شبكة ذي قار
عـاجـل










السياسة "مصالح".. هي كذلك .. مصالح  :


هنالك من المصالح كما هو معروف ما هي تتفاعل متطلّباتها على الساحة السياسيّة باستمرار .. ومنها ما هي نتاج ظروف معيّنة عادةً ما تكون ظروف  داخليّة , أو خارجيّة , أو داخليّة وخارجيّة معاً , السعي لنيلها , منها ما يتحقّق لصعوبتها لمخطّطات استراتيجيّة بعيدة المدى , ومنها لا يحتاج الوصول إيها إلاّ لبعض المناورات الدبلوماسيّة تشتدّ أو تفتر بحسب المعطيات السياسيّة المحلّيّة أو الدوليّة ..


هنالك مصالح تطفو على السطح فجأةً لظروف مختلفة تحتاج لتحقيقها إلى وسائل غير جاهزة طرق الوصول إليها , لذلك تلجأ الأطراف المعنيّة إلى عمليّات تصنيع لإحداث توازي تلك المصالح , غاية في التعقيد , تقوم بتصنيعها عبر آليّات متقنة يعتمد تنفيذها على إمكانيّات عالية المهارة في التخطيط والتنفيذ وعالية التمويل قد تستوجب في أحيان كثيرة اللجوء إلى سياسات من نوع خاص قد تعتمد تغيير في خارطة سير المعارك على الأرض أيضاً قد تتوجّه في بعض مفاصلها إلى حرف اتّجاه فوّهات البنادق وهي في حالة الاشتباك وتغيير مسارها إلى الخلف , بما تبدو وكأنّها عمليّة انتحار!  .. وما حدث في باكستان "إن" كان قد تمّ من منطلق "أنّ هنالك مصالح غامضة يجب الوصول إليها بشتّى الطرق الغير معلنة"  فحتماً ستكون إن كانت كذلك من النوع الّذي يحتاج تحقيقه سياسة خاصّة تحتاج إلى إمكانيّات دول عظمى بداهةً أنّها تمتلك شبكة علاقات سياسيّة دوليّة وإقليميّة واسعة وضخمة جدّاً ..


سوريا اليوم تعتبر مأزق خانق بالنسبة للطرفين على السواء .. سواء الطرف الأميركي الساعي لتحقيق مشروعه الشرق أوسطي "الجديد" والّذي تقف سوريا "سوريا النظام" عائقاً مُكدّأً أمام تحقيقه , أو الطرف الروسي الّذي يجد في سوريا "الجبهة الأماميّة للأمن الروسي القومي" كما أعلن ذلك صراحةً أكثر من مسؤول حكومي روسي في أكثر من مرّة كانت في مقدّمتها تصريحات الرئيس الروسي ميدفيديف ورئيس الوزراء بوتن ووزير خارجيّة روسيا سيرغي لافروف الّذي أعلن هذا الأخير "إنّ سوريا إطلالة روسيا المضمونة على مياه البحر الأبيض المتوسّط وموطئ قدمها الأهمّ إضافةً للجزائر" ..

 الولايات المتّحدة الأميركيّة لم تكن لتتوقّع .. "وكما حدث لها في العراق أيضاً أنّها لم تكن تتوقّع كذلك!!!" أن يمتدّ "الربيع العربي" إلى هذه الآجال من الزمن المكلف بالنسبة لها أخلاقيّاً ومادّيّاً , صرّح بذلك أكثر من مسؤول أميركي وأوروبّي كان في مقدّمتهم برلسكوني إيطاليا وساركوزي فرنسا !! رغم التمويل السعودي ـ الخليجي الّذي سبق له أن موّل غزو واحتلال العراق والّذي يموّل هذا "الربيع" أيضاً , خاصّة وقد تعثّر هذا النوع من الربيع الأوروبّي بشكل شديد عند حدود ليبيا ممّا تسبّب لحلف الناتو الّذي تقوده أميركا من خلف أكداس رمل المتوسّط ؛ مضاعفات كسور في البنية الماليّة الغربيّة عموماً وفي بنية التحالفات المؤجّلة "روسيا ـ أميركا ـ أوروبّا ـ الصين" أو في بنية حلف الناتو نفسه بعد أن بدأت الثقة تتزعزع أكثر بين أعضاء أركان الحلف الرئيسيّين أو بينهم وبين أعضاءه الصغار ...


روسيا هي الأخرى وجدت نفسها تغرّد وسط حدائق "الربيع العربي" , وبدون إرادة منها  "انظروا إلى الإهانة الشديدة الّتي توجّه باستمرار للعرب ومنها عبر وسائل إعلامهم بالغصب والاغتصاب والإكراه عن طريق مثقفوهم وكتّابهم وبوسائلهم الاعلاميّة المختلفة أن يتبنّون وبالإكراه أيضاً القتل والدمار والدماء ويسمّونه بالربيع العربي .. يعلن الغرب بلسان العرب ؛ يا عالم يا ناس هذا هو شكل الربيع الّذي يلائم العرب!!!" , ووجدت روسيا نفسها مُرغمةً أمام امتحان صعب نتائجه قد تقرّر صحّة من عدم صحّة التوقعات التي شاعت في العقد الماضي من "عودة الدبّ الروسي كقطب مؤثّر دوليّاً"  وستفصح عن ماهيّة الجهود الخارقة الّتي بذلها "بوتن" في إعادة تصنيع روسيا من جديد بعد أن انتشل مقدّراتها الاقتصاديّة والسياسيّة والعسكريّة والاجتماعيّة ورفعها إلى الأعلى بعد أن تدهورت إلى قاع الحضيض على عهد "يلتسن" الّذي ورث حكم روسيا بعد انهيار الاتّحاد السوفييتي مباشرةً  بعد أن كان قد لعب ذلك الرئيس المهزوز بمعيّة "غورباتشوف" دوراً كبيراً في انهياره , وهذا الاختبار "جدّيّة الوقوف مع سوريا" هو الاختبار الثاني بعد نجاح روسيا الأوّل في جورجيا , ويأتي الاختبار هذا خاصّة بعد هبوط أسهم القوّة الأميركيّة الّتي انكشف زيفها أمام بطولات وصمود رجال العراق العظام ..


سوريا بطول استمرار "أزمتها" أصبحت بالنسبة للغرب شيء أشبه بـ "العقدة" الّتي قد تودي بنهاية الربيع الّذي بدا انحساره واضحاً وبشكل كبير في الآونة الأخيرة , وعند هذه العقدة اختنق الحلّ الّذي يرضي طرفا النزاع ـ الأميركي ـ الروسي .. وهاذين الطرفين وهما يرقبان حلاً يرضي الجميع يحتاجان إلى "حجّة" يمتطيانها للوصول إلى البرّ السياسي الآمن , خاصّة الولايات المتّحدة الّتي علقت عند أسلاك حدود سوريا فيما عليها في نفس الوقت أن تجتاز أزمتها الماليّة الكارثيّة ..


 يمكن أنّ يكون ما اعتبرته الولايات المتّحدة "خطأ غير مقصود" في عمليّة قتلها 28 جنديّاً باكستانيّاً عند حاجز الحدود الباكستانيّة الأفغانيّة بواسطة قصف جوّي أميركي , عمليّة مقصودة ! .. لمً لا .. فخلق الأسباب مهما كانت كبيرة أو كارثيّة لتجاوز أزمة معيّنة ليست جديدة في السياسة الداخليّة أو الخارجيّة لدى الدول قديماً أو حديثاً .. مثل هذا "الاستنتاج" المحتمل لحلّ الأزمة السوريّة حلاً سلميّاً بني على عدّة  تطوّرات سياسيّة أخرى لاحقة غير أوّلاً : الاعلان عن مقتل الجنود الباكستانيين الثمان وعشرين , ولا بثانياً : عن الأنباء الّتي تواردت عن احتجاج باكستان الشديد على هذا العمل , بل الاستنتاج أيضاً وجد له ما يبرّره بثالثاً ورابعاً  :


فثالثاً .. إقدام الحكومة الباكستانيّة على إمهال الولايات المتّحدة من 5 أيّام لإغلاقها مدّدتها بعد ذلك إلى "اسبوعين" فقط لإخلاء وإغلاق قاعدتها  "شمس" العسكريّة الجويّة المتواجدة على الأراضي الباكستانيّة , وهي القاعدة الاستراتيجيّة بالنسبة للولايات المتّحدة لمواجهة "الإرهاب" في أفغانستان ..


ورابعاً .. وهو الخبر الأهمّ برأيي الّذي قد يعزّز وجهة نظر مثل هذا الاستنتاج بما يمكننا أن نرى فيه على أنّه قد يكون "الحلّ المناسب" الّذي حان وقته لإنهاء "الأزمة" الخانقة لجميع الأطراف ـ سوريا أوروبّا الصين روسيا أميركا ـ  بما جاءت به مصادر الأخبار ,اليوم السبت , من أنّ  "الولايات المتّحدة الأميركيّة قد طلبت من روسيا أن تسمح لها بمرور ما تحتاجه قطعاتها العسكريّة المتواجدة على الأراضي الأفغانيّة وما يحتاجه الناتو على تلك الأراضي أيضاً وللمساهمة في مكافحة الإرهاب عبر أراضيها"  والّذي سبق للطرفين ـ الروسي ـ الأميركي ـ أن تعاونا في القضاء عليه منذ أحداث 11 سبتمر في أفغانستان وفي غيرها ولحدّ الآن , فما المانع أن يستمرّ ذلك التعاون إلى اليوم ! ..

 

باعتقادي أنّ مثل هذا التعاون إذا ما تمّ .. وهو كذلك .. فقد تمتدّ تُأثيراته الإيجابيّة على أرض الاشتباك السوريّة بين الدولتين قد تنفرج بعدها الأزمة بما وكأن "الربيع"  لم يمرّ عبر سوريا ..

 

 





الاثنين٠٩ محــرم ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٥ / كانون الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب طلال الصالحي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة