شبكة ذي قار
عـاجـل










لكل منهج حكم تقاليد وتراث وفهم خاص يأتي نتيجة تراكم تراثي مبني على عقائد سياسية شكلت في تاريخها منحنى تغييري في بنية الدولة.
وتشكل في التاريخ العميق للدولة الفارسية أصول حكم ارتكزت على قواعد في الخداع وفن المؤامرة وإجادة رسم الدسائس، و تعززت هذه الأصول من خلال تطوير المعتقد الديني المذهبي بما يتناسب مع حجم المشروع القومي للدولة الذي وصل به الأمر حد أباحة التقية كفرض عين يستخدم على من كان من خارج مذهب الاثنى عشرية، وهي قاعدة شرعية، وليست الوحيدة بل الكثير من القواعد الشرعية المنصوص عليها والتي تخدم المشروع القومي الفارسي التوسعي ،حتى في عملية سرد التاريخ والوقائع تم التزوير بصورة فاضحة بما يخدم المشروع .


وأشتهر الفرس في فترة علانية معتقدهم المجوسي بالقدرة الفائقة على تخطيط وتنفيذ الدسائس والمؤامرات وأشهر صناعاتهم كانت السم وهم أكثر الأقوام استخداماً له.
وفي العلوم السياسية وتحت باب الاغتيال يكون السم نتاج عقلية تآمرية توصف بالعادة بالجبن على عكس الوسائل الأخرى من الاغتيال.


وبالعودة للخلف وبالتوقف عند مفاصل التاريخ الفارسي نجد أن كهنة النار تحولوا بعد الفتح الإسلامي إلى شبه منظمة سرية هدفت إلى صناعة الدسائس لإسقاط دولة الخلافة، وفي ظل حرب دسائسهم وبعد أن تصدى لهم الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب عمدوا إلى اعتناق الإسلام وبمرور الوقت صاروا معممين بدل كهنة ، وزاد حجم تآمرهم بما يتناسب مع حلم تحقيق مشروعهم القومي وسخروا مذهبهم المبتدع لهذه الغاية.


وتعرض الفرس إلى محن تاريخية تراجعوا فيها وتقلص نشاطهم السياسي والعسكري العلني وانخفض تأثير مؤامراتهم في مراحل تاريخية مختلفة، ومما لا شك فيه أن قائد النهضة القومية الفارسية الذي أعادهم لسابق عهدهم التاريخي كان (الخميني) والذي طور المذهب الديني بما يتناسب مع حجم الحلم والطموح وابتدع قواعد شرعية تخدم المشروع الفارسي القومي .


وهذا الشرح المقتضب مدخل لفهم العقلية الفارسية وفهم مشروعها التوسعي وعقدها التاريخية التي ساهمت بتشكيل معايير السياسة الخارجية والداخلية، وفي مقال سابق بهذا الخصوص تم الحديث بتفاصيل عن مؤسسات الحكم الفارسية العسكرية والمدنية وكيفية اتخاذ القرار والسلم القيادي وتحدثنا في حينها أن الحرس الثوري وجيش القدس بكل تفاصيله وألويته وكتائبه ومكاتبه في العالم كله يتبع المرشد الأعلى ولي الفقيه، ويعتبرون أنفسهم جنود المهدي المنتظر ،فالتركيبة العامة لهذه القوات قائمة على فهم عقائدي بحت، من هنا نرى أن معركة عسكرية مع إيران تعني بالضرورة الحتمية تدخل الفصائل التابعة لجيش القدس، مع اليقين أن تأثيرهم محدود وبسيط ،فالقيادة الإيرانية انشغلت بمعارك جانبية في بعض الأقطار العربية مما أنهك وجود هذه الفصائل وعرضها للنقد الشعبي مما افقدها القاعدة الشعبية التي تستند عليها كأي حركة مقاومة وعرضها أيضاً للملاحقة والإقصاء من قبل أنظمة الحكم.


البعد الاستراتيجي في الحلم التوسعي الفارسي قائم على انتشار مكثف للوجود العسكري من خلال قواعد شعبية مرتبطة عقائدياً بالقيادة ، وأصاب القيادة الفارسية غرور بعد قيامها بمساعدة الاستعمار الأمريكي على غزو أفغانستان وتعاونها المكشوف بملاحقة عناصر المقاومة من تنظيم طالبان مما أعطى للمساعدة بعد طائفي واضح وحاولت إيران بفعلها إعطاء بادرة حسن نية للإدارة الأمريكية فيكون غطاء لالتهام الخليج العربي ، وجاءت المساعدة الإيرانية للقوات الأمريكية مرة أخرى في العراق بتوفير غطاء سياسي وعسكري وشرعي للاحتلال، وعملت إيران في العراق بخبث ودهاء وغرور لتقسيم الشارع العراقي طائفياً و جهوياً، خلاصة القول هي أن القيادة الفارسية ومنذ تغير إستراتيجيتها على يد (الخميني ) اعتمدت على المذهبية العقائدية في تحقيق الحلم القومي واستخدامها للبعد الديني اكسبها شرعية التفاف المريدين تحت غطاء عباءة الدين مع أن المذهب طور لصالح القومية ، فصار المريدين يخدمون المشروع القومي الفارسي بأسم الدين.


ويعتبر العراق الان مصب المقاومة الشعبية فالمقاومة العراقية تقاتل ثالوث عداء الأمة العربية الفارسية الصفوية والامبريالية الأمريكية والصهيونية ، مما يكسب الساحة العراقية أهمية خاصة كونها معركة تحرير عالمية بالصيغة التالية الطرف الأول ثالوث عداء الأمة مجتمعاً مدعوماً من أنظمة عربية وإقليمية ودولية وأحزاب وتجمعات مختلفة والطرف الأخر هو المقاومة العرقية بتمثيلها الشرعي للشعب العراقي وأحزاب وأفراد وهيئات تمثل الشارع العربي بالإضافة إلى المستقلين من الجماهير العربية ونسبة الطرف الثاني بكل المكونات تتعدى 85% من الشعب العربي، فهي معركة عالمية بكل المقاييس بدأت منذ الحرب الثلاثينية على العراق، ولا زالت مستمرة للان مع اختلاف أسماء في المعادلات والأطراف.


والطرف الثاني موحد برؤيا نهضويه شاملة نابعة من الفهم العروبي للاستقلال والحرية والتوحد وهناك التفاف شعبي حقيقي حول القيادة الشرعية للعراق، والطرف الثاني جاء تفاهمه وتعاونه المبني على تقاطع المصالح الخاصة، ومع اقتراب خروج الاحتلال الأمريكي عسكرياً من العراق بمحاولة إيران فرض نفسها بكل قوتها كلاعب وحيد في الساحة العراقية بمنافسة تركية واضحة كبديل للاحتلال العسكري الأمريكي، فجاء قرار الحكومة العراقية الحالية بإعطاء مهلة لسكان معسكر (أشرف) في العراق للمغادرة لإغلاقه مع نهاية العام ، والجميع يعلم أن الحكومة الحالية بالعدد الأكبر تتبع القيادة الإيرانية ولاءً ،فجاء القرار بالدرجة الأولى انتقاماً من متمردين خرجوا على ولي الفقيه وثانياً إثبات القوة بالسيطرة على القرار السياسي ، مع العلم أن الحرس الثور الإيراني وبعض عناصر جيش القدس موجودة على مداخل المعسكر منذ احتلال بغداد ويقومون بالتنكيل الإنساني من خلال وضع مكبرات صوت ترهق مسامع ساكنيه ولا تسمح لهم بالنوم والراحة وعدم معالجة مرضاهم والقيام بين فترة وأخرى بإطلاق النار على الساكنين ويبلغ عدد ساكني المعسكر حوالي (3400) جلهم من منظمة (مجاهدي خلق) المعارضة لحكم المعممين في طهران.


وليس هو القرار الوحيد الذي تحاول فيه ولاية الفقيه إثبات الوجود عسكرياً وسياسياً واقتصادياً بل الأمر يتعدى هذا ، فمع بداية الاحتلال للعراق سارعت ولاية الفقيه بإدخال عناصر من جيش القدس مع عوائلهم قدر عددهم حينها بحوالي مائة وخمسون ألف عائلة للتلاعب بالديمغرافية السكانية وليكونوا جاهزين في اللحظة التي تريدها القيادة وهؤلاء تم منحهم الجنسية العراقية بتلاعب واضح من حكومة (حزب الدعوة) أبان ولاية (الجعفري).


نحن اليوم أمام وضع يزداد خطورة وخاصة بعد انسحاب الجيش الأمريكي ، مع اليقين على أن وعي القيادة الشرعية في المصالحة الوطنية بدأ منذ عامين تقريباً وجره المصالحة الوطنية في جميع الأطر والمستويات المطلوبة ولم تنتظر القيادة التحرير للقيام بها بل استطاعت بالجهد المتواصل والفهم الحقيقي للطبيعة الإنسانية للعراقي من انجاز المصالحة الوطنية وبفترة قياسية، وكان من أعظم انجازات المصالحة الوطنية إعادة الالتحام الشعبي حول القيادة الشرعية في النجف وكربلاء وقد تمت قبل عام فقط مما أعطى المقاومة فرصة خطة جديدة لطريقة الحكم بعد التحرير وتقليص نفوذ الميليشيات الفارسية من جماعة المستترين بالعباءة الوطنية.


ولا شك أن الأنظمة العربية المحيطة بالعراق والمحسوبة على المشروع الأمريكي جزء من حالة الصراع بين أركان الثالوث (الامبريالية والصهيونية ) تهتم اليوم بانتصار وسيطرة المقاومة العراقية بعد التحرير مع محاولاتها المتكررة أن لا تسمح للعراق المحرر أن يمتلك القوة الاقتصادية أو العسكرية أو السياسية التي تؤهله لقيادة العالم العربي بل ما يجعله يدافع عن نفسه ويحفظ استقلاله ضد أي تدخل فارسي فقط ، وسعت هذه الدول لتوسيع حلف مجلس التعاون الخليجي باستقطاب الأردن والمغرب ومحاولات إدخال مصر الآن ، حول الحلف الجديد الذي سيقاتل إيران ويخضعها .


تدرك المقاومة العراقية جيداً ما أشير له سابقا وفي مقدمة المقال عن عقلية الحكم الفارسي وتعرف جيداً أن الصراع صدام حضاري وأمام قيادة المقاومة الكثير من الإشكاليات ما بعد التحرير،فهي أمام بناء العراق والتخلص من بؤر الفرس وحلفائهم وإتمام المصالحة الوطنية والتي بالفعل أنجز معظمها وبالأرقام حوالي 90% بالمائة منها ، وبالطبع إعادة بناء الجيش العراقي الذي ستحاول دول المحيط كما أسلفت القول أن يكون جيش مجهز للدفاع عن استقلال العراق فقط، وهنا تكون إشكالية الواقع فالمقاومة العراقية لا تمثل الشعب العراقي فحسب بل هي الممثل الشرعي والوحيد للأمة العربية ، والكل ينتظر منها أن تعود لقيادة الشارع العربي خدمة لقضاياه ومن أهما فلسطين المركزية.


ونحن نثق بفهم قيادة المقاومة للواقع والمحيط وكل النخب في الشارع العربي جاهزة لتكون بعد المقاومة سهم في قوس القيادة الوطنية في العراق.
وما يجب أن يقال الآن أن القيادة الوطنية في العراق وحتى حلف مجلس التعاون الخليجي الجديد معني أكثر مما مضى بقضية شعبنا العربي في الاحواز و آن الأوان اليوم لإعادة ترتيب الأولويات القومية ففي معركة الدفاع عن الأمة بوجه الخطر الفارسي لابد من إعادة الاعتبار للاحواز وتحريرها، فيكفيها ما عانته على يد الفرس الصفوين.


أن انشغال أمريكا اليوم ومعها حلفائها من الغرب بإنقاذ اقتصادهم فرصة ملائمة وحقيقية للبدء بتحرير فلسطين والاحواز ، وهي فرصة لن تتكرر دائماً ، وفي هذا الأمر حديث يطول سيكون في المقال الذي يلي هذا والحديث فيه عن ربيع العرب و واقعية برنامجه.



00962795528147

Etehad_jo@yahoo.com


 

 





الاثنين٢٥ ذو الحجة ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١ / تشرين الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الله الصباحين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة