شبكة ذي قار
عـاجـل










ان القضية القومية بتعبيراتها المختلفة وعناوينها المتعددة هي اليوم دائمة الحضور في النقاش السياسي، لأن مصير الإنسان العربي، ومصير قضاياه الاجتماعية والوطنية لا ينفصم عن القضية القومية بأبعادها التحررية والتوحيدية والاجتماعية. لذلك كانت الحركات القومية تربط في علاقات جدلية بين أهداف الحرية بعديها السياسي والقومي، والوحدة والعدالة الاجتماعية لأن في تحقيق ذلك يكمن خلاص الأمة وتحقيق ذاتها بعيداً عن كل أشكال الاحتواء والسيطرة والوصاية واستلاب الإرادة. وبالاستناد إلى تحقيق ذلك يمكن للامة ان تنتقل من حالة الوجود بالقوة إلى حالة الوجود بالفعل.

 

وإذا كان الاهتمام السياسي والشعبي ينشد اليوم إلى المشهدية المعبر عنها بالانتفاضات الشعبية ذات الطابع الثوري، فلأن هذه الانتفاضات جعلت الواقع العربي ينفتح على آفاق التغيير، والتي لم تكن لتفصح عن نفسها بهذا البعد الشمولي لولا عوامل ذاتية، اختمرت طويلاً، بفعل استبداد الأنظمة وفسادها وقمعها ومصادرة الحريات، وتبعيتها وارتباطها مع مواقع دولية وإقليمية تناصب العداء الظاهر والمبطن للأمة العربية.

 

وكما انه من ضمن العوامل التي حفزت هذا الحراك الشعبي العربي الذي توحد تحت شعار الشعب يريد "إسقاط النظام"، هو الدور الذي اضطلع به الفعل العربي المقاوم في لبنان، وفلسطين والعراق.

 

إن المقاومة الشعبية العربية، لعبت دوراً في تحقيق الامتلاء النفسي للجماهير العربية، من خلال إثبات أن الأمة قادرة على المواجهة، وقادرة على الحاق الهزيمة بالعدو ومنعه من تحقيق أهدافه إذا ما توفرت الإدارة والإرادة، وهذان العاملان هما شرطان أساسيان لنجاح أي مواجهة مع أعداء الأمة المتعددي المشارب والمواقع.

 

فالأمة، التي أثبتت من خلال شمولية الحراك ووحدة الشعارات المعبرة عن وحدة المعاناة، أنها أمة واحدة، أثبتت أيضاً أنها موجودة حيث يحمل أبناؤها السلاح. والسلاح هنا، هو سلاح المقاومة الذي توجهه وتديره الإرادة السياسية المحكومة دائماً بثوابت الموقف المبدأي خاصة حيال القضايا المصيرية.

 

أنه من خلال الحديث عن المقاومة العربية، نستحضر المقاومة الوطنية العراقية لارتباط ذلك بانتصارها على المحتل الأميركي الذي خرج مندحراً تحت  تعبير عنوان دبلوماسي هو الانسحاب من العراق سبق أن حدد تاريخاً له هو 31/12/2011.

 

هذا التاريخ كان بالنسبة الينا يحتضن مناسبتين، مناسبة انطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965، ومناسبة استشهاد قائد العراق وشهيد الأمة والحزب الرفيق صدام حسين، وبإضافة الموعد الرسمي لما سمته أميركا انسحاباً وما نسميه نحن اندحاراً، فإن هذا اليوم اصبح ايضاً يوماً وطنياً للعراق ويوماً قومياً للأمة العربية، ويوماً إنسانياً، لكل من عانى من الجبروت والتسلط والهيمنة الأميركية.

 

بعد تسع سنوات من الاحتلال، خرجت أميركا من العراق، بعدما ظنت بداية أن بقاءها في بلاد الرافدين سيطول زمناً، خاصة وأنها وضعته في سياق إعادة صياغة أوضاع المنطقة العربية بما يخدم أهدافها الاستراتيجية، ولهذا أعلنت يوم بدء العدوان، إنها البداية لخلق شرق أوسط جديد.

 

لقد أعدت أميركا نفسها لاحتلال العراق، بعدما أمسك المحافظون الجدد بمقاليد السلطة، واستبدلت استراتيجية الاحتواء باستراتيجية الاحتلال، كون ذلك يحقق نتائج أفضل واسرع، لوضع استراتيجيتها الكونية موضع التنفيذ. واذا كانت هذه الاستراتيجية تُختصر إبان الحرب البادرة، بأمن أوروبا وأمن النفط، فإنه بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانتهاء عهد ثنائية الاستقطاب الدولي، أضافت أميركا عنواناً جديداً لمنظومة الأمن الدولية التي تراها ضرورية لحماية مصالحها مع تبدل في مضامين ركائز هذه المنظومة. أنه أمن الحوض الأسيوي. ولهذا بنت استراتيجيتها الجديدة انطلاقاً من اعادة صياغة مفهوم أمن أوروبا الذي كان محكوماً إبان الحرب الباردة بقاعدة توازن الرعب لتحل محلها قاعدة الاحتواء الكلي بغربها وشرقها.

 

وعليه تحركت لملء الفارغ السياسي والعسكري الذي كان يملؤه الاتحاد السوفياتي في الشرق الأوروبي عبر نشر الدرع الصاروخي، كما ضغطت لإدخال دول أوروبا الشرقية إلى السوق الأوروبية المشتركة والاتحاد الأوروبي وتدريجاً إلى منطقة اليورو. وهذا التبدل الأميركي في مفهومها لأمن أوروبا على قاعدة الاحتواء، كان الهدف منه، تقريب المنظومة الصاروخية الأميركية من العمق الروسي، وتثقيل دول الحوض  الاوروبي ذات الاقتصاديات القوية وخاصة المانيا وفرنسا، بعدد الدول المنضمة إلى اليورو والذي بات ينذر بأزمات اقتصادية في دول الريف السياسي لأوروبا الغريبة والتي كانت أزمة اليونان وبعدها إسبانيا والبرتغال وإيطاليا نماذج صارخة على ذلك. وحيث باتت ألمانيا وفرنسا تعملان لاحتواء هذه الأزمات الاقتصادية وبما يستنزف من امكاناتهما وبالتالي أضعاف قدرتهما التنافسية للاقتصاد الأميركي.

 

هذا في أوروبا، أما في آسيا، فإن أميركا لم تتأخر كثيراً للتقدم لملء الفارغ السياسي والعسكري في آسيا الوسطى، حيث كانت دول هذا الحوض القاري ضمن المنظومة السوفياتية، أن بالانضواء وأما بالالتحاق. ولهذا سارعت إلى إقامة قواعد عسكرية وتدخلت في إعادة هيكلية اقتصاديات تلك الدول وفق مواصفات وشروط البنك الدولي. ومن يدقق بالاهتمام الأميركي بهذا الحوض الأسيوي، لا ينتظر كثيراً ليكتشف، أن أميركا تسعى من خلال وجودها المتعدد الأوجه، أن تكون على مقربة من مخزون النفط الواعد والذي تعتبره من مقومات أمنها القومي وعلى مقربة من تخوم الصين، القوة الصاعدة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.

 

وبما أن المنطقة العربية، هي منطقة ذات أهمية استراتيجية في موقعها الجغرافي وميزتها أن مكونها المجتمعي ينتمي إلى أمة واحدة، وهي تحوى في باطن أرضها أكبر مخزون نفطي فصلاً عن مواد أولية أخرى، فإنها كانت دائماً محط أنظار القوى الدولية الصاعدة والتي اندفعت خارج حدودها بهدف السيطرة على مناطق تعتبر بنظرها ذات أهمية لاقتصادها ومديات دورها العالمي.

 

إن دول الغرب الاستعماري التي انطلقت بعد الثورة الصناعية بحثاً عن أسواق جديدة، وتأميناً للمواد الأولية، كان الوطن العربي يعد جائزه كبرى لمن يستطيع الاستلاء عليه، وكانت هذه الدول تتصرف حيال المنطقة العربية، باعتبارها منطقة جغرافية واحدة، وشعبها ينتمي إلى أمة واحدة. ولهذا سعت إلى تركيز ثوابت استراتيجيتها على قاعدة التقسيم كي يسهل الاحتواء والسيطرة من ناحية، وخلق عوائق أمام محاولات النهوض والاستنهاض من ناحية ثانية. ولهذا فإن الدول التي تعتبر أن لها مصالح حيوية في الوطن العربي، محكومة بحالات صراعية وتنافسية حول المصالح كانت لا تتواني على طي صفحة خلافاتها وصراعاتها مرحلياً، بهدف الحؤول دون قيام مراكز استقطابية جاذبة في الوطن العربي. ولعل المثال الأوضح، كان الائتلاف الدولي ضد محاولة محمد علي لاقامة دولة مركزية وقوية على الشواطئ الجنوبية والشرقية للبحر المتوسط وفي قلب الوطن العربي.

 

هذه السياسة الدولية تجاه المنطقة العربية، شكلت ثابتة من ثوابت استراتيجيات الدول الاستعمارية، وبدأت تجلياتها في العصر الحديث مع نابوليون، يوم كانت فرنسا الموقع الدولي الأقوى ولهذا فإن فكرة إقامة كيان سياسي لليهود في فلسطين،  كانت فكرة فرنسية، قبل أن تصبح مشروعاً بريطانياً وهي اليوم تستقر في الذهن الأميركي، باعتبار أميركا اليوم هي الموقع الأكثر تأثيراً في السياسة الدولية. وأنه منذ اغتصاب فلسطين وإقامة كيان غاصب على أرضها نتيجة لتقاطع الأهداف الصهيونية مع مصالح القوى الاستعمارية أصبحت السياسة الأميركية تجاه المنطقة العربية محكومة بثابتين، أمن النفط وأمن إسرائيل، الثانية مرتبطة بالأولى.

 

إن التدقيق بالوثائق التاريخية، من رسالة نابوليون إلى اليهود، إلى مقررات مؤتمر بال 1898، ومقررات مؤتمر باترمان 1907، ومن بعدها وعد بلفور وسايكس بيكو والدور الذي تلعبه المؤسسات الصهيونية في صياغة القرار الأميركي، يبين أن اغتصاب فلسطين لم يكن هدفاً للسيطرة على فلسطين وحسب، بل من خلالها الأمة العربية، ولهذا فإن كل استهداف لموقع عربي لم يكن استهدافاً لذاته، بل كان  يأتي ضمن سياق استهداف الوطن العربي.

 

ضمن هذا السياق، كان استهداف مصر بالعدوان عام 1967، وبالاحتواء عبر اتفاقيات كمب دافيد وضمن هذا السياق يندرج كل عدوان أجنبي على الأمة العربية، ومنه العدوان على لبنان وفلسطين والعراق.

 

إن اليوم الذي انطلقت فيه آلة الحرب الأميركية، مصحوبة بصحب سياسي وإعلامي لشن العدوان على العراق واحتلاله، لم يكن منعزلاً عن  مقدماته منذ اللحظة التي وضعت الحرب الإيرانية – العراقية أوزارها .

 

لقد قادت أميركا حرباً دولية ضد العراق عام 1991، بسبب تداعيات أزمة الكويت، ومن ثم فرضت نظام عقوبات شاملة شرعته عبر مجلس الأمن الدولي. ولما لم تستطع منظومة العقوبات إسقاط النظام السياسي، ورفض قيادة العراق مقايضة رفع العقوبات بالاعتراف بالكيان الصهيوني، كان القرار الذي أعلنه بول وووليفيتز في اليوم الثاني لأحداث الحادي عشر من أيلول، بأن الرد سيكون في العراق.

 

بعد الحادي عشر من أيلول بدأت الاستعدادات العملية للعدوان على العراق تتصاعد في العقل السياسي الأميركي وفي دوائر القرار، فكان لا بد من إيجاد المبررات، فكانت تلفيقة أسلحة الدمار الشامل والعلاقة مع القاعدة ووعد العراقيين بجنة النعيم الديموقراطي وإقامة دولة المواطنة والشفافية، علماً أن لجان التفتيش التي أناط بها مجلس الأمن مهمة البحث عن أسلحة الدمار الشامل وتدميرها، لم تجد تلك الأسلحة بل دمرت في طريقها الأسلحة التقليدية.

 

عندما بدأت أميركا عدوانها على العراق، جزمت أنها ستكون صفر الخسائر، وبعد أقل من شهر على الاحتلال وقف الرئيس الأميركي ليعلن "بزهو المنتصر" انتهاء العمليات العسكرية. لكن قبل أن يصل بوش إلى البيت الأبيض، كانت الأخبار تتواتر من داخل العراق عن بدء صفحة جديدة من المواجهة، لم يكن يتحبسها الاحتلال الأميركي، لكنها كانت محسوبة جيداً من قبل المقاومة الوطنية العراقية. هذه الصفحة الجديدة من المواجهة، أفصحت عن حقيقة ساطعة، وهي أن المبادرة العسكرية التي استمرت لثلاثة أسابيع بيد أميركا، وهي طيلة صفحة المواجهة الأولى، انتقلت إلى الجهة المقابلة وأصبحت بيد المقاومة العراقية. ومعها حصل التبدل في استراتيجية المواجهة. فالاستراتيجية الهجومية التي اعتمدتها أميركا طيلة ثلاثة أسابيع تحولت إلى استراتيجية دفاعية، واستراتيجية الدفاع العراقية تحولت مع الصفحة الثانية إلى استراتيجية هجومية.

 

هذه الاستراتيجية التي وضع أسسها قائد العراق الرئيس صدام حسين، أثمرت الناتج السياسي الذي لخصه شهيد الحزب والوطن الأمة، بأن أميركا ستندحر على أسوار بغداد.

وهذا الاندحار الأميركي حققته المقاومة الوطنية العراقية بتحالفها الجبهوي العريض وقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، لهذا التحالف. وفي مقاربة الميزان الربح والخسارة في الاستراتيجية الأميركية،.

 

نرى أن أميركا خسرت استراتيجياً و حققت نجاحاً مرحلياً في بعض الجوانب.و في ضفة الخسارة الاستراتيجية تسجل على أميركا الإسقاطات التالية.

السقوط الأول: كان سياسياً ، لأن أميركا التي وضعت عدوانها على العراق في سياق تنفيذ استراتيجيتها الشاملة لإقامة ما سمته الشرق الأوسط الجديد، لم تستطع الثبات على أرض العراق، ولعل أبرز تجليات هذا السقوط السياسي، هو الإعلان الأميركي الأخير على أحداث تبديل في رؤيتها الاستراتيجية لخوض الحروب خارج أراضيها. وقد أعلنت قيادة الأركان الأميركية أن أميركا بعد كارثتي العراق وأفغانستان، لم يعد بإمكانها أن تخوض حربين بريتيين في آن واحد وأنها ستعمد إلى تخفيض عدد قواتها العسكرية بنحو 80 ألف جندي، وأنها إذا ما اضطرت إلى خوض حروب جديدة، فهي ستلجأ إلى اعتماد الأسلوب الليبي ولهذا فإن نظرية خلق شرق أوسط جديد انطلاقاً من معطى الواقع العراقي ، اصيبت بالضمور، وأن حاولت أميركا استحضار هذا الشعار مع كل عدوان يشن على العرب واللذين كان آخرهما العدوان على لبنان عام 2006 والعدوان على غزة 9/2008.

 

أما السقوط الثاني : فكان سقوطاً عسكرياً، لأن أميركا التي انطلقت في مرحلة العدوان على العراق من وهم القوة العسكرية التي تمتلكها، ثبت أن هذه القوة التي تتمتع بقدرات تدميرية هائلة للمرافق والبنى التحتية، عاجزة عن تدمير إرادة شعب مصمم على المواجهة دفاعاً عن أرضه ومقدراته وتاريخه وقيمه. وعندما تعترف أميركا بأن عدد قتلاها من جنود النخبة هو 4500، وعدد الجرحى هو 32000 جندي، فهذا يعني أن ثلث القوة العسكرية العاملة في العراق أصبح خارج الخدمة، هذا دون احتساب الخسائر في المرتزقة والشركات الأمنية والمعدات العسكرية على مختلف صنوفها.

 

إن هذه الخسارة التي منيت بها الألة العسكرية الأميركية عدة وعدداً، هي التي دفعت قوات الاحتلال لأن تنظم انسحابها تحت جنح الظلام دون صخب سياسي وإعلامي كالذي رافق دخولها لتسع سنوات خلت. وإذا كانت أميركا قد اعتبرت أنها ربحت الجولة الأولى من الحرب التي شنتها بالضربة القاضية، فإن الثابت أنها خسرت الجولة الثانية بالنقاط وخرجت منهكة تحت وطأة ضربات ولكمات المقاومة.

 

أما السقوط الثالث: فكان سقوطاً أخلاقياً، لأن أميركا التي تقدم نفسها الدولة  الاقوى في العالم، بررت عدوانها، بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وعلاقة مع القاعدة وغياب للديموقراطية السياسية. فماذا كشفت الحقائق؟، لقد كشفت الحقائق، أن أميركا زورت التقارير، وقدمت أفلاماً مخادعة، وهذا باعترافها الصريح، (وهذا من محاسن الغرب أنهم يعترفون أحياناً) كما أنه لم يتأخر الوقت طويلاً لتعترف بعدم وجود  علاقة للعراق مع القاعدة.

 

أما حول تعميم مفاهيم حقوق الإنسان ونشر الديموقراطية، فيكفي التدليل على هذه المسألة عبر مشهدين.

 

المشهد الأول هو الانتهاك الخطير لحقوق الإنسان الذي مارسته قوات الاحتلال في معسكرات الاعتقال والتعذيب على مختلف اشكاله، وتدمير الأعيان الثقافية وتلويث البيئة وانتهاك حرمات المؤسسات الدينية وهذه كلها تضع اميركا تحت مساءلة أحكام القانون الدولي الإنساني، وهذا ما يفسر عدم انضمامها حتى الآن الى اتفاقية روما 1998/ التي نصت على إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لمعاقبة مجرمي الحرب ومن ينتهك أحكام القانون الدولي الإنساني. أما المشهد الثاني  فهو فإن أميركا التي بررت أهداف غزوها لنشر الديمقرطية  وإقامة دولة المواطنة ،طيفت الحياة السياسية في استحضار للنموذج اللبناني  حيث تضعف الدولة ويقوى النظام.

 

أما السقوط الرابع: فكان سقوطاً اقتصادياً، بسبب التكاليف الباهظة – للحرب والتي باتت تنعكس على الاقتصاد الأميركي الفعلي بتفاقم الأزمة الاقتصادية، حيث التقارير تفيد أن كلفة الحرب قاربت ثلاثة تربليون دولاراً.

 

أما السقوط الخامس: فكان سقوطاً نفسياً، إذ أن أميركا، التي بقيت لاكثر من عقد من الزمن تحت وطأة عقدة فيتنام، أرادت من خلالها حربها على العراق أن تخرج من هذه العقدة، فإذا بها بعد تسع سنوات من بدء احتلال العراق إلى حين خروجها ، تقع في عقدة ثانية، هي عقدة العراق، وهذه العقدة كانت أشد وطأة من عقدة فيتنام، لأن المقاومة الوطنية العراقية استطاعت أن تهزم أميركا دون أن تكون لها نفس الميزات التي توفرت للمقاومة الفيتنامية، من خطوط خلفية، وسند دولي كبير. ولهذا اعتبرت أميركا أن حرب العراق كانت كارثية وأنه بالاستناد إلى ذلك أو ادخلت تعديلاً في استراتيجيتها الدولية ونمطية الحروب التي تخوضها.

 

هذه الهزيمة التي منيت بها أميركا، كانت هزيمة للاستراتيجية التي بنت أميركا حساباتها بالاستناد إلى ما اعتبرته انتصاراً في العراق، وإذا بالنتائج تأتي عكس هذه التوقعات، وبهذا يمكن القول بأن نظرية الشرق الأوسط الجديد وفق المنظورالأميركي قد دخل بدايات سقوطه الفعلي انطلاقاً من العراق، وضمن هذا السياق ينظر اليه باعتباره يمثل انكساراً استراتيجياً اميركياً.

 

مقابل هذا السقوط المتعدد الأوجه لأميركا، فإن النجاحات التي حققها أميركا والتي تندرج تحت عنوان النجاح المرحلي التكتيكي فإنما تتلخص بالتالي:

 

1- إنها استطاعت أن تفرط عقد الدولة العراقية، لأنه لم يرحها مشهد دولة  من دول العالم الثالث تخوض حرباً لمدة ثماني سنوات مع إيران وتبقى محافظة على تماسكها وتدير هذه الحرب بكفاءة عالية ولهذا كان أول قرار اتخذه الحاكم الأميركي بريمر هو حل الجيش العراقي.

 

2- إنها ساهمت في تسهيل نهب وسرقة أثار العراق بما هي حافظة للذاكرة التاريخية لشعب العراق العريق بأرثه الحضاري في كل مجالات الحياة.

 

3- التدمير الممنهج للبنى التحتية والمرافق الحيوية أو الحياتية وتدمير الأعيان الثقافية وتلويث البيئة.

 

4- تعميم الإفساد والفساد المالي والإداري بحيث تحول كل الذين عملوا في إدارة العراق إلى مجموعة مافيات تمارس النهب المنظم لمقدرات العراق وممارسة الرشوة المكشوفة في العقود الكبرى وفي المعاملات العادية .

 

5- تطييف الحياة السياسية، وذلك من خلال النص والممارسة، وهذا التطييف للحياة السياسية يسقط مبدأ المساواة في المواطنة، ويحول المواطنين إلى رعايا وهذا شكل من أشكال التقسيم للمكونات المجتمعية، بهدف ايجاد شروخات بين ابناء الشعب للحؤول توحده على قاعدة الانتماء الوطني.

 

هذه الظواهر السلبية التي أفرزها الاحتلال، هي بالفعل نجاحات حققتها أميركا، وهذا ما يطرح أمام المقاومة الوطنية مهمات إضافية، أنها مهمة إعادة توحيد العراق على الأسس الوطنية والديموقراطية، وبعدما  استطاعت أن تحرره من الاحتلال الأميركي.

 

هذه المهمة المطروحة أمام المقاومة الوطنية العراقية، باعتبارها المشروع الوطني لتحرير العراق وتوحيده، تواجه تحدياً إضافياً يتمثل بالدور الإيراني، حيث يعد النظام الإيراني نفسه لملء الفراغ الأمني والسياسي عقب الانسحاب الأميركي.

 

إن النظام الإيراني الذي ساعد أميركا في احتلال العراق، وتقاطعت مصالحه مع أهداف أميركا واستطراداً الكيان الصهيوني لجهة الامعان في ضرب مقدرات العراق، وتوسيع دائرة الشروخات العامودية في بنى المجتمع العراقي، بدأ خطواته التنفيذية لممارسة الاحتلال المقنع لوضع يده على العراق وجعله يدور في الفلك الإيراني تنفيذاً لأجندة أهداف هذا النظام داخل العمق العربي.

 

لذلك، تجد المقاومة الوطنية العراقية، معنية بمواجهة هذا البديل الاحتلالي، والذي يستند في تنفيذ خططه الى أدوات سياسية وأمنية. وأن إقدام هذه الأدوات على شن حملة   اعتقالات واسعة ضد المناضلين الوطنيين والذين كان عدد البعثيين هو الاكبر بحيث قارب عدد المعتقلين الثلاثة آلاف مناضل بعثي .هو خير دليل على ذلك .

 

كما أن الإدارة السياسية التي تعمل وفق املاءات النظام الإيراني تعمل على الاستفراد بالقرار السياسي والأمني من خلال إبعاد من يعتبرون غير دائرين في الفلك الإيراني.

 

على هذا الأساس، فإن العراق سيدخل عبر مقاومته الوطنية في جولة جديدة من المواجهة مع النظام الإيراني وأدواته في الداخل العراقي. وأن العراق الذي قدم شعبه تضحيات جسيمة لطرد المحتل الأميركي لن يقبل باستبدال محتلٍ بآخر، ولذا سيكون عنوان المرحلة الجديدة مقاومة هذه الاندفاعة الإيرانية للإمساك بمفاصل السلطة السياسية والأمنية وأن المقاومة الوطنية العراقية التي استطاعت أن تحقق نصراً استراتيجياً على المحتل الأميركي، سيأتي الوقت الذي يجد فيه النظام الايراني نفسه مطروداً بنفوذه السياسي والأمني، لان شعب العراق لن يقبل بأي وصاية عليه وهو لن يجد ذاته إلا باستعادة وحدته الوطنية وحماية عروبته وإقامة النظام السياسي الذي يعيد للعراقي مواطتنيته ،على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات.

 

إن المقاومة الوطنية العراقية التي تقودها جبهة المقاومة للجهاد والتحرير والخلاص الوطني، خاطبت العراقيين بكل أطيافهم بأن العراق الوطني الموحد ،العربي الانتماء، يتسع لجميع أبنائه، وجميع قواه السياسية، وأن هذا النصر الذي تحقق هو نصر للشعب الصامد الصابر المقاوم،و لا يحق لأحد أن يسرق هذا الانتصار.

 

إن الذي، يستحق وسام الاستحقاق هو شعب العراق الذي حضن مقاومته ،وان من يسعى عبر الترويج الاعلامي سرقة هذا الانتصار ،فإنما يضلل الجماهير ولا يستقيم والحقيقة الموضوعة.

 

إن من يستحق وسام الاستحقاق بالنصر على الاحتلال الأميركي، فضلاً عن شعب العراق  هي الجماهير العربية، التي وقفت مع العراق ضد الحصار وضد العدوان والمقاومة العراقية التي كانت محاصرة من النظام الرسمي العربي سياسياً وإعلامياً، كانت محتضنة من جماهير الأمة، وحيث كان لهذه المقاومة دور  في تحفيز الحراك الشعبي الذي يعم الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه.

 

هذا الحراك الشعبي نحن معه على قاعدة سلميته وديمقراطيته وعدم انزلاقه إلى صراعات ذات طابع ديني أو مذهبي أو أثني، وشرط وطنية أن يكون منشداً لإعادة هيكلية الحياة السياسية العربية على قاعدة التعددية والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان، وتفاعل النضال الجماهيري ببعديه الديموقراطي والوطني، ولهذا فإننا نرفض التدخل الأجنبي والإقليمي لأن ما من قوة أجنبية أو إقليمية تسعى للتدخل، إلا ونصب أعينها مصالحها بالدرجة الأولى، وليس مصالح الشعوب التواقة للتحرر والانعتاق.

 

وإنه في مجال تقيمينا لهذا الحراك فإننا لا ندرجه في خانة نظرية المؤامرة، لأن العامل الذاتي كان أساسياً في تحريك الشارع العربي، أن لأسباب وطنية أو لأسباب اجتماعية، وإذا ما حاولت قوى  أجنبية أو إقليمية التدخل ،فإنما تتدخل لتأمين بمصالحها. ولقطع الطريق على هذا التدخل، يجب أن تعالج الأزمات البنيوية بأسلوب الحل السياسي وليس بأسلوب الحلول الأمنية.

 

إن انتصار العراق عبر مقاومته على الاحتلال الأميركي ساهم في أحداث تحولين استراتيجيين، تحول في الاستراتيجية الأميركية نحو الانكفاء، وتحول استراتيجي في المزاج الشعبي العربي نحو الاندفاع.

 

انه بداية الولوج الى عصر عربي جديد  تتفاعل منه معطيات  المسألة الوطنية والقومية مع معطيات المسألة الديمقراطية

 

 





الخميس٠٢ ربيع الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٦ / كانون الثاني / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة