شبكة ذي قار
عـاجـل










افترقنا ولم يكن الفراق اختياري , كنت مجبرة على الرحيل عنك لكنك لم تفارقي خيالي اميرة جميلة بتاج مرصع بالحب . انيقة زهية بجمال اسرني , ورقي وبهاء سكنني حتى اصبح جزء من تكويني . رحلت, وبقيت احلم باليوم الذي ساصحو صباحا في غرفتي لاسمع الحمام امام شباكي  يغني بالترنيمات التي علمها لنا اهلنا: كوكوغتي وين اختي؟بالحلة؟ ويش تاكل؟ باقلاء .ويش تشرب ؟ماي الله ككوغتي .هذه الترنيمات التي لم اسمع حمامة واحدة تناغي بها في غربتي وكنت اسأل نفسي هل حمام العراق هو الوحيد الذي يقدر على هكذا غناء جميل؟ .وبقيت  اكافح للعودة الى ان اتى اليوم الذي عدت فيه الى احضان الحبيبة الدافئ .فعدت لاري بغداد,بغدادي.


جئتك يابغداد مكلومة مجروحة ,كحبيبة  تهرع  لتختبئ في  حضن حبيبها في لحظات المها وضعفها .جئت اليك ابحث عن دفئ احضانك وعن القوة في عزمك وعن الثبات حين  الالم .جئتك لاهرب من المي فرأيتك متالمة اكثر مني. جئت وكانما جئت مستجيرا بالرمضاء من النار.اردت  ان احتضن المك واشاركك واشكو اليك زماني,واسمع شكواك من زمانك واحبائك


صباحك يا بغداد فاجائني كنت امشي في بغداد واسال نفسي ,بغداد يا أميرتي يا ذات تاج المرصع بجواهر العفة والجمال والنقاء والرقي . يا ذات الثوب الراقي المتناسق الالوان .كنت حديث الناس بجمالك ورقيك ,مالي ارى اميرتي تحولت الى فلاحة ترتدي ملابس مرتقة عتيقة غير متناسقة  ,بابنية قبيحة حتى الجديد منها , شوارع تملاءها القاذورات ,والحفر والانسدادات والحواجز الكونكريتية ؟


 وبرغم هذا  مازلت ارى فيك من جمالك القديم من بين القبح الذي حاولو رسمه على بسمتك .مازلت ارى فيك رقيا بدا  بصمتك الحزين على ما يجري لك مازلت ارى جمال كهرمانة وساحة التحرير تمثال شهرزاد والمتنبي  وابو جعفر المنصور ولكني ما زلت اسال نفسي  كيف استطاعوا ان يستعبدوا اميرتي ويزرعوا في قلبها الحزن والصمت ؟ كيف البسوك ثوب الفلاحة المرتق وانت اميرة الكون ؟ مع هذا لن اقول انك اصبحت قبيحة ,فمادام حبك يسكنني ستبقين بعيني جميلة  وللابد .


استغربت عندما كنت استقل التكسي للوصول الى احدى الدوائر الحكومية لاتمام معاملات استدعت تواجدي ,رايت عجبا فيك يا مدينتي  , رحلة في التكسي للوصول من منطقة  غرب بغداد الى ساحة بيروت استغرقت اربع ساعات ونص , طبعا عندما وصلت ابلغوني اني متاخرة . وكان الموظفون ينزلون الى اعمالهم بالمروحية ولا يرون الزحام والشوارع المغلقة . فساد على اعلى المتسويات , لن تجد اي شخص يمضي معاملة بدون ان يعرقلها لتضطر ان تدفع المقسوم لتصبح معاملتك ممكنة .


وأسوأ ما لاحظت هو انني خلال وجودي فيك يا اميرة الزمان و لعدة ايام فقط  عوكست فيها من قبل شباب يصغروني بعقود مالم لم اره في سنين غربتي كلها برغم اني لم اكن ارتد شي مخلتف عن ما كانت ترتديه النساء الاخريات  , فهل المعاكسات هي كل ما بقى لشباب العراق ليشعرهم برجولتهم او بانهم مازالو احياء؟ . ساعتين كاملتين في شارع واحد وكانت هناك سيارات تقف قرب التكسي الذي كنت استقله وفيها شباب , وفي الوقت الذي كنت اغلي من عصبيتي لضياع الوقت و الاستهانه بالناس وحين كنت اتوقع من هؤلاء الشباب ان يثوروا على الدوريات التي تقطع الطرق بدون داع او حتى يبدو الامتعاض على وجوههم رايتهم يلهون انفسهم بمعاكسة النساء وحتى من هن يكبرونهم عمرا .فيا عجبي على هؤلاء الشباب ! هل نجحو في هذا  ايضا ,هل دمرو مرؤة الشباب العراقي وحميتهم المشهورة ؟فان استطاعو, ففعلا على العراق السلام . ولكني بعد حين فكرت ,عذرتهم فنصفهم مغيب والنصف الاخر موهوم بانه قد فاز بك يا بغدادي . فالاسلم لهم ان يكونو هكذا ,فلا تحزني يا اميرتي واعذريهم


.رايت فيك  شوارع مزدحمة , اناس يعلو وجوههم الحزن والياس ,يمشون وكانهم اعجاز نخل خاوية , لاترى هناك من يضحك او يبتسم, نساء في اعمار شابه ولكنهن يظهرن اكبر كثيرا من عمرهن من فرط الحزن. هكذا هم اهلك يا بغدادي يقضون نهارهم ليبقو احياء ويقضون  ليلهم الطويل بمشاهدة المسلسلات التركية علهم يعيشون لحظات حلم او وهم جميل .


واه من ليلك يا بغداد , فقد كنا نقول ان بغداد رائع ليلها , ليلها اجمل من نهارها وما زال ليلها اجمل .قد  كانت بغدادي سابقا اميرة جميلة يزيدها الليل سحرا وجمال ,حين  كانت شهرزاد استطاعت ان تسرق قلب شهريار وتشده لمدة الف ليلة وليله ,فانتهت اميرة جميلة زينت قلبه ومدينته وحياته ,والان ايضا بغداد اجمل في الليل , لانك لن ترى الغبار والتلوث في الجو , لن ترى الحفر والشوارع الغير مبلطة,لن ترى الابنية القديمة المهجورة ,ولن ترى الابنية الحديثة التي ينقصها الذوق ,لن ترى الطرق المسدودة ولا الزحام ولا حتى الالم البادي في الوجوه .


وبرغم هذا فاني اشهد لك يا حبيبتي اني لم استطيع النوم الا في حضنك يا بغداد .نمت وكانني لم انم منذ تركتك يابغدادي. ومنذ عودتي وبرغم ان الليل في بغداد كان شاغلا لاهلها بين الحر والبرد وانقطاع الكهرباء , وتحويل بين الانظمة المولدات الاهلية الا ان الغفو في بغداد اعمق واغلى .


ولكن اسفا فبعد ايام تحتم علي  ان ارحل من جديد فتحضرت  وكان قلبي يتقطع ويلومني  كيف ارحل  وكيف اترك غاليتي في عز المها ؟ رحلت مع وعد اعطيته  لبغدادي باني سابقى على عهدي  وساكون اول من يعود لتعود اميرتي لي وان تعود بغداد كبغدادي او ان اعود لادفن في احضانها ترابا او رفاتا . رحلت وقلبي متالم من جديد  وفي الطريق ولا اعرف لماذا خطرت ببالي ابيات الخالد ابو خالد


دمع لبغداد دمع بالملايين ...... من لي ببغداد ابكها وتبكيني
عد بي اليها فقير بعدها وجعي .. فقيرة احرفي خرس دواويني
اجري دموعا وكبري لا يجاريني .... كيف البكا يا اخا سبع وسبعين
وانت تعرف ان الدمع تذرفه ........ عيون المرؤة لا عيون المساكين

 

 





الاربعاء١٥ ربيع الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / شبــاط / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب دجلة الخير نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة