شبكة ذي قار
عـاجـل










بسم الله الرحمن الرحيم

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ) النساء 71

صدق الله العظيم

 

 

تمهيد :-

قبل أكثر من عام وبالتحديد في 9/12/2010 بدءنا بنشر سلسلة بحوث معنونة باسم "هل فشلت القيادة العراقية بتحرير العراق" ، تناولنا خلالها جملة من الحقائق والوقائع والأحداث والقضايا الهامة التي مست وما تزال تمس حياة المواطن العراقي والقيادة العراقية في الصميم ، وبطريقة دائبنا دوما أن تكون واضحة وصريحة وبعيدة عن المجاملات والغموض وضبابية الموقف . مثلما دائبنا لان تمثل هذه الدراسة بجوهرها وبمضمونها الإجابة الواضحة والصريحة لجملة من الأسئلة التي ُطـِرحت وما تزال تـُطرح علينا من الأصدقاء قبل الأعداء. تلك الحقائق والوقائع والأحداث والقضايا والأسئلة التي نعتقد بأنها لم تأخذ فرصتها المناسبة والمطلوبة من البحث والدراسة والتغطية الإعلامية .

 

فقد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم مثلما يتبادر إلى ذهن أي عراقي أصيل وأي عربي ومسلم محب لامته وللعراق ، سؤال كبير ومهم جدا إلا وهو : هل فشلت القيادة العراقية في تحرير العراق ..؟؟!!!

وفي الحقيقة فان كل ما تضمنته دراستنا هذه قد جاء لتوفير الإجابة الوافية والتامة لهذا السؤال ،فبينا من خلال الجزء الأول بان القيادة العراقية لم تفشل في تحرير العراق ، ولكن وبنفس الوقت فلم تنجح نجاحا تاما في تحقيقه أيضا . أي وبمعنى أوضح فان الإجابة هنا نسبية ، فهي لم تنجح كليا ولكنها لم تفشل أيضا في ذلك . فأما النجاح فقد تمثل في إنهاء الاحتلال العسكري ، وأما الإخفاق أو الفشل فيتمثل في عدم قدرتها ولحد الآن على إنهاء بقايا ومخلفات الاحتلال والمتمثلة بالعملية السياسية التي أنشئها الاحتلال نفسه والتي أنتجت لنا ما يسمى بحكومة نوري المالكي . فهذا الحال والذي أسميناه بمأزق المشروع الجهادي ، هو ما أثار في الحقيقة حاجتنا لوضع دراسة جديدة مكملة لدراستنا هذه ، حيث سيتم نشر الدراسة الجديدة خلال الأيام القادمة بعون الله سبحانه وتعالى تحت عنوان "هل نجحت المخابرات الأمريكية في تجنيد الشعب العربي برمته" حيث سنتطرق إلى جملة من القضايا والأحداث الهامة في محاولة منا للتعرف عن حقيقة مأزقنا وأسبابه وطرق علاجه وعدم تكرار حدوثه مستقبلا .

 

وبالتالي فان كل ما تلا الجزء الأول من دراستنا هذه هو في الحقيقة للتأكد عما أذا نجحت القيادة فعلا في تحقيق انتصارها الجزئي ، هو أيضا بمثابة مراجعة للإحداث التي شهدها العراق في العقود الأربعة الأخيرة ولحكم البعث وتوجهاته وأفكاره وسياساته وللإنسان العراقي بحد ذاته ولمنجزات القيادة العراقية ومؤسساتها وعما أذا أدت عملها ومسؤوليتها بنجاح وتفوق أو بتقصير وخلل .

 

هكذا وعلى اثر ما قد ينتاب القارئ الكريم من أسئلة أو مشاعر ، فقد تناولنا مواضيع معينة دون غيرها ، وهكذا فقد جاء تسلسل هذه الدراسة ليوفر هو الأخر الإجابة الوافية لما قد يتبادر إلى ذهن القارئ من سلسلة من الأسئلة والاستفسارات المهمة والجوهرية. هكذا تناولنا المخابرات في الجزء الثاني لنجيب على سؤال القارئ المتوقع عما أذا كان للقيادة العراقية جهاز مخابرات مخلص وكفوء قادر على رفدها بالمعلومات المطلوبة وتحقيق النصر الحاسم على العدو الغازي الأمريكي . وهكذا انتقلنا إلى الجزء الثالث لنوفر الإجابة على سؤال المتوقع الآخر عما أذا نجحت القيادة العراقية في فهم ووعي السياسة الأمريكية . وهكذا انتقلنا إلى الجزء الرابع لنوفير الإجابة عما أذا فقد الجيش العراقي أرادة القتال . ثم انطلقنا في الجزء الخامس نحو مراجعة منجزات القيادة العراقية وعما أذا فشلت أو نجحت في بناء الإنسان الجديد . ثم عدنا في الجزء السادس لنجيب على ما سبق وأثرناه في الأجزاء السابقة وبالتحديد عما أذا استعدت القيادة العراقية فعلا لحرب العصابات أم لا . لنتناولنا في الجزء السابع القدرات الحقيقة للقيادة العراقية في هذا الوقت . وأخيرا فقد حاولنا في الجزء الثامن أن نجيب عما أذا تحققت وحدة فصائل المقاومة والقوى المناهضة للاحتلال أم لم تتحقق وسبب ذلك وأين نجحت وأخفقت ولماذا .  

 

فمن اجل أن يطلع القارئ الكريم على خلاصة هذه الدراسة وحتى لا نتعبه كثيرا في الاستنتاج ويفهم سبب تطرقنا إلى مواضيع معينة دون غيرها ويتعرف على مسار بحثنا ، فقد قررنا أن نكتب خلاصة شاملة ومترابطة للأجزاء الأربعة الأولى وعلى النحو الأتي :-

 

الجزء الأول / مأزق المشروع الجهادي:-

حاولنا في هذا الجزء ، ومن خلال تذكير القارئ الكريم بأحد بحوثنا المنشورة تحت عنوان "عودة نبوخذنصر" إعادة قراءة المخطط الأمريكي لغزو العراق .

 

حيث أكدنا بان غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق يدل على مدى أهمية العراق في السياسة العالمية عموما وفي السياسة الأمريكية خصوصا ، مثلما يدلل على خشية إسرائيل من عودة بابل بنبوخذنصر جديد. فخلصنا إلى إن الاحتلال الأمريكي من وجهة نظر الإدارة الأمريكية والصهيونية وقع ليدوم لا لينتهي يوما ما .

 

وبالتالي فان على القيادة العراقية أن تعد عدتها وخططها ومشروعها الجهادي لتحرير العراق وفق هذه الحقيقة أي وفق حقيقة أن هذا الاحتلال جاء ليدوم لا لينتهي يوما ما ، وبالتالي ومن وجهة نظرنا فعلى القيادة العراقية أن توفر مستلزمات القيام بما يلي :-

 

1- تدمير الخصم ، وأنهاك قواه ، وإزالة تأثيره من الوجود . وهي ثلاثة أهداف بثلاثة مراحل ، مرحلة تدمير القوات الأمريكية ، ومرحلة أنهاك قوى المخابرات الأمريكية ، ومرحلة إزالة تأثير الولايات المتحدة على الشأن العراقي .

2- تفكيك الكيان الامبريالي العالمي للولايات المتحدة.

3- تفكيك مؤسسات الولايات المتحدة الأمريكية البنيوية .

 

وأوضحنا بان المستلزمات الثلاثة أعلاه ، هي في الحقيقة عبارة عن ثلاثة مراحل أو جولات بين القيادة العراقية ومشروعها الجديد والذي أسميناه "عودة بابل" ، وبين الإدارة الأمريكية ومخططها الخبيث والذي أطلقنا عليه تسمية "تدمير نبوخذنصر الجديد" . وهو الأمر الذي يفرض على قيادتنا المجاهدة أن توفر لكل مرحلة مستلزماتها المناسبة ، وبالأخص مستلزمات المرحلة الأولى كونها تمثل بوابة النصر في هذه معركة ، أما بقية المراحل فهي تمثل المسار الطبيعي المتسلسل لهزيمة الولايات المتحدة الأمريكية خاصة أذا ما استمرت القيادة بمشروع "عودة بابل" .

 

واليوم لو تمعنا جيدا فيما شهده العراق من أحداث مهمة طيلة فترة الغزو الأمريكي عموما وطيلة السنتين الأخيرتين ، فسنجد أن المشروع الجهادي في العراق وبفضل من الله سبحانه وتعالى وتوفيقه للقيادة العراقية المجاهدة ولرجالها البواسل ولكل مجاهد صادق قد حمل السلاح بوجه الغزاة ، قد استطاع بالفعل من تحقيق اثنين من الأهداف الثلاثة التي سبق وتناولناها في الجزء الثاني من بحثنا المعنون "عودة نبوخذنصر- تفكيك الكيان الامبريالي العالمي للولايات المتحدة الأمريكية" والمنشور بتاريخ 20/11/2009 وما اشرنا أليه في الجزء الأول من دراستنا المعنونة "هل فشلت القيادة العراقية في تحرير العراق" والمنشور بتاريخ 9/12/2010 . فقد تمكنت القيادة العراقية المجاهدة من تحقيق :-

 

1- تدمير القوات الأمريكية في العراق .

2 - أنهاك قوى المخابرات الأمريكية كونها تمثل عصب الاحتلال الحيوي.

 

أما بالنسبة للهدف الثالث وهو إزالة تأثير الولايات المتحدة على الشأن العراقي وترك عملاءها يواجهون حتوفهم على يد أبطال الحرس الجمهوري الخاص ، وهو ما يمثل في الحقيقة مصير المشروع الجهادي وخاتمة مرحلته الأولى وبتحقيقه يعلن للعالم عن انتصار المقاومة العراقية البطلة ويعود العراق لموقعه المناسب ولأهله الأصلاء الكرام ، فلم يتحقق كليا حتى هذه اللحظة ، وهنا نشدد على كلمة كليا .

 

وبمعنى أوضح فالقيادة العراقية قد تمكنت من تحقيق هذا الهدف ولكن بشكل جزئي وليس كلي . فلو عدنا إلى ما كنا قد نشرناه في البحوث المشار إليها آنفا لوجدنا أننا قد قلنا وبالحرف الواحد :

((هكذا ستنتقل الحرب من باء إلى جيم . أي إلى إزالة تأثير الولايات المتحدة على الشأن العراقي. فتبقى قوات الاحتلال مجرد ديكور للحفاظ على سمعة الجيش الأمريكي اولاً ومن ثم إلى الحافظ عن سمعة الولايات المتحدة الأمريكية ثانياً . لان جنرالات الجيش الأمريكي وكما هو معروف لا يمكنها إن تتخذ قراراً بالانسحاب فهي مجرد أداة تنفيذية بيد صناع القرار الأمريكي أي أداة مهمة من أدوات الإدارة الأمريكية في تحقيق النجاح في حرب العصابات . أما وكالة الاستخبارات المركزية فهي ليست مجرد أداة بيد الإدارة الأمريكية فحسب إنما هي من صناع القرار . حينها لابد للقيادة العراقية إن تراعي هذا الأمر ريثما يتم البت في قرار الانسحاب وطريقة الإدارة الأمريكية في التعاطي مع أزمتها هذه . فتستغل ضعف جنرالات الجيش الأمريكي لصالحها عن طريق تحييدهم من الصراع وزيادة سلبيتهم من الموقف بأكمله . وهنا لابد إن نشير بان على المقاومة العراقية عدم استفزاز أولئك الجنرالات لإصدار الأوامر لقطعات الجيش الأمريكي لشن معارك كبيرة ضدها. مع الاستمرار في أنهاك قوى وكالة المخابرات المركزية . إلى إن تصل إلى قناعة إن العملية قد نجحت لكن المريض قد توفى ، أي إن العراق قد أ ُحتَّلَ ولكن الاحتلال نفسه قد توفى ..... وفي هذه المرحلة تتعقد أساليب المخابرات وإدارتها للحرب وإيصال رسائل عملية تهدد فيها الكيان الامبريالي الأمريكي العالمي ... ومن بين أسباب منع الانهيار سيكون قرارها بالانسحاب من العراق ... ولكن هذا لا يعني بأن العراق قد تحرر كليا فالدجاجة تموت وعينها على المزبلة حشى الدجاجة وحشى العراق)) .

 

فهنا من حقنا أن نتسأل ونقول : الم تنجح القيادة العراقية في استغلال ضعف القوات الأمريكية التي تم تدميرها في أوقات سابقة ..؟! ألم تنجح في تحييد موقف جنرالات الجيش الأمريكي من الصراع ؟! الم تنجح في جعل قوات الاحتلال الأمريكي مجرد ديكور في العراق ..؟! ثم الم تنجح القيادة العراقية في تهديد الكيان الامبريالي العالمي للولايات المتحدة الأمريكية ؟! الم تنجح في أنهاك قوى المخابرات الأمريكية وقوى الاقتصاد الأمريكي ؟! وأخيرا الم تنجح القيادة العراقية المجاهدة في تلقين الإدارة الأمريكية درسا باستحالة استمرار تواجدها العسكري في العراق وأرغمتها على سحب علوجها حتى قبل حلول الموعد الرسمي المعلن لانسحابهم ..؟!!

 

أذن فعدم تحقيق النصر التام لحد الآن ، والمتمثل في إزالة مخلفات الاحتلال أو ما يسمى بحكومة المالكي ومجمل العملية السياسية التي أنشئها ورعاها العدو الأمريكي ، لا ينفي تحقق النصر الجزئي والمتمثل في تدمير قوات العدو وأنهاك قواه المخابراتية وإزالة تأثيره من الوجود ولو بشكل جزئي. فالخسائر العسكرية والاقتصادية التي منيت بها الولايات المتحدة الأمريكية في العراق مع سياسيتها الإجرامية القبيحة التي تبعتها كجرائم أبو غريب وسواها ، قد تسببت في إسقاط اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية إلى الحد الذي تعرت فيه من أي اعتبار سياسي أو عسكري أو أنساني . بل قد أصبح الغزو الأمريكي للعراق وصمة عار في تاريخ الأمريكان فأبوغريّب شاهد حي على فضاعتهم وجرائمهم ، والفلوجة شاهد حي آخر على مدى سخف العملاق العسكري الأمريكي الذي هزم في أزقة بلدة لا يتجاوز عدد سكانها الأربعمائة ألف نسمة رغم كل الأسلحة المحرمة التي استخدمها الجيش الأمريكي في قصف هذه المدينة الباسلة .

 

الجزء الثاني/ هل اخفق جهاز المخابرات الوطني:-

للوهلة الأولى قد يبدو حديثنا في هذا الجزء خارج أطار دراستنا هذه وليست له علاقة في الإجابة عن تساؤلنا عما أذا فشلت القيادة العراقية في تحرير العراق ، كما قد يبدو للبعض بأنه غير مكمل للجزء الأول ولا يتطرق لكيفية تلافي مأزق المشروع الجهادي .

 

وهنا نود أن نوضح للقارئ الكريم بان ما تناولناه في هذا الجزء يقع في الحقيقة بمضمون دراستنا هذه ، فبالإضافة إلى دور وأهمية المخابرات في حياة الإنسان فرد كان أو جماعة ، شعب أو حكومة . فقد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم وهو يقراء الجزء الأول من دراستنا هذه ، سؤال في غاية الأهمية عما أذا كان للقيادة العراقية المجاهدة جهاز مخابرات مخلص وكفوء قادر على رفدها بالمعلومات المطلوبة لتحقيق النصر الحاسم على العدو الغازي الأمريكي ، وهو الذي يملك واحدة من أهم واكبر وأرقى أجهزة المخابرات في العالم وأكثرها تطورا تكنولوجيا وتمويلا ماليا ..؟؟

 

ولاسيما وان حرب العصابات أو العمل المسلح السري تتطلب قادة وجنود على درجة عالية من التدريب والوعي ألاستخباري بحيث يكونوا أصحاب روح أمنية عالية المستوى وناضجة الإحساس مناضلين صبورين لا تفتر عزيمتهم ولا تغريهم الأموال ولا المناصب ولا حتى ضمان عدم ملاحقتهم من قبل سلطات العدو أو عملاءه ..؟؟

 

وهل يتوفر للقيادة العراقية هكذا رجال بهذه الصفات ، وهل تستطيع الاحتفاظ بهم وبتميزهم في عالم سريع التطور كعالم المخابرات ، وهل سيحقق هؤلاء الرجال المطلوب منهم ، والقيادة العراقية قد أضحت خارج السلطة في العراق ولم يعد لها نفس الإمكانيات المادية والمالية والبشرية والمعنوية والانضباط والالتزام التي كانت تتوفر لها من قبل ، وهل من الممكن تحقيق النصر في ظل ظروف العراق المعقدة والمتداخلة وبوجود فتنة طائفية وعرقية شديدة الخطورة ..؟؟

 

بل قد يذهب القارئ إلى ابعد الحدود ويتسأل ، هل استطاع جهاز المخابرات العراقي أصلا من تحقيق التفوق على المخابرات الأمريكية حينما كانت القيادة العراقية تحكم العراق وبيدها كل إمكانياته ، حتى تستطيع تحقيق الانتصار هذه المرة وهي خارج كرسي الحكم ..؟!!

 

من هنا ولكل هذه الأسباب فقد تناولنا الظروف التي شهدت تكوين وولادة جهاز المخابرات العراقي ، وأوضحنا بان مسيرة حزب البعث العربي الاشتراكي النضالية ، قد خلقت لمناضلي البعث وقياداته المجاهدة روحا امنيا ناضجة قد مثلت حجر الأساس لبناء جهاز مخابرات وطني قائم على أسس علمية وبرامج مدروسة بعناية فائقة وتخصيص وتوفير كل ما يلزم من دعم مادي أو معنوي من اجل قيام هذا الجهاز بواجبه على أتم صورة وأفضلها ، وهو الأمر الذي عاد على العراق وعلى البعث بالخير العظيم .

 

فبضل من الله جلى في علاه وبهمة وحماس رجال البعث ورجال جهاز المخابرات فقد تمكن العراق العظيم من تحقيق العديد من الانجازات المهمة ومن تحقيق الانتصار الحاسم على إيران الخميني ، ودك قلب تل أبيب ولأول مرة في تاريخ الكيان الصهيوني المسخ ، وقصف عروش الرجعية والعمالة . مثلما تمكن العراق من الصمود أمام أطول حصار شامل شهده تاريخ الإنسانية . فقد كان وراء هذا الصمود الأسطوري جهود متفانية من اجل الحفاظ على العراق اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وإعلاميا وعلميا وامنيا وعسكريا وسياسيا ، وأول تلك الجهود التي بذلت في سبيل صمود العراق ومن ثم كسر الحصار الشامل عليه ، هي جهود رجال المخابرات العراقية . والتي سيكتبها التاريخ بكل فخر واعتزاز بهذا الجهاز الحيوي الذي قدم للعراق ما لم يقدمه أحدا غيره ، هذا الجهاز الذي اشرف الرفيق القائد المنصور بالله صدام حسين المجيد بنفسه على بناءه وتغذيته بأرقى الكفاءات والخبرات وتمنيته تنمية علمية مدروسة ليضاهي بذلك أجهزة المخابرات العالمية كي جي بي والسي أي أيه .

 

وباختصار فان القيادة العراقية المجاهدة والتي استطاعت من بناء جهاز مخابراتي على درجة عالية من الكفاءة والتطور والذكاء والحنكة ، جهاز قد جرب مرارا وتكرارا في ساحات الحروب السرية ، فإنها وبعون الله سبحانه وتعالى قادرة على تحقيق النصر الحاسم على العدو الغازي الأمريكي رغم كل إمكانياته الضخمة .

 

الجزء الثالث / هل أخفقت القيادة العراقية في فهم وإدراك السياسة الأمريكية:-

أما في هذا الجزء فقد حاولنا استقراء ما قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم وهو يقراء الجزء الثاني والذي أوضحنا فيه بان جهاز المخابرات العراقي يمتلك خبرة وروح أمنية عالية المستوى وراقية إلى درجة النضج التام ، لنستبق القارئ ونجيب على أسئلته ونقطع شكه بيقين سيتوصل هو نفسه أليه بختام هذا الجزء .

 

فقد يتسأل القارئ مع نفسه عن مدى أمكانية القيادة العراقية لفهم ما سبق وتطرقنا أليه وبالأخص في الجزء الأول من دراستنا هذه ، أي قد يتسأل عما أذا كانت القيادة العراقية على اطلاع كامل وأدراك تام لما كان يحاك داخل أروقة البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية من مؤامرة خبيثة تتمثل في شن حرب أخرى ضد العراق ولكن هذه المرة بهدف غزوه واحتلاله وإسقاط نظامه الوطني وتامين إسرائيل من أي خطر قد يمثله العراق عليها مستقبلا ، وهل كان في مقدور القيادة العراقية تجنب هذه الحرب وتلافي كوارثها التي ستحل على العراقيين وعلى القيادة نفسها..؟؟!

 

أن الإجابة على هذا التساؤل المهم جدا يتطلب في الحقيقة إعادة النظر ومراجعة سياسة القيادة العراقية خلال الثلاثة عشر عاما التي فصلت بين حرب عام 1991 وغزو عام 2003 . وهي الفترة التي شهدت كما نعرف ويعرف الجميع ، فرض أقسى حصار شامل عرفه تاريخ الإنسانية على العراق ، وارتبطت أزالته بتطبيق سلسلة من القرارات المجحفة لمجلس الأمن سيئ الصيت . والتي نصت على تدمير أسلحة العراق الحيوية وقدرات تصنيعها وتخزينها وصيانتها عبر الفرق التفتيشية التي أرسلها مجلس الأمن والمنظمات المرتبطة به وبالأمم المتحدة . والتي استخدمت أسوء وأبشع وأقذر الأساليب في تنفيذ تلك القرارات التي تم استخدمها بغاية السوء والخبث إلى درجة مساومة القيادة العراقية على حياة الأطفال الرضع وكبار السن فضلا عن باقي فئات وشرائح المجتمع ومؤسسات الدولة العراقية . وحيث تعمدت فرق التفتيش الدولية سيئة الصيت على خلق واستمرار الأزمات بين العراق من جهة ومجلس الأمن من جهة أخرى .

 

كما شهدت تلك الفترة سلسلة من الابتزازات والاعتداءات الأمريكية على امن وسيادة واستقلال العراق ، ففضلا عن عمليات التجسس المتواصلة والمستمرة والتي كانت تنفذها اللجان الدولية وطائرات الولايات المتحدة وبريطانيا ، فقد قصفت الطائرات الأمريكية عشرات المواقع العراقية المدنية والعسكرية سواء بشكل هجوم مفاجئ أو أثناء عمل تلك الطائرات اليومي الروتيني .

 

وكل هذا فلم تكتفي الإدارة الأمريكية ولا الصهيونية العالمية بل راحت تحوك مؤامراتها الواحدة تلو الأخرى ، تارة باسم حقوق الإنسان وتارة أخرى بحجة عدم التعاون مع مجلس الأمن وخرق قراراته الدولية ، وثالثة بالحرب الإعلامية والنفسية وممارسة سياسة تسقيط الرموز وتشويه صورة  القيادة العراقية وشيطنتها في كافة الأوساط والمحافل . حتى وصل الحال بالإدارة الأمريكية إلى إصدار ما يسمى بـ"قانون تحرير العراق" في 4/10/1998 حيث أخذت واشنطن على عاتقها تغذية ما تسمى "بالمعارضة العراقية" بكل ما يلزم لتكون نواة للنظام العميل الذي تطمح إلى أقامته في العراق بعد احتلاله.

 

إن ما كان يحاك للعراق في تلك الفترة اكبر مما يمكن أن تتحاشاه القيادة العراقية ، وعلى ضوء السياسة الخبيثة لمجلس الأمن وللولايات المتحدة الأمريكية فقد التقى مفتشي اللجنة الخاصة بما تسمى "بالمعارضة العراقية" في يوم 4/12/1998 الأمر الذي حتم على القيادة العراقية إيقاف تعاونها مع تلك اللجان بعدما بات واضحا أنها ليست لجان دولية لتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بنزع أسلحة الدمار الشامل ، إنما هي أداة من أدوات المشروع الأمريكي لغزو العراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين.

 

وفي دليل صارخ على مدى تواطؤ اللجان الدولية مع السياسة الأمريكية الهادفة إلى تصعيد المواقف باستمرار مع القيادة العراقية فقد قيام كبار المفتشين الدوليين الاسترالي الجنسية روجر هيل يوم 13/12/1998 بمغادرة العراق على رأس فرق التفتيش الدولية . فاعتبرت القيادة العراقية السفر المفاجئ  للجان الدولية ، بمثابة التمهيد لشن حملة جوية جديدة سميت لاحقا بـ"عملية ثعلب الصحراء" وعلى اثر ذلك العدوان والذي خلا من أي مسوغ قانوني ، فقد رفضت القيادة العراقية عودة اللجان الدولية ما لم يتم وضع جدول زمني لرفع الحصار يضع حدا لمماطلات تلك الفرق ولمطالبها التعجيزية التي أدخلت العراق في نفق مظلم لا نهاية له .

 

وكدليل على مدى صواب رأي القيادة العراقية وشرعية موقفها فقد لاقى إصرارها على وضع جدول زمني لعمليات التفتيش يتزامن مع رفع تدريجي للحصار، تجاوب كبير من بعض دول العالم حيث بدء الحصار الشامل بالتآكل والانحلال تدريجيا حتى على المستوى السياسي والدبلوماسي . الأمر الذي أدى إلى قلق الإدارة الأمريكية وهدد قدرتها على احتواء ما تسميه خطر نظام الرئيس صدام حسين وعودة العراق إلى الواجهة الدولية بكامل ثقله كمؤثر سلبي تجاه هيمنتها على دول المنطقة وبالأخص على امن وسلامة الكيان الصهيوني ومشروعه العالمي .

 

لذا فان غزو العراق كان نتيجة لإستراتيجية أمريكية بريطانية إسرائيلية متكاملة بنيت على عدة محاور وقد شاركت في صياغتها العديد من المؤسسات البحثية والسياسية والأمنية والعسكرية منذ عام 1998 ، وهو الأمر الذي بدا بالوضوح أكثر حينما سربت الإدارة الأمريكية يوم 4/1/1999 تقارير خاصة لوسائل الإعلام  تتحدث عن دعم القيادة العراقية لشبكات إرهابية عالمية حيث ادعت في تلك التقارير محاولة المخابرات العراقية لتجنيد أسامة بن لادن . لتعود في يوم 6/2/1999 وتسرب تقارير أخرى تتحدث عن عرض قدمه الرئيس صدام حسين لأسامة بن لادن يدعوهُ فيه للإقامة في الأراضي العراقية وهو ما عملت الحكومة البريطانية على أتمامه وتعزيزه حيث نشرت يوم 21/3/1999 تقارير أخرى تتحدث عن قيام القيادة العراقية بتجنيد طيارين انتحاريين لمهاجمة المصالح الأمريكية . بينما كانت المخابرات الإسرائيلية منشغلة في عملية عسكرية سرية استهدفت اغتيال الرئيس صدام حسين بصواريخ موجهة وهي المحاولة التي كان لها بالمرصاد جهاز المخابرات العراقي فأعلنت القيادة العراقية يوم 17/1/1999 عن إحباطها .

 

والآن وبعد كل هذه الحقائق والوقائع نتوجه إلى القارئ الكريم ونسأله نحن هذه المرة ، فهل تتطلب معرفة النوايا الحقيقة للولايات المتحدة الأمريكية وللصهيونية العالمية وما كانتا تحوكان للعراق وقيادته المجاهدة من مخططات خبيثة سوى مطالعة بسيطة لنشرات الأخبار أو لعناوين الصحف العالمية ..؟!!!

 

إن عينة قليلة جدا مما شهدته الإحداث وحتى قبل هجمات 11 / أيلول - سبتمبر/2001 ، تبين لنا وبما لا يقبل الشك أو التأويل إن خطة غزو العراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين لم تكن خطة ارتجالية أو ردة فعل عاطفية أو شخصية أو ثأرية ، إنما هي ستراتيجية أمريكية بريطانية إسرائيلية متكاملة وشاملة ومدروسة بعناية فائقة ، وكل ما يشاع عكس ذلك ، فهو تكتيك أمريكي خاص لفبركة الإحداث والوقائع يراد به تبرير الإخفاقات التي منيت بها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ووزارة الدفاع البنتاغون ، نتيجة وعي وفهم وإدراك القيادة العراقية للسياسة الأمريكية بشكل عام ولإستراتيجية غزو العراق وإسقاط نظامه الوطني بشكل خاص . ذلك الوعي والإدراك الذي جعل القيادة العراقية تـُهيئ نفسها لحرب العصابات بل وتهيئ العراق أرضا وشعبا لواحدة من اكبر الملاحم القتالية في تاريخ البشرية ، وهو ما أثبتته الوقائع والأحداث فيما بعد .

 

ولولا وعي القيادة العراقية لهذه المخططات الخبيثة ولولا حكمتها وطريقتها الخاصة في التعامل مع قرارات مجلس الأمن ولجانه التفتيشية ، لما وقفت الإدارة الأمريكية عاجزة عن استصدار أي قرار دولي يجيز لها شن الحرب والعدوان على العراق واحتلاله . وليس كما يروج إليه البعض بان القيادة العراقية لم تعرف تماما ماذا تفعل وتخبطت في سياستها مع الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ولم تتوقع حتى حدوث العدوان .

 

الجزء الرابع / هل فقد الجيش العراقي أرادة القتال:-

قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم وهو ينهي قراءته للجزاء الثلاثة السابقة سؤال مهم آخر، فإذا أدى جهاز المخابرات العراقي واجبه على أتم صورة ، وإذا وعت وأدركت القيادة العراقية سياسة الولايات المتحدة الأمريكية وستراتيجيتها لغزو واحتلال العراق ، فما هو سبب نجاح الولايات المتحدة في غزو العراق ..؟!!

 

أن الإجابة على هذا التساؤل المهم يعتبر مسالة في غاية الأهمية ، فقد حاول العدو ووسائل أعلامه وبشتى الطرق والوسائل تضليل الجماهير وتشويه الحقائق وفبركة الوقائع وتزييف التاريخ فروج لعدد من الأكاذيب وبالأخص بالادعاء على الجيش العراقي بأنه قد فقد الإرادة على القتال . وادعوا هؤلاء الأوغاد بان سبب ذلك يعود إلى أن القيادة العراقية لم تضع أي خطة دفاعية منسجمة ومتكاملة ، ولان الجيش العراقي لم يعتبر هذه الحرب .. معركة الدفاع عن العراق ..!!!

 

وإذا كان العدو قد تعمد واعتمد على الأكاذيب في محاولته لتضليل الجماهير وخداعها ، فلابد لنا أن ندحض تلك الأكاذيب ونضع القارئ الكريم أمام الواقع ولاشى سوى الواقع لنتركه هو بنفسه يصل إلى الحقيقة وليرد بنفسه على العدو ، وليسترد كرامته وثقته بعقله كل من وقع بتضليل العدو وتم خداعه .

 

فادعاءات العدو على الجيش العراقي بأنه قد اعتبر هذه الحرب حرب الإدارة الأمريكية وتصفية حساباتها مع القيادة العراقية - التي وضعت نفسها في زاوية مميتة فتسببت في جلب البلاء على العراق وأهله - كما يدعي أوغاد العدو في الأعلام حتى أن بعض كبار ضباط الجيش العراقي ابعد نفسه عن هذه المعركة لكي يضمن عدم ملاحقته قانونيا من قبل الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب وزوال النظام .

 

وهنا نتسأل ونقول فلو كان الجيش العراقي بمثل ما ادعوا هؤلاء الأوغاد ، فلماذا اتخذت سلطات الاحتلال الأمريكي قرارها بحل الجيش العراقي البطل..؟! ولماذا تم اجتثاث قادة والجيش العراقي ..؟! ولماذا لاحقتهم فرق الموت الأمريكية والإيرانية ونكلت بهم وبعوائلهم ..؟! ولماذا اعتقل عشرات من قادة الجيش العراقي ومئات من كبار ضباطه والآلاف من بقية مراتب الجيش العراقي ..؟! ثم من الذي قاتل في أم قصر والناصرية والنجف وكربلاء وبابل وإطراف بغداد كالدورة والتاجي وأبو غريب وفي المنطقة المحيطة بمطار صدام الدولي وبالمطار ذاته ..؟!

 

أما بالنسبة للنظرية الثانية التي روج العدو الأمريكي والقائمة على فرضية عجز القيادة العراقية عن فهم الستراتيجية الأمريكية لغزو العراق ، وعجزها عن وضع أي خطة دفاعية منسجمة ومتكاملة للدفاع عن العراق وعن بغداد بالأخص ، وبالتالي فان الجيش العراقي قد فقد الإرادة على القتال كما يقول أوغاد العدو ومرتزقته في الأعلام.

 

فهنا نود أن نوضح للقارئ الكريم واقع وطبيعة المعركة التي فرضها العدو الأمريكي على القيادة العراقية وقائمة على أساس غزو واحتلال العراق ، أي غزو واحتلال مدن وبلدات العراق كافة وأهمها هي العاصمة بغداد . وليس لغزو واحتلال الأراضي الجرداء لإقامة قاعدة أمنة له أو لعملائه أو طمعا في ثروات منطقة عراقية محددة أو لشن حرب حدود استنزافية لإرغام القيادة العراقية على القبول شروط معينة . جعلت القيادة العراقية أمام خيارين :

 

فأما أن يتم تهيئة ساحة عمليات مناسبة لانتشار قطعات الجيش العراقي ، حيث تتم فيها أعمال حفر الخنادق والملاجئ وإقامة السواتر الترابية وزرع حقول الألغام ونصب الأسلاك الشائكة ومسح المنطقة وتربيعها وتعيين أهداف افتراضية مسبقة لتسهيل عملية الرصد والاستمكان وفتح الممرات والطرق الترابية والمعبدة لتسهيل عمليات النقل والدعم وتحريك القطعات والمناورة بها وإقامة شبكة اتصالات سلكية ولاسلكية لضمان نقل الأوامر والمعلومات عن أي حالة طارئة قد تحدث أثناء القتال . وهذا الخيار يتطلب وجود غطاء جوي جيد فضلا عن وجود غطاء ناري مدعم بالقصف الصاروخي والمدفعي ، وهو الأمر الغير الممكن عمليا نظرا لتفوق العدو جويا والذي يملك أقوى سلاح جوي في العالم مزود بالأقمار الصناعية بمختلف أنواعها ومزود بطائرات التجسس والتشويش الالكتروني وبكاميرات المراقبة والرصد وبطائرات قاصفة ستراتيجية من النوع العملاق كالبي 52 ومن النوع الخفي كبي 1 والبي 2 وسلسلة من طائرات الاعتراض والقتال الجوي بالإضافة إلى المروحيات المضادة للدروع والملاجئ والإفراد وغيرها الكثير من وسائل الكترونية غاية في التقدم بعضها صنع خصيصا للعراق .

 

أو أن تهيئ القيادة العراقية المدن والبلدات العراقية الواقعة على خط السير المتوقع لقوات العدو المتقدمة تجاه بغداد كونها المدينة الأهم في المعركة بحيث تكون ساحة المواجهات العسكرية والمعارك الحربية داخل أزقة وشوارع تلك المدن ، وهي المدن والبلدات الواقعة على نهر الفرات بالدرجة الأولى ونهر دجلة بالدرجة الثانية . ولخوض مثلا هكذا نوع من المعارك يتطلب نصب وإقامة شبكات الاتصال والدعم وتهيئة مخازن الغذاء ومستودعات الوقود واللوازم والعدد الطبية والأدوية الضرورية بالإضافة إلى دراسة خرائط المدن ومحيطها لمعرفة كيفية استغلال العوائق الطبيعية وتوزيع القوات العراقية على شكل مجاميع متفرقة هنا وهناك ، سواء كدوريات راجلة أو ثكنات مزودة بأسلحة ثقيلة ومتوسطة أو كمجاميع القنص المنتشرة على البنايات والأماكن العالية وانتشار الآليات المدرعة والمصفحة والدبابات على نقاط معينة من المدينة لتحقيق إمكانية المناورة في القتال داخل المدن أيضا .

 

وفي الحقيقة فأن خيار مواجهة العدو الأمريكي في المدن والبلدات العراقية المهيئة مسبقا للقتال ، والذي سيؤدي إلى تحييد طيران العدو نسبيا ، ويرغمه على زج قواته البرية داخل تلك المدن والتي يسعى العدو لاحتلالها أصلا ، قد يبدو للوهلة الأولى هو الخيار الأفضل المتاح أمام القيادة العراقية. إلا أن المتابع لستراتيجية العدو الأمريكي في الحروب وبالأخص في حرب المدن ، والقائمة على تدمير الخصم بالقصف الجوي والصاروخي الدقيق والجراحي وأنهاك قواه وإطالة أمد العمليات الجوية التمهيدية واعتماد أسلوب القتال المواكب - أي الزج بالقوات البرية برفقة ودعم القوات الجوية. مع ما يمتاز به الجيش الأمريكي من تفوق هائل في التكنولوجيا العسكرية والتي كانت تعتبر قبل سنوات قليلة اقرب للخيال العلمي من الواقع ، كما هو الحال بالنسبة للأسلحة التي تفتك بالبشر دون ملابسهم أو لقذائف عنقودية تميز بين اللحم البشري وبين المعادن والخشب والحجر ، وغيرها من الأسلحة والاعتدة والمعدات العسكرية التي لم يكن للمرء أن يتصورها أو حتى يتكهن بنجاحها العملي في الساحات الحقيقة للقتال قبل عام 2003 . فان أي مدينة أو بلدة يتم استخدامها لتطبيق مبادئ وستراتيجية حرب المدن في هذا العصر ستكون معرضة للدمار الشامل وسيتم سحقها تماما مهما كان عدد سكانها المدنيين ومهما بلغت قوة وشجاعة القوات المتحصنة فيها - وهو ما حدث فعلا في مطار صدام الدولي وما حدث لاحقا لمدينة سرت المجاهدة في القطر الليبي الشقيق حينما استخدم حلف الناتو قواته الجوية لمواكبة ودعم مرتزقته على الأرض.

 

وبالتالي فمن غير المعقول أن تزج القيادة العراقية قواتها في معركة جيوش نظامية غير متكافئة بكل المقاييس المادية ، ومن غير المعقول أن يقاتل الجندي العراقي أو الليبي كتل ضخمة من الحديد والصلب وموجات البث الالكتروني التي تملئ الفضاء والآلاف المقذوفات والصواريخ الغبية منها والأغبى في الأراضي المفتوحة أو في داخل المدن ، ببندقية كلاشنكوف أو بقاذفة اربي جي أو بصواريخ الستريلا . فمن هنا .. من هذا الفهم ، فقد تخلت القيادة العراقية عن الخطط الدفاعية التقليدية وعن حرب المدن مثلما تخلت عن حرب الحدود ، وعولت تحقيق النصر على حرب العصابات الثورية بعد أن تجعل العدو نفسه مسؤولا مسؤولية مباشرة على امن السكان وحياتهم المعيشية ومدنهم فترغمه على عدم استخدام القوة المفرطة في الرد على هجمات المجاهدين المفاجئة أو كمائنهم المتفرقة هنا وهناك ، مما يجعل العدو عاجزا عن تحقيق أي انتصار له رغم كل توفقه التكنولوجي الهائل وهو الأمر الذي سيؤدي بالنتيجة إلى تكبده خسائر بشرية ومالية ولوجستية وإعلامية ونفسية واعتبارية فادحة تلحق الهزيمة به وترغمه على الانسحاب الكامل من ارض المعركة ولو بعد حين .

 

وأخيرا نتوجه بالسؤال إلى القارئ الكريم نفسه ، فهل امتلكت القيادة العراقية خطة دفاعية متكاملة أم لم تمتلك..؟! وإذا لم تمتلك فماذا نسمي ما جرى في العراق بعد أيام قلائل من غزو القوات الأمريكية لبغداد واستمر حتى انسحابها من عموم البلاد..؟! بل ما سبب عدم احتفاظ الولايات المتحدة بأي قاعدة عسكرية لها في العراق ؟!

 

ثم إلا تجد أيها القارئ الكريم بان ادعاء البعض على الجيش العراقي بأنه قد فقد الإرادة على القتال ليس مجرد أكاذيب وافتراءات وتضليل فحسب بل ويتضمن مجموعة من الشتائم لأهل العراق ولقيادتهم وقواتهم المسلحة البطلة . إلا يتضمن تضليل وخداع الجماهير .. إلا يتضمن الاستخفاف بعقول الناس واستغفالهم .. إلا يتضمن الإساءة لقادة وضباط ومنتسبي الجيش العراقي البطل .. إلا يتضمن وصف أولئك الإبطال بأنهم ليسوا سوى أفراد في غاية الأنانية المفطرة .. إلا يعني بان القيادة العراقية لم تمثل الشعب العراقي ..ثم إلا يعني كل ذلك بان الشعب العراقي ليس أفضل حالا من نظام لا يمثله ومن جيش لا يدافع عنه ..!! فهل هناك أبشع وأفضع من هذه الشتائم والسباب ..!!!

 


 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الرفيق رأفت علي والمقاتل النســـر

بغداد الجهاد

٠١ / أذار / ٢٠١٢

 

 





الجمعة٠٨ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٢ / أذار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق رأفت علي والمقاتل النســـر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة