شبكة ذي قار
عـاجـل










قصف متبادل بشتى أنواع الاتهامات والتخوين والعمالة لهذا الطرف و ذاك بين معسكري المالكي ومن أوصلوه الى منصب الوزير الاول. لكن الدخـان الاسـود يتعالى من بيوت العراقيين، ويسبح الابريـاء بدمـائهم في الشوارع مع كل صراع بينهم كأن قدر العراقيين بات دفع ضريبـة السلطـة التي يفترض أنها جاءت لخدمتهم أسوة بكل شعوب الارض، لكنهم تحولوا الى قرابين يُذبحون على أعتابها يوميا، وباتت النيران المتقدة في بيوتهم بفعل التفجيرات، جزء من طقوس وثنية تتبارك بها العملية السياسية كي يُطرد الشر عن هذا السياسي وذاك، في زحمة التدافع على البقاء في المنصب ومحاولات الانتزاع التي باتت مهزلـة كبرى في المشهد السياسي.


فهذا يقـول أن عـدد التواقيع المؤيدة لسـحب الثقـة من المالكي أصبحت لديهم أكثر من 170 صوتا، والاخر يُكذُّب العدد فيقــــول أنه أقل من النصاب القانوني، وثالث يدعي أنها 160 صوتا، ثم يأتي الرئيس ليحسم الامـر قائلا أنها 156 صوتا في حالـة أضافـة أصوات حزبـه، كما جـاء في الرسالـة التي بعث بها الى زعماء معسكر سحب الثقـة. ولأن من يملك المال وقوة السلطـة في العراق اليوم هـو المالكي، ولأن من بين النواب من لديـه الاستعداد التام على الحنث بالقسم ولحس التواقيع، فقد أنهالت على الرئيس كما يقول في رسالته برقيات وأتصالات هاتفية من نواب يطلبون حذف تواقيعهم، بل أستجار بعضهم بالمالكي وذهــــبوا اليه طالبين الحماية من رؤساء كتلهم الذين أجبروهـم على التوقيع على سحب الثقـة، فأنتخى لهم مهددا ومتوعدا بالقصاص, طالبا من القيادات الأمنيـة توفير الحمايـة الازمة لهم .


ومع كـل هـذا المشهد المأساوي لازال شخوص العملية السياسية يتحدثون عن مايسمونه بالتجربة الديمقراطية، والجميع يتوسل بالدستور كحكم لما يقوم به، بينما يبقى المواطن مُغيّبا تماما عن المشهد، وكأن أطراف الصراع هُم قدره المحتوم الذي لا خلاص منـه. فالبرلمان الذي قالـوا عنـه أنـه جـاء بثورة الشعب البنفسجيـة، وهو الممثل الحقيقي للارادة الوطنية، لازال عاجزا تماما عن إستجواب وزراء ومدراء باتت رائحة الفساد المالي والاداري تزكم الانوف منهم، بسبب أن كل واحد منهم تدعمه كتلة، ويعينه حزب سياسي، وتنتصر له طائفة. فكيف بالمالكي الذي تدعمه هذه الوسائل كلها، مضافا اليها قـوة الدعم المادي والمعنوي التي توفرها له مناصبه المدنية والعسكرية التي بات من الصعوبة حصرها؟ وهل البرلمان هو حقا برلمان الشعب وصوت ضميره وهاجس الوطن، أم أنه بات مؤسسة لتخريج المليونيرية وأصحاب الجوازات الخاصة والسيارات المدرعة؟ وبذلك فقد سقطت كل المقولات التي كانت تروج لهذا وذاك مـن أطراف العمليـة السياسية على أنه أقل سوءا من الاخر، وأثبت الواقع اليومي الفعلي على الارض بأن الجميع في نفس مستنقع الجريمة، وأنهم يقفون على خط شروع واحد ضد كل مصالح الشعب والوطن. فالرئيس يصر على أنـه حامي الدستور والعمليـة السياسيـة، وهـو يرفض الابتـزاز والتهديـد والضغـط عليـه بهدف الموافقـة على سحب الثقـة من المالـكي كما يقول، بينما الحقيقـة هي غير ذلك، فهـو حامي المصالح الايرانية وأرادتها السياسية التي يمثلها المالـكي خير تمثيل، وهـو الذي فتح مدينـة السليمانيـة معقل حزبـه أمـام النفوذ الايراني السياسي والمخابراتي والاقتصادي منذ العـام 2003 وحتى اليوم، بل أنـه من فتح المنافذ للجيش الايراني كي يحتل بعض أقضية المحافظة أثناء الحرب العراقية الايرانية، وهو القائل بأن زيـارة رفسنجاني الى العـراق نعمـة وبركـة مـن الله، على الرغـم مما يمثله هـذا الرجل في ذاكـرة العراقيين.


فكيف يمكن التعويل على الرئيس في إقصاء مـن يمثل إرادة أسـياده في طـهران؟ وهو محق جدا عندما فضل الاستقالة من منصبه على القيام بهذا الدور، لأن الغضب الايراني سيطال كل شبر من مناطق نفوذه في السليمانية، أن تجرأ على القيام بما يطلبه منه غرماء المالكي. كما أنه يعلم جيدا بأنهم الحليف الوحيد لـه في المنطقة، الذين يمكن أن يكونـوا سندا لـه في مواجهة مسعود البرزاني في حالة إختلال التوافق الستراتيجي بينهما، والذي بدت أعراضه تظهر الى العلن هذه الايام على خلفية سحب الثقة. وأذا كان هذه الوصف هو حال الطالباني، فإن الآخرين من معسكر البرزاني والصدر والعراقيـة لايختلفون تمامـا عنـه. فلكل منهم أهدافـه واغراضه الخاصة مـن موضوع سحب الثقة، والتي لاتمت إطلاقا الى المصلحة الوطنية العليا بأية صلـة. فمـا مصلحة الوطن والمواطن في أن يُسهّل قادة العراقيـة في صفقـة سياسية إنضمام كركوك وغيرهـا من المناطق، التي لازال الساسة الاكراد يدعون أنها من ضمن الخريطة الجغرافية لما يسمى (أقليم كردستان)، الذي بات دولـة داخل الدولـة العراقيـة؟ وهـل سيأتي الخيـر كـل الخيـر الى الشعب العراقـي إن تم إنصاف علاوي والمطلك وغيرهم، بمناصب أكبر ومسؤوليات أوسع؟ لقد جربنا الجميع منذ ما يقرب من عشر سنوات ولازال الشعب العراقي يفقر وهم يغتنون، ويجـوع وهم يضعون صحون الفواكـه والمشروبات على موائدهم أثناء الاجتماعات، ويتحصنون في المنطقة الخضراء بأجواء مترفة بينما نحن ندفع الدماء غزيرة كـل يوم، ونعاني من إنقطاع المـاء والكهرباء والخدمات الاساسية الاخـرى.


أما المالـكي الـذي بات يلقي خطاباته بشكل يومي في كل مناسبة صغيرة وكبيرة، فيبدو أنه يعيش في غير عصرنا، أو يحكم شعبا غيرنا، لأن المنهج السياسي الذي يدعيه لانجد له أي أثر على أرض الواقع، وأن أدعاءاته المتكررة بالانجازات باتت نكتة سمجة، بل المفارقة الكبرى عندما تحدث قبل فترة وجيزة أمام عدد من الضباط مدعيا بأن الانجازات الامنية التي تحققت في العراق باتت موضع إعجاب الدول الاخرى، ولم يكد ينزل مـن منصة الخطابـة حتى كانت بغـداد والكثير من المحافظات تشهد أكثر مـن ستة عشر تفجيرا، ذهب ضحيتـها العشرات مـن الابرياء. إن البطولـة وشرف المسؤوليـة التي يدعيهما توجب عليـه الاستقالـة دون تكلفة الاخرين عناء سحب الثقة منه، لأن أفعاله خلال سنوات تصدره المنصب الاول في الدولـة وفشله في تحقيق أي قدر من الانجاز قد صنع له تاريخا أسودا، لايشرف العراقيين أن يكون وزيرا أولا لهم يمثلهم أمام العالـم. وأن تشبثه بالمنصب سيكلفنا مزيدا من الدمـاء والفساد والسرقات، لأن هـذا التشبث سيدفع الاخرين الى وضعنا حطبا في ماكنـة صراعهم معـه، ليس لأنـه وطني والاخرون غيـر ذلك، وليس لأنـه غيـر وطني والآخرون وطنيـون، بـل لانـه أستحوذ على كـل شيء، وأستخدم كـل أمكانات الدولـة لتقويـة نفسه وحزبه والمحيطين بـه، وبات يهدد مستقبل الشركاء الاخرين بالاقصاء والاعتقالات والاتهامات. أي أنـه بات يأكل من جرف الاخرين ليس بمـا يقدم، بـل بمـا في يـده مـن أجهزة قادرة على شل حركة الاخرين، مما فتح شهية الاخرين لممارسة نفس الدور الذي يمارسه.

 


صحيفة القدس العربي اللندنية

 

 





الخميس٠١ شعبان ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١ / حزيران / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة