شبكة ذي قار
عـاجـل










إذا كانت أنظمة الحكم في مجمل الأقطار العربية وبإستثناء الملكيات التي إتخذ نظام الحكم فيها قاعدة تستند إلى حكم العشيرة أو العائلة ، فإن أغلب الأنظمة التي تبنت نظام الحكم الجمهوري بقيادة نخب علمانية متشبعة بالثقافة الغربية ويفترض فيها التأثر بمبادئ الفكر الليبرالي وقواعد الديمقراطية الغربية . لكنها فشلت جميعها في إرساء أسس الديمقراطية وكرست حطم الحزب الواحد بدل التعددية ، والإستبداد بدل الفصل بين السلط ، والفردية بديلا عن حكم الشعب صاحب السيادة كما نصت عليه أغلب الدساتير ، وذلك من خلال ممثليه . كما فشلت هذه الأنظمة في تحقيق التنمية الإقتصادية لشعوبها فضلا على سلبها حرياتها ، على خلاف أنظمة بلدان جنوب شرق آسيا كأندونيسيا وكوريا وتايوان وماليزيا ذات الموارد الطبيعية المحدودة والثقل الديمغرافي التي وإن ضيقت على شعوبها في حرياتها وحقوقها وخاصة الإجتماعية والنقابية حيث راهنت على كسب معركة التنمية بإستقدام الإستثمار الأجنبي الذي يلهث خلف الإمتيازات والإعفاء من الإلتزامات والحقوق النقابية ، ونجحت في بناء قاعدة إقتصادية متينة جعلت من إقتصادات بلدانها أكبر منافس لإقتصاديات أكثر البلدان تقدما .


وعود على بدء نستخلص أن أنظمة الحكم في الأقطار العربية كان فشلها مضاعفا فمن جهة تخلف إقتصادي وتبعية تكنولوجية بعد أكثر من خمسين سنة من توليها مقاليد السلطة ومن الأخرى تردى للأوضاع الإجتماعية ولكنها لم تكن تجرؤ على إعلان ارتباطها بالغرب ، فقد كانت تخشى أن توصم بالعمالة للأجنبي فرغم ما كان لها من ارتباطات مع الحكومات الغربية فإنها كانت تحرص على إخفائها وحتى الإتصالات كانت تتم في الخفاء وتسارع إلى الإنكار والتكذيب إذا ما انكشف أمر هذه العلاقات . وكان حتى من تباهى بالثقافة والحضارة الغربية أمثال الحبيب بورقيبة لا يقبل أن ينعت بالعمالة للأجنبي . لماذا ؟ لأن هذه الأنظمة والنخب التي تشرف عليها وإن كانت غارقة في مستنقع العمالة لا تقر بولائها للأجنبي وتتبرا منه لأنها تدرك مدى الحساسية المفرطة لشعوبها من العلاقة مع الأجنبي وخاصة الغرب الإستعماري في وقت تصاعد فيه المد الوطني والقومي إثر مرحلة الكفاح من أجل الإستقلال ، ولا زالت خلاله الذاكرة الشعبية تختزن بشاعات المستعمر وما قاسته من عذابات وما قدمته من تضحيات في سبيل الحرية . وبالتالي فإننا لا نستغرب رفض الحكومة الجزائرية لأي تدخل أجنبي في الشأن الليبي والسوري ، لأن الشعب الجزائري من أكثر شعوب العالم تضحية في سبيل حريتها إذا لم يظاهيه الشعب الفيتنامي في مجابهة قوات الغزو الأمريكي وفي وفي يومنا الحاضر الشعب العراقي ومقاومته الباسلة .


لكن ما نستغربه في عصرنا هذا وفي هذا الزمن الرديء كيف أن أغلب المعارضات في الأقطار العربية التي انتفضت شعوبها ضد استبداد الحاكم وظلمه ولأجل استعادة كرامتها وحريتها المسلوبة ، وفي معظمها أحزاب ذات مرجعية اسلامية أو قريبة منها استعانت بالأجنبي وهي التي نشأت وترعرعت في أحضانه وحصلت على دعمه غير منقطع النظير ... وعادت على ظهور دباباته أو أسقطتها طائراته ومكنها من إعتلاء سدة الحكم وقد رأينا ذلك في العراق وليبيا وتونس . وهاهي دويلات الطوائف المجهرية في الخليج العربي المحكومة من أنظمة عائلية إحتكرت ثروات طائلة من مقدرات شعوبها ودأبت على تبديدها في المراهنة على سباقات الجمال والخيول أو تنفقها في ملاهي أوروبا أو في شراء اليخوت والنوادي الرياضية ، بينما تفتقر شعوبها على قلة كثافتها إلى أبسط حقوق المواطنة حيث لازالوا يعاملون كرعايا مسلوبي الإرادة لا كمواطنين بكامل الأهلية. والغريب في المر ان هذه الأنظمة الأوتوقراطية أصبحت ترفع لواء " الحرية" و" حقوق الإنسان" في ليبيا واليمن وسوريا وهي كلمة حق أريد بها باطل ، لأن الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت نير الإحتلال الصهيوني منذ 1948 وقد سلبه الأرض والتاريخ وابسط الحقوق التي تنص عليها المواثيق الدولية وأقلها حقه في الوجود ، ولم نرى دويلات الخليج في مقدمتها قطر ولا جامعة الدول العربية متحمسة مثلما هي اليوم في نصرة شعب فلسطين ولا أطفالها في ثورة الحجارة ، بل على العكس من ذلك فقد لقي قادة الصهيونية كل الترحيب وهم يستقبلون في قصور أمراء وملوك النفط . عندما نقول ذلك ليس رأفة بأنظمة عربية فاسدة ومستبدة سلمت في العرض وباعت الأرض وقهرت شعوبها وبددت ثرواتها ولكن من باب رفض الأجنبي ومشاريعه التي أفشلتها المقاومة الباسلة في العراق وإنبرت دول الخليج على تسويقها والعمل على تنفيذها ، فليس من دعى الإستعمار بأفضل ممن سلبنا حريتنا وكرامتنا .



عبد العزيز بوعزي
عضو اللجنة التنفيذية لحركة البعث / تونس
٢٥ / تشرين الثاني / ٢٠١١

 

 





السبت٣٠ ذو الحجة ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٦ / تشرين الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد العزيز بوعزي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة