شبكة ذي قار
عـاجـل










في أمسية هادئة ، وبعد يوم عمل طويل ، دعاني صاحبي الى قدح شاي في ركن هادئ من مقهى إعتاد أن يرتاده .

 

أعرف صاحبي منذ سنوات طويلة قضاها في الغربة . أعرفه كإنسان وطني تعرض للظلم في حياته ولكنه بقي كصخرة صلدة لاتهزه رياح العابثين . وأعرفه يذوب شوقا في حب العراق وذكريات العراق في الزمن الجميل .

 

أعرفه كذلك على الصعيد الآخر من حياته الشخصية .. إنسان ذو قلب كبير يهب لمساعدة من يثق أو يعتقد أنه يثق بهم .. مشاعره طفولية ككتاب مفتوح تقرأؤه بلا عناء .. وهذا ماجعله يقع في مطبات كثيرة في حياته نتيجة ذلك .. فأصبح شعاره " لاتصنع المعروف في غير أهله " و " إتقِ شر من أحسنت اليه " ولطالما سمعته يردد ذلك وخصوصا في الفترة الأخيرة .. ولا أعرف لماذا؟  ووجدت فيه وللمرة الأولى منذ عرفته أنسان يشوبه الحذر ويكتنف أحاديثة الغموض .

 

من هنا بدأت حديثي معه وقبل أن يدخلني في عالم السياسة التي يهوى الحديث فيها .. وللحقيقة لم أستطع أن أسبر أغواره في هذا الجانب .. إلا تلميحات حاولت أن أبني عليها وبعد أن إنتقل حديثنا الى العراق وما يمر به . يعني الى عالم السياسة  ..!!

 

سألني عن مقالي الأخير الذي كنت قد نشرته على بعض المواقع الصحفية قبل أسبوع وكان عنوانه : وضع اللمسات الأخيرة لصناعة دكتاتور !! وأشار الى أنه فعلا بدأ يرى من متابعة الأخبار المتلاحقة يوميا ماذهبت اليه في مقالي .. شكرته على تقديره .

 

فجأة بادرني بسؤال وهو : على أي المواقع أنشر مقالاتي عادة إضافة الى الموقع الذي قرأ المقال عليه .. ذكرت له أسماء المواقع والمجموعات البريدية وأيدني أنها بلا شك أنها مواقع عراقية وطنية مع ملاحظته أن الوطنية لاتكفي أحيانا لوحدها في عكس الأفكار بشكلها الصحيح وذلك من خلال سوء الإنتقاء للمادة موضوع النشر أحيانا أو أحيانا أو التصرف بمزاجية وتعنت في الرأي من قبل المحرر المسؤول بشكل أو بآخر فتحدث الإساءة بشكل غير مقصود ويهتز نتيجة لذلك الموقع الصحفي في أعين النخبة المثقفة سياسيا أو إعلاميا .

 

ولأني أعرف خلفية صاحبي الصحفية وثقافته وعمله الوظيفي والمهني في السابق ، مضافا اليها تجربتي الشخصية في النشر والتعامل مع الصحافة خصوصا على المواقع الألكترونية ومّن يديرها وعلى مدى سنوات ، فقد أيدته تماما وعن قناعة .

 

ثم بادرته بالمقابل بالسؤال : أرى أنك قد مررت بتجربة حديثة في هذا المجال قد اثّرت في أعماقك ..

 

أجابني : لا أسميها تجربة بالمضمون المتكامل لهذه التسمية .. ولكنها أقرب الى كونها نزوة خضعت لمزاج متقلب ولكني أعطي صاحبها العذر كل العذر لوقوفي بالكامل على ظروفه الحياتية وصعوبتها وخلفيته وآثارها .. نعم لقد زرعت شكوكا في داخلي بشكل معين ولكنها لاأعتقد أنها ترقى الى الجدية أو ربما قد تكون .

 

قلت له : لو كتبت أنت فيها فهل سينطبق عليها عنوان ( الغدر ) مثلا ..؟

قال : ربما ، ولكني أفضل أن يكون عنوان كهذا على مايجري في عالم السياسة العراقي ومن قبل التكتلات والأحزاب والأشخاص .

قلت له : إذاً .. سوف أكتب أنا فيها ، ولتكن حول الوضع السياسي العراقي .

إبتسم .. وقال ذلك أفضل وأقرب للواقع .

 

قلت له : سافعل وفي رأسي تدور عبارة " كتلة الغدر " كناية عن " كتلة الصدر " ومن خلال التجربة المنظورة على الأقل منذ الإحتلال في 2003 وحتى الآن .

قال : نعم ولا .. نعم ، لأنها كلما شعر الشارع العراقي أنها تعاطفت معه وصححت مسارها من العملية السياسية  قد تفاجئ ولأكثر من مرة أنها خذلته وأنها كانت تعمل وفق تكتيك موجه .. فذلك يمكن تسميته بالغدر . ولا ، لأنها جزء من ماكنة تعمل مع أجزاء أخرى .. مصممها واحد .. وصانعها واحد .. وبرنامجها واحد .. ويبقى الإختلاف إختلاف عملاء على مكاسب ومناصب ليس إلا .

قلت : لقد كتبت شخصيا بعض المقالات قبل بضع سنوات إبان ولاية المالكي الثانية وقبلها ، أذكر أن أحدها كانت بعنوان : السيد مقتدى الصدر ، لايلدغ المؤمن من جحر مرتين .

قال : بل يلدغ في هذه الحالة .. والسبب بسيط وهو أن الملدوغ لايملك القرار

 

قلت : ولكنه أي السيد مقتدى أقام الدنيا ولم يقعدها قبل أيام حين إجتمع في أربيل مع السيد مسعود البارزاني وأركان التحالف الكردستاني .. ثم مع بقية الأطراف مثل العراقية وغيرها ..

 

قاطعني قائلا : وهل تعتقد أن السيد مسعود البارزاني لايعلم مايدور مما هو منظور وغير منظور بالنسبة للكثيرين .. أو أنه لايعلم مكنون شخصية الصدر وآفاق تطلعاته . بالطبع هو يعلم ذلك .. والعملية بمجملها ومنذ أن بدأت كانت لخلق تشويش في الشارع العراقي وكأن هناك إنقسامات حادة فعلا بين الأطراف السياسية وأن النية متجهة لخلع المالكي . ولكن الذي حدث بعد أيام أن بدأت عملية خلط الأوراق وبدأت معها عملية تمييع كان أول من تبناها الطالباني وكلنا يعلم قربه من صناع القرار الإيرانيين .. ثم ليتحول مجرى القضية الى توجه آخر أطلقوا عليه " إستجواب رئيس الوزراء " .. وهذا كما أعلم وتعلم أنت ليس أكثر من المناورة الأخيرة ليبدأ الغبار بعدها بالنزول الى الآرض وتنكشف الأجواء أمام المالكي وهو الخيار الأميركي ـ الإيراني .

 

قلت : ولكن لما كل هذا ..؟

 

قال : كل ذلك كان ليس من أجل أن يعطى المالكي الدعم فحسب ، مع أن ذلك هو رغبة مشتركة بين الأميركان والإيرانيين . فلقد أفرز إتفاقات جانبية أخرى بين هذين الطرفين .. تنازل من هنا وتنازل من هناك من أجل مصالح مشتركة ليس للعراق مصلحة فيها . كما أنه أفرز تقارب وإتفاقات بين محافظة نينوى وإقليم كردستان برعاية أسامة النجيفي .. وسيعطي أيضا وقريبا إتفاقات بين حكومة المركز والإقليم فيما يتعلق بموضوع النفط والخلافات المترتبة عليه بينهما على الرغم مما تسمعه الآن من إستمرار الزوبعة بين الإثنين . والمستفيد من ذلك شركات النفط الأميركية .

 

قلت : إذن أين الصدر وكتلته ..؟

قال : الرجل لايعدو أن يكون أداة تنفيذ لتحقيق كل ذلك .. مرة مع ( المعارضة ) للمالكي وتبني سحب الثقة عنه .. ومرة التخلي عن ذلك لصالح مايسمى الإستجواب .. وأخيرا ، وأمس فقط خرج علينا بهاء الأعرجي ليعلن أن الكتلة الصدرية لن تكون طرفا في الإستجواب ..!!

قلت : ذلك يعني اللعب على الحبلين .

 

قال : هو ذاك .

قلت : أليس ذلك مايمكن أن نسميه الغدر بالشعب العراقي وحتى بمناصريه من عامة الناس .

قال : هو الغدر بعينه

واكتب ياصديقي عن غدر الغادرين .. وأنا أحد المغدورين .

 

 

إنتهت جلسة الشاي مع صديقي .. ولم تنته الحكاية بعد .. ولي اليها عودة .

 

 

 

lalhamdani@rocketmail.com

مدونة مقالات الكاتب :

http://www.blogger.com/profile/18395497774883363689

 

 





الجمعة ٢ شعبــان ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / حـزيران / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي الحمــداني نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة