شبكة ذي قار
عـاجـل










بين الفينة والأخرى يتعاظم الحديث عن الهوية ومقتضيات الانتماء رغم أنّ هذا الموضوع كان إلى وقت قريب مسألة محسومة أو تكاد. ويبدو أنّ الأحداث التي عصفت بالأقطار العربيّة لا سيما منذ سنة 2003 قد خلقت مناخا جديدا يسمح بافتعال قضايا ثمّ تضخيمها ثمّ مناقشتها، وكأنّ الأمر يتعلّق بمعضلة مزمنة تحتاج إلى خبراء وأكاديميّين للخوض فيها ومعالجة أسبابها واستخلاص النتائج المترتبة عنها.


لهذا فلا عجب أن نرى خطر التقسيم يهدّد اليوم أكثر من قطر عربيّ بدءا من العراق إلى ليبيا واليمن والسودان. ويبدو أنّ هذا الخطر سيستفحل طالما أنّ الشعور بالانتماء القومي آخذ في التلاشي لفائدة انتماءات جديدة تتعلّق بالدين أو المذهب أو العرق أو غيرها من العناصر التي يفترض أنّ الحضارة العربيّة الإسلاميّة قد نجحت في صهرها على مدى القرن الماضية.


وإذا كانت بعض الأقطار العربيّة تعتقد أنّها بمنأى عن هذه المخاطر، أو أنّها نجحت في تحصين جبهتها الداخليّة، فإنّني أزعم أنّ الجميع يقف في مفترق طرق..
نعم.. إنّ الخطر يطال الجميع بلا استثناء.. ولا أحد بمأمن من التحديات التي يواجهها العرب والتي تستهدف بالدرجة الأولى زعزعة مفاهيم الانتماء.. واستبدال الولاء للوطن بولاءات أخرى.


في الخليج العربي يتحدثون كثيرا عن العمالة الأجنبيّة، وما تمثله هذه اليد العاملة -لا سيما الآسيوية- من تحدّيات تتعلق باللباس ونظام الغذاء واللغة ونمط التفكير وكل العناصر التي تشكل مجتمعة هوية الفرد والمجموعة. بل يذهب بعضهم إلى حد التحذير من كثافة العمال الوافدين التي تمثل قنبلة موقوتة، إذ أن هؤلاء العمال قد يشكلون مستقبلا ضغطا على الحكومات في الخليج لإشراكهم في الحياة السياسية.


قد تكون المشاكل المتصلة بتزايد العمالة الآسيوية خاصة بدول الخليج العربي. بل لعل ما يترتب عن الاختلال الحاصل في التركيبة السكانيّة بين الوافدين والمواطنين يُعَدّ أمرا هيّنا إذا ما قورن بتصاعد هويّات بديلة لانتمائنا العربي خصوصا في السنوات الأخيرة... وهو أمر ليس خاصا بأقطار الخليج وحدها، بل يشمل الوطن العربي كله.


عرب نحن أم بربر أم تركمان أم أكراد أم..؟ شيعة نحن أم سنّة أم إباضية أم..؟
ولغتنا.. أهي العربية أم الفرنسية أم الانجليزية.. أم هي لهجات شتى بعضها من إفريقيا وبعضها من الهند..؟ ما الذي يعزّز قوّة أقطارنا ويُكسبها حصانة من داخلها؟ هل هو الحفاظ على القواسم المشتركة بيننا في اتجاه مزيد التوحيد والقوّة أم البحث عن عوامل الفرقة العرقية والمذهبية والطائفية واللغوية.. و..و..؟


إن أخطر مظاهر أزمة الهوية، لا في الخليج فحسب بل على امتداد خريطة الوطن الكبير، إنما هو ما نشهده من عمل سياسي لتصعيد الهويات الطائفية أو العرقية على حساب الهوية الوطنية الجامعة. وهذا يعني أننا نعاني من أزمة ولاء وطني تَراجَع بمقتضاها الشعور بالانتماء إلى الوطن، وحل محله إحساس بالانتماء إلى مذهب أو طائفة أو قبيلة أو جهة..


ومع إدراكنا أن هذه الولاءات -التي كان يفترض أن تكون فرعية وهامشية- تغذّيها أطراف خارجية يسوءها أن تكون العروبة هويّة جامعة للعرب، فإن من الإنصاف أن نفحص بوضوح وعمق ودقة عن الأسباب الكامنة فينا.. تلك الأسباب التي دفعت المواطن إلى البحث عن درع يتقي به أخطار الداخل والخارج معا حتى إن كان يدرك أن هذا الدرع لن يقيه غوائل الزمان.


لا وقت للبكاء.. ولا وقت للتحسّر..
إن تشخيص العلة وتحديد أسبابها ضروريان لبيان الوصفة السليمة الناجعة.
من عوامل الاختلال في كثير من الأقطار العربية سوء توزيع الثروة الذي يدفع المرء إلى الشعور بالحيف والقهر والحرمان، وغياب المشاركة السياسية الفاعلة التي تُشعر المواطن بأنه شريك فاعل في صياغة سياسة بلاده، وغياب أو ضبابية خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وسيطرة السلطة التنفيذية على باقي السلطات، وممارسة التمييز على أساس الدين أو العرق...


إن من الضروري الاعتراف بتنوع التركيبة السكانية داخل أقطار كثيرة. والتنوع في ذاته ليس مشكلة.. بالعكس يجب أن يتحول إلى عامل قوة عبر تعزيز الهوية الوطنية وصياغة رؤية واضحة بشأن الإصلاح السياسي ومأسسة قنوات المشاركة السياسية وتطويرها.


ودون ذلك، وما لم تنجح الانتفاضات العربيّة في تجذير الوعي القوميّ، ونزع فتيل شهوة الانفصال.. فإننا نترك المواطن فريسة سهلة لهويات مصطنعة.. وأيد تتسلل من خارج حدودنا.



akarimbenhmida@yahoo.com

 

 





السبت٢٢ جمادي الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٤ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الكريم بن حميدة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة