من الأمثال العراقية المشهورة هذا المثل (( عرب وين طنبورة وين )) ويضرب للمقارنة بين شيئين او حالتين متناقضتين مع شيء من التهكم والسخرية من إحداهما. استشهدت بهذا المثل للمقارنة بين حالتين مثيرتين إحداهما تدعو للإعجاب والثانية للسخرية. ولا يخفى عن القاريء اللبيب إن العراق المحتل أصبح مسخرة، لأن السلطات الثلاثة فيه تشغلها زمر مركبة من القرقوزات في ساحة الحكومة، والبهلوانات في سيرك البرلمان، والمهرجين في باحة القضاء، أما السلطة الرابعة فهم مجموعة من الطبالين المرتزقة يطبلون على إيقاع الحكومة العميلة كسبا للرزق والثراء. ورزق الإعلاميين العراقيين على فتات مائدة المالكي. 

في هذا الإسبوع قرأت خبرين مثيرين حول موضوع واحد لكن برؤى مختلفة، وأظن إن القاريء الكريم بعد قراءة الخبرين سيشاركني الضحك على العراق الجديد من منطلق شر البرية ما يضحك.

الخبر الأول : يتمثل بعبقرية تفوق الخيال في فن العمارة والتقليد والإستنساخ. حيث أقدمت الصين / مجلس بلدية مدينة هويتشو في مقاطعة غوانغدونغ  على مشروع عمراني لا يخطر على البال بإستنساخها مدينة هالستات النمساوية الساحرة. وجاءت النسخة طبق الأصل مثيرة لدهشة النمساويين قبل دهشة الصينيين أنفسهم! نفس الشوارع والساحات والمساكن والمطاعم والبحيرات والنصب والحدائق والجسور والمتنزهات والكنائس.. الخ. الإختلاف فقط في الناس والمكان! تصوروا هذا إنجاز مجلس بلدية فقط!

لدينا في العراق والحمد لله مجالس بلدية في كل محافظة بعضها أنفق ملايين الدولات على صبغ الأرصفة وتنظيفها فقط! الفرق بين مجالسنا البلدية ومجالس الصين إن مجالسنا العتية ذات طابع ديني فأعضائها من صفوة الأحزاب الدينية من أصحاب العمائم والخواتم وحملة السبح ذات ( 101 ) خرزة يحمدون الولايات المتحدة على فضلها ويسبحون على ديمقراطيتها التي حولتها حسب نظرية النشوء والإرتقاء من قرود الى بشر - مع الإعتذار من فصيلة القرود التي قد يزعجها هذا التشبيه لإنتفاء صفة العمالة في صنفها. في حين مجالس بلدية الصين ذات طابع وثني ومن أحزاب شيوعية تؤمن بأن الدين أفيون الشعوب، وأعضائها لاينتسبون لآل بيت ماوتسي تونغ، أي رؤوس حافية بلا عمامة وأصابع خاوية بلا خواتم ولايحملون السبح.

من المؤكد إن المدينة المستنسخة ستكون قبلة الصين في السياحة سواء للأجانب أو الصينيين أنفسهم فبدلا من تحمل مشقة السفر ونفاقته الباهضة لزيارة المدينة النمساوية الغالية الأسعار رغم سحرها وجاذبيتها. يمكنك زيارة شقيقتها الصينية حيث الأسعار مناسبة ويقال إن الخدمة أفضل كذلك، ولا غرابة أو عجب! اليس الصين صاحبة المثل الرائع ( إذا كنت غير قادر على الإبتسام فلا تفتح متجر ) .

ومن الثابت إقتصاديا إن هذه المدينة ستسترجع كل النفقات التي صرفت على إستنساخها في غضون سنوات قلائل، ولم يكرم دولة رئيس مجلس الوزراء الصيني أعضاء مجلس بلدية هويتشو على إنتاجهم العظيم لأن عملهم يدخل في صلب واجباتهم وللنفع العام. وبقيت جيوب أعضاء المجلس الصيني البلدي خاوية على حالها، فلم ترتخي للأسفل بثقل الدولارات كمجالسنا الوافرة الظل.

نترك مدينة هويتشوا بجمالها الخلاب لتمتع السواح بسحرها وفتنتها سائلين الله تبارك إسمه أن يحفظ دولة رئيس وزراء الصين وسماحة رئيس مقاطعة غوانغدونغ! وأن يحقق رئيس مجلس بلدية هويتشو أعلى الأصوات في الإنتخابات البلدية القادمة. ونهنيئ الصينيين بإنتخابهم الشخص المناسب في المكان المناسب فلقد كان لحبرهم البنفسجي دوره الفاعل في هذه النهضة العمرانية. ونسأل الباري أن يجعل إستنساخهم القادم لبقية المدن الأوربية طبق الأصل وبوضوح تام، وأن يَقيهم شر أعضاء مجالس معممين ومن أحزاب دينية تعكر مسيرة العملية السياسية الظافرة.

لننتقل الي الخبر الثاني وهو ( طنبورة ) ولعل إسم ابو القاسم الطنبوري وحذائه المشهور مشتق من نفس الكلمة.

الخبر الثاني : من العراق المحتل ويتعلق بعملية إستنساخ أيضا لكن هذه المرة ليس مدينة أو نعجة كدوللي العزيزة. إنها عملية إستنساخ اكثر صعوبة وربما بتكلفة أكبر، وربما توضع النسخة المستنسخة في المتحف العراقي بعد إحاطتها بصندوق زجاجي مدرع وبإنذار أمني متطور خشية من سرقتها أو الإعتداء عليها.

 سيعفى مجلس بلدية بغداد وطويريج ( مدينة المالكي ) من مسئولية المساهمة في هذا العمل الجريء فمجالس بلدياتنا مشغولين في صلواتهم الخمس والتراويح لساعات متأخرة علاوة على مناسك  الحج السنوي والعمرة السنوية، ومراسيم عاشوراء، وولادة الأئمة وجروحهم ووفاتهم، وولادة ابنائهم وموت الأبناء وعيد الغدير وفرحة الزهرة والعشرات من المناسبات الدينية التي تجعل تفكيرهم منصب على القيمة والهريسة ( أكلات خاصة في عاشوراء ) .

وخلاصة البشرى السارة للأمريكين والإيرانيين وبعض العراقيين أعلنها الناصر لدين الله والعلامة الفهامة الجهبذ، النائب السائب عباس البياتي قاهر الجهل والتخلف ونابذ الرياء والتزلف، العنوان المشرق في إئتلاف القانون وملهم الفؤاد وقرة العيون. عبر البياتي في لقاء تلفازي بأنه في حال وفاة دولة رئيس الوزراء نوري المالكي وإنتقاله الى الدرك الأسفل، فإن حزبه الحاكم سيستنخ نسخة طبق الأصل من المالكي، نسخة متطورة عن النعجة دوللي، وسيتم تنفيذ العمل تحت شعار" إيها الشرفاء والوطنيين في العراق موتوا في غيضكم".

الغرض من عملية الإستنساخ مواصلة العملية السياسية التي يقودها المالكي لفترتين رئاسيتين جعلت العراق الجديد بلد القمامة وثالث أفشل دولة في العالم، وخلفت الملايين من اليتامى والأرامل والعاطلين عن العمل والأميين، خلفت بلد تحكمه المافيات والميليشيات والعملاء والآيات واللصوص. بلد أشبه بالحبل طرف تمسكه الولايات المتحدة وطرف تمسكه إيران.

وكان الله في عون الشعب العراقي فالمالكي أذلهم بنسخته الأصلية فكيف سيكون الموقف مع نسخته الجديدة؟