شبكة ذي قار
عـاجـل










محاولات الغزل السياسي بين "الأخوان" في مصر ودولة العم سام بدأت أولا بالنظرات الخجولة حسب القول المشهور"مشتهية ومستحية" ثم أعقبتها الاشارات فالابتسامات العريضة على المكشوف. وكلّنا يتذكّر زيارة الوزيرة الأمريكية هيلاري كلينتون الى ميدان التحرير بُعيد سقوط نظام الفرعون حسني مبارك عميلهم الأول والأوفى في المنطقة. ومعلوم إن السيدة كلينتون لم تكن أبدا خريجة مدرسة ثورية, ولا يُعرف أن أمريكا, وعبر تاريخها الدموي المنافي لحقوق الشعوب, ساهمت في ثورة ما أو إنتفاضة ضد نظام إستبدادي قمعي وفاسد, كالنظام المصري السابق.


بل على العكس تماما. إستنطاعت أمريكا, وفي أكثر من مناسبة ومكان, خنق ثورات في المهد وقمع إنتفاضات شعبية مستخدمة كلّ ما أتيح لها من وسائل غير شرعية وغير أخلاقية ضاربة بعرض الحائط كل القيم والأعراف والقوانين المعمول بها بين الأمم والدول. فأمريكا, لمن ما زال مغرما بها وهائم بسياستها, تتعامل مع الآخرين باعتبارهم, لا أقول عملاء وإن حصل ذلك في أكثر من بلد, بل موظّفين ووكلاء لمصالحها التي لا حدود ولا نهاية لها. ولا أجافي الحقيقة إذا قلت أن الكثير من الساسة الأمريكان, بحكم ثقافة وتربية تقاليد خاطئة بل عنصرية, مقتنعون بان العالم بدوله وشعوبه, يعيش من أجلهم. بل ومدين لهم بشيء ما.


وبصدد غزل "الأخوان" مع الأمريكان فقدأعرب الناطق الرسمي باسم الجماعة محمود غزلان "عن إستعداد الاخوان للحوار مع الادارة الأمريكية إذا قررت ذلك في إطار من الاحترام المتبادل". مشدّدا في الوقت نفسه على "أن تكون الادارة الأمريكية قد راجعت سياستها السابقة وقررت الانحياز الى حقوق الشعوب ومطالبهم والتخلّي عن عن تأييد الأنظمة الفاسدة المستبدّة ودعم الاحتلال الصهيوني والكيل بمكيالين". والواضح أن هذا الاخواني, مع كل الاحترام طبعا, يُطالب أمريكا أكثر من طاقتها! فهو كمن يُطالب ذئبا شرسا, كدولة العم سام, بأن يتحوّل الى حمل وديع من أجل عيون "الجماعة" في مصر.


ثم متى وفي أية حقبة تعاملت أمريكا مع الآخرين في "إطار الاحترام المتبادل" وهي الدولة التي تعتبر نفسها, ومعها الكيان الصهيوني الغاصب, فوق القوانين والأعراف الدولية, و}راس كل بلاء وخراب ودمار ليس فقط في العالمين العربي والاسلامي, وإنما في العالم أجمع. بل أنها لا تتصرّف وفق مبدأ "الاحترام المتبادل"حتى مع أهم حلفائها وأصدقائها في أوروبا والتي ترتبط معهم بعلاقات سياسية وإقتصادية وتجارية عميقة جدا وإستراتيجية. والويل لمن يخالفها رأيا أو يسمعها كلاما لا يليق بها.


أما إالتخلّي عن إنحبازها التام للكيان الصهيوني, كما يُطالب أو يتمنى"الاخوان المسلمون" في مصر فهو عاشر المستحيلات. فمن الممكن أن يطلب المرء أي شيء من أمريكا باستثناء الحديث ولو همسا أو باستحياء عن الكيان الصهيوني. وإذا أبدت أمريكا بعض الانفتاح, ولو بشيء من التحفّظ, نحو جماعة الاخوان, فهي تهدف عكس ما يتمنونه أو يطلبونه. إنها تسعى جاهدة الى تطويق أية قوة أو حزب أو دولة ترى فيها تهديدا, ولو نظريا أو إفتراضيا, على الكيان الصهيوني. ومستعدّة أن تبذل قصارى جهدها عسكريا وماليا وإعلاميا ودبلوماسيا من أجل أن يبقى هذا الكيان الغاصب متفوقا على الجميع في المنطقة, ويمتلك الحق المطلق بارتكاب أية جريمة أو مجزرة أو إنتهاك طالما أن ضحاياه همُ العرب والمسلمون.


وليعلم الاخوان المسلمون في مصر أو أية دولة أخرى إن أمريكا, وثمّة أكثر من برهان ودليل, إذا رفعت شأن جماعة أو حكومة أو حزب أسقطته بنظر شعبه. وجعلته عرضة للشك والريبة والحذر من قبل مواطنيه. ومَن صادق أمريكا اليوم, ولو بحسن نيّة وعلى أساس "الاحترام المتبادل" المزعوم, يمكن أن تصنع منه أمريكا عدوا لدودا غدا. ناهيك عن كون معظم قادتها ومؤسساتها الفكرية والسياسية موبوءة بفيروسات عدوانية ضد الاسلام والمسلمين عموما.


ومهما عرض الاخوان المسلمون من بضاعة, قد تبدو جديدة وطازجة في نظر البعض, فان أسواق أمريكا سوف تنظر لها بعين الشك والريبة. وقد يكون ثمنها في تلك الأسواق أبخس مما يتصوّر أو يتوقّع "الأخوان" أنفسهم. ثم باي حق يمارس الاخوان المسلمون غزلهم التدريجي مع ماما أمريكا والثورة المصرية الفتية ما زالت تواجه آلاف الاخطار, معظمها صُنع في الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني الغاصب.


أما كان حريّ بالاخوان المسلمين أن يقوّا الجبهة المصرية الداخلية ويزيلوا جميع العقبات والعثرات من أمام مسيرة الثورة التي توشك أن تتحوّل الى فوضى وفلتان أمني وجمود وشلل إقتصادي وسياسي بدل إشغال أنفسهم, نفيا أو تأكيدا أو رفضا, ومعهم قطاع كبير من المصريين والعرب, بكمائن الكلام وفِخاخ التصريحات التي ينصبها لهم ساسة أمريكا البارعون في إصطياد الفريسة وإن أرتدت ثوب الاسلام أو عمامته.

 


mkhalaf@alice.it

 

 





الاثنين٠٣ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٤ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة