شبكة ذي قار
عـاجـل










لقد صدق من قال ان للرجال معادن, فبعضهم يذوب عند العشرين من درجات الحرارة, وآخرون يصمدون ربما حتى الخمسين منها. ولكن...قلة منهم من لايذوب حتى ولو في الفرن الذري, وإن حدث وذاب تحول فحمه الى ماس.


وفي تصوري أن القارئ الكريم قد أستوعب المعنى من هذا المقال, لذلك سأتناوله في مبحثين: الأول- في الصفات الأخلاقية النبيلة؛ والثاني- في سيء الأخلاق.
ولاأخفي عليكم, فإن هذه الفكرة تراودني منذ زمن ليس بقريب, ولكن حان موعد قطافها كما يقال عندما صاغها لي صديق كبير مقامه ذلك هو صاحب المعالي الأستاذ صلاح عمر العلي.
إذن, فالوفاء والكرم والشجاعة هي عنوان تلك الصفات النبيلة دون أدنى شك. وهي لصيقة بالإنسان لإنها تدخل في جيناته الوراثية, ومع ذلك يمكن للمرء إكتسابها. فقد يجهل الشخص معنى الكرم مثلاً, ولكنه يربى وينشأ في في مجتمع كريم يأبى الرذيلة فيصبح مثلهم لأنه تعلمها منهم فتعودت نفسه على الأخلاق الكريمة.


وقد تساهم العائلة أو القبيلة في تكوين الشخص النفسي والفكري وكذلك الديني, فيتأثر بها الشخص وتنعكس على تعامله مع الآخرين سواء كان ذلك سلباً أم إيجاباً. ومن ثم نرى حتى هذا اليوم أن الرجل مازال متمسكاً بقبيلته ويفتخر بإنتمائه لها, لأنها مصدر عزوته ونخوته, فيقول مثلاً أنا أخو هدلة, أو شاطرة, أو سلمى, أو أنا من الضواري, وغير ذلك من المسميات التي تطلقها القبائل العربية على نفسها للتفاخر فيما بينها بمآ تحمل من مآثر خالدة ونخوة عزيزة وإنتماء حقيقي, فضلاً عن شحذ همم الرجال في أوقات الشدة التي تتعرض لها القبيلة أو الوطن إذا ماتعرض للعدوان.


لذلك يشبهون الرجال الذين يتحلون بهذه الصفات بمعدن الذهب, فيقال أن فلاناً ذهب معدنه, لأن الذهب يعتبر من أهم أنواع المعادن بل وسيدها جميعاً. والحقيقة, هو مثل دارج لدى العرب أيضاً وله حظور في ثقافتهم الأدبية كذلك, فالمتنبي مثلاً عندما يفخر بنفسه يقول " أنا الذهب المعروف مخبره", كدليل على مايحمل من صفات نبيلة ونادرة.


وكذلك يقال على المخلصين في ولائهم وحبهم للوطن بأنهم:
رجال تبقى على العـــــهـــد.............معـــــــــــــادنـــــــــها ذهـــــــــــباً
وتبقى على العــــــــــــهــد............ وإن نزل الحــــمام بــــــــــــــــــها
وترفض الغـــــــــــــــــــدر........... وإن كـــــــــــــــان فيه محـــــــياها


وقد يكتسب الشخص هذه الصفات النبيلة من المحيط الطبيعي له, كالمدرسة أو الكلية أو أستاذ أو قائـــــــــــــد شجاع......الخ.


لذلك فقيمة الرجال لا تقاس بأشكالهم أو أموالهم أو بفتل عضلاتهم, بل بما يحملون من وفاء لوطنهم وإخلاص لقائدهم وشجاعة في قول كلمة حق قد تودي بحياتهم. ولكي لا أذهب بعيداً بكم, فنحن نكاد نمتحن كل يوم بأولاد نتسائل عن معادنهم إن كانوا من الرجال حقاً أم حسبوا زوراً عليهم, ودعوني أضرب لكم مثالاً على ذلك: فسيدنا عمر (رض) قد وضع شروطاً لمن يقف عند مفترق الطريق فإما أن يكون واحداً من الرجال أو يذوب, لذلك إما:


1- أن تكون جاراً له, وبالتالي سوف تعرف الكثير عنه, أو 2- تتعامل معه بالمال, لتستدل على كرمه أو بخله, أو 3- تكون رفيقه في سفر, لتستبين أخلاقه وحسن تعامله.


أما عن المبحث الثاني- في سئ الأخلاق. فالحقيقة, لايمكن للرجل الشجاع أن يكون لئيماً أو حتى بخيلاً, فمن يتعامل مع المحتل لأرضه ومع من أنتهك عرضه أو سرق ماله, لايمكن أن يكون أميناً مطلقاً.
فالعرب من طبعها كره البخل وكذلك لاتطيق اللؤم, وهي صفات غريبة عن مجتمعهم, بل هي أمراض أدخلها الأستعمار والإحتلال من مغول أمريكي وفرس مجوسي لتفتك بقيمه النبيلة. لذلك أصبحنا اليوم نقف آسفين على مفترق الطريق لصناعة إما أن تكون ذهباً خالصاً لايذوب أو لاتكون.

 

 





الاحد٢٣ جمادي الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٥ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. علي خليل أسماعيل الحديثي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة