شبكة ذي قار
عـاجـل










بسم الله الرحمن الرحيم

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ) النساء 71

صدق الله العظيم

 

  

تمهيد :-

تحدثنا في الجزء الأول من بحثنا هذا عن المأزق الذي يحيط بالمشروع الجهادي العراقي حيث أكدنا على إن سبب المأزق لا ينبع من داخل العراق إنما من محيطه العربي أولا وقبل كل شئ . كما تحدثنا في الجزء الثاني من البحث عن نشأة جهاز المخابرات العراق وأهميته ودوره في حياة الدولة العراقية . وفي الجزء الثالث تناولنا المشروع الأمريكي لغزو العراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين واستبداله بنظام موالي لها في العراق. وفي الجزء الرابع تناولنا ادعاءات العدو ومرتزقته على الجيش العراقي وأوضحنا بان الجيش العراقي الباسل وليس كما يزعم العدو وصعاليكه في الإعلام قد قاتل وأدى واجبه بشرف في ظل معركة انعدم فيها التوازن وأي فرصة للتكافؤ .

 

إما الجزء الخامس فنظرا لأهمية الموضوع فقد قسمناه الى حلقتين ، ففي الحلقة الأولى تحدثنا عن دور الإعلام في حياة الأمم وفي بناء الإنسان وعرفنا واجب الإعلامي ووزارة الإعلام ككل على أنها وسيلة لتجميع إنتاج الأمة وبثها بطريقة تحفز الشعور بالمواطنة وتفعم  حياة المواطنين بالحب والحماس وبقوة الانتماء للوطن وللأمة ، وتخلق روح ثورية قادرة على فهم ووعي وإدراك عقيدة قيادته الوطنية لتجاوز المحن و الصعاب ولتحدي الخطوب التي قد تعترض طريقه .. طريق انجاز برامج قيادته الوطنية . فمهمة الإعلام الأولى هي خلق الإنسان المواطن الجديد وهذا ما نجحت به القيادة العراقية نجاحا باهرا حتى عام 1989.

 

إما في الحلقة الثانية من الجزء الخامس فقد تناولنا المأزق الذي وقع فيه العراق قيادة وشعبا ، ووضحنا أهم الإخفاقات التي نتجت بشكل مباشر أو غير مباشر عن الظروف العسيرة التي عاشها أهل العراق خلال فترة الحصار الشامل عليهم . فالحصار وبخبثه ووطئته على الدولة العراقية قبل المواطن البسيط ومع استمراره لسنوات طويلة ، ومع النتائج السلبية التي خلفتها حرب 1991، ومع النتائج المتراكمة لمؤامرات قـُـم ، ومع صعوبة تطوير الستراتيجية الإعلامية للقيادة العراقية بما يتناسب وتطورات العالم في العقد الأخير من القرن العشرين ، ومع الموارد البشرية والفنية والتكنولوجية الهائلة التي تمتعت بها ستراتيجية العدو الإعلامية والغير الإعلامية ، فقد وضعت القيادة العراقية أولا ً ومن ثم الشعب العراقي ثانيةً في مأزق بالغ الخطورة والأهمية .. مأزق الذي نتج عنه خلل في بناء الإنسان العراقي وهو الأمر الذي مازال يلقي بضلاله وأثاره السلبية على واقع العراق وعلى واقع الأمة ليومنا هذا.

 

بهذا الحال .. ومع كل الصعوبات التي يواجهها العراقيون ، فقد فرض عليهم الدخول في مرحلة هي الأخطر والأشرس في تاريخ العراق الحديث والمعاصر، في التقابل القتالي المباشر مع الصهيونية العالمية وأتباعها وأدواتها على ارض العراق العظيم. وهو ما سنتناوله في هذا الجزء بالبحث والتفصيل لنتعرف على الطريقة التي واجهت بها القيادة العراقية هذا الوضع المعقد والخطير وهي خارج كرسي الحكم هذه المرة..!!

 

وجها لوجه :-

بعد الاصطدام المباشر بالصهيونية العالمية وأدواتها وحلفاءها في عامي 1990و1991 ، وبعد سلسلة القرارات التي فرضها مجلس الأمن الصهيوني على العراق - وخاصة فيما يتعلق بفرض الحصار الشامل والذي دام لـ(13) عاما بشكل متواصل ، وفيما يتعلق بتدمير أسلحة العراق الحيوية - وبعد تكرر الاعتداءات الأمريكية والبريطانية على امن وسيادة العراق ، وبعد سلسة مؤامرات شنتها الصهيونية العالمية للنيل من القيادة العراقية ومن الشعب العراقي ومن وحدة العراق ومن أمنه وسيادته واستقلاله ، وبعد أن نجحت القيادة العراقية في إجهاض تلك المؤامرات أو على الأقل في تحجم أخطارها ، فقد اتخذ دهاقنة الصهيونية العالمية في قم وطهران وتل أبيب وواشنطن ولندن قرارهم الخاص بغزو العراق وإسقاط نظامه القومي الاشتراكي بالقوة المباشرة .

 

كيف استعد العدو للحرب :-

بحسب الإمكانيات الضخمة التي توفرت للولايات المتحدة الأمريكية سواء في المجال الاقتصادي أو العلمي أو التقني أو العسكري ، فقد امتلكت هذه الدولة العدوانية قوة عسكرية منتشرة في إرجاء العالم المختلفة لاسيما في أرضنا العربية. ولهذا فقد هيئت للولايات المتحدة القدرة على الزج بقواتها المسلحة أينما أرادات وبغضون أسابيع أو أيام أو أحيانا حتى في ساعات معدودة . ومع هذا الواقع ، ومع تخطيط الإدارة الأمريكية منذ سنوات لغزو العراق وإسقاط نظامه الوطني ، ومع إنتاج أسلحة أمريكية صنعت خصيصا لغزو العراق ، ومع ضعف إمكانيات العراق ، فان الاستعدادات الأمريكية لا ينقصها سوى التوجه نحو الأراضي العراقية وفتح فجوات في جدار الأسلاك الشائكة التي وضعت على الحدود العراقية الكويتية عقب عام 1991.

 

أما الاستعدادات السياسية التي اتخذتها الولايات الأمريكية ضمن مشروعها لغزو واحتلال العراق فقد ركزت على ما أسمته مرحلة ما بعد صدام حسين ، والتي تطلبت خلق توافق وانسجام بين أحزاب وكتل وحركات ما تسمى بالمعارضة العراقية من اجل النجاح في خلق نظام بديل لنظام البعث في العراق كما نجحت في إقامة أنظمة موالية لها في الدول التي احتلتها من قبل. كما استعدت الولايات المتحدة للظروف الطارئة التي قد تنجم عن اندلاع المعارك والحروب كالنزوح الجماعي للسكان . والاهم كان عند الإدارة الأمريكية هو تشكيل فرق خاصة وضعت لها إمكانيات ضخمة من اجل تعقب القيادة العراقية .

 

أما على المستوى الدبلوماسي الدولي ، فقد سعت الإدارة الأمريكية نحو استصدار قرار من مجلس الأمن الصهيوني يجيز لها غزو العراق وهو الأمر الذي أحبطته القيادة العراقية بسياساتها الذكية في التعامل مع هؤلاء الأوغاد .

 

استعدادات القيادة العراقية للحرب :-

أن الحقيقة التي حاول وما زال إعلام العدو إخفاءها واجتثاثها من عقول الناس ، هي حقيقة أن الأسابيع الثلاثة الأولى من المعركة – صفحة المعارك النظامية – قد شهدت سلسلة من المعارك الشرسة التي خاضتها القوات المسلحة العراقية دفاعا عن العراق العظيم ضد الغزو الأمريكي البريطاني الصهيوني .

 

وفي الجزء الرابع من بحثنا ، كنا قد تناولنا وبالتفصيل استعدادات القيادة العراقية لمواجهة هذا العدوان ، وسلطنا فيه الأضواء على الخيارات العسكرية المتاحة أمام القيادة العراقية . تلك الخيارات التي حكمت بظروف العراق العسيرة .. بظرف الحصار ونتائج حرب عام 1991 وفارق التقدم التقني بين الجيش العراقي والأمريكي بالإضافة إلى فارق القوة بين الطرفين سياسيا وامنيا وعسكريا واقتصاديا وعلميا . وهكذا فقد خلصنا إلى أن انسب طريقة وأفضل وسيلة وأنجع ستراتيجية للقيادة العراقية في مواجهة وصد ودحر العدوان ، هي بتنفيذ ستراتيجية حرب العصابات الثورية والتي نحن اليوم بصدد دراستها وبحث تفاصيلها والتي قد تكون خافية على الكثيرين من أبناء امتنا المجيدة .

 

ولكن قبل أن نتعرف على ستراتيجية القيادة العراقية لحرب العصابات ، نود أن نُعرّف القارئ الكريم بحرب العصابات وأساليبها ومستلزماتها .. ؟

 

حرب العصابات:-

وهي حرب غير تقليدية ، بين مجموعات قتالية مدعمة بتسليح أقل عددا ونوعية من تسليح الجيوش. وتتبع أسلوب المباغتة في القتال ضد التنظيمات العسكرية التقليدية "المعادية" في ظروف يتم اختيارها بصورة غير ملائمة للجيش النظامي المعادي . ومقاتلوا حرب العصابات يتفادون الالتحام في معركة مواجهة مع الجيوش التقليدية المعادية لعدم تكافؤ الفرص ، فيلجأون إلى عدة معارك صغيرة ذات أهداف ستراتيجية يحددون هم مكانها وزمانها بحيث يكون تأثيرها موجع للخصم.

 

وتتميز قيادة حرب العصابات بأحادية القيادة، حيث يجمع قياديوها عادةً ، بين القيادة العسكرية والسياسية . وتعتمد حرب العصابات على الإعلام بشكل رئيسي، وذلك في تصوير ونشر العمليات العسكرية ، قبل وأثناء وبعد أي عملية عسكرية أو كما يتطلب الموقف. كما أن التركيز في استخدام الدعاية والحرب النفسية مهم بالنسبة لعناصر حرب العصابات، وذلك لكسب المزيد من الأنصار والتبرعات بالأموال.

 

كما يحرص عناصر حرب العصابات على الحفاظ على سريتهم وسرية تحركاتهم، كما يحرصوا أن يكونوا على صلة طيبة مع السكان المدنيين لأنهم خير من يؤمن لهم غطاء أمنيا ومصدرا للتمويل والتموين. وعادة ما تبقى العناصر القتالية في الريف والأماكن المعزولة استعدادا لنقل حربهم إلى المدن حالما يحين الوقت . ويعتمد هذا على ما إذا كان مسرح عملياتهم وأماكن تواجدهم في أرض صديقة أم لا 1.

 

وبمعنى أوضح فان حرب العصابات تتطلب المستلزمات التالية :-

1- عناصر مدربة تدريب جيد لخوض حرب المدن والشوارع وشن عمليات الاقتحام ونصب الكمائن .

2- قيادة سياسية عسكرية واحدة رغم توزع المقاتلين على مجاميع منتشرة هنا وهناك .

3- مكتب إعلامي لتصوير ونشر العمليات المسلحة التي يقوم بها مقاتلوا الجبهة ، ونشر كل ما يروج لأفكارهم وتطلعاتهم وأهدافهم من اجل كسب المزيد من المقاتلين والأنصار .

4- مكتب مالي  يتولى وضع ميزانية مالية للجماعة المقاتلة من اجل شراء الأسلحة أو صيانتها أو تصنيعها أو لتصوير العلميات المسلحة وطبع المنشورات وتغطية باقي نفقات الجماعة .

 

5- مكتب امني ، يتولى توفير الأمن لعناصر الجماعة ولقياداتهم ورصد تحركات العدو وعملاءه وأحيانا يتداخل عمل هذا المكتب مع بقية المكاتب فيشنر دعايات خاصة أو يوفر غطاء امني لعمليات التمويل والتجنيد .

 

6- بقعة ارض ذات تضاريس معقدة تمثل الملاذ الآمن للجماعة ، فلقاء القيادات ومسؤولي المكاتب وميزانية الجماعة والتخطيط للمعارك والكمائن وللعمليات الخاصة وتدريب المقاتلين الجدد أو القدامى على أساليب مستحدثة جديدة و صيانة الأسلحة وتصنيع بعضها ، تتطلب وجود بقعة ارض آمنة يبسط عليها المقاومين سيطرتهم ويؤمنوها من جواسيس العدو ووسائل مراقبته الأخرى . ومن الجدير بالذكر هنا هو ضرورة وجود تضاريس جغرافية معقدة لتعين المقاومين على اختيار الملاذ الآمن وتعينهم أيضا في أثناء نشاطهم المسلح .

 

7- حاضنة شعبية تمدهم بالمال والمقاتلين وتناصرهم وتحتضنهم سواء أثناء تنفيذ العمليات المسلحة أو بعدها ، وتكتم أسرارهم وتكون عينا لهم لرصد جواسيس العدو . وعلى المقاومين أن يتعاملوا مع السكان المدنيين معاملة طيبة فيحفظون أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم ويتجنبون وقوع أي أذى مهما كان حجمه على أولئك السكان .

 

8- إعداد نفسي حيث يتوجب على المقاومين اعداد انفسهم وانصارهم اعدادا نفسيا لخوض حرب العصابات . فالمقاومون هم في الاصل والاساس كتيار مقاوم يسبح في محيط محتدم متلاطم ، فالظروف الناشئة والمحيطة والناتجة عن القيام بعمليات مسلحة ضد عدو غازي او محتل تتطلب التضحيات الكبيرة سواء بالمال او النفس او بالاولاد . فلابد هنا من ان يعد المقاوم نفسه وانصار لهكذا احوال وظروف فلا يدع مجالا للشك في قضيته ان يتخلل صدره ويعتري ايمانه وعمله ، ولا يدع انصار يفاجئون بقوة العدو وزخم المعارك وبالتضحيات الجسام لاسترداد الحرية والكرامةوالامن والاستقرار والاستقلال والازدهار   .

 

9- الدعم دولي للمقاومين ، كالدعم السياسي و الإعلامي والمالي والعسكري ، وذلك من اجل تيسير عملياتهم وزيادة تأثيرها ونقلها إلى المجتمع الدولي للضغط على الطرف الأخر من اجل تلبية مطالب المقاومين وإضفاء صفة الشرعية على نشاطهم وتحركاتهم .

 

10- الإفتاء شرعي ، تتطلب حرب العصابات للحركات المقاومة الإسلامية وجود هيئة إفتاء شرعي تفتي بالجوانب الشرعية أو تلك الجوانب التي على صلة بالجانب الشرعي ، كما هو حال الغنائم ورواتب الجند وحكم العملاء وعقد الهدن والاتفاقيات وأحيانا حتى القيام بعمليات النوعية.

 

ستراتيجية القيادة العراقية لحرب العصابات:-

على ضوء واقع العراق والظروف العصيبة التي فرضت عليه من حصار وحرب بالإضافة إلى فارق القوة بين الجيش العراقي والجيش الأمريكي ، فقد وضعت القيادة العراقية جهودها الأساسية للدفاع عن العراق في المرحلة الثانية من الحرب ، في مرحلة حرب العصابات الثورية ، حيث وضعت القيادة العراقية ستراتيجية شاملة لها من اجل تحقيق هدفها النهائي وهو استعادة حرية العراق وكرامته واستقلاله وسيادته وأعماره والنهوض مجددا من تحت ركام الغزو والتخريب.

 

أن الجهود الجبارة التي بذلتها المخابرات العراقية ولسنوات طويلة في جمع المعلومات عن الإستراتيجية الأمريكية لغزو العراق وإسقاط نظامه الوطني ومن ثم تحليلها وإيصالها للقيادة العراقية التي فهمت ووعت وأدركت تمام الفهم والوعي والإدراك سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ، قد ضمن لها "أي للقيادة العراقية" الوقت الكافي للتهيوء لحرب العصابات 2.

 

فالقيادة العراقية قد هيئت مستلزمات حرب العصابات الثورية ومنذ سنوات قبل وقوع الغزو الأمريكي لعراقنا العظيم . أي أن ستراتيجية القيادة العراقية لحرب العصابات الثورية قد ولدت قبل الغزو بسنوات وليس لأشهر معدودات فحسب ، وهو الأمر الذي جعل من ستراتيجية القيادة العراقية لحرب العصابات الثورية ستراتيجية متكاملة ومناسبة للظروف التي من المتوقع أن تمر بها المقاومة العراقية لاحقا والمشروع الجهادي بل وأهل العراق عامة ، وسنتناول لاحقا هذه التفاصيل لنثبت مدى صحة توقعات القيادة لما بعد غزو بغداد.

 

أن الأمر الذي قد يجهله الكثيرون من أبناء امتنا أو يحاول البعض أن يتجاهله ، هو حجم وطبيعة معركة تحرير العراق وما يترتب عليها. فقد يتصور البعض بأنها مجرد عمليات مسلحة تقوم بها مجاميع جهادية هنا وهناك ، أو أنها رد فعل طبيعية على غزو العراق ، أو أنها نتاج شعبي محض وليد ظروف ما بعد التاسع من نيسان 2003. وإنها تتبع تكتيكات حرب العصابات التقليدية كتلك التي شهدتها فيتنام والجزائر وأفغانستان في النصف الثاني من القرن المنصرم . وقد يخيل لهؤلاء إن حدود المعركة تقع ضمن حدود العراق الرسمية ، وإنها حرب بين قاذفة الار بي جي 7 والعبوات الناسفة وقذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا وبنادق القنص وكمائن تقليدية لإفراد واليات العدو كما هو الحال في كمائن صيد المغفلين وما شابه .

 

إن معركة تحرير العراق ، وان ظهرت عليها ملامح حرب العصابات التقليدية ، إلا أنها تخفي بين طياتها واحدة من اغرب واحدث واعقد وأغمض حروب التحرير الوطنية وستراتيجيات وتكتيكات حرب العصابات. فالمقاومة العراقية وان انتشر مقاتلوها على شكل مجاميع جهادية هنا وهناك إلا أنها تملك واحدة من احدث واعقد شبكات الاتصال ومنظومات السيطرة والتوجيه والقيادة . والمقاومة العراقية وان بدت كرد فعل طبيعي على الغزو وكنتاج شعبي جهادي ذو اتجاه إسلامي ، إلا أنها وبنفس الوقت وبدون أدنى تعارض أو تقاطع فهي نتيجة استعدادات مضنية اتخذتها القيادة العراقية قبل بدء الغزو الأمريكي بسنوات طويلة وعلى عدة محاور رئيسية وثانوية . وهكذا الحال مع تكتيكات المقاومة العراقية ومع طبيعة وحجم الأسلحة المستخدمة فيها ، فإلى جانب ما ذكر فقد استخدمت المقاومة العراقية مجموعة ضخمة من احدث واعقد تكتيكات حرب العصابات وستراتيجاتها .. سواء في الميدان الإعلامي و السياسي أو في ميدان المعارك والاشتباكات المحدودة .

 

طريقنا خاص في حرب العصابات:-

على غرار اشتراكية البعث والتي وصفها القائد المنصور بالله صدام حسين المجيد بعبارته الشهيرة "طريقنا خاص في بناء الاشتراكية" فقد وجدت القيادة طريقها الخاص أيضا في حرب العصابات ، في تفجير واحدة من اكبر الملاحم القتالية في تاريخ العراق بل وفي تاريخ الإنسانية جمعاء .

 

ولهذا فقد أعدت القيادة العراقية مستلزمات حرب العصابات الثورية وعلى النحو التالي :-

 

1- العناصر المدربة "المقاتلين المحترفين" :

لقد زخر العراق ولله الحمد بكثرة المقاتلين المحترفين جنودا وضباط وضبط صف ومن جميع أصناف الجيش. ومن لم يكن مقاتلا محترفا في قطعات وتشكيلات الجيش والجيش الشعبي والحرس الجمهوري والحرس الخاص وفدائيي صدام وجيش القدس  فقد دربته القيادة العراقية في أوقات سابقة على استخدام السلاح ليحمي نفسه وأهله وحتى لا يتهيب حمل واستخدام السلاح عند الضرورة .

 

ورغم هذا فلم تكتفي القيادة العراقية عند هذا الحد فبادرت إلى إنشاء وحدة عسكرية مكونة من نخبة القوات المسلحة العراقية البطلة ، وأعادت تدريبهم تدريبا خاصا لحرب العصابات يمزج بين مهارة القتال وبين مهارة عمل المخابرات لاسيما في قيادة المجاميع المسلحة وفي تعزيز الأمن الفردي للمقاتلين ولتنظيمهم الخاص ولمصادر وطرق وأساليب تمويلهم المالي والعسكري وطرق التجنيد واختراق العدو وتحليل المعلومة وغيرها مما يندرج تحت عمل خلايا المخابرات السري . فقد كان عمل هذه العناصر المدربة جيدا والمحترفة يتمثل :

أولا // في افتتاحهم للعمليات المسلحة ضد قوات العدو الغازي أي في تفجير المقاومة العراقية وهذا ما سيرفع معنويات الشعب العراقي عامة والمتطلعين لقتال الغزاة خاصة .

 

ثانيا // وهو قيام هذه العناصر وبالتعاون مع شيوخ دين قد تم اختيارهم مسبقا قبل الغزو أو إثناءه أو حتى بعده من اجل الانفتاح على عامة الشعب العراقي وتجنيد الشباب وطاقات المجتمع الأخرى وتسخيرها لصالح المشروع الجهادي .

 

وثالثا // قيام هذه العناصر (عناصر المقاومة العراقية المركزية – التي أعدتها القيادة العراقية مسبقا) بتولي مهام قيادة المتطوعين العراقيين والعرب على شكل مجاميع حرب العصابات وهكذا نشئت فصائل المقاومة والجهاد في العراق . وفي حين توالى الشيوخ الجانب الديني والشرعي والخطاب الإعلامي للفصيل فان هؤلاء العناصر قد تولوا قيادة الفصيل عسكريا فهم من خطط للمعارك والاشتباكات وهم من نشروا طرق تصنيع العبوات وصيانة السلاح وإنتاج العتاد وغيرها مما يدخل ضمن عمل المقاتل المحترف الذي اعتده القيادة العراقية مسبقا ، فهم مقاتلين وهم قادة وهم صناع السلاح في آن واحد .

 

وحقيقة فان الحديث عن الجهود التي بذلتها القيادة العراقية في إعداد هذه النخبة المحترفة لحرب العصابات لوحدها يتطلب منا عشرات الصفحات حتى ننصفه إن استطعنا أن ننصفه .. وهذا ما لا يمكن لنا ان نصرح به ألان والعدو الصائل ما يزال بيننا .

 

2- القيادة السياسية العسكرية الموحدة :

على الرغم من المقاومة العراقية هي إنتاج القيادة العراقية الرسمية ، فقد انتبهت القيادة لهذه المسالة جيدا وهيئت مستلزماتها على أتم وجه . وحينما نتحدث عن القيادة السياسية العسكرية للمقاومة العراقية البطلة فإننا نتحدث عن قيادة قطر العراق لحزب البعث حيث تمثل القيادة السياسية للمقاومة العراقية ، وعن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية والتي تمثل القيادة العسكرية للمقاومة العراقية .

 

ونحن ان نقول هذا فنود ان نلفت انتباه القارئ الكريم الى ان هاتين القيادتين"القيادة القطرية والقيادة العامة" لم تعد بعد غزو العدو لعراقنا العظيم هي نفسها من كانت قبل الغزو . فهاتين القيادتين قد جرى اختيار أعضاءها بعناية شديدة من قبل القيادة العراقية قبل الغزو بسنوات .

 

أما من قد يحاججنا البعض من الاسلامويين – وهنا لا نقصد الإسلاميين الصادقين - ويقول بان المقاومة العراقية ليست لها صلة بالقيادة القطرية وبالقيادة العامة ، فهنا نقول بكل صراحة نعم هذا ما خدعناكم به او صورتموه انتم لأنفسكم ..

 

فجل ضباط القوات المسلحة العراقية من الذين انخرطوا في فصائل المقاومة العراقية بشتى مسمياتها كانوا ومازالوا على اتصال بقيادتهم الشرعية بالقيادة العامة للقوات المسلحة المجاهدة البطلة – أمانة السر ، ولا شك أنهم أي هؤلاء الإبطال وبحكم رتبهم العسكرية فهم أيضا أعضاء في حزب البعث العربي الاشتراكي وبالتالي فان لهم ارتباطاتهم الخاصة بالقيادة القطرية للحزب . وبذلك فان العميد الفلاني والذي يشغل منصب القائد العسكري للفصيل كذا بحكم كونه ضابطا فهو يتبع التعليمات العسكرية من القيادة العامة للقوات المسلحة المجاهدة – امانة السر ، وبحكم كونه عميد فهو عضو في حزب البعث وبالتالي فان مرجعيته السياسية تكون القيادة القطرية للبعث ايضا .

 

وبهذه الطريقة فقد اوجدت القيادة العراقية نظامها الخاص لتشكيل قيادة سياسية عسكرية واحدة وليست قيادتان منفصلتان.اما التسميات الاعلامية والتوجهات الظاهرية لهذا الفصيل او ذاك فما تعدوا سوى واجهة اعلامية دينية لاستثمار التيار الديني في العراق لصالح توجهات وسياسيات القيادة العراقية المجاهدة لانجاح المشروع الجهادي في العراق3 .

 

3- الحصانة الأمنية :

لقد تمكنت القيادة العراقية من توفير قدر عالي من الحصانة الأمنية للذين أعدتهم مسبقا للمقاومة المسلحة أي عناصر المقاومة المركزية. وسبب قدرة القيادة على توفير مستوى ملائم من الحصانة الأمنية لعناصر المقاومة العراقية المركزية يعود الى كون الدولة العراقية قد زخرت بالآلاف العناصر الأمنية الكفوءة سواء في الأمن العام او في الاستخبارات العسكرية او في الأمن الخاص او في جهاز المخابرات الوطنية ، ناهيك عن عشرات الآلاف من أعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي وفدائيي صدام والحرس الخاص والحرس الجمهوري والجيش العراقي البطل ممن لديهم القدرة على الإبداع في العمل الأمني كالقدرة على جمع المعلومات وربط بعضها بالبعض الأخر وتحليلها والاهم هو الحدس الأمني حيث يصل العنصر الأمني الكفء إلى درجة تحسس الخطر والمهام والشعور بها وقراءة الإحداث بعين ثاقبة للأمور وببصيرة وحكمة ناضجة امنيا ، فالعمل المخابرات هو بالدرجة الأساس موهبة تنمى وتربى لتصقل وتتماسك وتنضج .

 

وبسبب وجود هذه الحصانة الأمنية فقد سلمت جل كوادر المقاومة المركزية رغم ضخامة المعركة وتنوع أساليب العدو في اختراق فصائل المقاومة وتجنيد وجواسيسه وصولا الى إقامة شبكات التجسس ، ورغم تساقط بعض العناصر شهداء او خونة فقد استطاعت القيادة العراقية الحفاظ على ثروتها الستراتيجية المتمثلة بعناصر المقاومة المركزية .

 

أما سبب نجاح العدو الغازي في اختراق بعض فصائل المقاومة وتجنيد بعض عناصرها لصالحه فيعود إلى سببين رئيسيين :

 

- السبب الأول / العقيدة المنحرفة ، كما هو حال الإخوان المسلمين4 :

 فعقيدة هؤلاء تقوم أساسا على أفكار منحرفة ومزروعة من قبل المخابرات الأمريكية في أوقات سابقة – فبل عقود من السنين – واهم ما في تلك العقيدة تكفيرها للمجتمعات عامة وبالتالي استباحة دماء المسلمين وأموالهم وممتلكاتهم ، ولو عدنا إلى الوراء لوجدنا ان تنظيم القاعدة والذي تبنى التكفير أيضا قد خرج من رحم الإخوان المسلمين .

 

ولمن لا يعرف سيد قطب5 فهذا الشخص هو الذي اوجد بدعة تكفير المجتمعات وهو الذي درس في الولايات المتحدة الأمريكية حيث حصل على بعثة للولايات المتحدة في عام 1948 لدراسة التربية وأصول المناهج وفي عام 1951، وكان سيد يكتب المقالات المختلفة عن الحياة في أمريكا وينشرها في الجرائد المصرية ، ثم انضم سيد قطب إلى حركة الإخوان المسلمون في أواخر عام 1952، واتهم بتدبير محاولة اغتيال للزعيم جمال عبد الناصر رحمه الله ، ثم بدأ في الستينيات بطرح فكرة "السلفية الجهادية"6 حيث كان محفوظ عزام وهو خال أيمن الظواهري 7 احد اهم المقربين لسيد قطب واثر محفوظ عزام بابن أخته أيمن الظواهري حيث تأثير الأخير بكتابات وأفكار سيد قطب الى الدرجة التي امن بها وعمل على تنفيذها الى أمر واقع وليس مجرد أفكار فحسب .

 

وبمعنى أوضح فقد لعب التوجه الفكري للإخوان المسلمين ولتنظيم القاعدة ولبعض الفصائل الاسلاموية القريبة من تنظيم القاعدة ومن فكر الإخوان المسلمين الدور الرئيسي في نجاح العدو الأمريكي من اختراق تلك الفصائل والتي صدر أمر بانسحاب عناصر القيادة المركزية - التي أعدتهم القيادة العراقية قبل الغزو – منها بناءا على أمور من قيادة البعث ومن القيادة العامة للقوات المسلحة المجاهدة – أمانة السر . وهو الأمر الذي جعل هذه الفصائل المخترقة حبر على ورق بينما تحولت تنظيم القاعدة الى اداة إجرامية بيد المخابرات الإيرانية والأمريكية .

 

وان كان البعض يتسأل عن سبب لجوء القيادة العراقية لزرع عناصر المحترفة في تلك الفصائل رغم توجهات شيوخها الخطيرة ، فمثلما سبق وذكرنا فقد كان السبب من اجل تحشيد كافة الطاقات لتفجير المقاومة المسلحة ضد الغزاة ، لاسيما وان القيادة العراقية واثقة من قدرتها على سحب عناصرها "الهيكل العظمي" من تلك الفصائل لتبقى "كومة لحم" ليس إلا  .

 

أما من يتسأل ويقول : "كان من الأفضل أن لا تخاطر القيادة العراقية بزرع عناصر المحترفة في تلك الفصائل مادام هنالك العديد من الملاحظات على شيوخها وتوجهاتهم الفكرية الهادمة الخطرة ، والاكتفاء في فصائل ذات توجهات وطنية وقومية وبعثية وإسلامية مضمونة من حيث شيوخها" ؟!

 

فالسبب هنا لقيام القيادة بذلك هو نتيجة طبيعية للواقع العراقي عامة وللإخفاقات التي حصلت في بناء المواطن العراقي الجديد في عقد التسعينيات من القرن الماضي خاصة ، فإمكانيات القيادة ورغم ما تحدثنا عنه تبقى هي من تمثل أساسا كتيار مقاوم وسط محيط محتدم .

 

ب- السبب الثاني / الإعلان عن إعدام الرئيس المجاهد صدام حسين رحمه الله واسكنه فسيح جناته :

على ضوء النجاح الذي حققه العدو الأمريكي في اختراق بعض فصائل المقاومة الاسلاموية ، فقد تمكن أيضا من جمع العديد من المعلومات الاستخبارية الهامة عن طريقة عمل القيادة المركزية للمقاومة العراقية. لاسيما وان للعدو الأمريكي بعد غزو العراق ، العديد من المصادر الاستخبارية عن أعضاء حزب البعث وعن طبيعة علاقتهم بالقيادة وبالأخص عن أولئك الذين تم تنحيتهم وفصلهم من العمل الحزبي قبل الغزو وبعده .

 

وبالفعل فقد وجدت المخابرات الأمريكية ضالتها في نفر ضال ممن كانوا في الحزب سابقا ، وهولاء تم تجنيدهم من قبلها لإحداث شرخ في القيادة العامة للقوات المسلحة المجاهدة وقيادة قطر العراق لحزب البعث ، حيث تزامن عمل هؤلاء الخونة مع الإعلان عن إعدام الرئيس المجاهد صدام حسين رحمه الله واسكنه فسيح جناته . فبعد الإعلان حاول هؤلاء الخونة وبعد تمكنهم من تشكيلات خلايا تجسسية وجمع أعضاء متساقطين وآخرين قد تمكنوا من خداعهم نقول حاول هؤلاء السطو على اسم قيادة البعث الشرعية وعلى القيادة العامة للقوات المسلحة المجاهدة وتأسيس قيادتين بديلتين عن القيادتين الشرعيتين .

 

ولكن خابوا وخسروا فان مكروا فقد مكر الله بهم والله خير الماكرين وحاشا الله تعالى ان ينصرهم على عباده المؤمنون الصادقون المجاهدون المرابطون . وانكشفت تلك المؤامرة بفضل من الله عزوجل وبحكمة وشجاعة القيادة الشرعية وبالموقف الأصيل للرفاق الذين كشفوا حقيقة الأمر وكشفوا أنهم خدعوا من أولئك الخونة فعادوا إلى القيادة الشرعية والتي أحسنت إليهم وأكرمتهم فهذا عهدنا برفاقنا وهذا عهدنا بقيادتنا .. حفظهم الله وسدد خطاهم ونصرهم ورد كيد الأعداء إلى نحورهم خاسئين خائبين ولله الحمد .

 

 

4- هيئة الإفتاء الشرعي 8:

بانفتاح القيادة العراقية على رجال وشيوخ وعلماء الدين عبر عناصرها المنتخبة ، فقد أوكلت مهام الإفتاء الشرعي لهؤلاء الرجال والشيوخ والعلماء. وحينما بدا بعضهم يسير وفق خطته الخاصة الهدامة فقد تم فصل أي علاقة بهم .

 

بينما تطورت علاقة القيادة ببعضهم الأخر وازدادت رسوخا بعد ما اثبتوا فعليا وعلى ارض الواقع ورغم زخم المعركة وتحدياتها الخطرة نقول بعدما اثبتوا فعليا وباحلك الظروف أنهم فعلا أهلا للإسلام والمسلمين وأهلا لهذه المرحلة التاريخية من عمر العراق العظيم .. لمرحلة الجهاد المقدس .. أهل الإيمان الصافي والنبع الطيب الأصيل .. كشيوخ وعلماء جيش رجال الطريقة النقشبندية يتصدرهم الشيخ أبو عبد الله النعيمي شيخ الجيش المبارك .. حفظهم الله ورعاهم وسدد خطاهم ونصرهم وبارك فيهم ذخرا للعراق وللعرب والمسلمين وللحق حيثما رفت رايته . فمشايخ وعلماء جيش رجال الطريقة النقشبندية لم يصدروا فتاوي القتل والتكفير ولم يخونوا عهدهم ووعدهم لله عز وجل وللقيادة العراقية المجاهدة وللشعب العراقي ولامتنا العربية والإسلامية فباركهم الله وحفظهم من عيون الخونة والجواسيس وهم من يحمل اليوم لواء الجهاد المقدس على ارض العراق الطيبة ضمن صفوف القيادة العليا للجهاد والتحرير والخلاص الوطني .

 

وهنا وحتى لا نبخس الناس أشياءهم فلا ننسى الدور الجهادي المهم الذي اضطلع به الشيخ الكريم عبد الناصر الجنابي رعاه الله وحفظه ، هذا الشيخ الفاضل الذي فضل العمل الجهادي مع ما فيه من مخاطر وماحذير على الاستمرار في العملية السياسية ما فيها من مغريات الدنيا من مال وجاه ، لكنه نئى بنفسه عن مال المحتل وعن جاه المحتل وهو اليوم نائب قائد جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني .. نائبا للقائد المجاهد المعتز بالله عزة إبراهيم حفظه الله ورعاه ونصره وسدد خطاه .

 

والحمد لله ففي العراق العظيم الخير الوفير وفيه شيوخ وعلماء دين أفاضل كرام قد لا يتسع الحديث عنهم جميعا ، ولا عجب فالعراق جمجمة العرب وكنز الإيمان ومادة الأمصار ورمح الله في الأرض فأطمئنوا فأن رمح الله لا ينكسر 9 .

 

5- الإعداد النفسي :

حيث يتوجب على المقاومين إعداد أنفسهم وأنصارهم إعدادا نفسيا لخوض حرب العصابات . وبحسب الظروف العصيبة التي مر بها العراق فقد أضحى الشعب العراقي بكافة فئاته العمرية مهيئا نفسيا على خوض الحروب بل وعلى التعايش مع الحروب فعلى أصوات الصواريخ والقنابل والطائرات وعلى ضوء الشمعة والفانوس درس الطلاب وتدريب الجنود وعمل العامل والفلاح .. فالعراقي أصبح مادة أولية وثروة ثمينة للقتال ومواجهة التحديات والخطوب ولم يكن مادة خام يغفل لأزيز الطائرات .

 

ومن بين وسائل الإعداد النفسي التي يتوجب علينا نحن كمسلمين ان نعد لها عدتها الخاصة ، فقد هيئت القيادة العراقية نفسها وشعب العراق ، ومنذ عقد التسعينيات من القرن الماضي بحملة تربوية إسلامية شملت مختلف فئات الشعب لاسيما الأطفال والشباب ، تلك هي الحملة الإيمانية والتي خرج منها جيل بل أجيال عراقية تربت وترعرعت في المساجد . فلما شن الأعداء حربهم وغزوا العراق وجدوا أنفسهم أمام عشرات بل مئات الآلاف من الشباب العراقي المتماسك والمتمسك بدينه فما كان همهم سوى الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى لتحرير البلاد والعباد من المحتل الكافر . قال تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ) الانفال60 . وقال سبحانه وتعالى ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) التوبة 41 ، وقال عزوجل  ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) ال عمران 139.

 

ومن المهم ان نذكر بان ستراتيجية القيادة العراقية لحرب العصابات الثورية قد واجهت جملة صعوبات وتحديات فرضت نفسها على الواقع العراقي وعلى القيادة وستراتيجتها ايضا .

 

تحديات ستراتيجية القيادة لحرب العصابات الثورية:-

واجهت القيادة العراقية جملة من التحديات كان بعضها محكوم بعوامل طبيعية فرضتها جغرافية العراق بينما كان البعض الاخر من التحديات نتيجة الواقع السياسي البشري الذي فرض على العراق وشعبه وقيادته .

 

1- التضاريس الجغرافية للعراق :

كما ذكرنا في مستلزمات حرب العصابات الثورية ، فان التضاريس الجغرافية تعتبر عنصر مهم في هذا النوع من الحرب . فبالرغم من أهمية الجغرافية في الحرب النظامية إلا أن للجغرافية في حرب العصابات دورا هاما اكبر من دورها في الحرب النظامية . وذلك لان خصم مقاتلي حرب العصابات يملك من القوة ما يفوق بالطبع ما يملكه المقاومون من أسلحة وذخائر ودعم مالي .

 

فمقاتلوا حرب العصابات بأمس الحاجة لتضاريس جغرافية معقدة كالجبال والمستنقعات والغابات بحيث تكون هذه المناطق الوعرة كملاذ امن للمقاومين ولقياداتهم . بل وأحيانا كعنصر مساعد على تنفيذ هجماتهم وكمائنهم حيث تقاتل الأرض بجانب أصحابها . فالجبال والمستنقعات والغابات توفر وسائل إعاقة لتقدم العدو لاسيما ان كان هجوما مباغتا استخباريا بهدف القضاء على المقاومين وعلى قياداتهم وعلى مخازن أسلحتهم وورش صيانتها .

 

فالتحدي الذي فرض نفسه هنا على القيادة العراقية في ستراتيجيتها لحرب العصابات الثورية تخطيطا وتنفيذا تمثل في التضاريس الجغرافية البسيطة للعراق . فجل مناطق العراق وبالأخص تلك التي يعول عليها في قتال العدو الغازي لا تمتلك تضاريس جغرافية معقدة وتخلوا من الجبال والمستنقعات والغابات ، فاغلب تلك المناطق عبارة عن مناطق ومدن وإحياء سكنية مفتوحة . أما الأنهر والأودية البسيطة والبساتين والتي تكثر في العراق فلا تمثل كعوائق جغرافية يصعب على العدو الغازي اقتحامها ومعالجتها ، لاسيما وان للعدو الأمريكي قوة نارية كثيفة وقابلية تدميرية هائلة لا يراعي فيها "أخلاق المقاتلين" .. فكيف تغلبت القيادة العراقية على هذا التحدي الخطير ؟!

 

قبل ان نجيب على هذا التسأل ينبغي علينا ان نستذكر ونذكر بان القيادة العراقية قد حكمت العراق زهاء ثلاثة عقود ونصف ، وبالتالي فان حرب العصابات الثورية التي فجرتها القيادة العراقية على العدو الغازي بعد أيام من غزوه لبغداد ، قد كان لجانبها مؤسسات عسكرية وأمنية على درجة عالية من الاحتراف والإبداع ولاسيما قوة النخبة التي أعدتها القيادة قبل الحرب بسنوات .

 

لقد أنشئت القيادة العراقية العديد من الملاجئ لخزن السلاح والعتاد واهم ما تحتاجه المقاومة العراقية للاستمرار والنجاح في عملها الجهادي ضد العدو الغازي وعملاءه . ونشرت هذه الملاجئ بما يتناسب وإمكانيات المقاومون في الوصول إليها واستخراج ما يحتاجوه ، فبينما كان بعض ملاجئ مخازن السلاح والعتاد والمعدات قد بنيت بالخرسانة المسلحة وعلى عمق امن في الأرض فقد أقيمت ملاجئ أخرى بشكل وقتي ليستخدم في بداية انطلاق المقاومة العراقية المباركة . ودليلنا على صحة ما نقول هو إعلان جيش العدو الأمريكي على العثور على ملجئ يحتوي على العديد من قطع السلاح والعتاد ووسائل الاتصالات والبدلات العسكرية بالقرب من عامرية الفلوجة في عام 2004 . إما سبب عثور العدو على هذا الملاجئ فيعود لمحض صدفة فقد أثارت غرفة مبنية بشكل بسيط "بلبلوك" وسط مكان غير مأهول يستخدمها راعي غنم لوضع حاجياته البسيطة فيها انتباه العدو فقام بتفتيشها فوجد بداخل هذه الغرفة باب حديدية تقود لسلم تحت الأرض حيث تفاجئ العدو في نهاية السلم بوجود قاعة كبيرة بحجم ملعب كرة قدم يخبئ فيها السلاح والعتاد وحتى بعض بزات الجيش العراقي الباسل . كما نشر موقع تابع للعدو الأمريكي على شبكة الانترنت خبر مفاده قيام جيش العدو بالتحقيق من بعض مقاتلي فدائيو صدام وقد استشهد احدهم نتيجة التعذيب الوحشي الذي مارسه جنود العدو لنزع الاعتراف منه على أماكن وجود ملاجئ السلاح ويذكر التقرير بأنه وعلى ما يبدو فان صدام حسين قد بنى 3,000 مخبئ للسلاح تحت الأرض في أماكن متفرقة من العراق ولكن بقى سر تلك الملاجئ عاصيا على الغزاة ولله الحمد والشكر .

 

هذا فضلا الإنباء التي تناقلتها وسائل إعلام مختلفة عن وجود ملاجئ ضخمة تحت الأرض أعدها القائد صدام حسين في عقد الثمانينيات10 ابان الحرب العراقية الإيرانية ، حيث قدم خبير يوغسلافي وأخر الماني للعراقيين خرائط وتصاميم لمدينة مصغرة كملاجئ آمنة تحت الارض لحماية القيادة العراقية من أي هجوم قد يستهدفها . وأضافا هذين الخبيران بان الخبراء العراقيين قد أضافوا الكثير من التصاميم ووسائل الامن لتلك الملاجئ بحيث تكون أكثر أمنا وسرية ، ولا يعلم هذين الخبيران اين تم بناء تلك الملاجئ وتوقعا بان العراقيين قد قاموا ببناء العديد من هذه الملاجئ في أرجاء متفرقة من العراق والعديد من الإنفاق السرية التي تستخدم للتنقل تحت الأرض ، كما اضافا بان تلك الملاجئ قد زودت بمصادر طاقة قادرة على توفر ما يحتاجه سكان الملجئ لستة شهور متواصلة بدون الاستعانة بأي مصدر خارجي ، فضلا عن توفر مستلزمات الحياة الاخرى في تلك الملاجئ الحصينة .

 

كما أعلن جيش رجال الطريقة النقشبندية في إصداراته المرئية التي يعلن عنها كل أسبوع مشاهد لورش ومصانع الجيش المبارك والتي يجري فيها إنتاج وصيانة الاسلحة ، حيث تم إنتاج صواريخ ارض ارض ميدانية نوع البينة والبينة المطور والحق 11 والصاروخ المضاد للطائرات نوع السديد ذات الانفجار التقاربي من الهدف ومنظومة إطلاق الصواريخ بواسطة الريمونت كونترول وتصنيع الرمانات الحرارية ومنصات طلاق صواريخ الكراد والكاتيوشا والبينة والحق ومنصات اطلاق صواريخ الارض الارض الانبوبية نوع الطارق وابابيل فضلا عن تصنيع المواد المتفجرة من روث الحيوانات وغيرها من الاسلحة والمعدات التي يستخدمها الجيش النقشبندي المبارك في عملياته الجهادية المستمرة ليومنا هذا ولله الحمد والشكر . كما اعلنت القيادة العليا للجهاد والتحرير والخلاص الوطني عن انتاجها لصاروخ ارض ارض ميداني نوع الفتح12 .

 

اما بالنسبة للطرق التي استخدمتها القيادة العراقية في التغلب على التحديات الجغرافية لتنفيذ مهام المقاومين العراقيين . فقد سخرت الأنهر والأودية البسيطة وبعض المستنقعات المحدودة لخدمة هذه العمليات . حيث دربت قوة النخبة على طرق استغلال تلك العوائق الجغرافية البسيطة لصالحهم وبما يساعدهم على تنفيذ عملياتهم المسلحة ضد العدو كما هو الحال في بعض مناطق محافظات نينوى وديالى والانبار وجنوبي بغداد كعرب جبور13 والفلوجة . وبفضل المهارة الأمنية والإبداع المخابراتي "لقوات النخبة المحترفة" او لعناصر القيادة المركزية للمقاومة العراقية " القيادة العامة للقوات المسلحة المجاهدة – أمانة السر – فقد تم استغلال البناء الأفقي لبعض المدن العراقية في تنفيذ عمليات الاشتباك والمعارك ضد قوات العدو الغازي كما حصل في الفلوجة وسامراء وبغداد والموصل . كما تم استغلال المدن العراقية لتشكيل خلايا المقاومة العراقية وإدارة عملياتها مع الحفاظ على المدنيين وامن المجاهدين . فالتدريب الراقي لعناصر المقاومة المركزية – الجهاز العصبي وداينمو المقاومة العراقية – قد ذللت هذا التحدي وقللت من صعوباته .

 

2- التمويل المالي :

لاشك ان حرب العصابات الثورية حالها حال أي حرب تتطلب تمويل مالي لتنفيذ عملياتها المسلحة وتغطية نفقات إنتاج وصيانة السلاح وإنتاج العتاد والمواد المتفجرة والمعدات الضرورية للعمل المقاوم ، فضلا عن تغطية الجوانب الأخرى كنفقات العمل الإعلامي والعمل المخابراتي وما تتطلبه عملية توفير الأمن لقيادات الجماعات المسلحة ولعامة المقاومين وأحيانا حتى متطلبات العيش لعوائلهم طالما إن المقاتل منشغل في عمله الجهادي طيلة اليوم . كما يتوجب على قيادات المجاميع توفير ما يسد حاجة عوائل المقاتلين المعتقلين أو من قد كرمه الله عز وجل في الشهادة .

 

وعلى العكس من ميزانية الحرب النظامية التي تصل أحيانا إلى مئات المليارات من العملة المحلية والدولية فان ميزانية حرب العصابات لا تكلف قيادتها كثيرا . إلا أن أهمية التمويل المالي في حرب العصابات تلعب دورا أهم واخطر ، حيث يعتبر التمويل المالي أهم مستلزمات حرب العصابات الثورية واهم شروط استمراريتها وديمومتها ونجاحها . فمن خلال التمويل يستطيع العدو من التوصل إلى معلومات هامة عن الجماعة المقاتلة كعدد المقاتلين ومدى قدرتهم على التأثير الفعلي ومخزونهم من الأسلحة وأماكن التقاءهم وتجمعهم وطرق وأساليب التواصل فيما بينهم وأسمائهم وسكنهم وطبيعة إعمالهم داخل المجتمع وتكتيكاتهم القتالية ومشاريعهم السياسية والإعلامية ، حتى يصل الحال بالعدو إلى التحكم بالجماعة المقاتلة نفسها وبسياستها ومنهجها وستراتيجيتها وتكتيكاتها وقدرتها القتالية . ولذا فلابد ان يتوفر القدر الكافي من الحصانة الأمنية  لطرق التمويل المالي وللقائمين عليه ، وعلى هذا الأساس فغالبا ما تتوالى عناصر الأمن في الجماعة مهام التمويل المالي الى جانب بقية مهامهم الأمنية . 

 

ومن خلال ما تقدم ، ولان حرب العصابات الثورية قد خطط لها القيادة العراقية قبل الحرب بسنوات وهي من كانت تملك إمكانيات دولة كالعراق وعلى الرغم من الظروف التي أحاطت بها من حصار شامل استمر لثلاثة عشر عام ، إلا إن القيادة العراقية استطاعت ان توفر المبالغ المناسبة للمقاومة العراقية . كما وفرت طرق تمويل ذاتي سواء عبر الاشتراك المالي الشهري لأعضاء الحزب او عبر مصادر تمويل خاصة بالقيادة العراقية ووفرت لها الحصانة الأمنية المناسبة . كما ساهمت تبرعات الناس أيضا في دعم المقاومة العراقية لاسيما تلك التي جمعت عبر المساجد وعبر تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي . ولعب رجال الدين وشيوخ العشائر المنخرطين في المشروع الجهادي ، سواء من داخل العراق أو خارجه ، من عراقيين أو عرب أو مسلمين ، دورا مهما في عمليات التمويل المالي للفصائل المسلحة.

 

ولكن مع مرور الوقت ومع حجم عمليات المقاومة العراقية البطلة التي تخطت مئات الآلاف من العمليات المسلحة وعشرات المعارك الشرسة ضد الولايات المتحدة الأمريكية ، فقد أنفقت القيادة العراقية مليارات الدولارات على المقاومة العراقية مما اضعف ميزانية القيادة العراقية لاحقا لاسيما مع مرور8 سنوات من العمل المقاوم المستمر .

 

كما أدت خيانة البعض للأمانة التي أودعتها القيادة العراقية قبيل الغزو وإثناءه ، إلى ضياع مبالغ مالية كبيرة من ميزانية المقاومة العراقية . بينما استغل بعض الاسلامويين تبرعات المواطنين لصالحه الشخصي حيث وضعها في حسابه الخاص في البنوك الدولية ، في حين تسبب اعتماد البعض على جهات مشبوهة إلى خرق تنظيمه المسلح حيث فرضت عليه تلك الجهات سياستها الخاصة والتي استهدفت إخراج تلك الفصائل من ساحة العمل المقاوم واستهدفت أيضا إلى عرقلة ومنع فصائل المقاومة العراقية من التوحد سياسيا وإعلاميا وماليا ، حتى وصل حال بعض تلك الفصائل إلى الاضمحلال والتلاشي وإحداث الفتن بين المقاتلين أنفسهم وبين الشعب العراقي البطل ، بدلا من التصدي للعدو الغازي ولجواسيسه .

 

ولكن وعلى الرغم من هذا الحال ومن هذه الخسائر المالية الكبيرة التي تعرضت لها ميزانية المقاومة العراقية ككل ، فان طبيعة المرحلة الحالية لا تتطلب من القيادة العراقية خوض معارك ضخمة او تنفيذ عمليات مسلحة واسعة النطاق . فقيمة العبوة الناسفة او الصاروخ الميداني المصنع قد لا تتجاوز بضعة دولارات او حتى عشرات الدولارات بينما تنسف او تفجر الية او مخزون ما للعدو الأمريكي قيمته ملايين الدولارات.

 

وبمعنى آخر فان المقاومة العراقية التي تشن عملياتها المسلحة ضد قوات الولايات المتحدة الأمريكية التي تمتلك واحد من اكبر اقتصاديات العالمي حيث تتجاوز ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية ال 500 مليار دولار فان المقاومة العراقية تقف امام عدو مدعم بسلسلة جبلية من الدولار الأمريكي.. هذه السلسلة التي انهارت واختفت حيث خسرت الولايات المتحدة الأمريكية الآف المليارات من الدولارات حتى تجاوز حجم الدين العام لها ال 15,000 مليار من الدولارات ..!! 14.

 

3- الإعلام الجهادي :

لا يعتبر الاعلام احد اهم الوسائل المتاحة والضرورية للدولة فحسب بل احد اهم مكوناتها سواء في اوقات السلم او في اوقات الحرب . فالاعلام وسيلة وغاية في ان واحد فهو وسيلة لكسب الانصار ورفع المعنويات وتعزيز الثقة وهو غاية لبناء الانسان المواطن الجديد الواع والمدرك تماما لتوجهات قيادته 15.

 

ومثلما للإعلام أهمية في السلم وفي الحرب فان الإعلام في حرب العصابات الثورية له أيضا نفس الأهمية بل وله أهمية اكبر ، لذلك فالمقاومين غالبا ما يواجهون عدو متفوق عليها إعلاميا وتخضع له العديد من وسائل الإعلام سواء تلك التي تصدر في بلده او تلك التي ترتبط به داخل بلاد المقاومين . فيتوسع نطاق عمل الإعلام للمقاومين في حرب العصابات الثورية الى درجة ان يتوالى عناصر الإعلام للجماعات القتالية عدة مهام ومسؤوليات ، فإصدار الملصقات ونشر البيانات السياسية والعسكرية وتصوير العمليات المسلحة والدروس المحرضة على القتال ومقاومة الغزاة حتى كسب وتجنيد المقاتلين الجدد والممولين الجدد وتوعية السكان المدنين بأهداف المقاومين وتوجهاتهم وأسباب قتالهم وما قد يعتري عملهم من أخطاء هنا وهناك فضلا عن مراعاة امن الجماعة المقاومة في عملهم الإعلامي وتمرير معلومات مغلوطة مقصودة الى عدوهم وجواسيسه ، فالعمل الإعلامي في حرب العصابات يجمع عمل عدة هيئات ومؤسسات عند الدول .

 

فان اتسم عقد التسعينيات بالعديد من الأخطاء الإعلامية للقيادة العراقية ولمؤسسة الأعلام العراقي ولمنظومتها عامة ، فان الإعلام الجهادي لستراتيجية القيادة العراقية في حرب العصابات قد اتسم هو الأخر بالسلبية ولكن هذه المرة بالسلبية المقصودة . فماذا نعني بالسلبية المقصودة ؟!

 

كنا قد ذكرنا في الجزء الخامس بحلقتيه ، بان منظومة الإعلام العراقي تفوق ونجحت نجاحا باهرا في خلق الإنسان المواطن العراقي الجديد بينما أخفقت منذ ُ العام 1990 وحتى عام 2003 .

 

ان إخفاق القيادة العراقية ومؤسسة ومنظومة الإعلام العراقي في هذا الجانب ، لم يكن غائبا عند القيادة حينما وضعت ستراتيجيتها الخاصة لحرب العصابات الثورية فاستغلت هذا الواقع بسلبيته ، خاصة وان العدو الغازي يتفوق في المجال الإعلامي تفوقا كاسحا أكثر من تفوقه في سلاح الجو . ففضلا عن القنوات الفضائية الأمريكية "السي ان ان" و "فوكس نيوز" والبريطانية "بي بي سي" والفرنسية والإيرانية والخليجية وغيرها من قنوات الإعلام الصهيوني فقد كانت الدعايات وحملات تشويه وشيطنة القيادة العراقية جارية على قدم وساق خاصة وان العراق يرزح تحت حصار شامل لم تعرف البشرية مثيلا له من قبل ويواجه اعتى قوى العالم منذ الخليقة لوحده .

 

أي وبمعنى أوضح فان إعلام القيادة العراقية لم يستطيع مجاراة إعلام العدو حينما كانت تحت إمكانياته دولة برمتها فكيف الحال وقد تحول عمل القيادة العراقية إلى العمل المقاوم السري الى حرب عصابات ثورية ظن العالم برمته استحالة حدوثها ..!!

 

وهكذا فبدل ان تسير القيادة العراقية في طريق شاق وعسير للتغلب على الإعلام المعادي والذي يستلزم لوحده جهود استثنائية وإمكانيات ضخمة  لدولة برمتها ، وهو الأمر الغير متوفر للقيادة ، فقد فضلت هذه المرة الخروج من هذا السباق الذي قد يستنزف طاقاتها بلا نتيجة مجدية والاعتماد على ستراتيجية إعلامية سلبية تعتمد على التعتيم المتبادل حققت ما لم تحققه ستراتيجية إعلامية ايجابية . وهذا هو مضمون الجزء القادم من بحثنا هذا .

 

ولكن وللأمانة التاريخية واعترافا بمجهود الآخرين وإنصاف للحق والحقيقة فلابد لنا ان نذكر دور الرفيق المناضل محمد سعيد الصحاف16الذي واجه لوحده الإعلام الصهيوني وأوقع به شر هزيمة . فمن منا لا يتذكر اللقاءات الصحفية التي التي عقد هذا الإعلامي المبدع الجريء .. من منا لا يتذكر الأسطورة الصحاف .. من منا لا يتذكر رفيقنا الصحاف حينما يقرأ كلمة "علوج" والتي أثارت فضول مئات الملايين من البشر عربا وغير عرب مسلمين وغير مسلمين .. وهنا أيضا يتوجب علينا ان لا ننسى دروس الإعلام التي لقنها رفيقنا العزيز الصحاف للمذيع الخليجي جابر عبيد .. حتى بدا صحافنا هو من يدير الحوار خلال الجلسات عرضتها قناة خليجية تعمدت الإيغال في جروح العراق حتى وصل الحال بها الاستهزاء بقيم وعادات العراقيين النجباء البواسل ..  

 

4- الحاضنة الشعبية :

تعتبر الحاضنة شعبية احد اهم مصادر قوة المقاومين ، فهي مصدر يمدهم بالمال والمقاتلين ، وهي الجهة التي تناصرهم وتحتضنهم سواء أثناء تنفيذ العمليات المسلحة أو بعدها ، وهي من تساعدهم على كتم أسرارهم فتكون عينا لهم لرصد جواسيس العدو . فعلى المقاومين أن يتعاملوا مع السكان المدنيين معاملة كريمة فيحفظون أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم ويتجنبون وقوع أي أذى مهما كان حجمه على أولئك السكان .

 

وفي العراق ، وبسبب الظروف التي مر بها أهله من حروب متتالية فرضت عليه ، ومن حصار شامل لم تعرف البشرية له مثيلا ، ومن حملة شيطنة وتشويه وتشويش رصدت لها أعظم إمكانيات العالم استهدفت خلق صورة سلبية لدى العراقي على نفسه وعلى قيادته بل وأحيانا حتى على تاريخه وقيمه ومبادئه .

 

نعم لقد واجهت القيادة العراقية مجتمعا مر بظروف عصبية وانطلت على جزء كبير منه ادعاءات العدو الغازي. فخلال الاشهر الاولى من الغزو ومع حجم وهول عمليات القصف الجوي والصاروخي الذي تعرض له العراق وجيشه وشعبه ومع الشائعات التي اطلقها العدو على مدى قوته وتقدم تكنلوجية اسلحته ومع حملات الشيطنة والتشويه والتشويش ومع فتوى هذه الجماعة وتلك عن ان مقاومة الامريكان لم يحن اوانها وان مقاومتهم لم تستكمل كافة الشروط الشرعية لقتال الامريكان وان مقاومتهم ليس جهادا في سبيل الله انما قتالا وحمية في سبيل البعث "الكافر كما يفتى علماء السوء والعمالة" وفي سبيل الوطن "الوثن كما يسميه هؤلاء المنافقون" مع هول الصدمة النفسية التي تعرض لها اهل العراق الغيارى ، فقد تعقد الحال هنا وتعسر على القيادة العراقية خلق او توفير حاضنة شعبية للمقاومة العراقية وخاصة في الاشهر الاولى من انطلاقها .

 

اذن كيف تمكنت القيادة العراقية من اطلاق اسرع واشمل واقوى مقاومة مسلحة شهدتها الإنسانية ضد اقوى قوة غازية عاتية عرفها التاريخ ..؟!!

 

لقد اعدت القيادة العراقية مستلزمات حرب العصابات الثورية ، فاخذت باسباب النصر ، ثم توكلت على الواحد الاحد القادر المقتدر ولم تعبئ بكل ما اشيع من تضليل وتشويه وتشويش ولم يخيفها لا غربان الجو ولا كتل الحديد والصلب ولم تنل من عزيمتها اقوى وافتك انواع الاسلحة والمتفجرات ، فكان حسبيها الله والله خير حسيب .

 

فمع نزول أولى قطرات الغيث والخير .. مع اولى عمليات المجاهدين أولو البأس الشديد من قوات النخبة التي أعدتها القيادة العراقية خصيصا للمقاومة المسلحة ضد العدو الغازي ، ومع تناثر اشلاء الهمر والهمفي والبرادلي والابرامز والاف 16 ومع قناص جامعة بغداد ومع اطلاق عشرات الصواريخ الارض الارض على تجمعات العدو في مطار صدام وقاعدة البكر ، ومع عرض شريط مصور لتجول المنصور بالله القائد المجاهد صدام حسين المجيد في منطقتي الكاظمية والاعظمية وهو محاطا بشعبه وعلى غير موعد وبدون اجراءات رسمية ومع صحيات العراقيين الغيارى وهم يصدحون "صلوا على محمد" فقد تلاشت وانكسرت وبلا عودة بأذن الله هيبة الجيوش الامريكية بعدتها وعتادها وبشائعاتها وفتوى عملاءها ..

 

ان تلك العمليات الجسورة وتلك الصور الفريدة ، قد اظهرت العدو الغازي على حقيقته ، فزاد العراقيين إيمانا وصبرا وتضحية وهبوا ضد العدو الغازي كما زادهم جرائهم هذا العدو ومرتزقته وعملاءه ، زادهم إصرارا وتحديا على مقاتلته وحرا طريدا من ارض الرافدين الابية . حتى أضحت مدن وبلدات وقرى العراق ساحات جهاد مقدس .

 

وبتقدير رباني حبى الله عزوجل به اهل العراق الغيارى فقد العدو الغازي أية حكمة وأية دراية حتى بات متخبطا في أفعاله متناقضا في سياساته .. فحقد العدو وانتقامه من الجيش العراقي قد دفعه نحو إصدار ما اسماه بحل الجيش العراقي ، وما درى هذا العدو الأحمق ان فعله هذا سينقلب عليه فالجيش العراقي الباسل اكبر من ان يــحل بقرار صعلوكه المخنث .. جيش الأمة والحق والأمجاد .

 

لقد حفزت سياسة وجرائم وحماقات العدو الأمريكي البريطاني الغازي وعملاءهما ما لم يكون قد تحفز من قبل ، ولم تفلح فتاوى عملاءه المنافقين في صد موجات الاستشهاديين والمجاهدين على مقراته وثكناته ومعسكراته وارتاله . ومثلما ذهبت هباءا منثورا حملات التضليل والتشويه والتشويش التي استهدفت القيادة العراقية المجاهدة ، فقد ذهبت فتاوى تعطيل الجهاد أدراج الرياح . ومع كل همر أو ابرامز تتناثر أشلاءها ببراكين أهل العراق كلما ضاعت وللأبد أسطورة الجيش الأمريكي الذي لا يقهر .

 

لقد استمد العراقيون الأباة من أعماق التاريخ ، أمجاد إباءهم وأجدادهم واستمدوا من قادسية صدام المجيدة وملحمة ام المعارك العظيمة ومعارك ام قصر والمطار والناصرية أمجادهم هم أنفسهم ، وزادهم الحصار الشامل الذي فرض عليهم خبرة وإصرارا وتحدي وزادهم إيمانا وصبرا .

 

وحينما التحم جيش الحق .. من بواسل العراق ، بجيش الباطل من مرتزقة الصهيونية العالمية .. وتدفقت في عروق أهل العراق دماء القتال والجهاد والتحدي .. لم تعد الحاضنة الجماهيرية عقبة بل أصبحت عجلة تشق طريقها نحو الأمام .. نحو العز والمجد والنصر .

 

5- الدعم الدولي :

في حرب العصابات الثورية ، لعب الدعم الإقليمي والدولي دورا هاما ومؤثرا ، كما هو الحال في فيتنام والجزائر وأفغانستان وحتى فلسطين . فالدعم السياسي والإعلامي والمالي والعسكري الإقليمي والدولي ، يشكل بالنسبة للمقاوم ركائز مهمة في تحقيق أهدافه وتحرير بلاده . وقد يعجل الدعم الإقليمي والدولي بتحقيق غاية المقاومين وبتقليل خسائرهم وتضحياتهم كما يضفي عليهم طابعا شرعيا رسميا في المحافل الدولية . ويلعب هذا الدعم ايضا كعنصر مؤثر ايجابيا على معنويات المقاومين وعلى كسب المزيد من الأنصار سواء في المحيط الإقليمي او الدولي او المحلي .

 

ولكن لهذا الدعم حدود يجب ا ن الا يتجاوزها المقاوم ، فالدعم الدولي غالبا ما يكون كسلاح ذو حدين ، أي بشروط تملئ على إرادة المقاوم بل وقد تنسف مشروعه التحرري من الأساس . فلذا ومن المهم جدا أن تنتبه قيادة المقاومة على كيفية الانفتاح مع هذه الدولة او تلك المنظمة أو الحزب ، وعليها أيضا ان تخصص عناصر كفوءة ذات خبرة أمنية عالية وناضجة في هذا الملف . فقد تؤدي لقاءات المقاومين بهذا الطرف أو ذاك إلى الفتنة والانقسام والاختلاف بين المقاومين أنفسهم ، او قد تؤدي إلى خرق خلايا المقاومين أنفسهم حتى يصل الأمر إلى تصفيتهم واحدا تلو الأخر .

 

وان شهدت بعض حروب العصابات الثورية التحررية دعما دوليا او إقليميا ، فان المقاومة العراقية ستكون الوحيدة التي اختلفت عن بين باقي مقاومات الشعوب التي احتلت . فلم تقف تتمتع المقاومة العراقية بأي دعم دولي مهما كان حجمه خلال الأشهر الأولى من عمر قتالها للعدو الغازي ، بل تكالبت دول الجوار على العراق ومقاومته الباسلة مثلما تكالبت على نظامه الوطني . فتقديم الدعم هنا تحول للعدو الغازي .. لا للمقاتل المقاوم .. بل ودخلت دولا بكل قوتها لتدمر وتخرب وتخترق المقاومة العراقية .

 

لقد تحسبت القيادة العراقية لهذا الأمر جيدا ، فاستمر عملها بالسرية البالغة لسنوات عديدة بعد الغزو ، حتى بات العدو مجنونا يقاتل أشباح لا يعرف من هم ومن قيادتهم الميدانية ومن أي تأتي أسلحتهم وطرق تمويلهم المالي .

 

وبينما شاركت إيران وتركيا ودولا خليجية في التأمر على المقاومة العراقية وعلى قيادتها المجاهدة ، فقد اتخذت أقطار أخرى مواقف مشرفة لها ولنا .. فالقيادة اليمنية والسورية والليبية قد وقفت مع أهل العراق وقيادتهم المجاهدة في قتالها للعدو الغازي وعملاءه .. وان كان موقفها ودعمها اليوم مبهما للعديد من عامة الشعب وحتى من خاصتهم من كتاب ومثقفي وأدباء ومحللين وسياسيين ، وان كان دعمهم اليوم بما لا يمكننا الحديث عن تفاصيله ، فان الغد أو بعده ومهما طال الانتظار سينصفهم التاريخ وأهل الحق وسيتضح للجميع حقيقة من وقف معنا في أوقات الشدة .. فمن يقف معنا في أوقات الحزن لا يمكن أن ننساه .. حفظ الله عباده المجاهدين الصادقين ونصرهم نصر عزيز مقتدر .

 

وأخيرا نعيد تسأولاتنا التي ختمنا بها الجزء السابق من بحثنا هذا :-

كيف واجهت القيادة العراقية مأزقها ..؟!!

وهل أعادت بناء الإنسان العراقي من جديد.. ؟!!

فرغم إن الإجابة قد نسجت خيوطها في هذا الجزء ، إلا أننا نعتقد بأنها  مازالت بحاجة للمزيد من البحث والتفصيل ..

 

 

الهوامش :

1- راجع تعريف حرب العصابات في الموسوعة الحرة "ويكيبيديا"

2- راجع الجزء الثاني من بحثنا والمعنون "هل اخفق جهاز المخابرات الوطني" .

3- سنخصص جزءا خاصا للحديث عن العلاقة بين البعث والاسلامويين وسنتطرق مسائل في غاية الاهمية يتوجب الوقوف عندها مليا .

4- الاخوان المسلمون - الموسوعة الحرة .

5 سيد قطب – الموسوعة الحرة .

6- السلفية الجهادية – الموسوعة الحرة .

7- ايمن الظواهري – الموسوعة الحرة .

8- راجع الموقع الرسمي للقيادة العليا للجهاد والتحرير - دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي .

9- حديث سيدنا عمر الفاروق رضى الله عنه وارضاه في العراق واهله .

10- مصممه الألماني: ملجأ صدام لا يمكن اختراقه إلا بقنبلة نووية ضخمة

 11- مقطع فديو لتصنيع واطلاق صاروخ الحق من قبل جيش رجال الطريقة النقشبندية .

12- مقطع فديو لتجربة اطلاق لصاروخ الفتح المصنع في ورش القيادة العليا للجهاد والتحرير

13- في الجزء القادم من بحثنا هذا سنتطرق بعون الله الى ما دار في عرب جبور كنموذجا اخترناه لتوضيح معالم الاعلام الجهادي المتبع من قبل القيادة العراقية .

14- إلى أي مدى يمكنك أن تتخيل حجم الديون الأمريكية !!

15- راجع الجزء الخامس – هل أخفقت القيادة في الإعلام وبناء الإنسان العراقي الجديد // الحلقة الاولى - دور الإعلام في بناء الإنسان // الحلقة الثانية - مأزق القيادة في الإعلام وبناء الإنسان .

16- شاهد مقاطع الفديو للرفيق محمد سعيد الصحاف من قناة احد الرفاق على اليوتيوب .

 

- لقاء صحفي للرفيق الصحاف يتحدث عن واحدة من معارك مطار صدام.


 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

الرفيق رأفت علي والمقاتل النســـر

بغداد الجهاد

١ / أيلول / ٢٠١١ 

 

 





السبت١٩ شـوال ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٧ / أيلول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق رأفت علي والمقاتل النســـر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة