شبكة ذي قار
عـاجـل










لم تكن الدولة القطريّة يوما عامل أستقرار للامة العربية. فقد قادت الوضع العربي الى صراعات مسلحة، وحروب أستنزاف طويلة الأمد، كان فيها المواطن العربي الطرف الوحيد الخاسر، بينما كان الحاكم هو المالك للأرض والآجواء والمياه. كانت حدود الدولة القطريّة هي حدود لباسه وكرسيه وعرشه، لانه يعلم بأنها قد فصّلت لأجله، وأن توحدها مع الاقطار المجاورة أنما يعني ذهاب سلطانه، لأن الضامنين الدوليين جعلوه حارس حدود مصالحهم وليس حارساً في أرضه. لذلك كان قتال الاشقاء يجري دائما بجيوش أجنبية، لان الحدود ليست حدود الامة. أما المواطن العربي فكان يدفع فاتورة التقسيم يوميا. كان يدفعها من لقمة عيشه هو وأطفاله، لأن السفر والعمل ممنوعان عليه في القطر المجاور. وأذا سمح له بالعمل فيها فعليه أن يعمل جاسوسا على بلده وعلى العاملين من جنسيته لصالح جهاز المخابرات في القطر الذي يعمل فيه، في نفس الوقت الذي تلاحقه فيه سفارة بلده وتضغط عليه لتزويدها بالمعلومات عن هذا البلد. وعندما تسوء العلاقات بين البلدين يجد المواطنون العرب أنفسهم على قارعة الطريق في الحدود التي تفصل الدولتين، بعد أن القت كل دولة رعايا الدولة الاخرى خارج حدودها أو في غياهب السجون.


أنها أشكالية طويلة العُمر حدثت في الوطن العربي منذ أتفاقية سايكس بيكو، قادت الى كل هذا الوضع المزري الذي نراه اليوم، لأن تلك الاتفاقية صنعت دولا فاشلة وليست ذات وجود مثالي على أرض الواقع. وبالتالي لايمكنها تقديم أية وظيفة أجتماعية أوسياسية للشعب. بل أنها لكي تصنع من نفسها دولا حقيقية على أرض الواقع ذهبت الى تقديس كيانها الهش والزائف والذي خالف الواقع والمنطق من خلال رفع درجة الحساسية السياسية فيما بينها، حتى أصبح أي تجاوز على شبر من الأرض أو الآجواء أو دخول أي زورق صيد صغير الى مياهها الاقليمية، أنما هو بمنزلة أعلان حرب تستوجب التعبئة العامة، وتقديم الشكوى الى الامم المتحدة وكل المنظمات الدولية والاقليمية، بينما تشخص في أراضيها أضخم القواعد العسكرية الاجنبية، وترتع وتلعب في مياهها الاقليمية الأساطيل الغربية والشرقية، وتخرق أجواءها عشرات الطائرات من دول ليست عربية، ويتقلد الاجانب في مؤسساتها أرفع الوظائف والمناصب، وتفتح السجون على أراضيها خصيصا لتقديم خدمات التعذيب والتحقيق للمخابرات الاجنبية في أطار التعاون لمكافحة (الارهاب). وكل هذا الذي يجري أنما هو لتحقيق مايسمى بالأمر الواقع للدولة القُطريّة على الارض العربية، ولجعلها كيانات مقدسة حقيقية في الذاكرة المجتمعية العربية، لذلك لم يعد من الصعوبة بمكان بعد اليوم على أي مواطن عربي فهم لماذا لم تصل الحالة بين أي قطر عربي وأجنبي الى حالة أعلان الحرب، على الرغم من وجود أراض عربية تحت الاحتلال الاجنبي، كما هي جزر الامارات العربية المحتلة من قبل أيران، وبعض الاراضي المغربية المحتلة من قبل أسبانيا، والجولان المحتل من قبل أسرائيل، وبعض الاراضي والمياه العراقية المحتلة من قبل أيران وغيرها. ولماذا تجري الهرولة العربية السريعة للخلاص من القضية الفلسطينية وطمر جميع معالمها، والتثقيف على أننا لن نخوض حروب تحرير بعد الآن من أجلها، بينما تُجيّش الجيوش ويُستعان بالأجنبي في الخلافات التي تحصل بين الاقطار العربية، مهما كانت بسيطة أو هامشية. أنه الحرص التام على أستمرار حالة التشظي العربي، وخلق (وعي) عربي جديد مشوه قائم على أساس أننا لسنا أمة واحدة، من خلال صناعة تاريخ جديد بين الاقطار العربية ترقد بين صفحاته الثارات والاحقاد المتولدة من حالات الحروب البينية بيننا. لقد هبت العاصفة من جديد على الشواطيء العربية بين العراق والكويت، حتى باتت حرب البسوس ماثلة أمامنا في توصيف الحالة بين القُطرين، التي لايمكن بأي حال من الاحوال نزع الغطاء الاجنبي عنها. فالتصريحات الصادرة عن الطرفين تؤكد على أن الأجندات الدولية والاقليمية حاضرة وبقوة في أثارة المشكلة مرة أخرى، وأن حكومتي البلدين لا تتحركان بأرادة وطنية خالصة. فالحكومة العراقية هي حكومة دمى نصبها الاحتلالان الامريكي والايراني، وأن كافة التصريحات التي صدرت عنها وعن الناطقين الرسميين وغير الرسميين لشركاء العملية السياسية، كانت تشير وبوضوح تام الى أنهم ناطقيين رسميين لإيران، وأن كل ما صرحوا به كان وصفا واضحا لحالة العداء التي تكنها بعض الجهات الايرانية لما يسمونه الموقف الكويتي من الحرب العراقية الايرانية.


وكان أبرز تلك المواقف هو بيان حزب الله العراقي الذي أستذكر الدعم الكويتي للعراق في تلك الحرب، وجاهزيته للرد على أية شركة ستبادر للعمل في أنشاء الميناء الكويتي ، بينما لم نسمع من الحزب المذكور أي موقف له من القصف الايراني للآراضي العراقية، وقطع الانهار والروافد وأستمرار أحتجاز الطائرات الحربية العراقية، وغيرها من الملفات الكثيرة.


كما لم نسمع من وزير النقل العراقي هادي العامري نفس قوة التصريح الذي جابه به مشكلة أنشاء الميناء الكويتي، في عشرات المشاكل التي تجابه العراق من قبل أيران. وأذا ما أستذكرنا الفشل الايراني في محاولة أستغلال الاحتجاجات التي جرت في البحرين مؤخرا لأهداف أيرانية خاصة، والموقف الخليجي الموحد منها رغم موقف الكويت الضعيف في التضامن الخليجي مع البحرين سوف يتأكد لنا بأن العامل الايراني كان موجودا وبقوة في الدفع باثارة موضوع الميناء، بغية فتح ثغرة أخرى في التعاضد الخليجي، من خلال تازيم الموقف في الحالة العراقية الكويتية.


أما الموقف في الكويت فهو الآخر كان يماثل الحالة في العراق تماما. فعلى الرغم من وجود مصدر قرار سياسي واحد، وموقف موحد تماما خصوصا في الموضوع العراقي، الا أنه لم ولن يكون نابعا من مصلحة وطنية أطلاقا، ولا من مصلحة عربية أيضا. لان هذا الموقف ليس محكوما بما تريده العائلة الحاكمة والمؤسسات الكويتية السلطوية الأخرى، بل بما تريده أستحقاقات هذا الوجود اللذي أسمه الكويت.


فمعاهدة سايكس بيكو لم تكن تقسيماتها للوطن العربي قائمة على الصدفة مطلقا، بل كان التقسيم يستند على مقاسات جادة لتأمين المصالح الدولية ، وأن أية نظرة فاحصة لخارطة الوطن العربي تبين وبوضوح تام ذلك. والكويت هي أحدى الدول التي تم أيجادها كي تكون مصدر أضطراب تام للعراق، والحكمة واضحة جدا في ضيق المنفذ البحري العراقي بما يناظره من أتساع للمنفذ البحري الكويتي. كذلك المماطلة الكويتية في تحديد الحدود مع العراق منذ ماقبل العام 1990، بينما جرى الترسيم الحدودي بين العراق والاردن وبينه وبين السعودية بسلاسة تامة، حتى أن السلطات العراقية أنذاك تركت الخيار للقطرين المذكورين بأخذ ما يريدونه من أراض كانت شبه مختلف عليها أنطلاقا من النظرة القومية. وقد كان ترسيم الحدود بين العراق الكويت الذي جرى بقرارات دولية جائرة بعد العام 1991 وضم أراض جديدة الى الكويت ومياه كانت أقليمية للعراق اليها وقبول الكويت في كل ذلك، دليلا ضمنيا على أنها كانت تتحين الفرصة لترسيم الحدود بالقوة مع العراق، لذلك ماطلت في الترسيم قبل ذلك.


أن أطلاق العنان للصحافة ولبلطجية الكتاب كي يمارسوا السباب وكيل الشتائم لشعب العراق لن تصب في مصلحة الامة مطلقا، وعلى المسؤولين الكويتين ان يتذكروا جيدا أن الحاكمين الجدد في العراق كان الكثير منهم من أزلامهم، وهم من أغدق عليهم الاموال الطائلة كي يصنعوا منهم قادة العراق الجديد قبل العام 2003 وبعده أيضا، وهم من تبجح بانهم شاركوا في (التحرير) وفتح الاجواء والحدود والمياه الاقليمية في وجه القوات الغازية. فعلام كل هذه الشتائم (لقادة التحرير)؟ أما من يدعي اليوم بأن كل محافظة البصرة كانت كويتية حسب الخرائط السابقة التي بحوزتهم، وأن ميناء أم قصر ومياه أخرى هي كويتية أيضا، فأن الشعب العراقي العروبي حتى العظم والقومي حتى النخاع، والذي قبل أن يكون أول ملك على عرشه يوم الاستقلال ملك عربي وليس عراقيا، هذا الشعب لن تستفزه هذه المقولات وسيبقى عروبيا على الرغم من كل الجراح، ويقبل أن يكون العراق كله كويتيا أو أردنيا أو سوريا أو سعوديا، أذا كان في ذلك تحقيق لمصالح الامة العربية، ونصرة لقضاياها المصيرية، وعندما تكون هنالك قيادة سياسية قومية الاهداف والتوجهات، تعمل باجندة عربية خالصة لاشرقية ولاغربية.

 

 





الثلاثاء٠٢ رمضـان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٢ / أب / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة