شبكة ذي قار
عـاجـل










سألني صديق عربي بعد فترة انقطاع عن رائيي بالثورات العربية التي تشهدها منطقتنا العربية ، وعندما سمع إجابة لم يستسغها ، أجابني ممتعظاً ً:الم نكن نحلم يوماً ما بسقوط الدكتاتوريات والأصنام والديناصورات كما اسماهم والتي كانت تجثم على صدورنا منذ أربعين قرناً ، وهذا رب العزة استجاب لدعواتنا وحقق لنا ما نريد.


وعندما قلت له أني لست مع هذه الثورات لأنها خرجت عن مسارها فصل خط الانترنيت وهو يجيبني أن التدخلات الأجنبية كانت مطلوبة لإسقاط الدكتاتوريات والأصنام ، وعندما أخبرته ألم ترى ماذا فعلت التدخلات الخارجية بالعراق خرج صديقي من الخط ولم نكمل حوارنا ، تركني مستغربة اضرب الأخماس بالأسداس،مندهشة ما آلت إليه أوضاعنا وطريقة تفكيرينا.
هل ينبغي أن تسقط قوافل من الشهداء لتغيير نظامٍ غير مرغوب فيه من قبل فئة (الله يعلم من يقف وراءها)؟.


نحن شعب العراق شعب صناعّ الثورات والثوارّ ولا ننخدع بثورة ما تقام في أي مكان ونقرأ نوايا الثوارّ مسبقاً .
هناك أسباب كثيرة تجعلنا نحن العراقيين أن ننظر إلى هذه الثورات بمنظار آخر رغم إننا أكثر شعوب الأرض تضرراً من مواقف هذه الأنظمة التي آذت العراق بلداً وشعباً. ويبنغي لنا أن نفرح بسقوطها ونبارك للثوارّ ثورتهم المجيدة .


ويفترض أن نكون اسعد أهل الأرض بسقوط هذه الأنظمة التي ساهمت بشكل معلن وغير معلن في احتلال العراق وتركته يذود وحيداً عن أرضه وشعبه وثورته وكانوا خنجراً مسموماً في خاصرة العراق ، لم يؤازره أحد لا في حربه مع قوة محتلة ولا في محنة الحصار التي آذات شعبه ، اضروا العراق بصمتهم وصراخهم.
لهذا فإننا لن نبكي لسقوط حاكمٍ ما ولن نأسف عليه ..


لكننا صناع ّ الثورات ، قراء جيدين في مبادئ الثورات وأخلاقياتها وشروطها .. ولا يمكننا أن نساند ثورة ما ونباركها وقد سمحت لقوة أجنبية بمؤزراتها وكانت ناطقة باسمها كما حدث في ليبيا وتحدث في سورية ، وحدثت في البحرين .


هل نغض النظر عن التدخل الأجنبي وحلف الناتو في ليبيا ونصفق للثوارّ تراكضهم واستعانتهم بالمدافع والصواريخ التي تقصف إحياء ليبيا ، ُيقتل الآلاف بحجة إسقاط رجل واحد وهو القذافي؟.


هل نغض النظر ونقول أن التظاهرات في البحرين ثورة من اجل الإصلاح واسترداد حقوق فئة مظلومة وأن إيران لم تدفع مالاً ولم تحرضّ وليس لها أي يد أو رجل في هذه الثورة؟ .
وهل نغض النظر عن التدخل الإيراني في اليمن ، أو التدخل التركي أو الأمريكي السافر في شؤون سورية وننسى إقامة المؤامرات على ارض تركيا تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار وقتل الآلاف في سورية بسبب رجل واحد هو بشار الأسد.


ولكن ينبغي علينا ايضاً ونحن نعيش (ربيع الثورات العربية) كما يحلو لبعضنا أن يسميها ، أن نقف ولو للحظات واحدة ونتذكر باعتزاز وإجلال أنبل الثورات في الوطن العربي – تلك الثورات التي غيرت مسار امتنا العربية وخلصتها من نير الاستعمار وجوره وظلمه واستهانته واستخفافه بنا وكانت بحق ثورات الشعوب لإزالة الطغاة .


ينبغي علينا أن نتذكر ثورة السابع عشر من تموز المجيدة سنة 1968 ونتذكر ثوارها وقادتها وقيمها ومبادئها وكيف تمكنت أن تكون من أعظم الثورات وكيف إنها تستحق إن تتخذ نموذج يحتذى بها وطريقاً تسلكه كل من يريد أن يثور على طغاة بلده .


هذه الثورة كانت ثورة عراقية خالصة ، ثورة شعب ضد حكم دكتاتور وطاغية .
مانريد أن نقوله ، إننا أيضا عشنا هذه الحالة ، ومررنا بهذه التجربة .. نحن العراقيين أيضا كنا نملك حاكماً يعده بعضنا دكتاتوراً وطاغياً وكان ملاكاً في أعين البعض الآخر ..ليس هناك شعب يتوحد عند حاكم ورئيس دولة ، لابد أن تختلف فيه فئتان.. وكانت عندنا أيضا فئة لديها رغبة جارفة أن تتخلص من هذا النظام وتأتي بغيره .. وفعلاً تحركت تلك الفئة وناضلت سنوات وسنوات ، اعتقل الشباب الراغب بالتغيير والثورة ، وحكم عليهم بالإعدام شنقاً ، وهرب بعضهم خارج الحدود بعد أن ضاقت بهم السبل ، تشتت شملهم وتجمع شملهم ، عذبوا وأهينوا وضاقت عوائلهم مرارة الجوع والفاقة ، لكنهم في نهاية المطاف حققوا ما أرادوا واسقطوا النظام وانتصروا واستلموا السلطة ، وأول شي اقدمو عليه إنهم أزالوا كل وجود للأجنبي في البلاد فأمموا النفط وأصبح ملكاً للشعب ، وطردوا الشركات الأجنبية التي كانت تتحكم برقاب وقوت الشعب ، وطوروا الجامعات وقضوا على ألامية وبنوا المستشفيات والمراكز الصحية .


كل ماتحقق في العراق من الانجازات –تحققت في ظل هذه الثورة المباركة ، هذه الثورة التي لم تسمح لأي أجنبي بزج انفه في شؤون الثورة وثوارها وكانوا يعانون والشعب كان يعاني مرارة الفاقة والجوع والتخلف وكانت أنظمة قمعية ايضاً ومع ذلك عملوا بأصلهم وبأخلاقهم ولم يستعينوا بأية جهة أو قوة لتحقيق هدف إسقاط النظام.
لم يقدموا الشعب كله كبش فداء من اجل إسقاط شخص واحد وهو رئيس الجمهورية الذي تسقط كل حكومته بسقوطه.


وفرح العراقيون بالثورة والثوارّ ، وكانوا موضع حب واحترام من قبل كل فئات الشعب إلا من كان إيرانية الهوى ، أمريكية الصناعة ، وقامت الثورة ولم تسل قطرة دماء واحدة ..
ولأن الثورة العراقية البيضاء (ثورة تموز العظيمة) لم تمد يدها ولم تفتح الباب لأي تدخل أجنبي حصل لها ماحصل ، حيكّ ضدها المؤامرات والدئساس وخطط لإجهاضها ، تارة زجها في الحروب وتارة استفزازها اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وتارة تدبير مؤامرات لاغتيال عناصرها.


وكلنا يذكر ماذا حلّت بهذه الثورة التي تعد من أعظم الثورات النقيةّ البيضاء في العالم بما قدمته من مكاسب علمية وثقافية وفنية ونهضة عمرانية حتى وصل العراق في عهدها إلى مصاف الدول المتقدمة رغم تكبيلها بقيود الحصار والحروب انتهاءاً بالاحتلال والغزو الهمجي البربري الذي انتقم شر انتقام أولا من ثوار الثورة وقادتها ورجالها الشجعان ثم الإجهاض على تلك الانجازات العظيمة من البنية التحتية انتهاءاً بالانجازات الفنية والثقافية وقبلها تدمير الإنسان نفسه الذي كان هدفاً من أهداف الثورة.


لقد أقدم الغزاة وعملائها على تلك العملية الإجرامية- عملية اغتيال الرئيس صدام حسين – قائد هذه الثورة – لرفضه التدخل الأجنبي في شؤون الثورة أولا وشؤون البلد ثانياً ، وسعيه لجعل العراق بلداً مستقلاً وشعبه شعباً حراً ، الإنسان فيه معزز مكرم لا يهينه أجنبي ولا يذله ولا يستعبده.


ولهذا استهدفت هذه الثورة واستهدف ثوارهاّ ولولا عمليات الاستهداف التي طاولتها منذ قيامها لكان العراق اليوم ليس بلداً محتلاً ولا يمضي الثوارّ حياتهم في السجون والمعتقلات ، ولكان العراق اليوم في مصاف البلدان المتقدمة يعيش أبنائه في رفاهية ونعيم ينعمون بخيرات الوطن ويستظلون بفيء الثورة.


لكن كيف ترضى إيران – الجار السيئ للعراق- أن ينهض العراق ويتطور ويكون له ثورة وثوارّ واستقلال وثروة وكرامة. وكيف ترضى إسرائيل بثورة تطالب وتنادي وتسعى -ليل نهار- لتحرير فلسطين ، وتحظّ على المقاومة والانتفاضة . وهل ترضى أمريكا العملاقة بثورة لا تسمح أن تزج انفها في شؤونها وتتحكم في ثرواتها وقراراتها.


لقد عشنا ربيع الثورات العربية في بلدنا العراق وتعطرنا بنسائمها وشممنا أريجها ..عشنا ربيعا نقياً صافياً مثل ماء دجلة والفرات فلن تخدعنا الربيع المزيف في ليبيا أو سورية أو البحرين.
وإذا كنا نمنح لأنفسنا في العراق حق إسقاط طغاة بلدنا بثورة شعبية خالصة ، فإننا نتمنى لهم ما نتمنى لأنفسنا ، ونتمنى لهم أن يلتزموا بأخلاقيات ومبادئ الثورات (المحترمة) التي تحظى بقبول واحترام كل الأحرار في العالم لا أن يخجل البعض منا في مؤزراتها أو إعلان الرفض لها.


وللأسف ، كنا نأمل لهؤلاء الثوارّ أن يقرءوا في تجارب الآخرين ويستنبطوا الحكم منها ويأخذوا منها العبرة .
الم يكن المعارضون العراقيون ثواراً يوما ما ، الم يستعينوا بأمريكا و28 دولة أخرى ليسقطوا شخص واحد وهو الرئيس صدام حسين ، وقدموا الملايين من الشعب كبش فداء وضريبة الديمقراطية التي اسماها احد الساقطين في تلك المعارضة _سيئة الصيت والسمعة.


إلا يدفع العراقيون اليوم ثمن استهتار وسقوط هؤلاء الذين اسموا أنفسهم مناضلين وثواراً ، فجاؤا بإيران وبأمريكا وانتهكوا سيادة العراق ونهبوا ثروته وملؤا العراق إرهابا وفسادا وقتلاً.


نعم لن ننخدع بأية ثورة ، ونستطيع أن نميز بين ثورة وتمرد ومؤامرة . ولن نساند احد بإسقاط نظامٍ ما بتدخل أجنبي وبتأمر ومخططات تصنع في دوائر المخابرات الصهيونية والأمريكية والإيرانية .


لقد ادخل ثوارّ العراق الجدد- أمريكا إلى العراق بحجة إسقاط النظام ولن تخرج منها ابد الدهر لولا المقاومة الوطنية العراقية التي كبدتها الخسائر الفادحة في الأرواح والمعدات ، ولن تنسحب إلا بمواصلة واستمرار هذه المقاومة ، وسيبقى العراق في فوضى أبدية ، غير مستقرة امنياً ولا سياسياً أن لم تتواصل هذه المقاومة .

 



كلشان البياتي
كاتبة وصحفية عراقية
Golshanalbayaty2005@yahoo.com

 

 





السبت٢٧ رمضـان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٧ / أب / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كلشان البياتي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة