شبكة ذي قار
عـاجـل










وقفة الوفاء الدائم للشهيد الحي صدام حسين من أروع ما يميّز الكرام في عصر المهانة والعهر الرسمي العربي ، وحتى العهر المتمثل بنماذج من بعض الأحزاب والهيئات والمؤتمرات العربية والقومية والإسلامية التي لا تتحفنا بإسماع أصواتها إلا في المناسبات ، ومن حضن ضيافة هذا النظام أو ذاك .

 

لكن هذه الوقفة في نظري لابدّ ان تعيش معنا وفينا كل يوم ، إلى جانب اليوم الذي غاب بجسده عن دنيانا . ليس فقط وفاء لشخص الرجل الذي وعد فصدق على أبهى ما يكون الصدق ، بل للنموذج الذي جسّده في الشجاعة والإيمان ، وكل صفات الشموخ التي تفتقدها مومياءاتنا الرسمية والكثير من منظماتنا المسيّرة بالمال والواجهات النفعية الكالحة .

 

سيبقى التاريخ شاهدا على مواقف هذه المومياءات في عملية التحضير للعدوان الدولي على العراق تحت حجة"تحرير الكويت" التي تبيّن أنها تمّت برشوة مالية قدرها120 مليون دولار، دُفِعت لشخص حسني مبارك بموجب شيك مصرفي صادر عن بنك أبو ظبي الوطني ، يحمل الرقم 758628 / تاريخ 25 آب ـ أغسطس 1991 ـ كما يبدو مسجلا في أعلاه على جهة اليمين ـ وهو اليوم الذي تم فيه وصول القوات المصرية الى حفر الباطن . وقد دوّنت على الشيك ملاحظة تقول يُودَع في حسابه رقم 65000357 بمؤسسة مورغن ترست المصرفية الكائنة في 23 وول ستريت بنيويورك .

 

دور الجامعة و"طوال العمر" في التآمر

 

مبارك الذي يواجه في هذه الأيام حكما بالإعدام لقاء ما ارتكبه من جرائم بحق شعبه . لا ينسى أحد كل من شاركه في جريمته التي تمت في ظل تغطية متواطئة من قبل جامعة عصمت عبد المجيد ، الذي أشهد ـ كمطّلع عن قرب ـ كيف تم استخدامه بعدها لسنوات ومعه ذيل مبارك الوزير مفيد شهاب من قبل أحد عبيد"طوال العمر" الذي كان متخصصا بأعمال البزنس ، وتصدير اللحم الأبيض لعواجيز أرض الله الحرام ، فتم إفرازه لمهمة عقد الندوات والمؤتمرات طوال تسعينات القرن الماضي في هذه العاصمة الأوروبية وتلك الخليجية أوالعربية ، من أجل"شيطنة" العراق والتحريض عليه ، مستعينا برهط من الكتبة الأكثر خسّة والكلاب النابحة بمقدار الدفع .

 

وسيذكر في المقابل مواقف الشرفاء من العرب ، وكذلك الأجانب الذين كانوا عربا أكثر من بعض العرب ، كوقفة وزير الدفاع الفرنسي الأسبق بيار شوفنمان الذي سارع عشية شن الحرب إلى الإستقالة إعتراضا عليها ، وعلى التفرّد الأميركي بقيادة دول العالم كالخِراف . و أصدر يومها كتابا بعنوان" الأخضر والأسود" جاء فيه ن الإستعجال بضرب العراق قبل أن يقوى عُودَهُ أكثر ، كان يرمي إلى إحكام السيطرة على احتياطات النفط وهي في أعماق الأرض . وفي ردّه على سؤال صحافي حول ما ورد في هذا الكتاب ، وما هي الإنطباعات التي عاد بها من بغداد بعد لقائه بالرئيس صدام .. الخ ، أجاب شوفنمان بإيجاز : " صدّام حسين أشبه بشجرة وراءها غابة " .

 

هذا الوصف البليغ بمغزاه ، ربما لم يكن بالإمكان تفسيره وقتها بنفس الصورة الأكثر وضوحا في هذه الأيام ، أي بعد واحد وعشرين عاما على العدوان الدولي الذي استقال شوفنمان اعتراضا عليه ، ثم بعد وقوع الإحتلال وسنوات لمقاومة التي تقف الآن على باب عامها العاشر ، وقد تُوّجت بإجبار المحتل على الرحيل بانتظار أن يلحقه عملاؤه بأسرع مما يتصور الذين نصّبوهم . أما إذا كان كلامه حول السيطرة على النفط قد ورد على ألسنة بعض المسؤولين الأميركيين ، فقد جاء ذلك من موقع آخر وبوقاحة غريبة ، كقول مارتن إنديك سفير الولايات المتحدة وقتها في إسرائيل ـ وهو يهودي استرالي ـ في محاضرة ألقاها بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بتاريخ 20 أيار 1993: " أهدافنا تتلخص بتأمين النفط بأسعار متدنية والمحافظة على وجودنا العسكري ، وضرب القوى المناوئة لنا . وبصراحة تامة : علينا أن نحتوي الشرق الأوسط على الدوام ونجعل منه مركزا لمصالحنا ، وسنعمل مع إسرائيل وليس ضدها".

 

قبل ذلك كان قد تحدّث ادوار دجيرجيان السفير الأميركي الأسبق في دمشق بصراحة غير مسبوقة ، وصلت الى حد القول في محاضرة ألقاها في"ميريديان هاوس" بواشنطن بتاريخ2 حزيران 1992 : " .. إن الإسلام المطلوب من قبل الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط بالذات هو إسلام النفط الأميركي ". و هذا يؤشر إلى أن أولوية النفط في حديث كل من الرجلين ـ وغيرهما طبعا ـ لم تكن تعني مجرد الحصول عليه ولا تأمين ضخه من دون انقطاع ، وإلاّ لأمكن ذلك عن غير طريق الحرب والدمار وصولا للإحتلال ، ولكنها تعني السيطرة على مصادر وجوده وصولا إلى ضمان الإستئثار بنهبه .

 

.. ودور عملاء السي آي إي

 

ولما كان هدف الحرب الدولية سحق العراق لا تحرير الكويت حسب قول شوفنمان ، فقد بقي هذا الهدف الذي لم يتحقق وقتها قائما ولم يسقط يوما من حسابات الولايات المتحدة ، ولكنها بقيت تتمسك به في السر وتدّعي غير ذلك في العلن . ومما يؤكد هذه الحقيقة على ألسن أصحابها والجالسين في حضن السي آي إي ، ذلك الحوار الذي دار في أحد مؤتمرات المعارضة العراقية المتأمركة / أواخرآذار2001 ، عندما قام الضابط الهارب إلى معسكر أعداء أمته عزيز الياسري ، بتوجيه السؤال التالي إلى ممثل الخارجية الأميركية في المؤتمر توم ووريك قائلا بكل وقاحة : "حرب الكويت دارت بين الشرعية الدولية والعراق ، وهناك 12قرارا من الأمم المتحدة ضد النظام . والسؤال هنا : كيف انتهت النتيجة الى جلوس الحلفاء للتباحث مع الطرف الآخر ( العراق ) في صفوان ؟ مع أنه كان يجب إسقاط النظام ومحاكمة رموزه ، لكن هذا لم يحصل. أرجو أن يُرفع سؤالي هذا إلى المسؤولين ، وآمل أن أسمع رأي الإدارة الأميركية التي نُعوّل عليها الكثير " .

 

ردّ عليه ووريك بالقول : أعتذر عن الإجابة ولا أفهم سبب سؤالك .أما بالنسبة لمحاكمة النظام فقد ذَكَرَت الولايات المتحدة الكثير حول ما قامت به في هذا الإتجاه ، ولا أريد أن أزيد على ذلك . ما حدث في الماضي حدث . أما بداية من الآن ونحن في العام2001 فإن الواجب أن نعمل من أجل ترتيبه اعتبارا من الآن .

 

هذا الكلام أنقله بحرفيته كما سمعته من قائليه داخل جلسات المؤتمر الذي حضرته ـ كغيره ـ متسلحا ببطاقتي الصحافية . ولم تمض على ذلك سنتان حتى شُنت الحرب الإحتلالية ، وأعلن بوش قراره الذي "يسمح"بتصفية الرئيس صدام بأي وسيلة ، مستغلا في ذلك استمرار تداعيات أحداث 11 سبتمبر إلى أبعد الحدود البشعة ، دون الإكتراث إلى أن التهديد بإسقاط نظام أي دولة بالقوة من قبل دولة أخرى ـ لاسيما إذا كان زورا واعتباطا ـ يعكس أسوأ صور الإرهاب المنظم في العالم ، كما يضع الدولة الأقوى محل الأمم المتحدة ، ويفتح أمامها باب التحكّم برقاب الدول الأقل منها قوة ، ويعيدنا الى شريعة الغاب التي إن سادت لن تكون أي دولة خارج دائرة أخطارها في المستقبل بما في ذلك الولايات المتحدة ذاتها ، إذ لا أحد يضمن أن لا تبرز في يوم من الأيام دولة أو تحالُفُ دول يفوقها قوة واقتدارا ، فيمارس عليها ما كانت تمارسه هي على دول العالم وشعوبه دون وجه حق .هذا في حال التهديد فقط ، فكيف بحال الإستفراد بالتنفيذ وشنّ الحرب التي استُخدمت فيها أحدث تكنولوجيا التدمير الشامل ، فالإحتلال الذي تم رغم تجاوب العراق مع القرارات الدولية الظالمة وعدم ثبوت الإتهامات التي وجّهت ضده .

 

عندما غيّرت المقاومة ستراتيجية الإحتلال

 

بعد وقوع الإحتلال بثلاثة شهور فقط ، أي في حزيران 2003، أعلن الحاكم "المدني"الأميركي للعراق بول برايمر للمرة الأولى أن قوات الإحتلال بدأت تواجه مقاومة منظمة للغاية . وقتها كان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في مدينة لشبونة يجري محادثات مع نظيره البرتغالي باولو بورتاس ، وقد تعمّد على أثر ذلك تخصيص جزء من المؤتمر الصحافي الذي عقده للرد على كلام بريمر ، تساءل فيه للمرة الأولى أيضا : " هل من الممكن أن تزول عمليات فدائيي صدام والبعثيين ، وعلى الأرجح الحرس الجمهوري ضد قواتنا في شهر أو شهرين أو ثلاثة ؟ أُجيب : لا". وتابع : "هل من الممكن أن يزول ذلك بمجرد وصول فرقتين أو ثلاثة من قواتنا إلى هناك ؟ أجيب أيضا : لا" .

 

ومع أن مواقف رامسفيلد وتصريحاته كانت توحي بحكم موقعه وجلافته أن الإحتلال مصمم على البقاء بلا تراجع ، إلا أن تصاعد فعل المقاومة وديمومتها قد تأكدا بالملموس اليومي على الأرض .عندها بدأ هذا الوضع يُقلق الأميركان ومعظم الحكام العرب أكثر مما كان يؤرقهم وضع العراق قبل احتلاله . ذلك لأنه كانت لديهم وقتها سلسلة مبررات جاهزة ضد نظامه تعزف على أنغام الدكتاتورية وحيازة أسلحة الدمار الشامل ومعاداة الجيران ، وما إلى ذلك . فماذا عليهم أن يقولوا بعدها ، وماذا لو انقلبت الآية من جديد بفعل السواعد المقاومة للإحتلال وأتباعه ؟

 

في ضوء هذا الواقع الجديد لم تعد قوات الدولة الأكبر قادرة على تحمّل الإستنزاف الذي تتعرض له ، ولهذا أصبحت مضطرة أمام تصاعد عمليات المقاومة في العراق وسائر العمليات "الإرهابية" في غير بقعة من العالم ، على تغيير استراتيجيتها والإبتعاد ما أمكن عن النهج العسكري الكلاسيكي ، لتحلّ محله أسلوبا آخر يستطيع التعامل مع مفاجآت المجموعات المسلّحة والمدربة جيدا على حرب التحرير الشعبية . وقد أكد هذا التوجه المعهد البريطاني الدولي للدراسات الإستراتيجية في تقريره لعامي 2005 ـ2006 ، حيث قال أن الجيش الأميركي وغيره من الجيوش الغربية قد أخذت تغيّر من برامجها العسكرية وأسلوب قتالها ، وفق ما استجدّ على الساحة الدولية انطلاقا من تجربة المقاومة العراقية ، خصوصا بعد أن تأكد لها أن التفوّق التكنولوجي القادر على تحقيق الإنتصار العسكري في الحروب التقليدية لا يعني نفس الشيء بالنسبة لمواجهة المقاومة وحرب العصابات .

 

يجدرالتنويه هنا إلى أن هذه الحقيقة لم تكن الولايات المتحدة تجهلها بفعل تجاربها السابقة ، لكنها تجاهلتها مثلما سبق لها أن تجاهلت حقائق أخرى قبلها كانت على بيّنة منها ، ومع ذلك لم تأخذها بعين الإعتبار . فقد كشفت وثائق الإستخبارات الأميركية التي رُفعت عنها السرية فيما يتعلق بفترة الثلاثين سنة الممتدة من العام 1975 وحتى 2005 أن جهاز السي آي إي قد احتار في طريقة التعامل مع نظام الرئيس صدام ، سواء لجهة محاولة احتوائه أو مضايقته والقضاء عليه عن طريق انقلاب عسكري وما شابه . ولكن إدارة البيت الأبيض في أيام الرئيس كارتر سرعان ما أدركت أثناء ذلك أن القضاء عليه لن يُفضي إلا الى الفوضى وزعزعة الإستقرار في هذا البلد المليء بمختلف الأطياف السياسية والمذاهب الدينية .. الخ .

 

وكشفت الوثائق ذاتها أيضا أن الإدارة واستخباراتها باتا على قناعة منذ العام 1985 بأنه لا أحد يمكنه حكم العراق بصرامة مثلما يفعل نظام الرئيس صدام ، وأن البديل الوحيد له ـ إن وُجِد ـ لن يكون غير التطرف المذهبي المدعوم من نظام الملالي في إيران .

 

المطلوب حكام يُداسون فيرقصوا !

 

طبعا هذا الكلام موثق وليس من بنات أفكاري ، ولم أزد عليه كلمة من عندي ، ولهذا يتوجّب السؤال : إذا كانت أميركا بإداراتها ومخابراتها تدرك هذه الحقيقة منذ ربع قرن ، فقد كانت تدرك بداهة من الذي ستقاسم وإياه افتراس هذا البلد العربي العريق بتاريخه وتراثه ، وفي الحالة هذه لا يمكن لعاقل أن يُنكر ذلك ، مثلما لا يمكن الإنكار أن البديل الوحيد لزوال الإحتلال وكل مخلّفاته هو المقاومة ، نقيض التبعية وانفلات الغرائز الطائفية والمذهبية والعرقية .

 

ولهذا السبب ، ولأن الرئيس الشهيد كان في وضع أسير حرب لا يُسمح باغتياله أو النيل منه وفق كل قوانين الدنيا ، فقد تمت عملية تسليمه ليلة عيد الأضحى الذي صادف يوم الحج الأكبر إلى العملاء المزدوجي الولاء للولايات المتحدة والنظام الإيراني !

 

أما الآن وقد مضت خمس سنوات على اغتيال الرئيس صدام ، وتسع سنوات على الإحتلال الأميركي ـ الإيراني. فإن شعرة لم تتحرك في ضمائر فاقدي الإحساس من حكامنا ، ولم يطرأ أي تغييرعلى أولوية تمتّع الولايات المتحدة بنصيب الأسد في حلب أكثرهم تبعية لها ، وفي استحواذها على صفقات تفوح منها رائحة السمسرة المفضوحة ـ كالعادة ـ كالصفقة التي أعلن عنها مؤخرا مع عواجيز النظام السعودي بقيمة30 مليار دولار من أصل 60 مليارا ، تتضمن طائرات وأعتدة حربية وأجهزة إنذار ووسائل للرؤية الليلية. وقد وصفها مراسل صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في واشنطن بأنها أضخم صفقة أسلحة في التاريخ . ولم يُخف سروره بأنها رغم ذلك لن تمس بالتفوق النوعي للسلاح الإسرائيلي، وأنه حسب تأكيدات السلطات الأميركية لن يتم تجهيز الطائرات المتفق عليها بمنظومات قتالية متطورة للمدى البعيد والتي يمكن استخدامها لشن هجمات ضد أهداف برية وبحرية ، وذلك بسبب معارضة إسرائيل لذلك .وأكثر من هذا ، جاء على لسان المراسل أن الولايات المتحدة قدّمت لإسرائيل توضيحات كان من نتيجتها أنها لم تقم بتفعيل اللوبي الداعم لها في الكونغرس لعرقلة هذه الصفقة !!.

 

هذا هو النموذج المطلوب من الحكام الذين تريد القوة الأكبر أن تدوسهم ، فيرقصوا أمامها بالسيوف "رقصة العارضة" ولا يئنّوا من الألم . نموذج يناقض كبرياء صدام وشجاعته وعناده في الحق .

 

إلى جنات الخلد يا أغلى الرجال وأكثرهم صدقا ، ولو كره العملاء والحكام الملتصقون كالعَلَق على أجساد شعوبهم .

 


شيك الرشوة لحسني مبارك : مؤرخ في يوم وصول القوات المصرية الى حفر الباطن

 

 


 

 

 





الاربعاء١٧ صفر ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١١ / كانون الثاني / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل أبو جعفر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة