شبكة ذي قار
عـاجـل










سنسوق في هذه المقالة القصيرة جملة من الإفتراضات ونقرنها مع جملة من الحقائق، وسنكتشف بعدها كم كان الرئيس المصري السابق حسني مبارك سيء الحظ، ليس فقط في سقوطه المريع والسريع، وليس فقط في إصرار الملايين المصرية على إجتثاثه وكل أركان حكمه، بل وحتى في محاكمته التي تنقل على الهواء مباشرة وأمام انظار الملايين من البشر، وهو ما سنتكلم عنه.


مشكلة مبارك أن الناس ومهما حاولت أن تتجنب ذلك ستقارن بينه وبين حالة سبقت حالته، مهما كانت تلك الحالة مختلفة في حيثياتها وأسبابها ونتائجها. مشكلة حسني أن الجماهير ستحاكمه على مقاييس صعبة ليس بمقدور شخصية مثل شخصية مبارك أن تجاريها، أو أن حتى تقترب منها. سوء حظ مبارك جرّه إلى المقارنة الصعبة بينه وبين جبل أشّم وقف في محكمة أعدّت لمحاكمته لكنه ورغماً عن سجّانيه أعتلى منصة الحكم ووضعهم وأسيادهم وكل من والاهم في قفص الإتهام. وجد حسني مبارك نفسه أمام حالة "المتهم" الذي بدل أن يدفع بالبراءة من "التهم" الموجهة إليه كان يدافع عن منجزاته ومنجزات رفاقه وحزبه بكل إباء وفخر وعنفوان وكبرياء.


ليس سهلاً على رئيس سابق أن يقف أمام محكمة الشعب له وهي تساله عن جرائم وإنتهاكات وسرقات وعمولات مشبوهة وحالات فساد، كما ستسأله ومعها كل جماهير العرب عن بيع مصر وبيع القضية، وستسأله عن إضعاف الأمة وستساله عن تأمره على العراق وغير العراق من أشقائه العرب. وستحاسبه الجماهير عن كذبه وخداعه وخيانته للأمانة مقابل ملايين الدولارات الحرام الملطخة بمعاناة الفقراء وستلاحقه دعوات المظلومين والمكلومين والضعفاء. ليس هذا سهلاً على رئيس تمتع بكل أمتيازات الرئاسة لفترة أقتربت من الثلاثة عقود أو زادت عليها أن يجد نفسه ملاحقاً باللعنات والأسلاك واقفاص الإتهام.


ليس سهلاً عليه أن يرى نظرات الشماتة والفرح في عيون المصريين الشرفاء الذين عانوا تحت حكمه ليس من الجوع والتشريد والظلم فقط وإنما من العار من المواقف المشينة تجاه القضايا القومية لحكومة كان يفترض أن تمثلهم وتمثل تاريح مصر القومي الرائد والمشرف الذي كان في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي يمثل محور النضال العربي ضد الاستعمار والتبعية. وكيف سيجيب مبارك على التساؤل عن كيفية تحويل مصر من مركزها المحوري هذا الى بلد تابع ينفذ الأجندة الأمريكية والصهيونية في المنطقة تحت غطاء من القطرية البغيضة والتبعية المهينة.


كل هذا وغيره ليس سهلاً، ولكن مبارك ولسوء حظه سيجد نفسه في موقف أصعب وهو أمام مقارنة ليست عادلة بحالة بقيت وستبقى في سجل الخالدين. وكيف سيتذكره الشعب المصري والعربي والعالم وهو على نقالة يستدر عطف القضاة والمحامين ويتستر بأبناءه الذين لاتقل تهمهم خطورة عن تهم والدهم الرئيس المخلوع. بينما سيتذكر العالم تلك النخلة السامقة وذلك السد الهصور الذي وقف أمام جلاديه يهزهم هزاً ويستهزأ بهم وباسيادهم. لن ينسى العالم تلك العبارات الخالدة التي اطلقها ذلك السيف العربي الممشوق "لا تأسفن على غدر الزمان فطالما رقصت على جثث الأسود كلاب". وهل سيستطيع حسني أن يأتي بثل ما أتى به؟ وهل سيتحدى حسني قضاة محكمته كما تحدى ذلك الشجاع الذي استند الى الحق وتمنطق بالايمان والمباديء كل من كان في صف أعدائه داخل وخارج المحكمة؟


ليس كل هذا ممكناً ولا سهلاً لسبب بسيط أن حسني مبارك هو صنيعة دول أجنبية استخدمته وتخلت عنه بعد أن انتهى مفعوله، وأن صدّام حسين نسخة عربية اصيلة لن تتكرر في المستقبل القريب.

 

 





الاحد٠٧ رمضـان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٧ / أب / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أمير البياتي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة