالدستور الملغوم والثاني بالمفبرك وثالث كتب على عجل ورابع عدد ثغراته، وهذه الاوصاف تمثل نصف الحقيقة، اما نصفها الاخر والاهم، فهو دستور اسس لنظام المحاصصة الطائفية والعرقية، وقسم العراق الى دويلات وطوائف، ونزع هويته العربية، وشتت وحدته الوطنية، وانهى استقلاله وسيادته، ودعك من المواد الاخرى التي تضمنها الدستور والشبيه بمثيلاتها في دساتير الدول الحديثة، فهذه تجدها في دساتير اعتى الانظمة الدكتاورية والشمولية في العالم.


وبالاضافة الى الدستور ياتي القانون، لتصبح الدولة دولة القانون فعلا ، تحكمها قاعدة خضوع الحكام للقانون، والتزام حكمه في كل ما يقوم بين الدولة والمحكومين من علاقات من جانب، أو بينها وبين الدول الأخرى على اساس المصالح المشتركة من جانب آخر. بل ان القانون ذاته ليس كافيا في الدولة الوطنية لحماية حقوق الناس وحرياتهم العامة، لأنه بغير خضوع الدولة ذاتها للقانون فان السيادة ستكون للقوة المقرونة بالاستبداد والطغيان. اما دولة القانون الذي يتحدث عنها نوري المالكي ، فنرى كيف جرى تمزيق القوانين فيها وكيف جرى تسييسها، على عينك يا تاجر كما يقول العراقيون، حتى اصبح العراق مسرحا للجريمة والقتل، واصبحت السرقات ظاهرة شائعة لا يحاسب عليها القانون، بل اصبح القائمون عليها هم من يقوم بسرقة المال العام والتستر على الجريمة وحماية القتلة والمجرمين. وكان اكثر ما يخجل في هذه الدولة، هو تفريطها بوحدة البلد واستقلاله وسيادته الوطنية، اما اجهزتها الاخرى، مثل الجيش والشرطة والاجهزة الامنية، فبدل تشكيلها على اسس تمكنها من الدفاع عن الوطن وحماية امنه الداخلي، جرى تشكيلها من المليشيات والعصابات المسلحة التابعة للاحزاب الحاكمة لحماية مصالحها ومكاسبها غير المشروعة.


واذا اخذنا البناء الاقتصادي والاجتماعي والتنمية الخ، فسنجد نموذجا سيئا عنه حيث تم تحطيم جميع البنى التحتية التي يستند عليها ذلك البناء، اضافة الى السرقات التي شملت ميزانية الدولة واشاعت فيها الفساد المالي والاداري، واذا اخذنا الديمقراطية في العراق كركن من مقومات الدولة، والتي احتل العراق تحت يافطتها، فاننا لا نجد فيها ما يمت بصلة لتعريف الديمقراطية من قبل عالم الاجتماع الفرنسي الشهير الان تورين بقوله، "ان الديمقراطية نسق مركب من عدة عناصر اجتماعية وحقوقية واقتصادية وفردية ومعرفية مترابطة ومتفاعلة قائمة على الفصل بين المجتمع السياسي والمجتمع الأهلي، حيث لا قيمة للعملية الانتخابية اذا لم ترافقها حريات واسعة للتجمع والتعبير وخطط التنمية البشرية المستدامة وإصلاح سياسي يؤدي الى الفصل بين الدولة والدين. ترى هل ما يحدث في العراق بهذا الخصوص من اضطهاد وقتل واعتقال عشوائي والاف الابرياء في السجون والمعتقلات العلنية والسرية والتعذيب الوحشي، وتحكم رجال الدين المتخلفين منهم في ادارة شؤون الدولة له علاقة بالديمقراطية، وهل الدولة الديمقراطية تقوم على اساس المحاصصة الطائفية والعرقية ويقودها اناس اميين واصحاب شهادات مزورة؟، ام انها تقوم على الاسس التي حددها العالم الفرنسي قبل قليل؟


اجمالا يمكن القول بان الدولة العراقية كما وصفها النائب الكردي محمود عثمان في برنامج على الهواء مباشرة، بانها دولة عصابات ومليشيات مسلحة. ولا يغير من هذه الحقيقة دفاع اصحابها عبر مقارنات ساذجة، فاذا كان بناء الدولة الديمقراطية تحتاج الى وقت طويل، كما يقولون. وان هذا الطريق مليء بالثغرات ويواجه الكثير من العقبات، فان تلك الدول لم تقف مستسلمة ولا زادت الطين بله، وانما شرعت ببناء مؤسساتها، وعززتها برجال يشعرون بالمسؤولية، وفسحت المجال امام قوى المجتمع لاخذ دورها في عملية البناء، واهتمت بتمتين الوحدة الوطنية عبر نبذ الطائفية والعرقية والقبلية، في مقابل التاكيد على المواطنة والولاء للوطن، والاخذ بمبدا الرجل المناسب في المكان المناسب، وليس على اساس هذا لك وهذا لي، هذه الوزارة للشيعة وتلك للسنة، هذه للاكراد وتلك للتركمان. ثم حصر الوزارات والمواقع السيادية باعضاء الاحزاب الحاكمة، حتى اذا كان هذا العضو اميا او متخلفا او معاقا.


ضمن هذا السياق يمكننا القول، بان ما حدث من صراعات بين متزعمي الطوائف والمليشيات المسلحة، هو ليس من اجل الناس واصلاح حالهم، وانما من اجل تامين حصصهم من الغنيمة، او السعي لنيل حصة اكبر، وهذه ستنتهي، كما انتهت اليها الصراعات التي قبلها الى المصالحة وبوس اللحى تحت شعار كاذب اسمه من اجلكم اتفقنا ومن اجل العراق العظيم تنازلنا لبعضنا، غير ان العراقيين اكتشفوا هذه المناورات البائسة، وبالتالي لن يراهنوا عليها، او يسمحوا لانفسهم بالانتظار فترة اطول، أوالانشغال ما بين مؤيد ومعارض لهذه الورقة او تلك، ومراهن على نجاح هذا الاجتماع او فشله، او ما بين بين متفائل ومتشائم، فهم فقدوا الثقة نهائيا بالعملية السياسية وبرؤوسها، وهذا بالضرورة سيقود حتما الى انتفاضة شعبية شاملة تكنس بقايا الاحتلال الامريكي وعملائه، كما كنست ثورة 14 تموز المجيدة الاحتلال البريطاني واتباعه ،فشعبنا في العراق ليس اقل شانا من بقية شعوب العالم. حيث لا تعوزه الوطنية ولا الارادة، ولا تنقصه الشجاعة والخبرة النضالية، ولا يبالي بالتضحيات مهما كانت جسيمة. والتاريخ البعيد والقريب خير شاهد على ذلك.

 

 





الثلاثاء ١٢ رمضــان ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣١ / تمــوز / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عوني القلمجي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة